وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حين يصبح قطاع غزة كتلة من الحديد المصطفّ..ثابتا لا يتحرك..!

نشر بتاريخ: 26/12/2012 ( آخر تحديث: 26/12/2012 الساعة: 13:37 )
غزة- معا- سمر الدريملي- كما لم تنزف جثّتها الغضّة الصغيرة قطرة دم واحدة؛ لم تسلْ على وجنتي والدتها دمعةٌ واحدة..!

فليس هناك وقتاً للحزن.. ولا تركيزاً في بيت العزاء، ونظرة الوداع الأخيرة على الجثمان كانت متعجّلة؛ ولم تكنْ بذاك العمق الذي تقوم به الأمهات قبل إختفاء فلذات أكبادهنّ تحت أطباق التراب..

..أغلقوا بيت العزاء، وانتقلوا بآهاتهم وإصاباتهم وعكاكيزهم لأروقة التحقيق وردهات السجن..

"سهام" أمٌ فقدت طفلتها "وعد" التي لم تتجاوز السبعة أعوام في حادثٍ مروريٍ في أحد الشوارع الرئيسة لمدينة غزة؛ عندما اصطدم زوجها بسيارة؛ بينما كان يقود هو "دراجةً نارية بصندوقٍ خلفي" أو ما يعرف بـ "التُكتُك" محملاً معه أسرته المؤلّفة من عشرة أفراد.. معظمهم أُصيبوا؛ في حين لفظت "وعد" أنفاسها الأخيرة؛ نتيجة لقوة ارتطامها بعيداً على الرصيف، مما أدّى إلى نزفِها داخلياً حتى الموت.

قابلنا والدة "وعد" أثناء التحقيق معها في ملابسات الحادث داخل قسم تحقيقات حوادث المرور بمدينة غزة؛ وذلك بعد إغلاق بيت عزاء ابنتها مباشرةً، مصطحبةً معها أصغر أبنائها؛ ويبلغ من العمر أربعة أعوام؛ فقالت: "لا أذكر سوى أنني رأيت وعد بعيدةً عنّا وقد انتفخت رقبتُها ورأسُها بشكلٍ غريب، بينما أخذتُ أجمع أولادي المتناثرين هنا وهناك وأتفحصهم..".

وجه "سهام" المائل للصفرة لازال شارداً من هول الحادث وتبعاته.. ورغم أننا في عزّ البرد؛ اصطحبت ابنها الصغير مرتدياً ملابس صيفية و"شورط" قصير!! أما زوجها "محمد" الذي أخذت أقواله قبل زوجته؛ فقد بكى فور سؤالنا إياه عن "وعد"..

قال؛ بينما كان يعدّل عكازه الذي يسند يده وقدمه المصابة: "أنا مضطرٌ للعمل على "التكتك" فليس لدي المال لشراء سيارة أو شاحنة للعمل عليها في نقل البضائع؛ وتأمين مصدر رزقٍ لإطعام أفواه صغاري... أتمنى ألا تنتهي القضية بتحمّل المزيد من المصائب والأعباء المادية".

"وعد" قُيّد اسمها في سجل الوفيات والسبب: حادث "تكتك"..!

أما "محمد".. فقد صُّنف مؤخراً وفي عز شبابه كـ "معاق" حركياً والسبب؛ فقدانه لقدميه بعد حادث دراجة نارية كان يقودها..

في حين لم يتبق إلا البصيرة والأيادي الممدودة أمام "حسن" الذي فقد بصره في حادث شاحنة؛ فحلّت العتمةُ الأبدية؛ لتقيّد خطواته وتخنق روحه المرحة..
قطاع غزة؛ الذي لا تتجاوز مساحته الـ(360) كم2 بينما يقطنه حوالي مليون ونصف المليون نسمة؛ يعاني -ومنذ أكثر من ست سنوات- أزمةً مروريةً خانقة، وازدحاماً كبيراً في حركة المركبات، وتعثّر حركة المشاة، وتزايد حالات حوادث السير؛ في ظلّ استمرار الحصار الإسرائيلي، وتزايد نسبة الفقر والبطالة، وتلوثاً مرتفعاً في مناحي البيئة كافة، وحركةً عمرانيةً نشطةً تزحف لتملأ ما تبقّى من الأراضي الفارغة.

