|
أخصائي بعلم الاجتماع العلاجي يحذر من تأثير العدوان على الطواقم الطبية
نشر بتاريخ: 29/11/2012 ( آخر تحديث: 29/11/2012 الساعة: 09:52 )
نابلس- معا - حذّر البروفيسور جواد فطاير ، مساعد رئيس جامعة النجاح الوطنية بنابلس والمحاضر بكلية الطب فيها ، من خطورة التأثيرات النفسية والجسدية والاجتماعية على الطواقم الطبية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، تلك التي لا تلقى أدنى اهتمام من المختصين بعكس المتعلقة بالفئات الأخرى كالأطفال والنساء وكبار السن ، واصفا تلك الطواقم الطبية العاملة في الميدان أثناء الأزمات من أطباء ومسعفين وسائقي سيارات الإسعاف ، بأنها تقوم بعمل بطولي يستحق التقدير والاحترام ، وان هؤلاء المخلصين يجب أن يستشعروا النياشين على أكتافهم ، لان عملهم غاية في القدسية ، مطالبا إياهم في ذات الوقت بعدم القسوة على أنفسهم ، كونهم بشر، تبقى لهم عواطف وأحاسيس يجب أن يعبروا عنها بشتى السبل حتى لو وصل الأمر لحد البكاء، هذا الذي يعتبر في لحظات معينه نوعا من العلاج مرورا الى طلب الاستشارة النفسية ، محذرا في الوقت ذاته من أن التعامل على عكس ذلك يعتبر أمرا غير صحي ويخلق بيئة خصبة لإمراض جسدية ونفسية واجتماعية لدى العامل الصحي.
وأكد البروفيسور فطاير الحاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع العلاجي من جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، أن موضوع التعامل مع الاثار النفسية والجسدية والاجتماعية لتلك الطواقم الطبية وخاصة التي تعاملت مع الآثار الكارثية كالعدوان الأخير على المحافظات الجنوبية من الوطن كون أن معظم ما تعاملت معه تلك الطواقم كان أشلاء ممزقة وضحايا شوهوا بطريقة بشعة وقاسية ، هذا التعامل يجب ألا يتم على أساس أن عمل هؤلاء الأشخاص ميكانيكي بحت، يطغى فيه الكم على الكيف ، كأن نقول أن المسعف نقل خمسة شهداء أو إصابات خلال فترة دوامه ، وان الطبيب والممرض تعاملوا مع عشر حالات ، لان طبيعة العمل بالحتم تؤثر على النفسية ، كون هذا العامل الصحي يتعرض لضغط جسدي ونفسي قاسي ومتواصل ، فلا بد من التعامل معه من جانب شمولي ، بدني ونفسي واجتماعي ، وان لا تعالج تبعات ذلك كأي مرض جسدي عادي ، موضحا انه ليس بالضرورة ان يكون كافة العاملين بالجانب الصحي عرضة لتلك الازمات ، لكنها تتوقف على كيفية تعامل العامل الصحي ذاته مع الحدث ومدى تماسكه وتفاعله اجتماعيا ، مؤكدا أن ردة الفعل الأولية السريعة تختلف من شخص لآخر ولكنها تندرج تحت إحدى خمسة مشاعر عامة تأتي مجتمعة أو منفردة وهي : الخوف ، الوحدة ، الغضب، الذنب وأخيرا الإحساس بالحزن . واضاف البروفيسور فطاير : بإمكان الطب النفسي الاجتماعي تصنيف تلك التبعات التي تصيب هؤلاء العاملين بالمجال الصحي إلى ثلاث مجموعات : أولاها ، تلك التي تعيش اللحظة داخلها أي بصورة نفسية ذاتيه ، حيث ينتابها إحساس بانها لا تزال تعيش تلك اللحظة ، وتعيد استحضار تلك الصور بشكل متكرر يؤدي أحيانا إلى الضغط التوتري والكوابيس أو قد تصل مرحلة الهلوسة ، خاصة لدى استحضار تلك الذكريات الأليمة في ذات الوقت من اليوم التالي للحادث أو بعد الأسبوع الأول من ذات توقيت تلك الحادثة التي تبقى معششة في مخيلته . أما النوع الثاني ، اضاف ، فهو المائل لنزعة التجنب والعزلة ، حيث يضطر الشخص الى تجنب الناس المتعلقين بالحدث ذاته أو حتى مكانه كالمستشفى أو مكان القصف ، وهنا تبدأ عوارض العزلة الاجتماعية على الشخص ، فيبدأ بأخذ الإجازات الوظيفية أو عدم الرد على المكالمات الهاتفية أو حتى تجنب الاختلاط بالناس كالزيارات الاجتماعية أو الصلاة بالمسجد كما كان يعتاد ، حتى تصل إلى محاولته طلب النقل من مكان العمل او تغيير طبيعة عملة بشكل كامل . التصنيف الثالث اضاف الدكتور فطاير ، هو الشخص ذات التوتر العالي ، الجسدي والنفسي والاجتماعي ، هذا الذي تظهر عواطفه الجياشة بشكل واضح، بل واقل شيء يمكن أن يوتره ، وهنا قد تظهر لديه مشاكل بالنوم سواء الطويل لساعات او الارق الشديد حيث يضطر الى استخدام الحبوب المنومه او المهدئة أو المسكنات ، حيث يصبح من السهل أن ينفجر بوجه الآخرين على ابسط الأسباب ، مما قد ينعكس جسديا عليه فيصاب بأمراض عديدة كالصعوبة في التنفس والشد العضلي وسرعة نبضات القلب ، مرورا بالضغط العالي والسكري ، تصاحبه أحيانا القيء والإسهال المتواصل . وعن علاج تلك الحالات سواء الجسدية منها اوالنفسية ، طمأن الدكتور فطاير أن معظم تلك الحالات قابلة للعلاج ، وانها مؤقتة وتزول بشكل سريع ، حيث أنها ناجمة عن عاطفية الإنسان وهي طبيعية ومتوقعة ، وهنا تحل عن طريق العلاج الذاتي ، كالحديث عنها خاصة لما يخشى ذلك الشخص الكلام عنه ، ويضيف : هنا يجب هنا مشاركة الآخرين في صورة الألم ، أولئك الذين نحبهم ونثق بهم ، مشاركة بالحديث والوصف والتعبير عن كل ما يزعجنا . وشدد الدكتور فطاير على أن الدواء السحري لمعظم الحالات هو التفاعل الاجتماعي ومحاولة التفريغ النفسي المباشر وعدم الكبت نهائيا ، معتبرا ان ذلك خير علاج ، وان البديل في حال اصطناع الشخصية الفولاذية هو الازمات والامراض النفسية والعصبية والجسدية للمسعف ، مؤكدا في ذات الوقت انه من واجب وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة تنظيم جلسات خاصة لأولئك العاملين الصحيين ، جلسات تفريغ نفسي وتداخلات علاجية نفسية واجتماعية ، حيث تساعد تلك الجلسات على مشاركة الجميع بالهواجس والآلام التي يكون العامل الصحي اختزنها ، مما يعمل على التخفيف منها بشكل علمي تخصصي وذلك انتهاء بالتخلص التام منها . |