|
الانكفاء من غزة: والفرح المؤجل
نشر بتاريخ: 31/07/2005 ( آخر تحديث: 31/07/2005 الساعة: 11:13 )
بقلم سليم يونس الزريعي
ما من مفردة يجري تداولها، وتستحوذ على الاهتمام أكثر من غيرها هذه الأيام في الحياة الفلسطينية بمجملها الرسمية منها أو الحزبية أو الشعبية داخل الوطن وفي الشتات، أكثر من مفردة "الانسحاب" على ضوء ما يجري الحديث عنه من انكفاء لقوات الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه من القطاع منتصف آب القادم، وسواء كان الانكفاء طوعا كما تحاول أن توحي بذلك المؤسسة السياسية والعسكرية الصهيونية، أو كان كرها تحت ضغط حالة المقاومة الفلسطينية كما هو الواقع، مهما حاول البعض أن يتقوّل حول ذلك، ارتباطا بميزان القوى وميله المادي الكاسح لصالح الكيان الصهيوني. مصادر القوة فلسطينية: ذلك أن الإرادة والعزم وقوة الحق واليقين والاستعداد للتضحية والصمود، هي ليست مما يمكن قياسه ماديا عند البعض لذلك فهو يسقطها من حساب معادلة القوة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، وهي مصادر للقوة غالبا ما يتركها البعض خارج مفردات ميزان القوة عند حساب القوى بشكل مادي مجرد، في حين أنها الأكثر حضورا وتأثيرا في الواقع، ولذلك فإن القراءات تختلف باختلاف موقع القارئ الذي ينظر من خلاله إلى المشهد الكفاحي الفلسطيني. ومن ثم يمكننا القول أن من حق الشعب الفلسطيني أن يقرأ خروج قطعان المستوطنين من القطاع رغم كل الادعاءات التوراتية، على أنه أحد نتاجات مفاعيل ميزان القوى الفلسطيني وهو بشكل أو آخر بداية لدحر المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، ليس في القطاع فحسب بل من كل الوطن الفلسطيني، خاصة تلك القطعان من التوراتيين المسكونة بالأيدولوجيا والهوس الديني الذي غذاه على مدى عدة عقود قوة عسكرية حققت انتصارات حقيقية على عدد من الساحات العربية في مراحل مختلفة، انتهت بفرض الكيان الصهيوني وجوده في الواقع الرسمي العربي عبر اتفاقيات "سلام" مذله فرطت في الحق العربي في فلسطين. إنجاز كفاحي ولكن..: فهو إنجاز بالمعنى الكفاحي والسياسي والأيديولوجي حققه الشعب الفلسطيني وقواه المكافحة على مدى عقود من التضحيات، إلا أن ذلك لا يجب أن يدع النشوة تتسرب إلى النفوس فتحجب بقية المشهد، أن لجهة التأكد من تمام دحر العدو بكل ملحقاته دحرا كاملا من القطاع، أو لجهة أن لا يكون ذلك الانسحاب على حساب ضم الضفة أو أجزاء واسعة منها، ليبقى المحظور الآخر يتمثل في عدم السيطرة الفلسطينية الكاملة على كل مناطق القطاع بمعابره ومائه وسمائه. لأن الخشية وهي هنا خشية مشروعة وموضوعية، تكمن في أن يخرج قطعان المستوطنين وينسحب جيش العدو الصهيوني من القطاع، ويبقى القطاع محاصرا ومقفلا، فيما المفتاح من خلال المعابر في يد جندي صهيوني، لتبدأ بعد ذلك المحاولات من أجل السيطرة على المعابر، ويتسرب الوقت، لتصبح قضية المعابر هي القضية المركزية، والتي من شأنها في ظل غياب الرؤية الواضحة أن تغطي على القضايا الأساسية الأخرى في أماكن أخرى من الوطن الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بجدار الضم الذي يكاد يطبق الخناق على القدس وبقية مناطق الضفة أو في استمرار الاستيطان. هنا لابد من القول أن قضية الوطن كل لا يتجزأ ومن ثم حذار من جعل مسألة الخروج من القطاع، إذا سارت الأمور كما هو مقرر أن تغيب أو تضيّع القضايا الأخرى، خاصة أن العدو الصهيوني له أجندته الخاصة التي يعمل عليها ويعلنها، فيما لا زال البعض منا يدور حول كيف تدير السلطة القطاع؟ وكيف توزع الأرض التي سيندحر منها المستوطنون؟، ويبدأ الحديث عمن هو الأحق بمغانم الانسحاب، فيما شارون يعلن وبشكل فظ "إن الكتل الاستيطانية (اريئيل) ستبقى إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل وبتواصل جغرافي" ويضيف حول ما يجري في الضفة "لكن ما نجحنا في تحقيقه في الضفة ينطوي على أهمية عظمى" هذه أجندة الكيان الصهيوني الذي أُرغم على الخروج من القطاع، غير أنه يحاول من جانب آخر الاستمرار في ضم أجزاء من الضفة، وهو ما يجب ألا يغيب ولا للحظة عن الحالة السياسية الفلسطينية بكل مكوناتها. خرافة شارون: وإذا كان صحيحا ما قد يقوله البعض من إن هذا ليس جديدا وأن الكل يعرف ذلك، عندها يصبح السؤال، ماذا يجب علينا أن نعمل لمواجهة هذه المخاطر؟ والتي تحتاج إلى عمل وجهد يختلف في أساليبه وأدواته عن كل ما كنا نقوم به سابقا، إذ لا يمكن أن يبقى الجميع مكتوفي الأيدي أمام تسرب الضفة والقدس من أيدي الشعب الفلسطيني، فيما البعض ينشد أناشيد النصر في غزة. لأنه من العبث وسوء التقدير والعمل أن لا نأخذ ما قاله شارون لصحيفة "لو فيجارو" الفرنسية من أن "التوراة" أقدس من أي وثيقة سياسية ويهودا والسامرة هما مهد اليهودية"، على محمل الجد باعتباره برنامجه السياسي الذي يتكيء على الأسطورة الدينية المجافية للحقيقة، دون أن يتم وضع أجندة وطنية بعيدا عن الحسابات الفصائلية المقيتة، للدفاع عن كل شبر في الضفة من أجل اقتلاع السرطان الصهيوني بكامله. إن شارون يصنع أكذوبة عندما يختلق ويزور التاريخ وحقائقه، وهو القادم من التاريخ المزيف، كما أتى "يوشع بن نون" قبله طارئا على الزمان والمكان، وأريحا تشهد على ذلك التاريخ المزيف، عندما اقتحم نبي اليهودية آنذاك أرض فلسطين الكنعانية، قبل ألف ومائتي عام من الميلاد قادما من التيه. ضرورات الإجماع: فانكفاء قوات الاحتلال من القطاع نتيجة لصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني إذا ما تم ذلك في موعده يشكل حقيقة موضوعية يجب أن نعتز بها، إلا أنها من جانب آخر، يجب أن تكون مثلا على مكنة دحر الاحتلال، إذا ما أحسن الجميع استخدام إمكانياتهم بأعلى قدر من الكفاءة والتوحد وعلى أرضية برنامج سياسي وكفاحي يحفظ الإجماع من العبث الفئوي، لأن تداعيات خروج قطعان المستوطنين من القطاع يجب أن تكون حاضرة في الذهن، عندما نتحدث عن الكتل الاستيطانية الصهيونية في الضفة الغربية. ذلك أن معركة الضفة ستكون أكثر شراسة بالمعنى السياسي والكفاحي والفكري والاجتماعي، في مواجهة عدو يمتلك من عناصر القوة المادية الكثير، يضاف إليها دعم أمريكي غير محدود مهما كانت نظرة البعض من الفلسطينيين لدور أمريكي متوازن محتمل كذبته تجربة الحياة، ومن ثم فإن أي غياب للوضوح الفكري والسياسي والكفاحي، وضعف الأداء في الجانب الفلسطيني، سيشكل بالضرورة عوامل قوة إضافية للكيان الصهيوني، ولذلك يجب أن يكون واضحا أن إسقاط أي سلاح من أسلحة المواجهة قبل استنفاذ الغرض منه، ارتباطا بلحظة تاريخية معينه يشكل خطأ استراتيجيا فادحا. فالتناغم الأمريكي الصهيوني حول ما سيلي الانكفاء الصهيوني من القطاع يطرح مخاطر جدية على وحدة الحال الفلسطينية، عندما تتحدث وزيرة الخارجية الأمريكية من أن المرحلة الأولى في تطبيق خارطة الطريق سيكون "عبر مطالبة السلطة الفلسطينية بتنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب" هكذا تختلط المعايير والقيم اغتصاب الأرض والتشريد والتقتيل شيء مشروع فيما الدفاع الشرعي عن النفس يسمى إرهابا!!!، وهذا هو الخطر الأكبر على نسيج المجتمع الفلسطيني وعلى قضيته. استكمال البناء السياسي: ولذلك يجب أن يتم وعي تلك المخاطر من جميع أطراف المشهد السياسي الفلسطيني سلطة وقوى سياسية، فما من ترف بعد ذلك للمناكفة والبحث عن المصالح الفئوية الرخيصة والضيقة، ولذلك يجب أن يتم تمكين السلطة التي يجب أن يشارك فيها الجميع من أجل أن يتحملوا مسؤولياتهم، القيام بدورها كسلطة بالمعنى السياسي والقانوني، لكي يتم مطالبتها بعد ذلك بالقيام بكل واجباتها تجاه مجموع الشعب الفلسطيني، في الصراع الذي لا زال قائما ومفتوحا مع الكيان الصهيوني، ومن ثم إيجاد صيغة وطنية تراعي حاجة المواطن في حياة كريمة آمنة ومستقرة، وفي الوقت نفسه تلبي متطلب أن العدو يراوغ عندما يتحدث عن السلام، في الوقت الذي يصادر أي ممكنات من شأنها أن تشكل نافذة نحو ما يسمى بالسلام. ويبقى على السلطة لمواجهة كل ما يمكن أن تلاقيه من تعنت صهيوني مدعوم أمريكيا وفي ظل تهافت النظام الرسمي العربي، أن تسرّع في استكمال البناء السياسي المجتمعي عبر استكمال العملية الديمقراطية وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية كيان الفلسطينيين السياسي الجامع على أسس تكفل تجاوز كل المثالب السابقة عبر عملية إصلاح حقيقية، وبما يؤمن مشاركة الجميع على أرضية برنامج سياسي وطني كفاحي، ذلك أنه من خطل الرأي عدم رؤية أن معركتنا مع الكيان الصهيوني لا زالت طويلة، وأن أي فرح حقيقي رغم أهمية هذا الفرح الصغير، يبقى مؤجلا حتى يتم اقتلاع الوجود الصهيوني من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية كاملة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم على طريق تحرير كامل الوطن الفلسطيني. 29/7/2005 |