وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فياض: لا نهرب من المسؤولية ولا نصدرها لأحد

نشر بتاريخ: 07/09/2012 ( آخر تحديث: 08/09/2012 الساعة: 11:12 )
رام الله - معا - قال رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض ان السلطة تواصل جهودها لتوفير موارد كافية لصرف رواتب الموظفين ومستحقات القطاع الخاص، والتخفيف من اثر ارتفاع الأسعار في فلسطين الذي هو انعكاس للارتفاع في الاسواق العالمية، لكنه شدد على أن الوضع المالي الصعب للسلطة يحد من قدرتها على معالجة شاملة لمشكلة الأسعار.

وقال فياض: "إن هذه الجهود مستمرة ومتواصلة، وما نقوم به اليوم ليس لأن هناك حركة احتجاجية، وإنما امتداد لعمل يومي تقوم به السلطة".

وكان فياض يتحدث خلال لقائه الدوري مع الكتاب والاعلاميين، والذي شهد هذه المرة حضورا لافتا في ظل ما تشهده الأرض الفلسطينية من احتجاجات على إرتفاع الاسعار.

وأعرب فياض عن أمله في أن تتمكن السلطة الوطنية من صرف رواتب موظفيها قريبا، وقال "كما هو الحال دوما، نبذل كل جهد ممكن للحصول على التمويل اللازم بشتى الطرق، بما في ذلك الاقتراض الاضافي، لجعل صرف الرواتب ممكنا، وأيضا بما يساعدنا في التعامل مع بعض أوجه الأزمة الناشئة عن ارتفاع الاسعار، ولكن في غياب ورود مساعدات تمكننا من البدء بالتعامل مع كل ذلك، لجهة الوفاء بالالتزامات القائمة كما هي بالاضافة الى ما قد يكون ممكنا لجهة التخفيف من وطأة أزمة ارتفاع الأسعار، فالامر سيبقى صعبا".

وقال: بالاضافة الى تكثيف الجهد للحصول على مساعدات لتمويل التزاماتنا في هذا الوضع الصعب، ومبررات اخرى، وخاصة من الأشقاء العرب في ظل كل الصعوبات التي نواجهها على كل المستويات وخصوصا في المجال السياسي، نحن مستمرون في بذل كل جهد ممكن، وليس هناك باب الا وطرقناه ونستمر في طرقه، للحصول على ما يمكن الحصول عليه لنسير أمورنا، بما في ذلك الالتزامات القائمة وايجاد وسائل تدخل للحد من آثار ارتفاع الاسعار، اضافة الى امكانيات أخرى نعمل على تفعيلها كالحصول على مزيد من التمويل من الجهاز المصرفي أو جهات اخرى".

وقال: "الجوهر الحقيقي للمشكلة يكمن في الوضع المالي الصعب الذي تمر به السلطة منذ نحو عامين، فلو لم يكن الأمر على ما هو عليه لجهة صعوبة الازمة المالية للسلطة وحدتها، لكان لدينا متسع وهامش أن نجلس ونناقش بعض الخيارات، كدعم بعض السلع على سبيل المثال، فحينها يكون لدينا بعض الامكانيات على الاقل، ولو من خلال الاقتراض، لكن حتى هذه الامكانية باتت محدودة أمام السلطة الوطنية".

وقال: أن ما يحدث في الاسواق الدولية ينعكس بشكل مباشر وشبه تام على السوق الفلسطينية، وقال: "وبالتالي فإن قدرة السلطة الوطنية، لا بل أقول قدرة الحكومات بشكل عام على التعامل مع الصعوبات الناشئة عن إرتفاع الأسعار في الاسواق العالمية هي قدرة محدودة بشكل عام، وليس هناك الكثير مما يمكن عمله".

وأضاف: "عندما تكون هناك صعوبة مالية ناشئة عن تغير في اتجاه العرض والأسعار في الأسواق العالمية، لا يوجد أدوات تدخل كافية أو يمكن اللجوء لها بسهولة، أو تنفيذها، حتى من قبل حكومات في بلدان قائمة ولا تعاني من الاوضاع الصعبة التي تواجهها السلطة الوطنية، وأبرزها ان السلطة تعمل في ظل احتلال مع كل ما يتصل بذلك من صعوبات . في الواقع الفلسطيني، الوضع اكثر صعوبة بكثير مما هو عليه في اية منطقة اخرى من العالم، وبوجه خاص بسبب الازمة المالية التي تواجهها السلطة".

واعتبر رئيس الوزراء أن ما حصل على مدى الايام القليلة الماضية من احتجاجات، والذي شكل امتداد للتعبير عن احتجاج وشكوى من زيادة الأسعار في فترات سابقة، "حرف الموضوع الاساسي وهو الازمة المالية، التي تحد بشكل كبير من قدرة السلطة الوطنية على التعامل مع الآثار الناشئة عن ارتفاع الاسعار، لأنه عند استعراض الخيارات المتاحة، فإن الوضع المالي الصعب للسلطة هو بالضبط ما حد من إمكانية عمل شيء حاسم ومؤثر كما يتوقع الجمهور . هذا هو جوهر الموضوع".

واضاف فياض: "لا أقول هذا من باب تثبيت أنه لا يوجد ما يمكن عمله اطلاقا، وإنما لفهم الامور ووضعها في سياقها الصحيح . أقول هذا الكلام، رغم أن البعض ما يزال حتى اللحظة يشكك بان السلطة تواجه أزمة مالية، فحتى الآن ما زال يقال أن الرواتب لم تدفع بقرار، وان هناك تقنين للصرف بقرار لارسال رسالة معينة لجهات معنية بشكل أو بآخر، وكان لدي شيء من التفهم لهكذا طرح في البدايات، لكن بعد أن اتضح الأمر وتعثرت السلطة في الوفاء بما عليها من التزامات في مجالات مختلفة، وبما شمل في الآونة الاخيرة الرواتب، لا أعتقد أن أي أحد ينظر إلى الامور بأي درجة من الموضوعية يمكن أن يصل الى استنتاج بان الصرف متوقف بقرار، وخصوصا فيما يتصل بالرواتب، فالرواتب في الواقع الفلسطيني ليست قراراً، وإنما ندفعها فور توفر الايرادات الكافية، والعملية تتم بشكل تلقائي.