وفي وضعٍ يصبح فيه الشارع رصيفاً، والرصيف شارعاً، والسيارة الخاصة سيارة أجرة، وسيارة الأجرة سيارةً مجهولة.. وعربات الحمير تزاحم "التكاتك".. وجيب 2012 يزاحم سيارةً متهالكةً موديل 1980.. والدراجات النارية تُشعل أجساد المارّة.. والأرواح تتصاعد إلى السماء كما يتصاعد البنزين في الهواء.. هنا يتوجب علينا التوقّف قليلاً وإجراء التحقيق التالي.

"صغير على" الدراجة النارية:
الرائد فهد حرب، مفتش تحقيقات حوادث المرور التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني في الحكومة المقالة؛ أكّد بأنّ نسبة حوادث الطرق في قطاع غزة أخذت بالتزايد منذ عام 2007 وحتى العام 2010، عازياً ذلك إلى زيادة أعداد السيارات والمركبات والدراجات النارية بشكلٍ يفوق طاقة قطاع غزة ومساحته الصغيرة وشوارعه الضيقة، والكثافة السكانية العالية والمتزايدة، ناهيك عن التقصير في ضبط وتنظيم حركة دخول السيارات والمركبات والدراجات النارية إلى قطاع غزة من قبل المسؤولين في وزارتي الداخلية والنقل والمواصلات، وتقاعسهم عن وضع خطةٍ جدّيةٍ ومدروسةٍ لإتلاف السيارات القديمة، وضبط الوضع المروريّ بشكلٍ عام؛ لاسيما ملاحقة المركبات غير النظامية.

وقال حرب: "كل الجهات المسؤولة عن حركة المرور في قطاع غزة غير قادرة على ضبط الأمور على الأرض، فنحن لم نشقّ في القطاع شوارع جديدة، ولم نحفر أنفاقاً للمشاة، ولم نمدّ جسوراً.. المساحة كما هي.. والشوارع هي ذاتها، لكننا نلحظ دخول عشرات المركبات والسيارات والدراجات النارية بشكلٍ شرعي وغير شرعي عبر الأنفاق الممتدة على الحدود بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية؛ لدرجة أنّ هذا السيل من التهريب لم يتوقف؛ حتى في ظلّ الهجمة العسكرية التي شنّتها إسرائيل مؤخراً على القطاع".

وتابع: "..رفعنا توصياتنا مراراً وتكراراً فيما يتعلق بضرورة تحديد عدد المركبات والدراجات النارية التي تدخل لقطاع غزة؛ لا سيّما من مصر، كذلك طالبنا بضرورة رفع السنّ القانوني لمن يقود الدراجة النارية؛ خاصةً وأنّ أعمار معظم الوفيات والإصابات في حوادث الدراجات النارية تتراوح ما بين (17-25) عاماً، لكن؛ حتى الآن ليس هناك تدخّلاً حازماً..".

"..أما فيما يتعلق بمطالبنا بضرورة وقف دخول السيارات المقطّعة إلى قطاع غزة، خاصةً أنها بعد تجميعها تصبح ضعيفةً جداً، وفي حال اصطدامها بأية مركبة أخرى فإنّ احتمال وقوع حالة وفاة واردة بنسبة 99%، فلم تلبَ إلا منذ عام، وعلى رغم ذلك؛ فإن القطاع يعجّ بهذه النوعية من السيارات".

يُذكر أن الكثيرين من تجّار السيارات والدراجات النارية يقومون بشرائها من مصر مقطّعة؛ لتسهيل إدخالها عبر الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، وبعد ذلك؛ يتم تجميعها في الورش الفنية؛ لتصبح جاهزةً للسير، كما أنّ العديد من السائقين يقودون المركبات والدراجات النارية دون رخصة قيادة أو تأمين.

ويتشاءم المواطنون في غزة من صوت الدراجة النارية التي لم يعهدوها تعج بشوارعهم إلا منذ حوالي خمسة أعوام، خاصةً في ظلّ عدم وجود خبرة في قيادتها، وعدم وجود شوارع تساعد على قيادتها، كما أنّ الإصابات التي تنجم عن حوادثها غالباً ما تكون في الجزء العلوي من الجسم؛ لاسيما الرأس، وكثيراً ما يمكث ضحاياها في غيبوبة طويلةٍ قد تمتد لشهرين.

