وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فياض لأطراف الحوار الاقتصادي:توصيف الأزمة ليس كافيا نريد مقترحات عملية

نشر بتاريخ: 06/10/2012 ( آخر تحديث: 07/10/2012 الساعة: 12:23 )
رام الله - معا - طالب رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض أطراف الحوار الاقتصادي والمالي بالخروج من مرحلة توصيف الأزمة إلى طرح أفكار ومقترحات عملية للتخفيف من حدتها.

جاء ذلك خلال كلمة رئيس الوزراء في افتتاح مؤتمر دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي نظمه ملتقى الحريات- الإئتلاف الأهلي من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعُقد في مقر الهلال الأحمر في البيرة اليوم، بحضور عدد من المسؤولين وممثلين عن القطاع الخاص والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال.

وقال فياض "التنمية المستدامة في ظل الاحتلال غير ممكنة، وهذا محل إجماع، ومع التأكيد على ضرورة بذل كل جهد ممكن لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67، فإن السؤال الملح الآن هو: ما الذي يمكن عمله للتخفيف من حدة الأزمة، وبما يوفر عناصر الصمود لشعبنا وقدرته على مواجهة الاحتلال والأعباء الناجمة عن ممارساته".

وأضاف "إن هناك توافقاً تاماً على الأثر التدميري للاحتلال على النشاط الاقتصادي في فلسطين، بما يشمل حصار قطاع غزة ونظام التحكم والسيطرة المفروض على شعبنا، بما فيها القيود التي يفرضها في الضفة الغربية على حركة المواطنين والبضائع، وإحكام قبضته على المقدرات الفلسطينية، وإضعاف آفاق الاستثمار، خصوصاً في القدس الشرقية والمناطق المسماة "ج". ورغم ما نمر به من أزمة مالية، إلا أن السلطة الوطنية لا تتوانى عن السعي لتقديم البدائل للحد من التأثير السلبي لممارسات الاحتلال، والمطلوب الآن أن يرتفع مستوى النقاش ليخرج من نطاق التوصيف إلى نطاق تفصيلي أكثر، يسهم في إيجاد حلول عملية للأزمة المالية وللوضع الاقتصادي الراهن"، مؤكداً أن الحوار "جزء من صنع السياسيات، للتعامل مع أولويات السياسة الاقتصادية في فلسطين".

وشدد رئيس الوزراء على أن الموجه الأساسي للسياسة الاقتصادية للسلطة الوطنية، كما هو الحال لكل الدول يتمثل أساساً في خفض البطالة.

وقال "خفض البطالة كان ولا يزال العنوان الأساسي، الموجه للسياسة الاقتصادية للسلطة، فرغم الانخفاض التدريجي الذي شهدته على مدار السنوات السبع الماضية، ولو بشكل طفيف، إلا أنها بقيت مرتفعة، وعاودت الارتفاع بشكل ملحوظ خلال العامين السابقين".

وأضاف "ليس من الغريب أن ترتفع نسبة البطالة إذا راجعنا المعطيات الاقتصادية، حيث حدث انحسار في نسبة النمو الاقتصادي منذ عام ونصف، فبعد أن وصل 10% في نهاية عام 2007 وحتى قبل عام ونصف تقريباً، تراجع الآن إلى 5%، في حين أن نسبة النمو المطلوبة لوقف ارتفاع البطالة وإبقائها عند مستواها الحالي يجب ألا تقل عن 7%". وتابع "النمو الاقتصادي المنشود هو النمو القادر على تمكين الإقتصاد الفلسطيني من توفير فرص العمل والحد من البطالة".

وفي هذا السياق، شدد فياض على أهمية المبادرات التي يتقدم بها القطاع الخاص، وأخرها برنامج تأهيل وتدريب ودمج الخريجين، وإعدادهم لسوق العمل، عبر تدريب مدفوع الأجر داخل الشركات نفسها، وهي مبادرات تستحق الدعم من الحكومة، وهي بداية لتفكير عملي إيجابي ملموس، لكننا بحاجة إلى أكثر من ذلك، خصوصاً أن حوالي 40-50 ألف مواطن يدخلون سوق العمل سنوياً.