طبيعة الأزمة:

وحرص رئيس الوزراء على توضيح طبيعة الازمة وجذورها وامتدادها، وذلك في إطار المكاشفة مع الناس كحق لهم، وقال: "لا بد من التوضيح مجددا في ظل ما يجري من خلط في المفاهيم، ففي النظر فيما هو قائم من مشاكل، وما يواجهنا من تحديثات كثيرة، أعتقد من الضروري تحليل طبيعة الأزمة بشكل موضوعي، حتى نصل الى قناعات مشتركة بشأن ما الممكن عمله، وعلى حساب ماذا.

ولفت الى أن معالجة الأزمة الناشئة عن ارتفاع الأسعار تقتضي شكلا من اشكال التدخل، وأضاف: "القول بتثبيت الاسعار، فقط، يستوجب التفكير . العملية في ذهن البعض سهلة، فإذا اتخذ قرار بتثبيت الاسعار دون اتخاذ أي اجراء اخر، سيؤدي ذلك الى نقص في التوريد بكل شيء، وسنشهد طوابيرا على كل شيء، من مخابز وعلى كل السلع المستهلكة، إذ لن يعود الاستيراد مجدٍ لاي مستورد، ونحن كسلطة، على المستوى الرسمي، لا نستورد اي شيء اطلاقا سوى المشتقات النفطية، وباقي السلع يستوردها القطاع الخاص، والقول أن السعر يجب ان يثبت عند هذا الحد أو ذاك، مهما حصل في أسعار هذه السلعة في الاوساق العالمية، فإنه سيحجم عن الاستيراد . هناك الكثير من الدول جربت هكذا خيار، وكانت النتيجة معروفة: شح وتقنين وطوابير طويلة على كل السلع الاستهلاكية".

وتابع: تثبيت الاسعار يقتضي تدخل من الحكومة بمفهوم توفير دعم لبعض السلع والخدمات، ورغم سلبياته الكثيرة إلا أنه ممكن إذا توفر ما يكفي من موارد، فتثبيت سعر أية سلعة عن حد سقف معين في جو من إرتفاع الاسعار، يترتب عليه كلفة، وبشكل عام، فإن لدى الغالبية العظمى من الدول حدود لامكانياتها للصرف على بند دون أن تكون مضطرة لتقليل الانفاق على بند أو بنود آخرى، واذا كان هذا صحيحا بشكل عام، فانه في غاية الدقة ونحن نتحدث عن الواقع الفلسطيني، الذي تشكل الأزمة المالية أهم سمة من سماته في الوقت الحاضر، وهي أزمة كبيرة جداً ولها تداعيات خطيرة، وأضرت كثيرا باداء الاقتصاد الفلسطيني، وأسهمت في التباطؤ الاقتصادي الذي شهدناه منذ أواسط العام الماضي حتى يومنا هذا . صحيح اننا لم ندخل مرحلة النمو السالب والانحسار الاقتصادي، وما زال لدينا نمو يقدر بنحو 5%، ولكن هناك تباطؤ قياسا مع الاعوام 2008 – 2010، وهو ناتج بشكل أساسي عن الازمة المالية نفسها".

وقال ان عدم تغير الواقع الميداني الفلسطيني على الارض باتجاه تغيير جوهري وجذري في الطريقة التي تتعامل بها قوة الاحتلال، هي التي كبلت أداء الاقتصاد، وحالت دون أن يؤدي التخفيض المنتظم في عجز الموازنة، منذ 2008 حتى اليوم، الى تمكين القطاع الخاص من تعويض التحفيز المالي الذي فقده الاقتصاد من خلال تخفيض العجز، وهذا عنصر مؤثر، وأدى الى اهتزاز ثقة المتعاملين مع السلطة الوطنية، من موظفين وموردين، جراء عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم في الاوقات المحددة، ما حد من مرونتهم في دفع رواتب موظفيهم، وشراء ما يلزمهم من مستلزمات، كما أثر بشكل واضح على قراراتهم فيما يتعلق بالاستثمار، فعندما يرى صاحب مصنع أن المشتر الاكبر لانتاجه، وهو السلطة الوطنية، متعثر متوقف عن السداد لاكثر من سنتين فلن يفكر في اضافة خط انتاج جديد على سبيل المثال، وبالتالي فان هذا التباطؤ في النشاط الاقتصادي يعود بشكل أساسي إلى الازمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية."



انحسار هامش المرونة:

وقال: إدارة مالية الحكومة تشبه الى حد كبير المالية الخاصة، ففي بداية الأزمة المالية لأي شخص يلجأ لقرض من أخ لو قريب أو ابن عم أو جار، ثم من أشخاص أبعد ثم أبعد وهكذا، لكن اذا استمرت الازمة تبدأ الابواب أمامه بالانغلاق، ويصبح من الصعب عليه التعامل مع احتياجاته من خلال الاقتراض، وهذا بالضبط ما حصل مع السلطة الوطنية، بمعنى أنه نتج عن ديمومة الازمة المالية لما يزيد عن عامين، فقدان أي هامش للمناورة للتعامل مع الالتزامات القائمة أصلا، فما بالكم ونحن نبحث عن امكانيات الوفاء بالتزامات اضافية.

واضاف: لهذا السبب، اعتقد ان القول بالتدخل على شكل تقديم دعم لسلع بحجة ان الظرف صعب امر غير عقلاني من حيث الامكانية في ظل الواقع الذي نعيشه، فنحن اليوم في اليوم السابع من الشهر وما زالت رواتب الشهر الماضي غير مدفوعة، وما زال وزير المالية غير قادر على تحديد موعد لصرفها . نأمل أن يتم ذلك قريبا، ولو بالشكل الذي تم في الشهر الماضي . ما يحسم في هذا الموضوع هو توفر ما يكفي من موارد للتقدم بشيء ما.