ووفقاً لإحصائية مكتب تحقيقات حوادث الطرق في الإدارة العامة للمرور؛ فإنّ حالات الوفاة نتيجة حوادث الدراجات النارية هي حالة وفاة واحدة خلال العام 2007، وارتفعت لتصل إلى 20 حالة وفاة في العام 2008، و28 حالة وفاة في العام 2009، و35 حالة وفاة في العام 2010، وتراجعت النسبة لتصل إلى 25 حالة وفاة خلال عام 2011، وعادت لترتفع من جديد في العام 2012؛ لتصل إلى 26 حالة وفاة حتى منتصف شهر ديسمبر..!

أما بخصوص حالات الوفاة نتيجة حوادث المركبات والسيارات؛ فالعام 2007 سجّل 34 حالة، لترتفع إلى 51 حالةً في العام 2008، و85 حالة وفاة في العام 2009، و89 حالة وفاة في عام 2010، لتتراجع في العام 2011؛ لتصل إلى 80 حالة وفاة، وتستمر في التراجع؛ لتصل إلى 63 حالة وفاة حتى منتصف ديسمبر من العام الجاري 2012.

ويُعزو "حرب" هذا التراجع إلى حملات السلامة على الطريق التي تنفذها وزارة النقل والمواصلات حالياً، وكذلك ما تقوم به شرطة المرور من تفتيشات ومتابعات.

تجدر الإشارة إلى أنه؛ وإلى جانب حالات الوفاة؛ فالحوادث تتسبّب أيضاً بإصابات ما بين بسيطةٍ ومتوسّطة وخطيرة، وحالات تشوّه أو بتر أطراف، ناهيك عن الأضرار المادية، والقضايا الشائكة التي تأخذ سنواتٍ طوالاً في أروقة المحاكم والشرطة ما بين الجاني والضحية.

ووفق ذات الإحصائية؛ بلغ عدد الإصابات نتيجة حوادث الطرق منذ عام 2007 وحتى منتصف ديسمبر من العام 2012 ما يقارب (12102) صابة، فيما وصل عدد القضايا حوالي 27ألف قضية.

ونوّه "حرب" إلى أنّ وزارة الصحة بغزة تتكبد الكثير من الأعباء المادية نتيجة حوادث السير بشكلٍ عام، خاصةً وأنّ العديد ممن يرتكبون حوادث السير لا يمتلكون التأمين والترخيص، كما أن حالتهم المادية تكون صعبةً للغاية؛ فلا يستطيعون دفع المال اللازم لعلاج الضحايا، أو حتى علاج أنفسهم..!
"البلد طفحت بالسيارات"

وزير النقل والمواصلات؛ أسامة العيسوي، اعتبر أنّ الوضع المروري في قطاع غزة "ليس بالصورة السوداوية" وإن كان بحاجةٍ لمزيدٍ من الجهد المشترك ما بين الحكومة والمواطن "فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع، وتبدأ من الأسرة، ودورها المهم في التنشئة المرورية لأفرادها، وكذلك دور مؤسسات التعليم في تعديل السلوك، والمواطن الذي يحتاج لمزيدٍ من الوعي المروري، والسائق الذي يحتاج للمزيد من الانضباط بقوانين السير".

معرباً عن أمله في أن يشهد القطاع تنفيذ العديد من المشاريع المموّلة من قبل دولة قطر؛ والتي تتعلّق بتعبيد الطرق الشريانية في القطاع، والتي تعرّضت لدمارٍ كبيرٍ على مدار الأعوام الماضية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

من جهته؛ وصف م. سعيد عمار، مدير عام الطرق والمشاريع في وزارة النقل والمواصلات في الحكومة المقالة، وضع حركة المرور في قطاع غزة بأنها "مزرية" عازياً ذلك لسوء التخطيط من الأساس لقطاع غزة برمته منذ حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة فتح، وحتى في ظلّ حكومة حماس، إضافةً لعدم قيام كلّ المسؤولين في هذا القطاع بواجبهم على أكمل وجه خاصةً في الشرطة والمرور والداخلية، ولعدم جرأة صنّاع القرار في اتخاذ قراراتٍ حاسمةً وجديةً لحلّ هذا الملف: "يجب تغليب المصلحة العامّة على المصلحة الخاصة.. وهذا ملفٌ مركزيٌ ويمسّ مصالح الناس كافة".

وتابع م. عمار: "في غزة فُقدت السيطرة على ضبط النظام وحركة المرور، والبلد طفحت بالسيارات، كل بلاد العالم تدخلها السيارات وتخرج منها إلا نحن؛ ندخل ولا نخرج..!".