وأشار رئيس الوزراء إلى محدودية أدوات التدخل الحكومية للتخفيف من الأزمة، وهي أكثر محدودية في الواقع الفلسطيني. وقال "كما هو معروف، فان أدوات التدخل لدى الدول والحكومات تنحصر في أداتين رئيسيتين: السياسة النقدية، والسياسة المالية. نحن ليس لدينا سياسية نقدية لغياب عملة فلسطينية وطنية، وحتى لو وُجدت فإن إمكانية التأثير عبر هذه السياسات النقدية محدودة، وأثبتت التجارب أنه لا يمكن الاعتماد على السياسات النقدية فقط في مواجهة الأزمات، معتبراً أن الأداة الأساسية للتدخل تتمثل بالسياسات المالية".

وأضاف "عندما لا تسير الأمور كما يجب، فإن التوصيف هو أن السياسات المعتمدة غير كافية، وبحاجة إلى مراجعة، وبالنظر إلى الواقع ومعطياته، فإن مراجعة السياسات الاقتصادية، وتحديداً المالية، والبدء بالإجابة على بعض التساؤلات بشكل محدد، والانطلاق من منطلقات محددة، وأعتقد أن الحوارات الجارية مهمة جداً في هذا الاتجاه، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يجري فيه إعداد موازنة العام 2013".

وفي هذا السياق، حث فياض مجدداً أطراف الحوار، إلى الابتعاد عن العموميات في تناول الأمور، داعياً إلى "أقصى درجة من التحديد فيما يمكن عمله سواء في مجال خفض الإنفاق أو غيره، فنحن منفتحون على أية أفكار ومقترحات".

ولفت إلى التناقض في التعاطي مع المساعدات الخارجية، حيث يُنظر لها من البعض باعتبارها خطر على القرار الوطني المستقل، وفي نفس الوقت ضرورية من باب تحميل المجتمع الدولي لمسؤولياته، ولغياب أية إمكانية لتحقيق الاعتماد على الذات في ظل الاحتلال. وقال "كنت أظن أن مسألة تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية مسألة توافق ومحل إجماع، لكن من الواضح أن هناك تناقض، حتى لدى نفس الأشخاص، بين القول بضرورة خفض الاعتماد على هذه المساعدات لأنها ترهن قرارنا السياسي، وفي نفس الوقت المطالبة من نفس هؤلاء الأشخاص بأقصى جهد للحصول على أكبر قدر من المساعدات".

وفي هذا السياق، أكد فياض أن السلطة الوطنية تبذل كل جهد ممكن للحصول على مساعدات خارجية، وفي نفس الوقت تعمل على تقليل الاعتماد عليها عبر سياسة متوازنة لزيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق، وقال "عندما نرى أن العجز المتراكم آخذ بالارتفاع، لا نستطيع الاكتفاء بالقول لشعبنا الجوع ولا الركوع، فنحن في مرحلة تحرر وطني، والصمود له متطلبات. بناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية مكون أساسي من مكونات النضال والقدرة على الصمود".

وشدد رئيس الوزراء على ضرورة التخلص من العجز غير الممول، المتمثل بالرواتب المتأخرة ومستحقات القطاع الخاص، "وهي أولوية بالنسبة لنا لإعادة العجلة الاقتصادية الى الدوران". وقال "جزء مهم من عملنا اليومي هو السعي لسد الفجوة الناتجة عن عدم ورود ما يكفي من مساعدات. الحكومة هي أكبر مستهلك للسلع والخدمات، وعندما تعجز عن سداد ما عليها من مستحقات للموردين، فإن ثقتهم بالسلطة تضعف، وهذا عنصر له تأثير سيء بدرجة كبيرة على الاقتصاد".

