|
كبرها بتكبر وصغرها بتصغر
نشر بتاريخ: 10/09/2012 ( آخر تحديث: 14/09/2012 الساعة: 12:15 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام- علما ان اتفاقية باريس هي الملحق الاقتصادي في اتفاقية اوسلو وكان الزعيم عرفات اضطر للموافقة عليها مؤقتا لعدة سنوات لحين انسحاب الاحتلال الا ان اسرائيل ظلت محتلة ويظل الاقتصاد الفلسطيني تابعا لتل ابيب ما يمنع اي افق للتطور او الاستقلال او حتى الاستيراد والتصدير ، والجمهور الفلسطيني يدرك ذلك و ان السلطة لا تملك قرارا وان الاحتلال هو سبب الازمة الاقتصادية لكن فلسفلة الاحداث هنا ان الناس لا يريدون الاعتراف بهذه الاتفاقيات و لا يريدون الاقرار بذلك ولا يعتبرون الاتفاقيات قدرا محتما ويرفضون ان تكون سقفا لحياتهم وحياة اولادهم .
ولا داعي للحديث عن مؤامرات او ويكليكس، فالامر طبيعي جدا، وغضب الناس في الشارع الفلسطيني مرده الوعي النقابي، وفي الضفة الغربية بالذات ارتقى الوعي الشعبي لدرجة يفاخر فيها، فالناس هنا لا يقبلون بالحد الادنى، ولن يقبلوا الاكتفاء برغيف الخبز وشظف العيش وان يغلقوا الابواب على انفسهم عند صلاة العشاء ويقولون "يا رب الستيرة". هنا يقف الناس يطالبون بحقوقهم كاملة، الحقوق المدنية مثل السياسية وحقهم في امتلاك سيارة وشقة فاخرة ومدارس راقية ومطاعم درجة اولى وخدمات ديلوكس واي فون وانترنت كامل السرعة، ولا يقبلون القمع او العبودية او الفقر او اخفاء مشاعرهم والعيش في ثقافة القناع والطأطأة للمسؤول او الوزير او الشيخ والادعاء ان كل شئ تمام، بل ان اجمل ما في هبة الضفة الغربية انها جاءت من غير الفقراء، فشباب الجامعات والمثقفين ورواد الفيس بوك والتجار واصحاب المركبات العمومي والموظفين هم الذين بدأوا موجة الاحتجاجات وليس العاطلين عن العمل والمعدمين والفلاحين... وهو امر يؤكد على ان الضفة الغربية تجاوزت ازمة الثقة بالنفس وتخطت خطر الاستكانة، وان اهل الضفة طووا صفحة العبودية مرة واحدة والى الابد، لم يخافوا الاحتلال ولن يخافوا اي جهة اخرى باتجاه مجتمع حر وديموقراطي لا يقبل ولا يريد ان يقبل نمط حياة العالم الثالث المبني على الخوف والاستكانة والرضوح والادعاء والحيل الدفاعية الاخرى. وبعيدا عن بعض المرضى العقليين والنفسيين الذين لا هم لهم في الحياة سوى تخوين الاخرين والتشكيك بامكانيات النجاح، وتخريب الممتلكات العامة بحجة انهم "متفاعلون مع الانتفاضة".. بعيدا عن هذه الثلة لا داعي للتفكير اذا كان هناك جهات دولية او محلية تخطط للاطاحة بالسلطة، او ان الاحتلال خطط لهذه الهبة، لا الاحتلال ولا السي اي ايه ولا مخابرات قطر او مخابرات تركيا تستطيع ان تحرك مئة شاب في اية مدينة من مدن الضفة، وجميع اجهزة المخابرات المذكورة وغيرها لا تستطيع ان تحكم زقاق في مخيم جنين او حارة في مخيم بلاطة او زنقة في مخيم الدهيشة او شارع في مدينة الخليل... كما ان حماس وباقي الفصائل الاخرى غير المشاركة اساسا في هبة الغلاء، انها سمعت عن التظاهرات من وسائل الاعلام ولم تخطط ولم تقد ولم تشارك فيما يحدث، وبالتالي لا نستطيع القول انها مؤامرة من الاخوان المسلمين بمساعدة امريكية واموال قطرية للسيطرة على الضفة اسوة بغزة. وانا على ثقة ان شباب الضفة الغربية وصلوا ذورة الوعي النقابي بمعناه الراقي والمسؤول حين انتفضوا ضد حكومتهم، وضد انفسهم مطالبين لهم ولاولادهم بمستوى حياة ارقى واشمل، ومرة اخرى ان مدن الضفة لا تريد ان تقبل بالحد الادنى وهذا اجمل ما في الهبة الشعبية، لانهم يريدون مقارنة انفسهم باوروبا وحتى مدن داخل الجدار، وهو امر عبّر عنه وزير المالية الجديد د.نبيل قسيس في اول اجتماع للصحافيين معه حين قال ( ان سكان الضفة يتصرفون وكأننا دولة غنية ولا يريدون الاعتراف بأن السلطة مفلسة ) وهذا صحيح، بل انني اكاد اختلف مع دعوة الدكتور محمد اشتيه الى التقشف والقبول بالحد الادنى من مستوى الحياة، وادعو الناس وادعو نفسي الى المطالبة بمستوى حياة افضل من حياة اورروبا ان امكن وليس قبول الخنوع والاستكانة وان نشكر الحكومات التي ادامها الله فوق رؤوسنا، ونحن لا نريد سوق سوداء وثقافة فقر بل نريد سوق حر وسوق عمل كامل متوازن. كما ان بقاء الحكومة او عدم بقائها لا يستأهل البكاء والندب والادعاء ان هناك مؤامرة ضد المشروع الوطني ، فاما ان تسارع الحكومة لحل مشكلة غلاء الاسعار وعدم وجود عمل ووظيفة لكل مواطن، وهو حق لكل مواطن في الضفة الغربية تحت حكم هذه الحكومة او لترحل الحكومة فلا مشكلة في الامر ولا غضاضة، واذا ارادت الحكومة ان يبقى سعر كيلو اللحمة 20 دولارا ولتر الوقود دولارين ونصف عليها ان تصرف اجورا تماثل اجور السوق الاسرائيلي، واذا لا تستطيع لتعترف انها لا تستطيع وتوفر علينا عناء التظاهر. اما ان يقول احد المسؤولين "مستحيل وجود حل" فمعنى ذلك انه مستحيل عليه هو وجود حل، وليس مستحيل على غيره وجود حل، واذا وجد حلا مقنعا اهلا وسهلا واذا لم يجد فمع الف سلامة ودون اي مؤامرة. |