وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

دعوة لبلورة إستراتيجيّة لإفشال السيناريوهات المفضلة لاسرائيل

نشر بتاريخ: 04/10/2012 ( آخر تحديث: 04/10/2012 الساعة: 12:34 )
رام الله- معا- أكدت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والفاعلة على ضرورة العمل على بلورة خطة إستراتيجية تركز على إفشال السيناريوهات المفضلة لإسرائيل، مثل استمرار الوضع الراهن والتسوية المؤقتة و"الانفصال" أحادي الجانب، وضرورة الخروج من قواعد أوسلو ومحدداته، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها، وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وإحياء المشروع الوطني.

جاء ذلك خلال لقاء نظمه المركز الفلسطينيّ لأبحاث السّياسات والدّراسات الإستراتيجيّة – مسارات، في مقره بمدينة البيرة، يوم أمس الأربعاء، تحت عنوان: "الخطوات الإسرائيليّة أحاديّة الجانب.. ما العمل؟". وقد أدار اللقاء هاني المصري مدير عام المركز.

وطالب المشاركون في اللقاء، الذي يندرج ضمن سلسلة من جلسات التفكير الإستراتيجي التي ينظمها المركز، بأن تكون هذه الإستراتيجية شاملة، ومنسقة الأهداف والأدوات، وتوظف كل عناصر القوة المتاحة والكامنة لدى الشعب الفلسطيني، وتزجها في مقاومة الاحتلال بمختلف الأشكال المشروعة وفق القانون الدولي، مع التركيز على المقاومة السلمية الشعبية، والعمل على تعبئة وتمكين الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

وركز اللقاء على الخطوات الفلسطينية التي يمكن اتخاذها في المدى المنظور، وعلى الصعيد الإستراتيجي، من أجل حرمان دولة الاحتلال من الاستفادة من ميزات بقاء الوضع الراهن على حاله، وبخاصة من حيث العمل على إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال إعادة النظر في مسار المصالحة الوطنية الذي وصل إلى طريق مسدود وبات يقتضي وضع المصالحة ضمن مشروع إحياء المشروع الوطني، عبر التمسك بخطاب الحقوق التاريخية، والأهداف الوطنية في إنهاء الاحتلال، وعودة اللاجئين إلى الديار التي هجروا منها، وحق الشعب الفلسطيني أينما وجد في تقرير المصير بصفته حقا جمعيا لكل الفلسطينيين. وتم التحذير من أن إسرائيل تواصل العمل على تعميق الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ أكثر من خمس سنوات وتكريسه، لإدامة الوضع الراهن وكسب المزيد من الوقت؛ لاستكمال فرض أمر واقع، من خلال تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، وأسرلة القدس وتهويدها، وتشديد الحصار.

ودعا عدد من المشاركين في اللقاء إلى اتخاذ القيادة إجراءات من شأنها الخروج من قواعد ومحددات اتفاق أوسلو وقيوده، بما في ذلك إعادة النظر في دور السلطة وشكلها ووظائفها، بحيث تكون جزءًا من منظمة التحرير وأداة لحركة التحرر الوطني، وليس وكيلًا أمنيًّا وإداريًّا واقتصاديًّا للاحتلال، وعليها الإقلاع عن سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهذا لا يعني بالضرورة إلغاء اتفاق أوسلو نهائيًّا وبخطوة واحدة، بل يمكن أن يتم ذلك بالتحلل من الالتزامات الفلسطينية فيه بالتدرج وعلى مراحل، فإسرائيل قد تجاوزته منذ زمن، ولم تنفذ التزاماتها فيه تجاه الشعب الفلسطيني، كما أزالت القضية الفلسطينية من أولوياتها، وهذا ظهر جليًا في خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، الذي جعل من إيران أولى أولوياته.

ونوه المشاركون إلى وجوب تركيز السلطة على القيام بدور خدمي، وأن تترك الأمور السياسية لمنظمة التحرير، بما ينسجم ودورها مع متطلبات المرحلة المقبلة التي ينبغي أن يكون عنوانها إحياء المشروع الوطني التحرري الجمعي، وفتح الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري. كما طرحت تصورات تتعلق بكيفية تطوير المقاومة الشعبية والتوقف عن سياسة السلطة في تحييد المدن عن الانخراط في المقاومة المباشرة ضد الاحتلال والاستيطان، وتم التوقف أمام بعض التصورات حول طبيعة التغييرات المطلوبة في بنية السلطة ووظائفها، بما يعيد تحديد دورها في إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني، دون تحولها إلى عبء على مشروع التحرر الوطني.