فاتورة رواتب الموظفين:

واعتبر رئيس الوزراء أن فاتورة الرواتب هي الالتزام الاهم للسلطة الوطنية، "ليس فقط من وجهة نظر الموظفين، وإنما للاقتصاد ككل ويعتمد عليها حوالي مليون مواطن، وينتظرها قطاع الأعمال نفسه لتأثيرها في تحريك عجلة الاقتصاد، فإذا كان هذا الالتزام الأهم لا نستطيع حتى اللحظة تحديد موعد لدفعه رغم مرور اسبوع على استحقاقه، فأين العقلانية في الحديث عن التزامات اضافية".



دخل غير كاف واسعار مرتفعة

وأبدى رئيس الوزراء تفهمه التام لشعور المواطنين بالآثار السلبية الناجمة ارتفاع الأسعار، والتي تضاف الى وضع معيشي صعب أساسا وموضع شكوى، لأسباب لها علاقة مباشرة بعدم كفاية الدخل وأيضا مستوى الأسعار في الواقع الفلسطيني في ظل ما هو قائم من وضع اقتصادي وترتيبات اقتصادية مع اسرائيل.

وقال: نحاول جادين بذل كل جهد ممكن للتعامل مع هذه الاثار، من حيث تاثيرها على الوضع المعيشي في فلسطين.

وأوضح أن القدرة الشرائية يحددها عاملان اساسييان، الاول مدى كفاية الدخل والثاني مستوى الاسعار، "ونحن في الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال وفي اطار ما هو قائم من ترتيبات اقتصادية، بكل تاكيد هناك تباين كبير في مستوى الدخل بين ما هو قائم في فلسطين وما هو قائم في اسرائيل، وعند النظر الى المستوى العام للاسعار في نفس الاطار فإن هذا المستوى مرتفع بالقياس الى مستوى الدخل، وهذا أدى الى ان تكون القدرة الشرائية محدودة لدى المواطن الفلسطيني، وعندما يرتفع مستوى الأسعار بشكل إضافي، وعندما تكون هناك صدمة متصلة بارتفاع ملحوظ في الأسعار، خاصة أسعار السلع الاساسية، جراء ارتفاع أسعار هذه السلع في الاسواق العالمية، ينعكس ذلك بشكل مباشر على مستوى الأسعار السائد في فلسطين، وهذا بدوره يحد بشكل إضافي من القدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني، وبالتالي يضيف صعوبات اضافية للوضع المعيشي الصعب أصلا".



مصدر الشكوى

وقال: هذا هو الاطار، وهذا هو مصدر الشكوى والاحتجاج، والذي تركز في الايام الاخيرة على هذا العنوان، وإن كانت الشكوى بهذا الشان تعود الى فترة سابقة، فقد كان هناك باستمرار قلق وتعبير عن شكوى إزاء هذا الوضع المعيشي، منذ أشهر عديدة وحتى منذ سنوات".



حركة الاسعار

وإستعرض فياض بعض بيانات للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، تتعلق بمؤشر غلاء المعيشة منذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر تموز الماضي، مؤكدا أن ذلك ياتي من باب التوضيح فقط ووضع الامور في سياقها الصحيح، وليس محاولة للقول بأنه ليس هناك مشكلة.

وأوضح أنه وفق ما هو متاح من بيانات من واقع بيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، فإن المؤشر العام للاسعار ككل انخفض منذ شهر كانون الثاني حتى نهائة شهر تموز بنسبة 53ر0%.

وقال: "كما هو معلوم، فإن المؤشر العام للاسعار، يقاس بناء على تغير في مكوناته، وهي مجموع السلع والخدمات التي تستهلكها الاسرة الفلسطينية، كالأغذية والمحروقات والسكن والكهرباء والألبسة، وغيرها من السلع والخدمات".

ففي مجموعة المواد الغذائية ككل، هناك انخفاض بنسبة 58ر2% منذ بداية العام حتى نهاية تموز، وهذه المجموعة تتشكل من مكونات، منها الحبوب ومنتجاتها التي انخفضت بنسبة بنسبة 1ر1%، وبضمن الحبوب نفسها فان الارز انخفض بنسبة 25ر4%، والطحين انخفض بنسبة 37ر0%، كالمعكرونة ارتفعت بنسبة 7%.

وقال فياض إن اللحوم انخفضت اسعارها بشكل عام بنسبة 04ر2%، وضمن هذه المجموعة، فإن اللحوم الطازجة انخفضت بنسبة 54ر2%، فيما إرتفعت الدواجن بنسبة 49ر1%، والاسماك انخفض بنسبة 53ر0%، وبينما إرتفع الحليب بنسبة 1ر3% فان مشتقات الحليب انخفضت بنسبة 1ر5%، والبيض انخفض بنسبة 24ر3%، والسكر انخفض بنسبة تزيد عن 11%.

في مجموعة اخرى، المشروبات والتبغ، فقد ارتفعت السجائر بنسبة 65ر2%.

أما مجموعة الاقمشة والملابس والأحذية بشكل عام، فقد انخفضت بنسبة 61ر1%، والاقمشة والملابس وحدها انخفضت بنسبة 44ر1%، وانخفضت الملابس الجاهزة بنسبة 28ر1%، والالبسة النسائية الجاهزة انخفضت بنسبة 62ر7%، في حين ارتفعت الملابس الرجالية الجاهزة بنسبة 87ر7%.

وفي مجموعة السكن ومستلزماته، فقد ارتفعت أجرة السكن بنسبة 53ر1%، والكهرباء بنسبة 69ر0%، والغاز بنسبة 53ر3%، والسولار بنسبة 28ر0%، وهكذا.

وقال فياض: عند مراجعة المزيد من البنود في هذه المجموعات، والتي تشكل في مجملها أساس القياس في المؤشر العام للأسعار، وكون المؤشر العام ككل انخفض خلال هذه الفترة، فهذا يعني أن الانخفاض طال مكونات أكثر بكثير من المكونات التي ارتفعت أسعارها.

