|
محمود لبادة "يُعيد" الحاج أمين الحسيني إلى الفارعة!
نشر بتاريخ: 06/07/2012 ( آخر تحديث: 06/07/2012 الساعة: 13:37 )
جنين – معا - استرد محمود أمين لبادة ذكريات عتيقة جمعته بالحاج أمين الحسيني، مفتى فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس العلماء، والذي لعب دورا مهما في النضال ضد الاحتلال، حينما اعتاد الالتقاء به في مقر الهيئة العربية العليا في العاصمة اللبنانية بيروت سنوات طويلة.
يقول لبادة في ندوة نظمتها وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، لمناسبة ذكرى رحيل الحسيني: شاءت الأقدار أن أعمل في بيروت من أوائل عام 1959 وحتى ربيع عام 1967، وجاءت الصدفة أن المكان الذي عملت فيه، كان يجاور مقر الهيئة، وفيه عمل ابن قريتنا (الكفرين قضاء حيفا) محمد سعيد الشوبكي في توزيع رسائل الهيئة ومراسلات الحاج. يضيف: كان مقر الهيئة في أول منطقة الحازمية، ويتقاطع مع منطقة فرن الشبك وعين الرمانة، وضم بناية من طابق واحد، وشرفة مغطاة بالقرميد، فيما كانت تزينها عبارة( مقر الهيئة العربية العليا)، ولم يفصلني عن المكان غير سكة الحديد. وبحكم عمل أبو لبادة في صناعة الطوب، فقد كان يسبق الشمس، وينتهي قبل الظهيرة، ليمكث أوقاتاً طويلة في مقر الهيئة، ويستمع إلى أحاديث المفتى، ويساعد ابن بلدته في توزيع النشرات والجرائد ومجلات الحائط، وبيانات الهيئة على دراجة ذات ثلاثة عجلات، وفي نهايتها صندوق كبير ومقعد لمرافق. يستذكر: كنا نوزع مجلة الهيئة واسمها" الصيّاد" على صيدا وصور، ومناطق الجنوب، ونصل طرابلس، ومخيم البداوي في الشمال، ولا أنسى مظهر المفتى وعمامته ولباسه التقليدية، والحزام الذي كان يتوسطه، لكنني كنت أشعر بأنه يندمج كثيراً مع أبناء جيله أكثر من الشباب، وكان يحب أن يسمع رأي الناس به، وماذا يقولون عنه، وهل يتهمونه بالتخاذل. يقول: كان مرحاً، وسمعت حديثه في الكثير من المرات، ولم أكن أعرف الكثير عنه، لصغر سني، غير أنني جمعت بعض من المعلومات مما عرفته من والدي، وكيف أن الناس كانوا يهتفون له بعبارة( سيف الدين..الحاج أمين)، ويحتفظون بصوره الشخصية، ويخفونها في التبن؛ خوفاً من بطش الإنجليز. يواصل لبادة، الذي درس 9 صفوف في مخيم الفارعة: كنا نجتمع في ساحة( الداعوق) القريبة من مداخل مخيمي صبرا وشاتيلا، لنستمع إلى المناظرات بين المفتى وأحمد الشقيري( مؤسس منظمة التحرير، توفي عام 1980)، وحينها كان أنصار الحسيني يشتهرون بلباسهم التقليدي( الطربوش والدماية)، أما اتباع الشقيري فيرتدون ( البذلة كاكية اللون). كانت المناظرات تطول، وتحتد، وسط تصفيق المؤيدين، وتتحدث كلها عن شؤون البلاد والعباد، وفي نهايتها يمكن قياس موازين القوى في صفوف الأنصار. مما قرأه لبادة ويعرفه من مصادر التاريخ أن محمد أمين الحسيني، ولد في القدس عام 1895، وكان والده يهتم بالعلم ويحرص على أن يلتحق أولاده بأشهر المدارس والمعاهد العلمية في عهده. فيما تلقى تعليمه الأولي في القدس بإحدى مدارسها واختار له والده عددا من العلماء والأدباء لإعطائه دروسا خصوصية في البيت, ثم التحق بكلية الفرير لتعلم اللغة الفرنسية، وبعد قضاء عامين بها التحق بالجامع الأزهر في