وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مذبحة صبرا وشاتيلا تُعيد الفارعة 30 سنة إلى ذاكرتها

نشر بتاريخ: 18/09/2012 ( آخر تحديث: 18/09/2012 الساعة: 16:48 )
طوباس – معا - أعاد لاجئون وشبان وفتيان ونساء بناء تفاعلات وصدى مخيم الفارعة مع مذبحة صبرا وشاتيلا، قبل وقوعها منتصف أيلول 1982.

واستردوا خلال الحلقة الثانية من برنامج"ذاكرة لا تصدأ" الذي تنفذه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في المخيم، الأجواء الحزينة التي انتشرت في أزقته ومنازله، وما رافقها من رفع للرايات السوداء، وتنظيم للمسيرات والمظاهرات حزناً على المذبحة البشعة، التي نفذتها الكتائب اللبنانية بحماية ودعم من جيش الاحتلال.

ورسم اللاجئ صبحي محمد عناية، المولود في أم الفحم اللحظات العصيبة التي عاشها المخيم بعد الإعلان عن المذبحة. وقال: تألمنا كثيراً، وخشينا من أن تستغل إسرائيل الجريمة لذبحنا، مثلما حصل في كفر قاسم والطنطورة ودير ياسين.

وقال هزاع عبد الرحمن الغول، الذي أبصر النور في الكفرين عام 1939، إنه شاهد أول مرة أخبار المجزرة من التلفزيون الأردني في نشرة الثامنة مساء، وشعر بالغضب والحزن، وبدأ يتخوف من تكرار ما حدث في مخيمه.

أما الثمانيني حسني سالم أبو مراد، المولود في أم الفحم، فيسترد شريط ذكرياته: رفعنا الأعلام السوداء فوق البيوت، ورحنا نضرب أخمساً بأسداس لما سيحل بنا، ولم نستوعب ما نشاهده من أكوام للجثث.

لكن الحاج إبراهيم أبو شاويش، الذي فقد قريته قنير القريبة من حيفا، يقول: بعد ثلاثين سنة من المذبحة، شفنا الموت بعيننا، فمرة نذبح في العراق، وهجّرونا من ليبيا، واليوم جاء الدور على سوريا واليرموك. ولا ننسى صرخات النساء التي شاهدناها على التلفزيون، والجثث المربوطة بحبال في صبرا وشاتيلا.

مما يستعصي على النسيان من ذاكرة ابو شاويش، كيف أنه دخل الصف الأول الابتدائي في مخيم الفارعة، وكانوا يقفون دقيقة حداد على النكبة في طابور الصباح، لكن هذا التقليد حل محله عروض أفلام سينمائية لا علاقة لها بجرحنا.

ويقول السبعيني محمود أمين أبو لبادة: أتيحت لي الفرصة أن اعمل وأقيم في لبنان قبل النكسة، وزرت صبرا وشاتيلا، وأتذكر الكثير من تفاصيلها، فموقعها الجغرافي تُحسد عليه، وقريبة من البحر والمطار والمدينة الرياضية.

يضيف: بعد سماعنا عام 1982 بالمذبحة، شعرنا أن الدنيا تضيق علينا مرة أخرى، فرقعنا الأعلام السوداء، وخرج الناس في مسيرات ومظاهرات ببعض المدن، ودخل الحزن كل بيت وقلب.

ويقول زياد أبو كشك الأستاذ الجامعي، إنه تواجد خلال وقوع المذبحة في المملكة العربية السعودية حيث كان يعمل مدرساً، فشرع مع من عرفهم باللقاء ومناقشة المجزرة وتداعياتها، بطريقة سرية خشية من السلطات.

ويضيف: كان المشهد قاسياً، ولم نصدق درجة الحقد علينا وعلى دمنا، وخشينا من أن يستغل الاحتلال ما جرى، لتنفيذ فظائع مماثلة في مخيماتنا.

وتسترد المربية والناشطة النسوية ليلي سعيد، حكاية المجزرة وانعكاسها على مخيمها، حين ارتفع قلق العائلة بفعل وجود شقيقها عبد الكريم في الخارج، وخشيت أن يكون في لبنان من بين الشهداء، وبعد فترة علمت أنه في السجون السورية.

تتابع: تناقشت وزميلتي المعلمة ليلى بشير، واتفقنا أن لا نُدرس الطالبات الرياضيات والأحياء، وأن ننقل لهن ما حدث في صبرا وشاتيلا، وبالفعل خرجنا في مسيرات بطوباس ضد ما حدث، وبعد أيام استدعيت إلى مقر الحاكم العسكري، وحولت إلى "بيت إيل" وقطع راتبي 6 أشهر، واتهمت بالتحريض.

ويعيد الأستاذ نافز جوابرة بناء لحظات الصدمة في مخيمه، إذ أخذ ورفاقه في نقل ومناقشة ما جرى مع الطلبة، فقد كان يتابع مجرياتها عبر المذياع، ويتتبع كل ما يدور حولها من نقاشات وألم.

يقول: نظمنا اعتصامات داخل المدرسة، ورفعنا الأعلام السوداء، ولم نستطع تنفيذ فعاليات أخرى، بحكم ملاحقة الاحتلال.

ويورد مصطفى محمد جعايصة، الذي ولد في بلدة الكفرين قضاء حيفا، قبل سنتين من النكبة: كنت أعمل موظفاً في بلدية نابلس، وخرجنا في مظاهرات ومسيرات من أمام المستشفى الوطني، ووصلت مقر الحاكم العسكري ( المقاطعة اليوم)، وجاء ضابط إسرائيلي وقال لنا: سنمنع التجول عليكم، ولو نقتلكم جميعا لن يعرف عنكم أحد.