وأضاف: هذا ما حصل من تطورات في مؤشر الغلاء في الارض الفلسطينية منذ بداية العام حتى نهاية شهر تموز، وستتوفر قريبا بيانات عن شهر آب، حيث ينشر الجهاز المركزي للاحصاء هذه البيانات بشكل دوري ومنتظم (في 14 من كل شهر)، ونتوقع أن يطال الارتفاع بنوداً اكثر مما كان خلال الفترة السابقة، لأنه منذ ذلك الحين، وهذا مهم في تفسير ما جرى، طرأ ارتفاع على أسعار بعض السلع الاساسية في الاسواق العالمية، واستمر هذا الإرتفاع وبدأت آثاره تظهر منذ بداية الشهر الحالي، كما في أسعار المحروقات على سبيل المثال، وبالنظر إلى المؤشرات المتعلقة بالأسعار المستقبلية في الأسواق الدولية، وهو مهم لمعرفة إن كان الارتفاع سيطول أم لا، فإن بعض السلع التي تتداول في الاسواق العالمية بعقود مستقبلية أو آجلة، فهناك توقع بأن الارتفاع في اسعار بعض السلع الاساسية قد يستمر، لا نعلم بالتاكيد ولكن هذا هو الاتجاه العام . هذا هو الواقع كما هو اليوم، وهذا ما هو متوقع أن يكون حصل في شهر آب وما زال مستمرا في شهر ايلول.

ولفت رئيس الوزراء إلى أن العالم مر سابقا بأزمة من هذا القبيل في العام 2008، عندما شهد ارتفاعا حادا، أكبر مما هو قائم حاليا، في أسعار السلع الاولية ومختلف السلع الاساسية في الاسواق العالمية، وطالت مدته لدرجة استدعى تدخلات دولية، كالبنك الدولي على سبيل المثال الذي استحدث آلية للتدخل في البلدان عبر تمويل الواردات في تلك الفترة.

وقال فياض: "وفق المؤشرات الاولية فإن ما يحصل الان لا يرقى لمستوى الازمة السابقة، وهذه الازمات تحدث لأسباب متعددة لها علاقة بالمناخ وما يطرأ من تطورات على قطاع الزراعة في الدول المنتجة، وأيضا ينسحب الأمر على سوق المشتقات النفطية، فمن يراجع البيانات التي تصدرها الجهات ذات الاختصاص يلاحظ أن هناك أسعار تكاد تكون واحدة لهذه المشتقات، بفوارق قليلة ارتفاعا أو انخفاضا، وهي ترتفع أو تنخفض بحسب العرض والطلب والتوقعات والتوتر في بعض المناطق، الخ، وهذا هو الواقع.

وأشار فياض أنه من خلال استعراض هذه البيانات، يتضح أن ما حصل في فلسطين، كما حصل في كل البلدان المستوردة للسلع الاساسية من الاسواق العالمية، هو إرتفاع في الاسعار مستورد لهذه البلدان مع السلعة نفسها. وشدد على أن توضيحه هذا لا يأتي من باب تصدير الازمة، والقول أننا لم نتسبب بها وبالتالي هي ليست مشكلتنا، وانما كمدخل للقول بان الاسعار السائدة في السوق الفلسطينية ليست نتيجة قرار، فالسلعة الوحيدة التي نقرر بشانها هي فقط مشتقات النفط، حيث يحدد السعر في نهاية كل شهر بناء على التغير في السعر من مصدر التوريد، فبناء عليه يتخذ القرار لدينا بمدى التغير في السعر، انخفاضاً أو ارتفاعا، والأساس في ذلك هو ما يحصل في الاسواق العالمية.



التباين في الأسعار جغرافيا:

واعتبر رئيس الوزراء التباين في مستوى أسعار السلع بين مدينة وأخرى "منطقي" نتيجة التباين في الكلفة، كأجرة المحل بين مدينة أو قرية، "لكن عندما يكون هناك تباين يخرج كثيراً عن السياق بما لا يفسره التباين في الكلفة على صاحب المصلحة، فهناك خلل ما، أو ضعف في المنافسة، وهذه مناسبة لتاكيد التزامنا بالتحديث والتطوير لضمان اكبر درجة ممكنة من التنافسية، لأن ذلك يحل الكثير من المشاكل".

وقال: نحن لسنا بحاجة لمناشدة التجار لخفض هامش الربح، وإن كانت مثل هكذا مناشدة فيها شيء من الوجاهة في ظل الظروف التي نعيشها، فعندما يكون هناك درجة كافية من التنافس، كما هو الحال في محطات المحروقات، حيث تبيع المحطات المحروقات بأسعار متفاوتة جميعها تحت الحد الاعلى لهامش الربح المحدد من الحكومة . التنافس هو الذي أدى الى هذا التباين، دون حاجة للمناشدة.

وأضاف: "نحن في وضع أزمة لها جذور حقيقية، وهي متأثرة أيضا بسيكولوجية الخوف والهلع التي تسود أوضاع من هذا النوع، وهذه مناسبة للتاكيد على أهمية تعاون القطاع الخاص لتجاوز هذه الحالة، لكن ليس هذا هو العامل الحاسم، ولا التدخل الحكومي، وإن كانت عوامل تساعد، لكن العامل الحاسم هو تعزيز المنافسة . عندما ترتفع سلعة ما في الاسواق العالمية بنسبة معينة، ونجدها في السوق الفلسطينية ترتفع بنسبة اكبر، هذا يعني غياب التنافس في هذه السلعة، وتوفر تنافسية عالية ليس فقط يضمن أن يكون الارتفاع في السوق المحلية بقدر الارتفاع في الاوساق العالمية، وانما يمتص جزءا من هذه الزيادة.

السلطة تتحمل نصف الزيادة في اسعار المحروقات

وفيما يتعلق بأسعار المحروقات، قال فياض إن السلطة الوطنية تحملت نصف الزيادة في أسعارها من المصدر في مطلع الشهر الجاري.

