وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كيف بنت إسرائيل بنك أهدافها للحرب القادمة؟

نشر بتاريخ: 14/10/2012 ( آخر تحديث: 16/10/2012 الساعة: 08:09 )
بيت لحم - ترجمة حصرية معا - شكّلت الطائرة دون طيار التي أرسلها الأسبوع الماضي حزب الله لتجوب سماء جنوب إسرائيل تذكرا لميزان الردع المعقد والمركب السائد بين الطرفين ولا يوجد أي شك بأن حزب الله حليف إيران هو أكثر أعداء إسرائيل تطورا وذكاء، وقد انخرط الطرفان منذ آخر مواجهة بينهما عام 2006 بعملية استخلاص العبر والدروس، وعملية إعداد عملياتي إضافة لحرب التهويش التي يخوضها الطرفين، حسب تعبير المحلل العسكري لصحيفة هأرتس "عاموس هرئيل" التي نشرت اليوم الأحد، تحليلا موسعا تناول فيه كيفية بناء إسرائيل لبنك الأهداف التي ستهاجمها خلال الحرب القادمة مستعينا بجولة ميدانية سمح بها الجيش الإسرائيلي للصحيفة واطلاعها على بعض استعداداته للحرب القادمة وطرق تفكيره الجديدة.

وقال المحلل العسكري هرئيل في مستهل التحليل ": تواصل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فرض التعتيم التام على التحقيقات التي تجريها فيما يتعلق بالطائرة خاصة وإنها لم تكن طائرة "انتحارية" مثل الطائرات الثلاث من طراز "أبابيل" التي أطلقها حزب الله في أوج حرب لبنان الثانية عام 2006 فهذه الطائرة لها مهام مختلفة عن سابقاتها مثل التصوير، اختبار منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، وخلق نوع ما من الردع.

لا يمكن لحزب الله إن يستل أسلحته الثقيلة مثل الصواريخ دقيقة الإصابة بعيدة ومتوسطة المدى لان مثل هذا الاستخدام سيدخل المنطقة في حرب إقليمية يحاول الحزب الامتناع عن خوضها لكن من يراقب خطابات حسن نصر الله الأخيرة يلاحظ محاولات منهجية لخلق حالة من الردع بوسائل متنوعة ومتداخلة حيث أكثر من الحديث عن الصواريخ دقيقة الإصابة وعن قدرات الحزب على ضرب منشآت بينة تحتية مدنية إضافة لما يبدو اقل معقولية وهو الحديث عن احتلال أجزاء من الجليل، لذلك فان إرسال الطائرة كان بالنسبة له خطوة منطقية لإظهار القدرات التنفيذية رغم أن هذا الأمر ليس بالجديد لكنه خلق حالة من الإرباك والارتباك في الجانب الإسرائيلي.

ولم تبق إسرائيل بدورها غير مبالية فمؤسستها الأمنية تبذل جهودا كبيرة ويومية عبر تهديد العدو باستخدام قوتها الماحقة " إسرائيل تفضل بشكل واضح الردع على الحرب" لكن الوقت قد حان لتهيئة الرأي العام الدولي لتقبل خطوات قتالية وحربية وقت الحاجة وهذا الأمر بات ضروريا لان الجولة القادمة من القتال ستفتتح في ظروف صعبة بالنسبة للجيش الإسرائيلي.

سيدير حزب الله حرب "الأزقة" حيث سيحصّن مقاتليه خلف السكان المدنيين فيما يوجه نيرانه نحو التجمعات السكنية الإسرائيلية وعلى هذه الخلفية يمكن فهم تصريحات إسرائيل الحربية والقوية والمتعلقة بنموذج "الضاحية" الذي عرضه قائد المنطقة الشمالية السابق "غادي ايزنغوت" عام 2008 وصولا للتصريحات الاخيرة التي أدلى بها كبار الضباط الذين قالوا بأن تقرير غولدستون سيكون لعبة أطفال قياسا لما سيجري في الحرب القادمة ضد لبنان.

طريق الفرار
سمح الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية وبشكل غير مألوف لمراسل صحيفة "هأرتس" إلقاء نظرة على ما يقوم بتحضيره للحرب القادمة وكيف يبني بنك أهدافه استعدادا لعملية محتملة في لبنان، ورغم أن النظرة التي سمح بها محدودة وكانت عبر محادثات مع أوساط عسكرية معنية بالأمر "المخابرات، منظومة النيران، المستشار القانوني " لكنها ستؤشر لطبيعة المواجهة القادمة وما ستكون عليه حسب تعبير الصحيفة ومحللها العسكري.

