وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وخير جليس في الزمان " غوغل" !!.. القراءة تتراجع.. وكتب الاعشاب والغيبيات الاكثر رواجا على رفوف المكتبات !!

نشر بتاريخ: 14/02/2007 ( آخر تحديث: 14/02/2007 الساعة: 22:13 )
نابلس-معا- مهند صلاحات - اقرَّ عددٌ من المثقفين الفلسطينيين بوجود تراجع حقيقي في المستوى الثقافي الفلسطيني، مرده الاحتلال الذي خلق حالة من الحصار والفوضى، والقمع والتنكيل، وخاصة بعد الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة، التي أعقبها فلتان أمني وصراعات حزبية سياسية، وانعكس ذلك على مختلف مناحي الحياة بما فيها الثقافة وعلاقة الناس بالكتاب والعلم.

وفي خضم تحديات قائمة، جعلتنا نسأل بعض المثقفين عن وضع الكتاب في ظل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وإلى أين يتجه القارئ الفلسطيني، وما نسبة إقبال الناس على شراء أو استعارة الكتب؟.

فيرى أحمد أشقر الباحث في الدراسات الدينية، والذي أعطى تصوراً شمولياً للحالة العربية رافضاً التخصيص القطري للمشكلة رغم خصوصية الحالة الفلسطينية، مستهلاً حديثه بعددْ من القصص، روى عبرها مفارقاتْ بين القارئ العربي والإسرائيلي، بحكم أنه يعيش في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، حيث تحدث عن زيارته لمكتبات عربية في الناصرة وحيفا فوجدها فارغة من الكتب الهامة والقراء، بينما المكتبات الإسرائيلية تعج بالقراء من فئتي الأطفال وأمهاتهم والعجائز، لينبه إلى مؤشرات خطيرة، تشير للتفوق الثقافي لدى الآخر، والتمايز الواضح معه رغم انعدام المسافة الجغرافية، لدرجة أنه وبحسب أشقر فإن بعض الشركات "الإسرائيلية" تخصص مبلغ 200 دولار سنوياً لكل عامل فيها لشراء الكتب.

وأضاف الأشقر أن هنالك حربا تشن على المعرفة من قبل مؤسسات أهلية وحكومية، تتمثل هذه الحرب التجهيلية برفع سعر الورق والطباعة، وعدم دعم الباحثين والكتاب والأدباء، أو توجيه صناعة الكتب إلى التافه منها، وتشديد الرقابة على كل ما هو نقدي وعلمي وموضوعي، وقال أن من يشاهد الفضائيات ويقرأ مواقع الإنترنت والصحافة العربية، يدرك أن النجاح في الحياة العملية ليس بحاجة إلى جهود في المعرفة، بل بحاجة إلى التواطؤ مع المشاريع السياسية، حيث اعتبر أن غياب الدولة القومية ومشروعها النهضوي، هو المسؤول عن محاربة واحتقار المعرفة وأولها الكتاب، ليس في فلسطين فقط، بل في كل الوطن العربي، فالحالة الفلسطينية ليست حالة فردية، بل هي حالة تنعكس على كل الحالة العربية.

عصر الغوغل

أما الصحافية في وكالة رويترز رولين التفكجي، من مدينة القدس، فقد رأت أن جيل الشباب أصبح أقل اهتماماً بالكتاب، بسبب العديد من المستجدات على الحياة الاجتماعية كالإنترنت والألعاب الإلكترونية والفضائيات، مشيرة إلى أن هذا الجيل أصبح يبحث عن الطريقة الأسرع في الحصول على المعلومة، واصفة هذا العصر بأنه (عصر الغوغل). حيث قالت: مع كل هذه الخيارات أمام الجيل، فقد أصبحت وسائل التكنولوجيا تملأ فراغ جيل كامل، حتى أصبحوا يعطون هذه الأجهزة وقتا أطول من كتبهم الدراسية. نصل إلى أن المجتمع الفلسطيني قد تجاهل الكتب والروايات الثقافية بداية كونه جزءا من العالم وصار يعتمد حالياً على التكنولوجيا. ومن ناحية أخرى فإن انشغال الشعب الفلسطيني في المشاكل والصعوبات الداخلية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية قد ساعد على إبعاده عن الثقافة العامة، فلا نستطيع فصل التقدم التكنولوجي عن الوضع الاقتصادي والسياسي في فلسطين، كما أن "جدار الفصل العنصري"، والإغلاق التام والمستمر الذي عزل الضفة وغزة عن العالم لم يبعدهما ويعزلهما عن الحالة الثقافية العربية فقط، بل أنه أدى وسيؤدي إلى دمار وتدهور في الحالة الاقتصادية.

تراجع توزيع الصحف اليومية

وفي السياق ذاته ترى الروائية الفلسطينية عفاف خلف من مدينة نابلس أن الكتاب والقارئ الفلسطيني يقفان على مفترق طرق، فالقارئ الفلسطيني وإن كان "نهماً" لتلقي الجديد، إلا أن الأوضاع الاقتصادية التي يرزح تحت ثقلها جعلت من المتعذر عليه تأمين قوت يومه، فما بالنا بكتابْ يسد أوار جوعه للحقيقة.