وفي هذا السياق، قال فياض أن الحكومة تسعى إلى تحويل الديون غير النظامية، وهي المستحقات المترتبة عليها للمتعاملين معها من موردين وموظفين، إلى دين نظامي للبنوك، "وهذا يمكن أن يشكل حلاً وسطاً، بحيث تعاد هيكلة الدَين المحلي بشكل يخفف بعض الأعباء عن الاقتصاد، دون زيادته". وقال "هناك الكثير مما يقال عن مديونية مفرطة للسلطة الوطنية، وأنا لا أعرف بأي مقياس هي مفرطة، إذا كان بالقياس إلى وضع مديونية صفرية، فنعم هناك مديونية كبيرة، لكن إذا كان المقياس هو قدرتنا على الاقتراض، فالجواب بالتأكيد لا، ولكن الحديث في هذه الموضوع بالطريقة التي يتم بها، خلق انطباعاً حد من هامش المناورة لدينا". وأضاف "بمقارنة مديونيتنا مع مديونيات دول المنطقة، فإن الاستنتاج هو أن مديونية السلطة الوطنية ليس مفرطة على الإطلاق".

ودعا رئيس الوزراء إلى التعامل مع هذا الموضوع بمسؤولية وموضوعية، "فنحن لدينا مشاكل وأزمة حقيقية، حتى قبل الصعوبات الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية، ومستوى البطالة مرتفع بشكل غير مقبول، ويجب أن لا تكون المسألة مسألة تسجيل نقاط هنا وهناك.

ورداً على دعوات البعض ومطالبتهم بوقف الصرف على قطاع غزة، أكد فياض أن السلطة الوطنية ستواصل تحمل مسؤولياتها في القطاع، داعيا في نفس الوقت الى توجيه الجهد نحو إنهاء الانقسام، وقال "بالتأكيد فإن السلطة ترفض هذه الدعوات، وهي لن تتخلى عن التزاماتها تجاه شعبنا في القطاع، فقطاع غزة ليس حمولة زائدة كما يتصور البعض، وبدلاً من ذلك يجب القول لحماس (كفى) "، وأضاف "إن حجز فواتير المقاصة، التي من المفترض أن تعود للسلطة الوطنية لاستخدام عائداتنا الضريبية في تلبية احتياجات شعبنا، بما في ذلك قطاع غزة، فإنها للأسف بهذا الحجز للفواتير، تبقى هذه العائدات في الخزينة الإسرائيلية، وتُستخدم من قبل الاحتلال، بما في ذلك في بناء المستوطنات".

وحول الانتخابات المحلية والتي انطلقت الحملة الدعائية لها اليوم قال رئيس الوزراء "أتطلع إلى أن تتسم هذه الحملات التي تستهدف كسب ثقة المواطن بالمنافسة الإيجابية والبنَّاءة، وبما يساهم في أوسع مشاركة في الاقتراع، باعتبار ذلك ليس فقط حقاً للمواطن وواجباً وطنياً عليه لاختيار الأكثر قدرة وكفاءة لإدارة المجالس المحلية، بل وباعتباره أيضاً ممارسة للمسؤولية من قبل المواطن نحو ترسيخ حقه في المشاركة، وفي تحمل المسؤولية للنهوض، ليس فقط بالخدمات المقدمة من قبل هذه المجالس للمواطنين والمجتمعات المحلية، على أهمية ذلك، بل وللنهوض أيضاً بدور هذه المجالس، والتي طالما اعتبرتها الحلقة الأهم في منظومة الحكم والإدارة، كركيزة أساسية للإسهام في تعزيز قدرة شعبنا على الصمود، وبما يمكنه من مواجهة الاحتلال وممارساته، وتقريب لحظة الخلاص منه".

وشدد رئيس الوزراء على أهمية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، وبما يستنهض طاقات شعبنا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي يمر بها وقال "إن وجود مجلس تشريعي فاعل وقادر على المراقبة والمساءلة له أهمية قصوى في تصويب المسار، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي وأشكال التدخل الحكومي، بل وعلى الصعيد السياسي والوطني، سيما في ظل التحديات الكبرى التي تواجه قضيتنا".