وقال: "طرأت زيادة ملحوظة في أسعار المحروقات، ففي هذا المجال وقبل أن يكون هناك أية تحركات احتجاجية، وانسجاما مع ما هو قائم من سياسات في وزارة المالية، فقد امتصت السلطة أكثر من نصف الزيادة من المصدر."

وأضاف: هذا نتاج سياسة قائمة منذ وقت طويل في وزارة المالية . لن تجدوا في بيانات الوزارة ولو في شهر واحد اطلاقا، أن الزيادة في أسعار المحروقات من المصدر انعكست بشكل كامل، واحد لواحد، في تسعيرة السلطة الوطنية، والسبب في ذلك اننا نتعامل مع الموضوع بشكل مرن، فعندما تاتي زيادة في الاسعار، وخصوصا عندما تكون حادة، نمتص جزء من الزيادة، على أمل ان يطرأ انخفاض في الاسعار في الشهر أو الأشهر القادمة، وهذا يحول دون ان تكون الزيادة حادة، ويحافظ على قدر معين من الاستقرار في السوق.

وقال ان ما حدث في اول شهر ايلول الجاري جاء في نفس السياق، "فقد امتصت خزينة السلطة اكثر من نصف الزيادة في اسعار المحروقات من المصدر، وهذا قائم كسياسة، ونحن نقوم باجراءات حيثما أمكن".

واكد فياض ان هيئة البترول لا تحقق اية ارباح من المحروقات منذ ضمها الى وزارة المالية، "ليس فقط لم يعد هناك ربح من المحروقات، وانما يترتب على السلطة شيء من الخسارة".

وقال: الموجود ضرائب وليس ربحا، وعندما نمتص جزءاً من الزيادة في الأسعار من المصدر، فما نقوم به فعليا هو خفض الضرائب، موضحا الى أن مكونا كبيرا جداً من السعر الذي يدفعه المستهلك مقابل مشتقات البترول، في كل العالم، هو عبارة عن ضرائب ورسوم جمركية، ربما تزيد عن النصف، "وعندما تمتص السلطة جزءا من الزيادة في السعر، فكأنها إتخذت قرارا بخفض الضريبة".

وبشأن امتصاص السلطة لجزء من الزيادة اكبر ، قال فياض: "هذا أمر خاضع للنقاش، لكن عندما نتخذ هكذا القرار، وهو بالمناسبة نتاج سياسة قائمة، نراعي عدم الاثقال على المواطن، خصوصا في الأشهر التي تكون فيها الزيادة صادمة، لكن عند التقييم بهدف الوصول إلى السعر المستهدف نصل الى درجة نشعر معها أنه إذا زادت نسبة الامتصاص من الزيادة ندخل في خانة البحث عن توفير في بنود اخرى في الموازنة، لأن إمتصاص جزء من الزيادة في السعر سيترتب عليه خسارة في الايرادات التي تستخدم في تمويل احتياجات أخرى . هكذا تقدر الامور".

وأضاف: "على كل حال، فان الاسعار تتغير من شهر الى آخر، وقد مضى إسبوع من الشهر، وفي نهايته نأمل أن يكون هناك تغيير ايجابي (انخفاض) في بداية الشهر القادم، بما يشكل فرصة لنا لتغير الأسعار في فلسطين، هكذا يتخذ القرار في هذا الشان.

استيراد النفط من الخارج ممكن .. ولكن

و قال فياض: "إن من الامور التي يتيحها لنا اتفاق باريس، هو استيراد المشتقات النفطية من الخارج، وتحديدا من الاردن ومصر، وهناك قائمة بالمواصفات موجودة كملحق في الاتفاقية ، و نحن نسعى لأن تكون لدينا هذه الامكانية ولو من باب تنويع المصادر، لكن لو فرضنا جدلا أننا تمكنا من ترتيب كل الامور للاستيراد من الأردن على سبيل المثال، فلن يكون هناك فرق كبير في السعر للمستهلك، فأسعار مشتقات النفط عالميا تقريبا واحدة، مع فروقات بسيطة، وبحساب كلفة الاستيراد فان السعر النهائي للمستهلك سيكون بنفس المستوى تقريبا، وسنجد انفسنا، في ظل النظام المالي الضريبي القائم، لفرض ضريبة فوق سعر الاستيراد بما يوازي تقريبا الضريبة المفروضة حاليا على الواردات من إسرائيل، وبالتالي لن يكون هناك فرق كبير في السعر، إلاَّ اذا حصل جباية للايرادات من مصدر أخر يمكننا من تقليل الضريبة.

واضاف: بموجب الاتفاقات القائمة حاليا، نحن نستورد مشتقات البترول من المصفاة مباشرة، بافضل الاسعار التي تبيع بها لأكبر مشتر في اسرائيل.

قانون جديد بعقوبات رادعة

ورداً على انتقادات بشان ضعف الرقابة على الاسواق و التهاون في معاقبة المخالفين، قال فياض "عانينا كثيراً من غياب العقوبات الرادعة، ليس فقط فيما يتعلق بالبضاعة منتهية الصلاحية وخلافه، وإنما في قضايا اخرى كسرقة المياه والتعدي على منشآتها، وسرقة الكهرباء، فحتى لو ضبطت شخصا متلبسا بسرقات من هذا النوع، ففي اليوم التالي يخرج بكفالة وربما بقرشين غرامة، نحن في تطوير دائم للقوانين، والرئيس محمود عباس صادق على مشروع قانون قدمته الحكومة يتضمن عقوبات رادعة والوضع الآن مختلف".

واضاف: "في هذا السياق نعالج حاليا أزمة شركة كهرباء القدس، التي وصلت إلى حد خطير وتهديدات اسرائيلية بوضع اليد على ممتلكاتها واغلاقها، إضافة الى التهديدات بقطع التيار . هذه ازمة حقيقية حجمها حوالي نصف مليار شيكل، فهل يجوز للسلطة، التي تحرص على شركة كهرباء القدس كما تحرص على استمرارية المؤسسات الاخرى، خصوصاً في القدس، أن تترك الموضوع وتقف موقف المتفرج؟

وأكد فياض على أن السلطة الوطنية تجري اتصالات مع اطراف عديدة بهدف ترحيل الأزمة قليلا حتى نجد طريقة للتعامل معها، معتبرا أن أحد اسباب هذه الأزمة غياب قانون ناظم بما يكفى لجهة توفر ادوات رادعة للسرقة والتعديات . الآن وقد اصبحنا مسلحين بهذا القانون الأمر سيكون مختلفاً".

