|
" والله وارخصت يا تفاح "
نشر بتاريخ: 08/11/2012 ( آخر تحديث: 13/11/2012 الساعة: 11:09 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - تعتبر بلغاريا بلد زراعي ورث رجالها الامر عن اجداد اجدادهم، وبعيدا عن ضوضاء العامة سترى البلغاري فلاح يزرع التفاح، وكان الروس ايام ستالين يعطون اهل صوفيا الطائرات مقابل ان تصدر لهم التفاح، والبلغار يزرعون الفواكه والخضار كما انهم يربون الماشية والتي صارت تجارة للعائلة اكثر واكثر مع انضمامها للاتحاد الاوروبي.
العديد من الفلسطينيين الذين درسوا هناك ، تزوّجوا من بلغاريات وعمدوا للعمل في الزراعة وهو امر مربح تجاريا واقتصاديا ويتعفّف البلغار ان يذهبوا للعمل بالسخرة في اوروربا الغربية وتتعفّف البلغاريات عن العمل كمربيات او خادمات منازل كما يحدث في بعض الدول المشابهة. الاف الفلسطينيين اسسوا عائلات في بغاريا وانجبوا اطفالا في ظل اشجار التفاح ، وسكان بلغاريا اصحاب سحنة شقراء وحمراء تختلف عن العربي الا انهم يحملون صفات مشتركة تجعل الزواج ناجحا، وعلى رأسها البساطة والفلاحة وطيبة القلب وعدم التكبر... ولكثرة الغجر هنا فانك ترى ان الشكل النموذجي للبلغار هو مزيج من البشرة الاوروبية الشقراء والسلافية الحمراء والتركية ذات الشعر الداكن والرومانية ذات الوجه الابيض، اضرب جميع هؤلاء في خلاط التاريخ الجيني ستحصل على سحنة بلغارية لا تشعر بانها غريبة عنك الا اذا تحدث صلبها وسمعت لغة غير عربية. وفي فلسطين ذاع صيت البرتقال والعنب والتين والصبر والزيتون وحتى التوت والسفرجل ، لكن التفاح ضل ضيفا عزيزا وزائرا مهما ، بل انه عند البسطاء اهم من الامراء الذين مرّوا على فلسطين ، واشتهرت هضبة الجولان المحتل بالتفاح السوري ، حتى ان اسرائيل تسرق التفاح السوري المشبع بمياه جبل الشيخ المثلجة ، الطاهرة والنقية . وتوسمه بحروف من اللغة العبرية لتقول عنه انه تفاح اسرائيلي وتقوم بتصديره الى امريكا والى اسواق اوروبا !! التفاح والطلح كانت قبل عشرين سنة من الفاكهة التي يمكن ان تتحوّل الى هدية ، فيحمل الزائر رطلا من التفاح ويرسم ابتسامة فخر وغار على فمه ويذهب ليعود المريض . هذا التقليد كان دارجا محمودا بين الناس ، فالتفاح هدية المحبة ورفعة المقام . توضع وسط المائدة دلالة على الخير والنعمة واهمية الضيف . وقبل ان تحمل البرادات والسفن المكيفة غزو الكاكا والكيوي والافوكادو والمانجا الى اسواقنا كان التفاح سيد الموائد كلها .. وحين يقع مكروه او تنقلب الموازين ضد اسياد القوم يقول المثل الشعبي ( والله وارخصت يا تفاح ) في اشارة الى انه ذو مقام عال على سلّم الاصناف ولكن انقلاب الصورة جعلت غيره من الاصناف تتطاول عليه . ونحن الان سياسيا في مرحلة ( والله وارخصت يا تفاح ) . فترى اسفل الهرم الغذائي يتربع على الموائد ويتطاول على التفاح ، وترى المصانع الغذائية المملوءة بالكاز تخلط جميع انواع الفواكه في قارورة واحدة فلم تعد تعرف طعم الكمثرى من طعم البطيخ . او تشرب البطيخ بطعم الصبر والبرتقال بطعم القهوة والتفاح برائحة البطاطا . " مؤامرة " خلط الاطعمة والروائح تملأ الاسواق ، فلم يعد المستهلك يعرف ماذا يأكل وماذا يشرب !! والدول الغنية تطلب من الدول الفقيرة ان تصدر لها كل شئ ، والمهم ان يملأ مستحدثي النعمة بطونهم بكل شئ ومن دون ذوق رفيع او جدول صحي للطعام . وعلى الجميع ان يزرع كل شئ ليبيع كل شئ لمن يشتري كل شئ وبأي شئ ورغم كل شئ . وهو ما سيوصل الامة الى لا شئ . غلمان السفينة الذين جمعهم القبطان من ارصفة الشوارع يملأون غرفة الفحم في قعر السفينة ، ويصرخون بكل قوة على الفلاحين ان يزرعوا اي شئ ، وان يقطفوا اي شئ ، وان يملأوا السفينة بأي شئ .. وهنا سيظهر الفرق بين الفلاح وبين الكوميسيون . يبدو ان عدد الدلالين في السوق صار اكثر من عدد الفلاحين في الحقل . فهذا زمن الدلّال وزمن الكوميسون ... وحقول فلسطين تطرح وتبكي تحت جرافات الاحتلال ولكن الكوميسيون السياسي منشغل ان يملأ السفينة التالية بأي شئ ، لان الاغنياء يطلبون كل شئ . |