وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لاجئات يستذكرن لحظات التهجير من بلادهن

نشر بتاريخ: 16/05/2012 ( آخر تحديث: 16/05/2012 الساعة: 23:25 )
جنين- معا- أعادت الحاجة السبعينية آمنة صبح بناء تفاصيل قريتها الريحانية قضاء حيفا، فيما رسمت بهية صالح لوحة لبلدتها أم الزينات.

واستذكرتا خلال ندوة نظمتها وزارة الإعلام بالتعاون مع جمعية طوباس الخيرية والمركز الاجتماعي النسوي في مخيم الفارعة، لحظات الاقتلاع والتهجير القاسية.

فيما استمعت زهرات ينحدرن من يافا وحيفا وبيار عدس والكفرين وصبارين والجلادية وأم الزينات والريحانية وأم خالد وأم الفحم والرملة وزكريا إلى تفاصيل القرى والمدن السلبية، وعبرن عن الحنين إليها بكلمة واحدة تقطر دلالات.

وقالت آمنة صبح: كانت الريحانية تشتهر بالقمح والشعير والعدس والفول، وكنا نزرع أراضي والدي في السلطانة، والجورة، وخلة القصر، وذراع الحصان، وخلة الفول، ونربي الطيور والأغنام والدواجن.

تتابع: هاجمتنا عصابات اليهود، وكان القمح طول الرجال، وطلعنا على أم الزينات، وهاجمونا مع الفجر، وانتقلنا إلى خيمة في أم الزينات، وسمعنا من الناس عن هجوم اليهود علينا، وكانت الدنيا خطيطة( ضباب)، وانتقلنا إلى إجزم.

تعيد الأيام إلى الوراء: وفي أحدى أيام رمضان، كنا نستعد لتناول الفطور، وقبل أن نضع شيئا في أفواهنا، هاجمتنا طائرات كبيرة، كنا نسميها ( بوسطة)، وضربت علينا قيزان( قنابل)، وظلينا 3 أيام في البلد، وصارت الناس تهرب بين السمسم من الطيران، وعند بير قطينة هرب الناس بين الذرة المزروعة من الموت.

ظل حال الحاجة صبح على مشاهد الرعب التي تسببت بها "العصابات الصهيونية"، ولم تنته الحالة بوصولها وعائلتها والمئات من أبناء بلدتها إلى عارة وعرعرة قرب أم الفحم، وفي أيام الشتوية انتقلت إلى عانين قرب جنين، وفتحت أبواب السماء عليهم بالمطر، وغرقوا، وصاروا يفتشون عن كهف يحتمون فيه من المطر، فيما أخذوا يقطعون الأشجار، ويصنعون الفحم، ويبيعونه ليوفروا الطعام والشراب، بعد ضياع أرضهم.

تضيف: انتقلنا من عانين إلى السيلة الحارثية، ووصلنا بعدها إلى مخيم النويعمة والعوجا، قبل أن نعرف الفارعة، وصارت الوكالة تُلهي الناس بالمؤن والطحين.

فيما لا زالت ذاكرة السبعينية بهية صالح في كامل عافيتها، وهي تستذكر قريتها الخضراء القريبة من حيفا، والتي كانت تشتهر بصبرها وزيتونها وخروبها وحقولها.

تقول: كانت البلد كلها عيون مثل بير الناطف، والهرامس، والشقاق، وعين البويضة، والصفصافة، وكانت عائلتنا كبيرة، ونشتغل ونزرع ونقلع، ونطحن مونة البيت 12 كيل قمح.

من الأراضي التي لا تنساها: البطيحة، والصفصافة، والنتاشة، والحج حسن، والجرماشة، وذراع نجم، ووادي الملح، والصوانة.

فر أبناء عائلتها وأهالي قريتها إلى بير الناطف، واحتموا ببيت المختار أسعد المصطفى، وسقطت عليهم القنابل، فأصيبت جميلة الخليل، وصفية الخليل، وشقيقها يوسف، الذي جرته مسافة قصيرة بعد عجزها عن رفعه، وحمل الشبان والرجال الجرحى على ظهورهم، وفروا.