وكشف عن إتفاق مع جميع أصحاب العلاقة، لمعالجة أزمة الكهرباء، وقال: "هذا الموضوع سينظم في كافة التجمعات السكانية، ومن يستهلك كهرباء يجب أن يدفع ثمنها . هناك حالات عاجزة عن الدفع نتعامل معها كحالات فقر ونقدم لها مساعدة، لكن لا أحد معفي".



توسيع شبكة الحماية الاجتماعية

أكد فياض على أن السلطة الوطنية مستمرة في التعامل مع احتياجات المواطنين، في إطار شبكة الحماية الاجتماعية، حيث جرى توسيع نطاق عملها في فلسطين لتتضاعف خلال السنوات الثلاث الماضية لتشمل 100 الف اسرة مستفيدة.

وقال: "هذا لم يتم على خلفية احتجاجات، وانما جزء من عمل لا بد من القيام به لتمكين الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني، وبالتأكيد، هناك حاجة لتوسيع شبكة الامان الاجتماعي، فرغم انخفاض نسبة الفقر في فلسطين قياسا مع ما كان قائما قبل أربع سنوات، وكذلك البطالة، إلا أن هناك حاجة لتوسيع نطاق هذه الشبكة، لكن السؤال هو إن كان هناك قدرة وموارد لتوسيعها أم لا . النظام موجود، وطور ليرقى إلى افضل المعايير، لكن لا يوجد موارد كافية تمنحنا الثقة بأنه سيكون بمقدورنا تمويل التوسع في هذا البرنامج."



الحد الأدنى للأجور

واضاف: "هذا ينسحب أيضا على مجالات اخرى كالحد الادنى للاجور، وكفاية الدخل، فهذا مطروح للنقاش وهناك عملية حوار جادة بهذا الخصوص، ولا يتم بقرار من الحكومة وحدها، وإنما بحوار بين أطراف الانتاج الثلاثة: الحكومة والقطاع الخاص والنقابات، وحظي بنقاشات مستفيضة جماعية وثنائية، وحتى كولسات، للوصول الى صيغة توافقية، والان ضاق نطاق البحث كثيرا واصبحنا قريبين جدا من انجاز الموضوع . آمل ان يتم الموضوع بطريقة توافقية، لكن نحن نعتقد ان نطاق الخلاف ضاق بما يكفي للتدخل من قبل الحكومة لحسم الموضوع، قبل منتصف تشرين الاول القادم كحد اقصى وأؤكد لكم أنه سيحسم".



نظام الضمان الإجتماعي

كذلك، قال العمل جار نظام للضمان الاجتماعي،" لكن هذا موضوع بحاجة الى إعداد، وهناك فريق يعمل على الموضوع، يجتمع ويناقش ويستمع إلى خبراء.

وأضاف: "للتوضيح، فنحن لا نتحدث عن بداية من الصفر في هذا الموضوع، فقانون الضمان الاجتماعي المنتظر يشمل فيما يشمل المكونات القائمة حاليا، كالتقاعد وشبكة الامان الاجتماعي والتأمين الصحي، فالمكونات الاساسية لنظام الضمان الاجتماعي موجودة، والمطلوب ترشيد العمل وصولا الى مؤسسة ضمان اجتماعي ترعى تنفيذ سياسة قائمة على أساس اعطاء فرصة للجميع، والتعامل مع احتياجات الفئات التي تقطعت بها السبل لأي سبب من الاسباب التي تحول دون إنخراطها في العملية الانتاجية بشكل مجز بما فيه الكفاية، سواء كان ذلك بسبب التقدم في العمر أو المرض أو إصابة العمل او الانقطاع القسري عن العمل."

وقال: هذه إجراءات اتخذت وتتخذ بشكل دائم، ومع ذلك هناك وضع ناشيء وأزمة ودرجة عالية من الاحتقان واحتجاجات مستمرة، لا يجوز إغفالها، ونحن في بحث جدي في كل ما يمكن عمله للتخفيف من حدة هذه الأزمة، وما ننتظره ونعول عليه ونعمل عليه، هو درجة أفضل من توفر الموارد بما يعطينا هامش للتحرك."



ندرك المعاناة ونتفهم الاحتجاجات ونرفض التجاوزات

وأكد فياض احترام السلطة الكامل للحريات، وخاصة حرية التعبير، لكنه رفض التجاوزات التي شهدها اليومين الماضيين، كاغلاق الطرق في وجه حركة السير، بما في ذلك سيارات الاسعاف.

وقال: "ما قيل من ملاحظات عن خروج بعض الاحتجاجات عن نطاق حرية التعبير، وهو حق مكفول ونلتزم به، إذ لا مشكلة في مسيرة، أو إطلاق هتافات وشعارات ويافطات، واي شكل من اشكال التعبير اللفظي الذي يسمح به ضمير مطلقه، لكن عند حرق اطارات، على سبيل المثال، نبدأ بالنظر الى الموضوع بشكل مختلف، فإلى أي مدى يساعد حرق الاطارات في توصيل الرسالة، مع ما يسببه ذلك من تلويث إضافي للمواطنين المقيمين في المنطقة، وكذا الحال في القاء الحجارة، كما حدث في أحد المواقع.