ويقول الأربعيني باسل منصور: تبعت المجزرة تحركات جماهيرية وشعبية وخاصة في مراكز المدن، وبفعل التعتيم الذي فرضه المجرمون على المذبحة، ولعدم وجود وسائل إعلام بكثافة كما هو الحال اليوم، خرجت المسيرات بعد أيام من تنفيذها، ورفعت الأعلام السوداء فوق بيوت المخيم، وعمت أجواء الحداد، وخرج طلبة المدارس في مواجهات مع جنود الاحتلال، وأغلق شبان الفارعة الشارع الرئيس.

ويروي رائد جعايصة الكفريني الذي يقف في عقده الرابع: كان حال الفارعة حزيناً في تلك الأيام، وما زاد من أجواء الحداد والسخط على المذبحة، وما تبعه من رفع للرايات السوداء، الإشاعات التي راجت بيننا، وأفادت بأن أحد الشاب أحمد صبح من مخيمنا، والموجود في لبنان، هو من بين شهداء المذبحة.

يضيف: علمنا لاحقاً بعدم صحة ما وصلنا، لكن أحزاننا بقية كبيرة على ما جرى من جرائم تقشعر الأبدان.

وتحدث ثلاثة فتية ولدوا بعد المجزرة عن حضورها في يومياتهم ومناهجهم الدراسية وذاكرتهم، فقال صبحي مهند حطاب: قصّ لي جدي الحكاية المؤلمة، وصرت أسمعها من الإذاعة المدرسية كل سنة، وأشاهد مقاطع مؤلمة منها في مواقع الإنترنت.

فيما ذكر الفتى سيف صلاح سرحان أن عدد شهداء المذبحة الكبير، والذي يتراوح بين 3500 و5000آلاف شهيد، هو الذي يجعلنا نبكي دماً.

أما أحمد خالد سرحان فقال: يؤلمنا أكثر أن المذبحة نفذت من قبل الكتائب اللبنانية، التي تفوقت في حقدها على الاحتلال.

وقرأ باسل منصور مقاطع من رواية عمه محمد حمد صبح، الذي غيبه الموت مطلع الشهر الحالي، عن أم الزينات جنوبي حيفا، التي قضى فيها طفولته، وتذكر كرملها وزيتونها ولوزها وخروبها.

فيما اختزنت ذاكرته معالم خلة الزرد، وزيتون المقشور، والرجم، والانجاصة، وجرن البارود، وكرم ظاهر، والحساسنة، ودار أحمد القاسم، وخلة الجاج، وبير الناطف، وأراضي الروحة، وغدران العليق، ووادي أبو نمر، والشقاق، والصفصافة، وبير الهرامس، وشمهورش، اللذين أخذا اسميهما من أسطورة الجن والخرافة.

ودرس الراحل أبو منصور في قريته حتى الصف السابع، بعدها انتقل لمدرسة البرج الثانوية بحيفا لإكمال الأول ثانوي، وسكن في حي حواسة، وحافظ على تفوقه وتحصيله المتقدم، فكان في مقدمة التلاميذ. وحين كان يذهب أساتذته إلى حيفا للحصول على معاشاتهم، تولى بنفسه تدريس التلاميذ بطلب من المدير.

وروى قبل رحيله: 'في إحدى ليالي أيار، كنا ننام في بيتنا، وبجنبي أبي وأخي وابن عمي محمد مصطفى، وعند الفجر دخل علينا أخي الأكبر مسرعا، ليخبرنا أن العصابات دخلت البلد، لنسمع بعدها صوت إطلاق النار من سلاح 'برين' البريطاني، فهربنا إلى أحراش الكرمل، ثم انتقلنا إلى إجزم، ودالية الكرمل والفريديس، وأمضينا نحو أربعة أشهر في إجزم، التي ظلت تقاوم اليهود بشراسة، لنذهب منها إلى أراضي الروحة، ونقيم في أم الفحم حتى شتاء عام 1948. بعدها اتجهنا نقصد بلدة الكرامة في الضفة الشرقية، غير أن الجنود الأردنيين أعادونا، ورجعنا إلى النويعمة قرب أريحا.'

وعمل صبح مدرسا للغة العربية والاجتماعيات، في مدرسة مخيم الجلزون للاجئين منذ آب 1949، ثم انتقل إلى مدرسة مخيم الفارعة، قبل أن يفصله قرار حكومي أردني عن العمل، لانتمائه للحزب الشيوعي بعد ثماني سنوات.

وحرص على العودة إلى أم الزينات، وعلّم تلاميذه أنهم ينحدرون منها ومن القرى المدمرة، واصطحبهم بعد النكسة (1967) إليها في رحلة، وفتش عن المدرسة، وعثر على فناجين القهوة، والجرن الخشبي في بيتهم. وقال ليهودية مستوطنة هذا هو بيتنا، وأنتم سرقتموه.'

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس عبد الباسط خلف إن الهدف من سلسلة "ذاكرة لا تصدأ" الدورية، عدم حصر استذكار جرح النكبة ووجعها في سنويتها كل عام، والحرص على توثيق الروايات الشفوية لحراس الذاكرة، بشتى الوسائل الإعلامية، قبل أن يختطفهم الموت.

وأضاف أن الوزارة تحاول توثيق لروايات الشفوية، وعدم الاكتفاء بالسرد والتسجيل التقليدي لها.
فيما ذكر نافز جوابرة من اللجنة الشعبية للخدمات، أن اللقاء القادم سيركز على بناء تفاصيل موسم الزيتون في القرى المدمرة وطقوسه، كما سترسمه ذاكرة الجيل الذي يصون حق العودة.