|
يومٌ في سجني
نشر بتاريخ: 01/07/2012 ( آخر تحديث: 01/07/2012 الساعة: 12:14 )
بقلم الأسير المحرر محمد محمود ابوعرب....
ثارت أصواتهم كالعادة وانفجرت حناجرهم(أصراخ أم نباح )أم ماذا لا أدري لكن هذا هو صباح السجن (عدد عدد) وما أدراكم ما العدد ؟؟؟، الساعة الآن السادسة صباحا ها قد بدأ اليوم الطويل يوم (البوسطة )أي يوم هو وأي وجع وأي تعب فمن أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ومن سجن الى آخر أكثر من عشر ساعات في الطريق معاناة لا قبلها ولا بعدها و كأن الدنيا ضاقت عليك بما رحبت ، أفٍ لهم ما أسوأ طباعهم وما أشد أصفادهم إنهم زبانية العذاب بالحياة الدنيا أفراد فرقة (نحشون ) كأنهم حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة ، أما شكل البوسطة فظاهرها فيه الرحمة وباطنها العذاب الأليم قسمت أحشائها وقطعت حواشيها بحقد المعادن الصلبة وظلم الآدمي الحاقد , مقاعدها حديد وجدرانها حديد وكل شيء فيها حديدٌ في حديد وما أن تبدأ رحلة العذاب في طريق الآلآم حتى يبدأ نوع خاصٌ وفريدٌ من الدوار, وغثيانٌ لم تشعر به من قبل ولا من بعد ولن تعي أبداً ما أقول لأنه يصدقُ القولُ هنا لا يؤلمُ إلا من به الألمُ وسكان هذه الرحلة حالهم بين الحياة والموت لاهم عاشوا فاستراحوا ولا هم ماتوا فسلموا ، أما ربانُ الرحلة فهو من أسوأ خلق الله يتفنن ويتلذذ بإيذاء النزلاء , في بداية الأمر كنت أظن أن التفتيش الدقيق والعاري هو غرضٌ أمني بهدف الحصول على شيء ممنوع ولم أكن ادرك أن المقصود من ذلك هو إذلال وامتهان واحتقار الأسرى حيث يتم الجمع بيننا وبين الأسرى الجنائيين من اليهود وغير اليهود أحدهم مدان بسرقة وأحدهم بإغتصاب ولواط ومخدرات وجُلهم من أفراد العصابات والمافيا , وذلك كي يفهمونا أنكم بنظرنا سواء لا فرق بينكم لكن أميال وأميال بين الثرى والثريا. وقد لفت نظري أنهُ كتب على أصفاد اليدين صنع في بريطانيا هذه الدولة التي انشأت دولتهم وأصفاد القدمين صنعت في امريكا الدولة التي تعهدت بحمايتهم فعجبت لذلك، وفي لحظة إعياءٍ وهذيان بسبب طول الطريق أفقتُ على صوت تنهيدة حارة وكأنها خرجت من أعماق المحيط ، فرفعت رأسي وإذ بإحدى الأسرى المحكومين مدى الحياه يُخرج( الآه ) وهو ينظرُ من ثقوب النافذة الصغيرة بأعلى (البوسطة ) فوقفت لمعرفة سر هذا الصوت وإذ بنا نسيرُ على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ففقتُ في نفسي ( سبحان الله )، رأيت البحر تارةً يبتسم لي وكأنه وجد ضالته , وتارةً رأيته باكياً من قذارة سكانه الذين سكنوه قسرا, كأنه يقول لي لست وحدك مكبلاً فأنا مُذ فارقني أهلي وانا مكبلا على هذا الحال فعرفت أنه يقصدنا نحن من تم ترحيلنا عام 48، سبحان من رفع جبال الكرمل وجعلها أوتادا ما أجملها شامختا خضراء فقد رأيتني وجلاً من شدة هيبتها وعظمتها فقلت كفاني فخراً أني الآن بين ثناياها وغرابيبها وما ان وصلنا موقع الحريق الذي شب قبل عام تقريبا سمعت الجبال تقول (هنا اشتد غضبي وأفرغتُ جُل حقدي على من سكنني غصباً وجبراً). رغم أن رحلتنا سوداء مظلمة جاحدة لكن أجمل ما فيها أنك ترى بأم عينيك فلسطين المحتلة وتجوب أرضٌ لا زالت مفعمة بالحنان، أما القدسُ هذه الفرسُ الجموح التي لا ترومُ إلا الحرية رأيتها باكية حزينة قد ملّت نداء وااااا عرباه وسئمت من صراخ يا مسلمين ولقد ضاع صوتها من كثرة العويل والنواح ، وعندما غابت القبة الذهبية عن ناظري نزلت من عيني دمعةٌ ساخنة لا زلت حتى الآن أحسُ بحرقتها ,دمعتي لو قُدر لها أن تسقط على أرض جرداء قاحلة لأعادت لها الحياة لكن : لقد أسمعت لو ناديت حيــاً لكن لا حياة لمن تنادي ولو نارٌ نفخت بها أضائت لكن أنت تنفخ في رماد |