ووجه فياض رسالة للمواطنين المحتجين وقال: "أوجه رسالة بشقين، الأول تأكيد التزام السلطة الكامل، بحرية الرأي والتعبير هو التزام مطلق وحق مقدس، من منطلق قناعتنا بأن حرية الرأي يجب أن تكون مكوناً اساسيا في منظومة القيم التي ستقوم على اساسها دولة فلسطين، وهذا يقتضي التعامل مع الاحتجاجات والحق في التعبير بكل أريحية، وفي الوقت نفسه، أهيب بالمواطنين بان لا تخرج الامور عن نطاق من حرية التعبير والاحتجاج، الى مرحلة التسبب بالأذى للآخرين، كاغلاق الطرق أمام حركة السير بما في ذلك سيارات الاسعاف، ربما تقل شخصا في حالة حرجة . أليس هنا تكون حرية التعبير فيها زيادة عن الحد المقبول بما يمكن أن تؤدي الى الحاق الأذى بالآخرين، أو حتى بالنفس؟

وأضاف: "اقول هذا الكلام وأنا اؤكد أن ليس المقصود بالمراجعة كل ما قيل من شعارات مما لا استطيع ذكره لقسوته، وإنما أقصد الممارسات التي تخرج عن نطاق الحق في حرية التعبير إلى نطاق التسبب بالأذى للآخرين. هذا لا يعني أنني غير مكترث بما يقال من شعارات واتهامات، فلا يوجد انسان عاقل لا يكترث وهو يتهم بكل ما هو مشين، والتي تخرج عن إطار الوصف بانه لا ينفع وغير قادر الى حد الاتهام بانه مكلف بالتخريب وانه عميل وخائن، فهذا كلام مسيء بصراحة، ومع ذلك لن أتدخل لمنعه، أما ممارسات أخرى كحرق اطارات والقاء حجارة واغلاق طرق فهذه مسالة بحاجة الى إعادة نظر، وأنا أهيب بالجميع، من موقع المسؤولية، وخصوصا أننا نتحدث عن مفاهيم تؤسس لدولة ترقى لتطلعاتنا وتضحيات شعبنا، بأن لا نخطىء ونؤسس دولة بوليسية، وإنما دولة تحترم الحقوق والحريات، وخاصة حرية التعبير، وهذا يتطلب جهد من الجميع لايجاد صغية مقبولة".

وفي هذا السياق، أشاد فياض بمنتسبي المؤسسة الامنية،وقال: "بإعتزاز كبير اقول أنه لم تسجل ولو حادثة واحدة إطلاقا في الحد من حرية التعبير، رغم زيادة الاحتجاجات في بعض المواقع عن الحد، وهذا أمر مهم ويجيب على الكثير من التساؤلات حول سلوك السلطة الوطنية ومنهج عملها وتوجهها، من قبل الكثيرين بما في ذلك منظمة العفو الدولية".



مسؤوليتنا التعامل مع الواقع

وردا على ما يقال بان الاحتجاجات موجهة وليست عفوية، وتستهدف شخصه، قال فياض: نسمع تحليلات وتقديرات مختلفة حول الاحتجاجات ودوافعها، بصراحة أقول، لا أصرف ولا دقيقة واحدة للتفكير فيما إذا كانت هذه الاحتجاجات عفوية او موجهة او هناك من يقف ورائها . في المحصلة النهائية نحن نتعامل مع الواقع كما هو، فعلى سبيل المثال وردني الان شكوى من بيت ساحور بأن هناك اغلاق للطرق وهناك سيارات اسعاف تحمل مرضى منهم من هو بحالة حرجة، هذا يعني أن هناك شيء ما يحدث، وما الفرق إن كانت هذه الاحتجاجات عفوية أم مفتعلة . هناك واقع لا بد من التعامل معه، والبند الأول في ذلك الصراحة والمكاشفة مع الناس، والخضوع في النهاية لتقييمهم، أن نكون على قدر المسؤولية وأن نقبل بذلك، بما يشمل المناداة بالرحيل".

واضاف: "سواء كانت هذه الاحتجاجات عفوية أم مفتعلة، وأيا كان من يقف وراءها، ففي المحصلة النهاية لدينا مواطن يئن ويشكو، ووضعه المعيشي صعب لعدم كفاية الدخل في ظل مستوى مرتفع للاسعار بحكم الاتفاق القائم حاليا، والذي من المستحيل تغييره بغض النظر عما يقال من خطب بهذا الشأن . هذا واقع التعامل معه هو من مسؤوليتنا.



لن أهرب من المسؤولية وسأرحل إذا كان ذلك يحل المشكلة

وقال فياض أنه لن يتردد في التنحي عن منصبه، في حال استنتج أنه عنوان لها ورحيله يحل المشكلة.

وأضاف: "لو كنا في بلد مستقر سياسيا، وفيه آلية تحكم عملية تغيير الحكومات، وبشكل أساسي الانتخابات ومخرجاتها، لكانت المسالة محلولة . أصلا الاحتقانات في البلاد بما ادى الى اندلاع ما يطلق عليه بالربيع العربي، سببها غياب آلية تغيير منتظمة ويعتمد عليها. في الواقع الفلسطيني، للاسف الشديد هناك مجلس تشريعي غير عامل، وفي غيابه وغياب الانتخابات التي تحدد في الظروف العادية بداية ونهاية عهد أية حكومة، لا أجد المناداة بالرحيل أمرا نابيا، فهذه مسالة مقبولة في العمل العام، ويجب أن تكون كذلك.

وتابع: "أنا إنسان عادي، ولست مجنونا، فأنا اتألم للتشكيك بالنوايا، والاتهامات بالخيانة وبأني مفروض على هذا الشعب، لكنني لا أبني سياسة على هذا الكلام، ولا أقابله باجراءات، وإنما أستوعبها وأتجاهل الموضوع . لن أصرف عمري بالتفكير بأن هذا الكلام صحيح وهذا غلط وهذا قصير وهذا طويل . من يقول لي إرحل اقول له تكرم، وإن كان الرحيل يحل مشكلة بكل تاكيد لن اتردد في ذلك، وحتى لو أنه لا يحل مشكلة، ففي اطار أزمة مستمرة واحتجاج مستمر، من الممكن، في حال الوصول الى استنتاج إلى ان بقائي هو العنوان الاساسي للاحتقان والشكوى والرحيل ينفس الأزمة، فسأرحل . رئيس الحكومة بكل تأكيد مسؤول، ورئاسة الحكومة تكليف ومهمة لها نهاية، وليس امتيازا وتشريفا،واذا وصلت إلى شعور بأنني عنوان الأزمة، والتنحي جانبا ينفسها ويعود الناس الى مناقشة الامور بموضوعية وهدوء وصولا إلى حلول وقناعات تسير البلاد، فلن أتردد في ذلك. "