حتى "الصحيفة اليومية" سجلت معدلات توزيع أدنى في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فما بال الكتاب كذلك؟، وترى خلف أن اتجاهات الناس للشراء تتجه نحو الكتاب "الديني" أو "طبابة الأعشاب" أو "كتب الغيبيات" والسحر، والطبخ، ومجلات التجميل، فهي الأكثر رواجاً وانتشاراً، وبذلك يسجل الكتاب الأدبي والثقافي تراجعاً ملحوظاً.

الكتاب الإلكتروني بديلاً

الصحافية شيرين خليفة من مدينة غزة، قالت: أن هنالك أزمة في عدد الكتب التي يتم نشرها، حيث ترى أن هنالك تحولا ثقافياً سببه تحول التعاطي مع الكتاب على أنه مشروع تجاري، فدور النشر أصبحت ترى أن طباعة ونشر كتاب جديد هي مغامرة محكوم عليها بالفشل مسبقاً بسبب الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتردية، وهي تلحظ أن التركيز مؤخراً من قًبَل دور الطباعة والنشر بدأ ينصب على الكتب المدرسية والجامعية والكتب المساعدة لهما، أما بالنسبة للكتاب الثقافي أو السياسي أو الكتب العامة، فهناك أزمة حقيقية في القدرة على توفير مثل هذا النوع من الكتب. مضيفة أنه لا يمكن الفصل بين أزمة طباعة ونشر الكتاب عن أزمة القراءة بشكل عام، فان الجيل الجديد وتحديداً منذ التسعينات يعاني عزوفاً غير عادي عن القراءة بطريقة أصبحت بالفعل تهدد الثقافة العربية، ولعل ذلك عائد لعدة أسباب ربما أحدها وليس أهمها ارتفاع ثمن هذه الكتب وندرة توفرها. مشيرة في النهاية إلى أن موضوع الإنترنت والكتاب الإلكتروني لا يغني عن الكتاب المطبوع، بل هو عامل مساعد على انتشاره، خاصة لما يتمتع به الكتاب المطبوع من مزايا لا تتوفر في الكتاب الإلكتروني.

الخجل من الكتاب

وخلافاً لما ساقته خليفة، حول الكتاب الإلكتروني بأنه ليس بديلاً، يرى المهندس الإلكتروني وصاحب أحد مقاهي الإنترنت في مدينة خانيونس مسعود العقاد أن الكتاب الإلكتروني أصبح يوفر وقتاً وجهداً ومالاً في مقابل الكتاب الورقي، خاصة وأن الحالة العامة أوصلت المواطن إلى حالة كارثية، تتمثل بالخجل من الكتاب وحمله والتعاطي معه، بعد أن صنعت حالة الفلتان الأمني بديلاً فوضوياً يستهلك وقت المواطن، ويجره بعيداً عن الكتاب إلى المشاكل اليومية، والبحث عن العمل.

انتشار الأمية حالة حتمية :

بينما أكدت الباحثة من غزة، ميرفت أبو جامع من خلال عددٍ من الإحصائيات التي تحدثت عنها عن وجود حالة حقيقية من الأمية بدأت تطفو على السطح، وتراجع في مستوى التعليم وليس القراءة فقط، حيث ترى أن هنالك فجوة بين الكتاب والقارئ، أوجدتها عدة عوامل، منها ما يرتبط بالوضع في فلسطين، خاصة تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة وعكست نفسها على الحياة الثقافية أيضاً، فأوجدت شرخا وجفاء بين علاقتهما ببعضهما البعض. وأخرى نتشارك والعالم فيه، لها علاقة بالتطور التكنولوجي وزيادة الإقبال على الفضائيات ومواقع الانترنت الالكترونية، باعتبارها الأسهل والأسرع في تلقي واستقبال المعلومة أو البحث عنها، ناهيك عن المؤثرات التي يتمتع بها والتي تحظى بجاذبية خاصة وتستقطب جمهور القراء، وكذلك العزوف الكلي عن الدراسة الأكاديمية، وليست الثقافة فقط، مما سيؤدي في النهاية إلى حالة تفشي للأمية بشكل حقيقي .

عدم ثقة بالمنجز الأدبي:

وبخلاف ذلك فقد علق الكاتب خلف جمال خلف، بأن المشكلة الحقيقية تكمن بعدم الثقة بالمنجز الثقافي الفلسطيني، والعربي، وهو ما يجعل القارئ يتعاطى مع الكتاب كمنجز أدبي على أنه معطى إنشائي لن يؤثر بالحالة العامة، بالتالي عدم الثقة بها المنجز جعلته يعزف عنه للأهم بحسب مفهومه، كتحسين مستوى الحياة الاقتصادية وغيرها.