|
قطاع غزة...برك الصرف الصحي مستمرة عنوان لقتل الانسان وتدمير البيئة
نشر بتاريخ: 07/10/2012 ( آخر تحديث: 07/10/2012 الساعة: 09:36 )
غزة - معا- إبراهيم شقورة - رغم ان برك الصرف المتناثرة في انحاء قطاع غزة سلبت على مرة السنوات حياة الكثيرين ممن غرقوا فيها، الا ان فاجعة غرق الطفلين الشقيقين وسام وملك العام الماضي شكلت نقطة فارقة في وجدان الغزيين ونظرتهم الى واقعها.
وكما بدا من ردود الفعل الغاضبة التي لا تزال تثيرها الفاجعة، فان سكان القطاع لم يعودوا يبدون تسامحا ازاء استمرار بقاء هذه البرك كمصائد مفتوحة للموت وسرطان يفتك بيئتهم ويقتلهم ببطء. ولسنوات، كان الغزيون قد تعايشوا مع برك الصرف الصحي باعتبارها واقعا فرضه الاحتلال الاسرائيلي، الذي امعن تدميرا في بنيتهم التحتية، وحال دون امتلاكهم لمنشآت مناسبة لمعالجة مياه الصرف، كما منعهم من ضخ هذه المياه الى البحر. وخلال اعوام الحصار، عمل الاحتلال على عرقلة اي تطور في قدرات القطاع في مجال معالجة مياه الصرف، الامر الذي ادى الى استمرار بقاء البرك، لا بل وزيادة اعدادها واتساعها، باعتبارها البديل الوحيد المتاح. وتتباين مساحات البرك تبعا للكثافة السكانية للمناطق التي تجاورها، فبعضها تبلغ مساحته دونم او اقل، والبعض الاخر يشكل سلاسل قد تمتد لمساحات تصل الى 400 دونم. كما ان اعماق البرك تختلف من واحدة الى اخرى، الا ان بعضها قد يصل عمقه الى ثلاثة امتار او اكثر. مصائد بشرية: معظم البرك غير مسيج او محاط بجدر تحول دون الاقتراب منها لما تمثله من خطورة، تماما كما هو الحال مع البركة المجاورة للمخيم الغربي في خانيونس جنوب قطاع غزة، التي غرق فيها الطفلان وسام ابو سحلول (5 سنوات) وشقيقته ملك (3 سنوات) في اب/اغسطس من العام الماضي. ولعل الصورة التي ظهر عليها الشقيقان وهما ممسكان بيدي بعضهما لدى انتشال جثتيهما من البركة هي ما صدم وجدان الغزيين وطبع هذه الحادثة في نفوسهم باعتبارها شاهدا على بشاعة هذه البرك وما تمثله من واقع مرير. والى اليوم، لا تستطيع والدة الطفلين تصديق ما حدث وانهما رحلا عنها بسبب بركة صرف لم يتحرك المسؤولون لدرء خطرها ولو بسياج اسلاك شائكة عن الاطفال الذين تبتلعهم تباعا. تقول أم الطفلين “حتى الآن لا أستطيع ان اصدق انهما رحلا عني ولا مجرد التفكير بأنهما غرقا في بركة المجاري”. وتضيف بلوعة لا تزال ماثلة في محياها “كم تمنيت أن أكون معها في ذلك الوقت حتى أنقذهما أو حتى أغرق معهما. لم يعد هناك أي طعم للحياة بعدهما”. قبل شهر تقريبا من هذه الفاجعة، كانت هناك حادثة قرعت جرس خطر ازاء هذه البركة تحديدا، ولكن احدا لم يأخذها في الاعتبار. وتتمثل هذه الحادثة في غرق الطفلة ضحى ابو عميدة (5 سنوات) والتي كتبت لها النجاة بعدما تم انقاذها باعجوبة من وسط البركة في الوقت المناسب. يقول والدها عادل ابو عميدة ان الحادثة حصلت “قبل وفاة وسام وملك بأكثر من شهر، وحينها توجهنا إلى البلدية التي وعدت بإيجاد حل خلال عشرة أيام. ولكننا فوجئنا أنها اتت بسلك شائك قديم لتضعه حول جزء من البركة وتترك أطفالنا في خطر وحدث بعدها ما حدث من غرق الطفلين”. ويضيف ان حالات الغرق تحدث بشكل متكرر، والأهالي في حالة قلق مستمر على أطفالهم، متسائلاً “إلى متى سنبقى غير آمنين على حياة أطفالنا؟”. فيما يتحدث علي العزازي والمقيم أيضاً بجوار البركة قائلاً “حياتنا هنا غير معقولة فالحشرات الغريبة والبعوض ذو الحجم الكبير يملأ منزلي ولا يغادر حتى مع أقراص البعوض والمبيدات الحشرية التي نستخدمها”. ويتابع “الرائحة في منزلي لا تطاق وهي تؤرق حياتنا ناهيك عما تجلبه لنا البركة من الحيوانات القارضة والتي كان آخرها بأن وجدوا الثعابين في منزل مجاور لنا”، وهو الأمر الذي أكده العديد من سكان المخيم. حلول ومعيقات: من جانبها، اقرت مصلحة بلديات الساحل المسؤولة عن برك معالجة مياه الصرف الصحي، بخطورة هذه