صندوق الاستثمار

وحول ما أثير من مطالب بضرورة مساهة صندوق الاستثمار في معالجة الازمة المالية للسلطة، وتداعيات إرتفاع الاسعار، قال فياض "ان الصندوق هو عبارة عن عنوان للانشطة التجارية والاستثمارية للسلطة الوطنية، تم تجميعها لغرض إدارتها بشكل شفاف في اطار صندوق، وكأي صندوق استثماري فإن ادارته مهمتها الحفاظ على موجوداته وتنميتها، وأيضا تحويل الأرباح المتحققة الى خزينة السلطة بحكم القانون، وقد حول بالفعل العام الحالي أرباح الى السلطة بمقدار 30 مليون دولار".

وأضاف: "لكن ليس هذا كل ما يمكن وفقا لتعريف مهام الصندوق، ففي الصندوق موجودات يمكن استخدامها في أوقات الضيق، إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال رهنها للحصول على قروض إضافية من القطاع المصرفي، وهذا ليس جديدا وإنما مارسته السلطة لفترة من الزمن، في المرة الاولى في العام 2005 عندما إنسحبت اسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة، حيث كنا في ضائقة مالية أضيف اليها التحدي المتمثل بمواجهة تداعيات الانسحاب الاسرائيلي من القطاع، فحينها استدنا بشكل مباشر من الصندوق، وايضا رهنا جزء من موجوداته مقابل قروض من البنوك، كما أنه خلال فترة الحصار المالي بين اذار 2006 وشهر اذار 2007، في ظل حكومة حماس، مول الصندوق السلطة الوطنية بشكل مباشر بقرار من الرئيس عباس،

وبعد الانقلاب، وخلال الفترة الواقعة بين النصف الثاني من العام 2007 وحتى يومنا هذا، تم تسديد كل الالتزامات القائمة على السلطة للصندوق، من خلال تحويل الارباح، سواء الالتزامات الناتجة عن القروض المباشرة من الصندوق أو الالتزامات الناتجة عن الرهن".

وتابع: هذا مسموح به، وهو قائم فعلا . الآن لا يوجد حاليا أية مديونية تذكر على السلطة للصندوق، لكنه بكل تاكيد جزء من السلطة الوطنية، فهو صندوق سيادي جاءت أمواله من العمليات التجارية للسلطة، هو فعلا احتياطي وطني استراتيجي للشعب الفلسطيني، مع الحرص دوما على تجنب تسييل موجودات الصندوق والمحافظة عليها حيثما أمكن".



من جهة أخرى، وصف فياض تصريحات الرئيس محمود عباس عقب لقائه الرئيس المصري محمد مرسي، من أن الحكومة هي حكومته، ولا فرق بين السلطة والرئيس ورئيس ورئيس الحكومة، "كلام مهم، وفي المحصلة النهائية هناك مكونات للمسؤولية، فهناك حكومة مسؤولة أمام الرئيس عن تنفيذ مهامها وإدارة شؤون الناس . هذه في النهاية مسؤولية الحكومة".



الربيع الفلسطيني مستمر منذ النهوض من ركام النكبة

وردا على سؤال بشان وصف ما يجري بأنه "ربيع فلسطين"، قال فياض "شخصياً اعتبر ان الربيع الفلسطيني قائم منذ النهوض من ركام النكبة، وهو قائم حتى إنهاء الاحتلال، بل حتى لآخر يوم يبقى فيه المواطن الفلسطيني يشعر بالغبن في ظل السلطة أو دولة فلسطين القادمة، وبهذا المعنى فإن الربيع الفلسطيني سبق الربيع العربي بعقود".

وأضاف: لست مع استنساخ الربيع العربي، الذي بدأ في تونس وامتد لمصر وبلدان اخرى، وسيعرج علينا . تاريخيا الهم الأكبر بالنسبة لنا هو إنهاء الاحتلال، وأرى ان الربيع الفلسطيني، بالروح التي قصد منها إطلاق تعبير الربيع العربي، يمارس كل يوم بتمسك كل مواطن بحقه وبيته امام الهجمة الاستيطانية الاسرائيلية".

وتابع: هناك مدرسة عرب الجهالين في الخان الأحمر، انتظم الطلاب والمدرسون فيها في اليوم الاول من العام الدراسي قبل أسبوع، ومنذ اليوم الاول وهي في جاهزية كاملة . الكتب والدفاتر والاقلام على المقاعد أمام التلاميذ، والمدرسين يقومون بعملهم بشكل طبيعي تماما، مع العلم ان هناك حكم متوقع في المحكمة الاسرائيلية سيحدد مصير هذه المدرسة في 13 ايلول الجاري، وهناك تخوف من ان تصادق المحكمة على قرار الجيش بازالتها، كمقدمة لازالة التجمع السكاني برمته . اليس في هذا المشهد ربيع فلسطيني؟ اساس هذا مغروس في وعي اطفل الفلسطيني قبل الشخص البالغ الراشد.

واعتبر رئيس الوزراء أن ملامح الربيع الفلسطيني موجودة فيما يمارسه كل مواطن فلسطيني كل يوم، وفيما يعبرون عنه من اصرار على البقاء في مواجهة الاحتلال، "كما أن السلطة شهدت احتجاجات واعتراضات على ادائها منذ بداية نشوئها وليس اليوم فقط، وبهذا المفهوم فإن الربيع العربي له تجليات قائمة منذ زمن، أو لم تكن الانتفاضة الاولى التعبير الأوضح عن هذه الروح؟

وقال: "أعتقد أنه لا يوجد لدينا، كفلسطينيين، ما نخشاه أو التهيب منه لجهة الحديث عن ربيع عربي أو ربيع فلسطيني".