القاهرة وخلال دراسته بالأزهر أدى فريضة الحج مع أهله فأطلق عليه لقب الحاج الذي لازمه طوال حياته، فيما كان لدراسته في مصر، وتعرفه على قادة الحركة الوطنية آنذاك أثر في اهتمامه المبكر بالسياسة. وفي عام 1915 التحق بالكلية الحربية بإسطنبول التي تخرج فيها برتبة ضابط صف. وآمن الحاج أمين بوجوب محاربة الحكم البريطاني والتسلل الصهيوني لفلسطين. وكانت له آراء في تنظيم أمور القضاء والمحاكم الشرعية، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الإسلامية ودائرة الأوقاف واجتهد في إنشاء مجلس إسلامي شرعي لفلسطين، وحدد صلاحياته ومسؤولياته. ونادى بوجوب اعتبار فلسطين قضية العرب كلهم وقضية العالم الإسلامي. وكان شديدًا في مواجهته لسماسرة بيع الأراضي والعقارات الفلسطينية إلى اليهود واعتبر من يقومون بعمليات البيع هذه خارجين عن الدين الإسلامي ولا يجوز الصلاة عليهم ولا دفنهم في مقابر المسلمين. والتحق الحاج الحسيني بالجيش العثماني لكنه بعد مدة قصيرة آثر العمل سرا مع الثورة العربية فانضم إلى لوائي القدس والخليل، ثم انضم إلى جيش الشريف حسين بن علي بهدف إقامة دولة عربية مستقلة وذلك إبان الحرب العالمية الأولى. الكفاح ضد اليهود والبريطانيين عقب صدور وعد بلفور عام 1917 قرر الحسيني العودة إلى القدس وبدأ الكفاح ضد الوجود اليهودي والبريطاني هناك، فأنشأ عام 1918 أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين الحديث وهي "النادي العربي" الذي عمل على تنظيم مظاهرات في القدس عامي 1918 و1919، وعقد في تلك الفترة المؤتمر العربي الفلسطيني الأول هناك. بينما تسببت تلك المظاهرات باعتقاله عام 1920، لكنه استطاع الهرب إلى الكرك بجنوب الأردن ومنها إلى دمشق، فأصدرت الحكومة البريطانية عليه حكما غيابيا بالسجن 15 عاما، لكنها عادت وأسقطت الحكم في العام نفسه بعد أن حلت إدارة مدنية برئاسة هربرت صموئيل محل الإدارة العسكرية في القدس، فعاد إليها مرة أخرى. ووفق ما يعرفه لبادة وتؤكده مراجع التاريخ، فقد انتخب الحسيني مفتيا عاما للقدس عقب وفاة كامل الحسيني المفتي السابق، فأنشأ المجلس الإسلامي الأعلى للإشراف على مصالح المسلمين في فلسطين، وعقد المجلس في المسجد الأقصى مؤتمرا كبيرا عام 1931 سمي المؤتمر الإسلامي الأول حضره مندوبون من مختلف البلدان العربية والإسلامية. وأصدر الحسيني فتوى اعتبرت من يبيعون أرضهم لليهود والسماسرة الذين يسهلون هذه العملية خارجين عن الدين الإسلامي ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين. ونشط الحاج أمين في شراء الأراضي المهددة بالانتقال إلى أيدي اليهود وضمها إلى الأوقاف الإسلامية. بينما رأى الحسيني أن الشعب الفلسطيني لم يكن مؤهلا لخوض معركة عسكرية بطريقة حديثة، فأيد الجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه كان يعمل بطريقة سرية لتكوين خلايا عسكرية اعتبرت النواة الأولى التي شكل منها عبد القادر الحسيني فيما بعد جيش الجهاد المقدس. وبحسب المصادر والقراءات التي طالعها لبادة، فعقب استشهاد عز الدين القسام عام 1935 اختير الحسيني رئيسا للهيئة العربية العليا التي أنشئت في العام نفسه، وضمت مختلف التيارات