تتابع: تبرع رجل اسمه القطاوي بكشف طريق البلد، وعاد ليخبرنا بأن الطريق أمان، وركضنا على أم الشوف، وكانت أغراضنا كلها، نحن ودار الفحماوي، وبيت محمود المصلح، على جمل واحد.

حين وصلت الحاجة صبح، وفق روايتها، ومن معها إلى بئر أم الشوف، سمعوا خالد الذيب قرب بئر القرية وهو يصرخ، ويقول لليهود من العذاب والقهر: "تعالوا اذبحونا، إحنا هون"، وتركوا البلد.

تروي بحزن: في عانين لم نجد بيتا، وبحثنا عن كهف قديم، نظفناه، وعشنا فيه مع دار خالتي سليمان السعيد، وانتقلنا إلى مخيم جنزور ( قرب قباطية)، وعشنا فيه حتى عام 1950، حتى نزل الثلج فوق الخيام، وخربها، ونقلنا الجيش الأردني إلى جنين، وصارت الوكالة توزع علينا الفحم والزبيب والخبز، وانتقلنا إلى جامع جنين 3 أيام، ورجعنا إلى جنرور. وبعد فترة مشينا من الصبح إلى العصر حتى وصلنا الفارعة، ولم نجد شيئاً نأكله غير اللوز الأخضر.

عادت الحاجة بهية بعد 52 عاماً إلى أم الزينات، برفقة أولادها وأحفادها، وفتشت عن بيتها، وقطفت الصبر، والعنب، وتحسرت على ضياع البلاد والعباد، ولم تجد غير الأطلال.

وتتفاخر صغيرات المخيم اللواتي تحلقن حول جداتهن، ولم تتجاوز أعمارهن 10 سنوات، بأنهن من بلدان سرقها الاحتلال، ويصفن قراهن الأصلية ومدنهم بكلمة واحدة تفيض دلالات، فتقول شيماء الشافعي: يافا جنة، وتصف شهد الحاج صالح الكفرين بالرائعة، وترى شهد فحماوي أم الفحم كعروس، وتنعت شذى عبد القادر صبارين بالجوهرة، وتنتقي سجى العايدي ليافا القلادة، وتشبه آية عليمي قرية زكريا بالذهب، وتصف ياسمين زهران أم خالد بالسماء، وترى هبه سرحان حيفا بحراً، وتقول سمر الشافعي بيار عدس لؤلؤة، وتنظر ولاء أمير إلى حيفا كبرتقالة، وتصف عهود جعايصة الكفرين بفراشة، وتقول دينا صبح إن أم الزينات قلادة عروس، وتختزل ليان حطاب صبارين بالعنب، وتقول مها سوالمة إن يافا كالروح.

وقال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف إن جرح النكبة يحتاج إلى توثيق عبر جمع الشهادات الشفوية التاريخية، من نساء ورجال عاشوا مرارة الابتلاع، قبل أن يختطفهم الموت، ونقلها إلى الجيل الثاني والثالث.

وأضاف إن التاريخ الشفوي أداة فعالة وموضوعية، لمواجهة التهويد والاقتلاع، وأنه بحاجة إلى توثيق مرئي ومسموع وإلكتروني، وترجمته وتقديمه بلغات مختلفة إلى العالم.

وذكر خلف أن وزارة الإعلام، ستشرع في الفترة القريبة في جمع أكبر عدد من الشهادات التاريخية المحكية، من الآباء والأجداد، ونشرها بشتى الوسائل. مثلما تحرص كل عام على توثيق شهادات مماثلة.

وأكدت مديرة جمعية طوباس الخيرية مها دراغمة أن الحالة الفلسطينية تستوجب الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة حول مظاهر الحياة قبل النكبة، وتعريف الأجيال الشابة بها.