وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لاجئو الفارعة "يقطفون" زيتون قراهم المدمرة!

نشر بتاريخ: 05/11/2012 ( آخر تحديث: 05/11/2012 الساعة: 23:20 )
طوباس – معا - أعاد لاجئو مخيم الفارعة بناء ذاكرة موسم الزيتون في القرى المدمرة التي هجروا منها قسرا عام 1948. ورسموا خلال الحلقة الخامسة من برنامج "ذاكرة لا تصدأ" الشهري الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات صورة لموسم الزيتون وطقوسه ووسائل جمعه وعصره وطرق تخزينه والأطباق الشعبية التي كان يدخل الزيت الجديد في إنتاجها.

واسترجع حبيب سالم العايدي، المولود في عام 1931 في بلدية (سيدنا علي) شمال يافا، لحظات رحلته إلى القرى المجاورة في المسكة وقلنسوة وجلجوليا بحثاً عن التزود بالزيت، لكون قريتهم كانت متخصصة في زراعة البساتين والمحاصيل الحقلية كالباذنجان والفلفل والبندورة والملفوف.
يقول: كان الناس يقطفون الثمار بأيديهم، وبعضهم استعمل العصي، لكنهم لم يستخدموا الفراش تحت الأشجار، وكانوا يحتفلون بانتهاء جمع المحصول، بتوزيع( الجاروعة)، وهي مقدار من الزيتون يًعطى للمشاركين في العونة.

ويضيف: كنا نخًزن الزيتون في الجرار الكبيرة( الزير)، وكانت المعصرة التي زرتها برفقة والدي في بلدة جيوس قضاء قلقيلية تدار على الخيول، التي تجر البد( وهي قطع كبيرة من الحجارة تستخدم لاستخراج الزيت من الثمر).

ووفق العايدي، كانت أهالي (سيدنا علي) يفرحون بالزيت الجديد لإنتاج وجبات شعبية، كالمطبّق، والسياحي، وهما رقائق طحين تًدهن بالزيت، وتخبز على الصاج الحديدي.

فيما استذكر السبعيني محمد موسى عبد الجواد، الذي أبصر النور في الكفرين المجاورة لحيفا، عام 1940، كيف أن عائلته زرعت مدة طويلة الخضروات في أرضها، قبل أن تقرر تشجيرها بالزيتون قبل النكبة بسنتين، لتحرم من قطفه.

يقول: كانت بلدنا تشتهر بالخضروات، وكما روى لي أبي صار بعض أهلها يشجرونها بالزيتون قبل وقت قصير من النكبة؛ لتوفير ما يحتاجونه من زيت. ويتذكر: كان جدي يخبرنا دائمًا بأنه دفع مهر أمي مئة دونم من الأراضي الزراعية، فيما كنت أنا أسبح في بئر خميس، والحنانة، وعين الظهر، التي كانت تمر من بستاننا.

ويكمل الأستاذ أحمد صالح سريس، الذي ولده في الكفرين أيضاً قبل النكبة بعشر سنوات: كنا نسمع عن طريقة عصر الزيتون اليدوية، والمحفورة بالصخور القديمة، فيما تطورت لاحقاً إلى ما يًعرف بالبد.

يتابع: انتشرت طريقة القطاف بالأيدي، وكانت المناطق المجاورة لبلدتنا أكثر زيتوناً منا. ولا زلنا نتذكر الأكياس التي استخدمت لجمع الزيتون، ومنها ما عرف بـ(أبو خط أو خطين حمراوين) أو( أبو الخط الأزرق). أما تخزين الزيت فكان يتم في جرار فخار كبيرة تسمى(زير).

وبحسب الراوي، فقد حرص الأهالي على تناول الزيت الجديد مع الزعتر المنتج من أرضهم، ولتحضير ( المبسوسة أو المفروكة)، وهي طحين وسكر وزيت، كما صنعوا الزلابية والفطير والحلبة بمذاقات مختلفة. أما التخزين فكان يتم بوضع الزير في تجويف موجود في الحائط، ويتركونه تحته نبات(النتش) الشوكي؛ لحمايته من الحشرات ومنعه من الوقوع والكسر.

ويورد الثمانيني فهند محمد عناية الذي فقد بلده اللجون، مشاهد من رحلته لزيارة جده في أم الفحم قبل النكبة، وحينها كان يرى الناس يقطفون الزيتون ويعصرونه، فيما اختص أهالي بلدته بالنجارة والمهن الأخرى.

وبث التسعيني سعيد حمد محمد عبد الهادي، حكايات قريته صبارين قضاء حيفا مع الشجرة المباركة، التي كان أهلها يقطفون الزيتون باليد، ويضعون الثمار في(الكرادل) دون استخدام فراش تحتها؛ لكون معظم الأشجار صغيرة الحجم، وبعضهم استعمل الحصيرة لجمع الحبات من فوقها للشجر الأكبر.

يفيد: لم يكن في بلدنا معصرة للزيت، وكنت أذهب برفقة والدي إلى القرى المجاورة، وعرفت من أبي بوجود واحدة في أم الزينات، وكان الأهالي يتعاونون في قطف محاصيلهم، ومن لم يمتلك الزيت يبدله بالسمن البلدي الذي كان يصنعه بيده. ويضيف: زرعنا 150 غرسة زيتون تقريباً، قبل النكبة بوقت قصير، وهُجرّنا من بلدنا دون أن نقطفها، وتحسرنا عليها.

لازال عبد الهادي يختزن أسماء الأراضي والينابيع في بلدته كالخلايل، وجرماشة، وسدر القهوة، والخضيرة، والمطراع، والزواينة. وعين الحجة وعين سوانية والنزازة.

بينما يبث السبعيني خليل أحمد أبو زهرة، ابن صبارين، ذكرياته زيتون بلدتهم، حينما كانوا يستخدمون الزيت القديم لإنتاج الصابون، فيما يصنعون المأكولات وبخاصة الزلابية والمسخن بالمحصول الجديد. بينما كانوا يفرزون الثمار المتساقطة عن الأرض قبل الموسم ويسمونها(جول)، أما من لم يتوافر لديه الزيت فكان يعطي جاره السمن ليحصل عليه.

يقول: كان الناس أقرب من بعضهم بخلاف اليوم، ويتعاونون كثيراً، أما محصولنا فكان كله من الصنف النبال، وكنا نستعمل الجفت للطابون والتدفئة.

ومما جمعه إبراهيم عبد الله شاويش، الذي ولد في قنير عام 1945، عن والده، مشاهد العونة الجماعية، حينما كان الأهالي يساعدون بعضهم في قطف الثمار، ويتبادلون الزيت والمحاصيل الأخرى، ويذهبون للقرى المجاورة لعصر ثمارهم؛ إذا غابت المعاصر.

بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، أن فتح هذا الحوار يتزامن مع موسم شجرة السماء، ويأتي في إطار كتابة تاريخ شفوي لكافة ملامح الحياة، دون اختزال القرى المدمرة بلحظات التهجير والمذابح.

وأكد أن النسخة القادمة من البرنامج الشهري، ستعالج الاستعداد لمواسم المطر وحراثة الأرض وزراعة المحاصيل الشتوية وما يتصل بها من أحاديث ومجالس وروايات.

فيما قال نافز جوابرة من اللجنة الشعبية، إن توثيق ثقافة الزيتون ومراحل قطافه وتخزينه وأجواء العونة والأطباق الشعبية المتصلة به، تعبر عن ارتباط الفلسطيني بأرضه وحنينه لها والتمسك بحق العودة إليها.