السياسية الفلسطينية، وكان له دور بارز في ثورة 1936 عن طريق تسهيل دخول المتطوعين الذين وفدوا للدفاع عن فلسطين من مختلف البلدان العربية. الاحتماء بالحرم رفض الحسيني مشروع تقسيم فلسطين بين العرب واليهود الذي طرح في حزيران 1937 وقاومه بشدة، فعملت السلطات البريطانية على اعتقاله، لكنه التجأ إلى الحرم القدسي الشريف فخشيت بريطانيا من اقتحام الحرم حتى لا تثير مشاعر الغضب لدى العالم الإسلامي، فظل الحسيني يمارس دوره في مناهضة الاحتلال من داخل الحرم. وبعد اغتيال حاكم اللواء الشمالي إندروز أصدر المندوب السامي البريطاني قرارا بإقالة المفتي أمين الحسيني من منصبه واعتباره المسؤول عن "الإرهاب" الذي يتعرض له الجنود البريطانيون في فلسطين. واجتهدت السلطات البريطانية في القبض عليه لكنه استطاع الهرب إلى يافا ثم إلى لبنان بمركب شراعي، فقبضت عليه السلطات الفرنسية لكنها لم تسلمه إلى بريطانيا، وظل في لبنان يمارس نشاطه السياسي. واضطر للهرب من لبنان مرة أخرى بعد التقارب الفرنسي البريطاني، فتنقل بين عدة عواصم عربية وغربية، وصل أولا إلى العراق ولحق به بعض المجاهدين، وهناك أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني، ثم اضطر لمغادرتها بعد فشل الثورة فسافر إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا ثم ألمانيا التي مكث فيها أربعة أعوام. فيما طالبت بعض الدول الأوروبية بمحاكمته على أنه مجرم حرب ومن مؤيدي النازية، وضيقت الخناق عليه فاضطر للهرب إلى مصر ليقود من هناك الهيئة العربية العليا مرة أخرى، وليعمل على تدعيم جيش الجهاد المقدس، وتولى مهمة التجهيز والتنسيق والإمداد للمجاهدين. وهناك أنشأ منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت فيها منظمات الكشافة والجوالة لتدريبهم على السلاح. تحت الإقامة الجبرية أوعزت الحكومة البريطانية إلى الملك فاروق لإعطاء أوامره بفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله بعد النكبة الكبرى عام 1948 وشددت عليه الرقابة. وظل على تلك الحال إلى أن اندلعت ثورة 1952 في مصر. التعاون مع ثورة 1952 تعاون الحسيني مع قادة الثورة في نقل الأسلحة سرا إلى سيناء ومنها إلى الفدائيين الفلسطينيين في الداخل، واستمر على هذه الحال حتى قرر عام 1959 الهجرة إلى سوريا ومنها إلى لبنان. واستأنف الحاج محمد أمين الحسيني في بيروت نشاطه السياسي فأصدر مجلة "فلسطين" الشهرية، وظل في لبنان حتى توفي في الرابع من تموز عام 1974 ودفن في مقبرة الشهداء عن 79 عاما. ومما يستقر في ذاكرة محمود لبادة، كيف أن الرحلة إلى بيروت، حيث أقام الحسيني ورحل، كان ينطلق من نابلس، نحو أربد، فالرمثا، وصولاً إلى دمشق، فممر ظهر البيدر، إلى ساحة الشهداء وسط بيروت، في جولة تستغرق نحو 10 ساعات، وتكلف ديناراً واحداً، ولا تحتاج إلى تأشيرات دخول. وقال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف إن إحياء المناسبات الوطنية، التي ترتبط بأعلام الوطن وتاريخه ونضالاته، تمثل إحدى المهام التي تنفذها الوزارة، وتسعى عبرها إلى ربط الأجيال الشابة بالماضي، بالاستناد إلى التاريخ الشفوي، وما يحظى به من هالة روحية ومكانة متقدمة. |