وتطرق اللقاء إلى ضرورة التعامل مع التوجه نحو الأمم المتحدة، بما في ذلك للحصول على عضوية الدولة المراقبة، كأحد مكونات خطة إستراتيجية ترمي لدفع المجتمع الدولي للتعامل مع نظام الاحتلال والاستيطان والعنصرية برمته باعتباره غير شرعي وغير قانوني وليس فقط ممارساته وإجراءاته على الأرض.

وأكد على ضرورة إحياء منظمة التحرير لتكون هي المؤسسة الجامعة، للقيام بدورها السياسي، والمطالبة باستقلالية مؤسساتها، وإعادة الصلة بين الفلسطينيين في الداخل والخارج، لتكون المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ومرجعيته الأساسية.

ونوه المشاركون إلى أن ركائز الوضع الراهن التي كانت تستند إليها إسرائيل قد تغيرت، كما انهار بعضها، فالمفاوضات متوقفة منذ سنوات، وبعض الأنظمة العربية الداعمة للوضع الراهن سقطت، خصوصًا نظام حسني مبارك حليف أميركا وإسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية لم تعد تهتم بالقضية الفلسطينية وهي منشغلة بأزمتها الاقتصادية، وحاليًا بانتخاباتها الرئاسية، والسلطة تعيش أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة، إضافة إلى الحديث عن إعادة البحث في أوسلو الاتفاقات الموقعة وبروتوكول باريس. وحاليًا إسرائيل تبحث عن ركائز أخرى، عمادها الانقسام الفلسطيني، و"السلام الاقتصادي"، وحتى اختبار إمكانية وتبعات العودة إلى الاحتلال المباشر.

وطالبت الشخصيات أيضًا باستعادة الأبعاد العربية والدولية للقضية الفلسطينية وإعادتها إلى الأمم المتحدة لكي يتم التعامل معها على أساس القانون الدولي، مع دراسة خيار التدويل، وحشد حركة التضامن الدولية، وانتهاز الفرص التي تتيحها الظروف الراهنة، خصوصًا بعد الثورات العربية والمتغيرات الإقليمية والتحالفات التي شهدتها بلدان "الربيع العربي"، فلا بد من التشبيك مع قيادات "الربيع العربي"، والمطالبة بالضغط على الاحتلال ونزع الشرعية عنه، وتفعيل المقاومة الشعبية، ومقاطعة المنتجات والبضائع الإسرائيلية، على المستوى الفلسطيني وعلى المستويات الدولية الرسمية وغير الرسمية، إضافة إلى المقاطعة الأكاديمية.

وحذرت تلك الشخصيات من خطورة إحلال المجالس البلدية بعد الانتخابات المحلية الجديدة بدلًا من السلطة، تحت شعار اعتبارها الأطر والهياكل الوحيدة المنتخبة في ظل تآكل شرعية مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير في غياب الانتخابات، وإمكانية التعامل مع الهيئات المحلية وتوجيه التمويل الخارجي نحوها على هذا الأساس، لاسيما أن إسرائيل تحاول منذ فترة ربط المواطن الفلسطيني بما يسمى "الإدارة المدنية"، عبر إصدار التصاريح، وزيادة عدد العمال في إسرائيل في الآونة الأخيرة، بما يؤدي إلى إضعاف السلطة، وفقد ثقة المواطن الفلسطيني فيها.

وتطرق اللقاء إلى السيناريوهات المفضلة إسرائيليًّا، وأولها استمرار الوضع الراهن القائم بالاستفادة من السياسة الفلسطينية ذات الطابع الانتظاري، والتي تسعى لإبقاء وضع السلطة على ما هي عليه ببنيتها ووظائفها والتزاماتها، أملًا بإحياء خيار التفاوض، في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان وفرض وقائع على الأرض، ترى إسرائيل أنه من الصعب التراجع عنها في المستقبل، حتى لو عاد الفلسطينيون إلى مربع المفاوضات.