شكل بنك المعلومات وتحديد الاهداف احد اهم الامراض التي واجهها الجيش الاسرائيلي خلال حرب 2006 حيث انهت القيادة الشمالية وفي اليوم الرابع للحرب مهاجمة 88 هدفا هي مجموع الاهداف التي كانت تمتلك عنها معلومات دقيقة قبل الحرب، وبعد ذلك تم تحديد الأهداف بشكل عفوي لكن ألان فإن بنك الأهداف الذي تمتلكه القيادة الشمالية حاليا يزيد عن ألف هدف حسب تصريحات الجنرال "ش" قائد سلاح المدفعية في المنطقة الشمالية مضيفا "سنمنح الأولية لمعالجة الأهداف التي تطلق النيران باتجاه العمق الإسرائيلي المدني ومن ثم العمق العسكري وبعدد ذلك سنعالج القدرات الأخرى التي يمتلكها حزب الله وإذا اقتضى الأمر سنعالج أمر الجيش اللبناني في حال تدخل بالقتال".

وقالت النقيب "ميريت" رئيسة قسم الاهداف في لواء البحوث التابع للاستخبارات العسكرية "امان" بأن المحطة الاولى للمعلومات هي لواء البحوث الذي يتلقى المعلومات الأولية من وكالة جمع المعلومات العسكرية المختلفة والموساد والاستخبارات الالكترونية "التصنت" ووسائل التصوير ونقاط المراقبة ومختلف المصادر.

وأضافت النقيب "ميريت" يجب عليك تجميع الكثير من شذرات المعلومات حتى تصل الى النقطة الدقيقة حيث المكان الذي يخفي العدو فيه قدراته من مخازن الصواريخ وحتى مقرات القيادات الحربية حيث بإمكان معلومات غاية في الدقة فقط ضمان تنفيذ الهجوم وتدمير الهدف بأقل قدر ممكن من الخسائر بين المدنيين.

تصلنا المعلومات غير منقحة "خام" ويخضع لعملية تنقيح ودراسة ويتوجب علينا التأكد من كل مصدر ومدى مصداقيته وجمع عن كل هدف للتأكد من جدوى مهاجمته.

وبعد أن ينتهي رجال الاستخبارات من"إدانة الهدف" ما يعني تأكيدهم التام بأن الامر يتعلق بهدف معاد ذو قيمة تستحق مهاجمته تنقل المعلومة للمستوى التنفيذي مثل القيادة الشمالية او سلاح الجو الذي يترجم المعلومة إلى عملية.

ونقلت "هآرتس" عن الجنرال "ش" قائد المدفعية قوله " لا مجال للأوهام والاعتقاد بأن كافة المعلومات جدية اذ لا مجال لمتابعة منظمة ارهابية تقوم في الاساس على مبدأ كسر الروتين لذلك لا يوجد لدى الاستخبارات صورة كاملة عما يجري داخل حزب الله".

نقل حزب الله بعد الحرب الأخيرة مركز ثقل قوته من المعسكرات الميدانية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "المحميات الطبيعية" إلى الوسط العمراني المزدحم داخل القرى والبلدات اللبنانية وفقا لادعاء الجنرال "ش" الذي قال بان 95% من اهداف حزب الله موجودة داخل المناطق العمرانية المدنية ومستخدما بذلك السكان دروعا بشرية ولكن الامر لا يتعلق ببطاريات المدفعي هاو راجمات الصواريخ وإنما بالقيادات ومخازن السلاح الموجدة داخل بنايات مأهولة بالسكان المدنين".

وبعد اقرار الهدف وطريقة مهاجمته تطرح المعادلة بين القيمة العملياتية للهدف والضرر المحيط الذي قد يلحقه الهجوم وهنا يجند خبراء البحث والدراسة وينضمون لعملية التخطيط حتى يجددوا مثلا فيما إذا سينهار مبنى مدني كامل في حال تم الهجوم على مخزن للسلاح في الطابق الأرضي .

وستلجأ إسرائيل في أي حرب قادمة لطريقتها القديمة والمتمثلة بتهجير السكان المدنين كما قال الجنرال "ض" لقد طورنا طرقا جديدة لتحريك المدنين أللبنانين باتجاه الشمال بأقصى سرعة وذلك لتقليل الإصابات بينهم وسنلقي عليهم المناشير وسنسيطر على موجات البث الإذاعي وسيحافظ الجيش على ممر حركة مفتوح باتجاه بيروت وسنبذل كل جهد لعدم إصابة من يتحرك على الطرق باتجاه الشمال ومع الأسف الشديد رغم هذه الإجراءات ستقع إصابات غير قليلة بين السكان المدنين غير المتورطين بالقتال " أضاف "ش" .

اقرت السباعية الوزارية برئاسة اهود اولمرت بعد ليلة واحدة من اندلاع حرب لبنان الثانية ما عرف فيما بعد باسم " الوزن النوعي " وتتمثل بمهاجمة منازل عناصر حزب الله التي تعتقد إسرائيل باحتوائها مخازن صواريخ " فجر " وحذر الجيش مقدما من إمكانية سقوط مئات القتلى المدنين لكن الحكومة أقرت العملية بتوصية من المستشار القضائي للحكومة الذي قال بان الهجوم يتوافق وقواعد القانون الدولي " فعلق وزير الجيش حينها عمير بيرتس بالقول " السكان ينامون مع صواريخ أليفة في الصالون " فخرجت العملية الى حيز التنفيذ وتم تدمير عشرات الصواريخ والراجمات وسقط عشرات المدنين قتلى .