البرك، مؤكدة في ذات الوقت بان مشكلة بركة المخيم الغربي في طريقها الى الحل قريبا. وقال المهندس فريد عاشور ممثل المصلحة أن “المصلحة تبذل ما بوسعها مع الجهات المانحة لمعالجة مشكلة انتشار البرك بجوار المرافق والتجمعات السكانية”. واكد في ما يتعلق ببركة المخيم الغربي، ان مشكلتها “في طريقها إلى الحل”. واوضح عشاور أن “بركة المخيم كانت معدة في الأصل لتجميع مياه الأمطار، إلا أن انعدام شبكات الصرف الصحي والبنية التحتية أدى إلى سكب مياه الصرف الصحي فيها، الأمر الذي كان له أسوأ الأثر على السكان المجاورين”. وقال ان “المشكلة أن برك الصرف الصحي هي في الأصل ان تحاط بسياج وأسوار، ولكن هنالك العديد من البدو الذين يقومون بقص الأسلاك الشائكة التي نضعها”. ودعا عاشور إلى ان “يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه برك الصرف”. وحث السكان المجاورين لها على “ضرورة تفهم أنها ليست بركا للتنزه واختراقها يشكل خطورة عليهم وعلى اطفالهم”. كما اكد ايضا “ضرورة أن تتحمل الحكومة والبلديات دورها في تأمين تلك البرك من خلال وضع موازنات لبناء جدر يصعب اختراقها من العابثين، إضافة إلى توفير نقاط حراسة والتحقيق في عمليات الاختراق”. وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب بسبب الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع، فان مشاريع البنى التحتية والاعمار يتم انجازها من خلال منح دولية. وفي هذا السياق، قال عاشور ان مسألة “بناء جدر قوية من الصعب اقناع المانحين بتمويلها، وفي ذات الوقت لا توجد ميزانيات لدى الحكومة لتنفيذها، وبالتالي تحدث أحيانا حوادث غرق الأطفال”. تدمير للبيئة وعلى صعيده، اكد عبد الفتاح عبدربه، الاستاذ المساعد في العلوم البيئية بقسم الأحياء بالجامعة الإسلامية، فقد “خلفت برك الصرف الكثير من الضحايا أما بسبب الغرق والموت المباشر أو عبر إلحاقها أضرارا بالسكان والبيئة بطريقة غير مباشرة”. وقال عبدربه ان “المشكلة في برك الصرف الصحي هي كفاءتها المتدنية، إضافة إلى أن معظمها غير مبطن وتتسرب منه المياه العادمة إلى المياه الجوفية، الأمر الذي يعكس تلوث معظم مياه غزة بالنترات الناجمة عن تسرب فضلات الإنسان بكميات كبيرة”. واضاف أن “ما فاقم المشكلة هو عدم وجود فصل بين برك تجميع مياه الأمطار ومياه الصرف”، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر “أمراً خطيرا يدعو جميع الجهات المسؤولة إلى التحرك لتجنيب البيئة الفلسطينية المخاطر الكبيرة الناجمة عن ذلك”. واكد الخبير البيئي أن البرك “ساهمت ايضا في جمع الثعابين والطيور والحشرات ونقل الأمراض للإنسان والكائنات الأخرى”. وقال انها تشكل بيئة “لتكاثر البعوض الذي ينقل بدوره الأمراض للإنسان حيث تتغذى اليرقات على مياه الصرف الصحي وتتكاثر بسرعة، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض في صفوف السكان المجاورين”. وبحسب عبدربه، فان الامراض التي تتسبب بها البرك أصابت ما يتجاوز 30% من السكان المجاورين لها. ولا يقتصر ضرر البرك وفقاً لعبدربه على المجاورين بل يتعدى الى كل من يستنشق غاز المجاري، كبريتيد الهيدروجين، الذي ينتقل مسافات بعيدة، ويؤدي للعديد من الأمراض من بينها الغثيان والتسمم والتهابات الأغشية المخاطية و التهابات العيون. وكما يرى عبدربه، فان “الحلول لتلك البرك ينبغي أن يكون من خلال توعية بيئية وحلول سيادية عبر إقامة مشاريع لمعالجة مياه الصرف في مناطق بعيدة عن السكان”. كما يلفت الى “إمكانية الإستفادة من تلك المياه بعد تكريرها في الري الزراعي الأمر الذي يقلل من استنزاف المخزون الجوفي”. وحتى ذلك الحين، فقد دعا الدكتور عبدربه إلى “العمل على ايجاد حلول مؤقتة لتخفيف الأخطار المباشرة على السكان وذلك من خلال قيام البلديات والمسؤولين برش البرك بالمبيدات واقامة الجدر العازلة المتينة حتى لا يقع الأطفال فريسة لها”. |