أما السيناريو الثاني (الدولة ذات الحدود المؤقتة) فيقوم على مبدأ التسوية المؤقتة، وهو المفضل لدى الكثير من الإسرائيليين، لاسيما لأقطاب حكومة نتنياهو، فهو يؤدي إلى إنشاء "دولة" فلسطينية بمساحة جغرافية أقل، ومقسمة إلى كانتونات منفصلة وتابعة دائما، وستكون "دولة مؤقتة" دائمة، لكنها توحي بتحقيق ما بات يعرف باسم "حل الدولتين الشكلي"، على الأقل أمام المجتمع الدولي، بما يعفي إسرائيل من مسؤولياتها كدولة محتلة، كما يعفي المجتمع الدولي من حرج الوقوف متفرجًا على استمرار رفض إسرائيل لما يسمى "حل الدولتين". ويتطلب هذا السيناريو ممارسة أشكال من الضغط والابتزاز ضد السلطة، دون أن يمثل ذلك تهديدًا جديا لوجود السلطة، لكن بما يمكن إسرائيل من الاستمرار في تحويل السلطة إلى وكيل إداري وأمني واقتصادي يخدم سياسة الاحتلال الرامية إلى فرض وقائع تجعل سيناريو "الدولة المؤقتة" الخيار "الواقعي" الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين.

ويتمثل السيناريو الثالث، متزايد الشعبية في إسرائيل مؤخرًا، في "الانفصال الأحادي"، بما يمكن إسرائيل من تقرير حدودها النهائية ومصير المستوطنات الكبرى وقضايا أخرى تتعلق بالأمن والموارد دون عبء مفاوضات "حل الدولتين"، ومن ثم تقوم بفرضه بالقوة. أما الخيار الأخير، فيقوم على إعادة السيطرة المصرية على القطاع، والأردنية على بقايا الضفة، والحديث عن هذا السيناريو هو بمثابة "نهاية فكرة الدولة"، وقد يتطور باتجاه الاحتلال المباشر للضفة الغربية، على الأقل، تبعا لتطور الموقف الفلسطيني، أو وجود تهديد حقيقي لقدرة السلطة على البقاء، أو تبني خيارات فلسطينية "أحادية الجانب" قد تصل إلى التحلل من التزامات اتفاق أوسلو وحل السلطة، أو ربما تطورات الأوضاع على المستوى الإقليمي.

وناقش المشاركون في اللقاء مدى ترجيح تقدم أحد السيناريوهات على الأخرى، لاسيما أن التغيرات الناجمة عن الاختلال الكبير في ميزان القوة قد تلعب دورا أساسيا في ترجيح تقدم سيناريو "الانفصال" الإسرائيلي أحادي الجانب، في حالة الإخفاق في الإبقاء على سيناريو استمرار الوضع الراهن الأقل كلفة من حيث إطالة عمر الاحتلال، ولكن الأسهل من حيث قدرة الفلسطينيين على إنهائه. بهذا المعنى، فإن استمرار الاحتلال يبقى السيناريو المفضل إسرائيليا، يليه سيناريو الدولة ذات الحدود المؤقتة (التسوية المؤقتة).

وقال المجتمعون إن ثمن الحفاظ على الوضع الراهن في غياب أفق سياسي لعملية تفاوضية بعيدة عن تأثير الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح دولة الاحتلال سيكون باهظا جدا بالنسبة للفلسطينيين، إذ يمكن هذا الوضع إسرائيل من مواصلة سياسة فرض الوقائع على الأرض بقوة السلاح والاستيطان والجدار، وكما يقطع الطريق على إمكانية تبني خيارات إستراتيجية فلسطينية تغادر مربع المفاوضات المرتهنة شكلا ومضمونا إلى الاختلال القائم في ميزان القوى.

واتفق على عقد جلسات للتفكير الإستراتيجي تكرس للبحث في عدد من الأفكار، مثل كيفية إحياء دور ومكانة منظمة التحرير ومشروع التحرر الوطني، والمقصود بتغيير شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها، إضافة للسياسات الفلسطينية الفعالة في مواجهة السيناريوهات الإسرائيلية المفضلة، لاسيما سيناريو الخطوات أحادية الجانب ووصول "حل الدولتين" إلى طريق مسدودة، دون أن يكون الأفق مفتوحا في المقابل أمام السيناريوهات البديلة مثل الدولة الواحدة أو ثنائية القومية.