وفي حال اندلعت موجة القتال القادمة سيكون دور المستشارين القانونيين ومن بينهم النيابة العسكرية أوسع ومبكرا اخذين بالاتعتبار نتيجة تقرير غولديستون الذي صدر بعد الحرب على غزة حسب تعبير صحيفة هارتس .

وقالت " روني يوستمان " المستشارة القانونية للقيادة العسكرية الشمالية بان النيابة العسكرية اقرت مقدما جميع الاهداف وذلك للتاكد من مرئمة جميع الهجمات للقانون الدولي وحين يختفي العدو بين المدنين فهذا تحديا جوهريا ونحن نعمل وفقا لمبدأ التميز المنصوص عليه في مثياق جنيف الذي يسمح بمهاجمة هدف عسكري بغض النظر عن مكانه او أي هدف يستخدم لإغراض عسكرية وبهذا فان بيناية سكنية تستخدم كمخزب للسلاح او مقر لقيادة تشكل هدفا عسكريا وتقع على عاتق الجيش مسؤولية تحذير السكان قبل الهجوم وتقليص الضرر عبر اختيار انواع معينة من الذخيرة وجمع معلومات جدية تساعد على تركيز الهجوم وسيواصل المستشار القضائي تواجده في مقر القيادة طيلة ايام الحرب كما يمكن للقادة الميدانيين الاتصال وتلقي مشورته .

وهنا عاد قائد المدفعية الجنرال " شط ليعلق بالقول " ما هو صحيح في الأيام العادية سيكون من الصعب تطبيقه أيام الحرب والسؤال يبقى كم من الوقت يتوجب الإصغاء للمستشار القضائي حين تتسارع وتيرة الإحداث تقع أشياء كثيرة وتقع المصادفات واشك كثيرا بإمكانية التحقق من المعلومات الاستخبارية فيما يتعرض العمق الإسرائيلي للقصف المتواصل ".

واضاف "شط يجب علينا ابعاد شبح الحرب قدر المستطاع لكن اذا فرضت علينا نمتلك القوة لنلحق بحزب الله اذى وضرر كبيرين ونحن نتدرب لتحقيق هذا الامر وتنفيذه بصورة أفضل بكثير عما كان عليه الوضع عام 2006 بشرط أن لا يتم إيقافنا " ويقصد المستوى السياسي ",

الكثير من المخاطرة
هل الحرب على لبنان اقرب مما تبدو ؟ نلمس في القيادة الشمالية والاستخبارات العسكرية تأهبا أكثر من الماضي وذلك بسبب المخاوف من حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا وما يمكن وصفه بالتصرفات غير المتوقعة لحزب الله .

" يعيش نصر الله حالة من الضغط نتيجة الإحداث في سوريا والوضع اللبناني الداخلي والمطالب بتجريده من السلاح وما يجري من مذابح ضد ألطائفه السنية في سوريا يثير قلقل السنة في لبنان ويزيد من الانتقادات الموجهة لحزب الله بصفته شريكا للاسد .

سادة لبنان خلال السنوات الماضية حالة من الاستقرار النسبي وذلك بسبب شخصية وسيطرة حسن نصر الله لكن هذا التوازن تم اختراقه حاليا حيث يزداد خصومه قوة وهذا من شانه ان يخلق حالة من عدم الاستقرار لان خصومه يحاولون تحديه وفي المقابل يظهر ضعفا معينا في قدرة الردع الإسرائيلية مقابل حزب الله تمثلت بزيادة محاولاته تنفيذ عمليا في الخارج " قال ضابط كبير في القيادة العسكرية الشمالية .

وتوفق الاستخبارات العسكرية على القول بان نصر الله مستعدا لتحمل مزيدا من المخاطر أكثر مما كان عليه سابقا لذلك فانه يفكر ويخطط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل تكون تحت مستوى التسبب بحرب إقليمية .

وأخيرا أعرب مصدر كبير في قسم الاستخبارات التابع للجيش عن اعتقاده بتشابه الحسابات الإستراتيجية لحرب الله وإسرائيل حيث خرج الطرفان من مواجهة عام 2006 بنتيجة مفادها أفضلية الامتناع عن مواجهة أخرى يكون ثمنها باهظا جدا وحين يعمل حزب الله ضد إسرائيل فانه يعتقد بان العملية تحت السيطرة لكن الحزب يدرك ايضا إمكانية وقوعه بخطأ الحسابات وبالتالي سيدفع الثمن .