"... آلاف السيارات تدخل للقطاع، وفي مقابل ذلك؛ لا تتلف ولا سيارة واحدة قديمة!!، ونحن لا نستطيع منع إدخال السيارات لأنه لا يوجد قانون فلسطيني يمنع إدخال المركبات الحديثة؛ لأهمية تحديث الأسطول البرّي أولاً بأول، وقرار الإتلاف بيد مجلس الوزراء الفلسطيني".

والدراجات النارية؛ على الرغم من إصدارنا قراراً بمنع إدخالها منذ عام 2010؛ إلا أنك تجد في الميدان دراجات موديل 2011، 2012، 2013..!!.
وأوضح بأنّ الوزارة تدرس حالياً رفع سنّ من يقود الدراجة النارية من 17 ونصف إلى 25 عاماً "لأننا وجدنا أن معظم الضحايا ممن يقودون الدراجات النارية هم تحت سن 25 عاماً".

وأمام ذلك؛ كيف ترى قطاع غزة بعد بضع سنوات..؟ سألناه ليجيب: "..أراها كتلاً من الحديد المصطفّ خلف بعضه.. حديد ثابت لا يتحرك..!!".
يُذكر أن قانون المرور الفلسطيني لعام 2005 لم يحدد إتلاف أي مركبة خصوصية بناء على عمرها، لكن اعتمد على صلاحيتها الفنية، أما المركبة العمومية؛ فقد حدد القانون أنّ ما يزيد عمرها عن 18 عاماً فيتم إنزالها عن الخط، ولا يحقّ لها أن تنقل ركاباً بأجر، وتُحوّل لمركبة ملاكي؛ لكن يجب أن تستوفي إجراءات التحويل من عمومي لملاكي، وأن يتوفّر فيها الشروط الفنية لسلامة المركبة.

وكان مصدر مسؤول صرّح لنا بأنّ "وزارة النقل والمواصلات رخّصت مؤخراً 20 ألف سيارة قديمة، سامحةً لها بالسير والعمل في الشوارع والطرقات بدلاً من إهلاكها".

بل إن هناك ممن هم خبراء في قطاع السيارات أكدوا لنا بأنهم يشاهدون سياراتٍ قديمةً جداً لازالت تسير في شوارع القطاع، ومنها سيارة من نوع "شيفروليه" طراز الستينيات، وأخرى من نوع "فورد" و"بيجو" طراز السبعينيات.

"خليل الزيان"، المتحدّث باسم وزارة النقل والمواصلات قال إن "هناك دراسة في طور الإعداد لتشجيع المواطن على استبدال مركبته القديمة؛ ستكون خير عون له".

وأوضح أنه يوجد في قطاع غزة حوالي (18) ألف سيارة موديلاتها منذ سنة 1985 وأقدم، وكلها لازال أصحابها يعملون عليها إما ملاكي أو كسائقي أجرة.

وأشار إلى أنه وبين الأعوام 2006-2009 عانى قطاع المركبات من حصارٍ شديد، مما دفع الوزارة للتعامل مع الواقع المرير وتقبّل أدنى الشروط فيما يتعلّق بترخيص المركبات القديمة، مع مراعاة شروط السلامة والتأمين، ومنذ السماح بدخول المركبات لقطاع غزة عبر الجانبين المصري والإسرائيلي في العام 2010 يصل عدد المركبات التي ترخص رسمياً إلى (2000) مركبة سنوياً، في حين وصل عدد الدراجات النارية المسجلة منذ العام 2009 وحتى الآن (15956) دراجة.

وأكدّ على أنّ الموازنات التي تخصصها الحكومة لقطاع المرور "متواضعة ولا تكاد تفي بأقلّ القليل" مشدداً على "أهمية التعاون ما بين الأطراف المختصّة كافة؛ لتحسين الوضع المروري وتأمين سلامة السائقين والمارة".

أضعافها غير مرخصة!!
مدير عام المرور في قطاع غزة، "علي النادي" اعتبر أنّ مما يزيد الوضع المروري سوءً في قطاع غزة، ويتسبب في المزيد من الحوادث هو الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ حوالي سبع سنوات، وما يتضمّنه من منع إدخال المواد الخام ولوازم البناء لتعبيد وإصلاح الشوارع والطرقات أولاً بأول، وقصف إسرائيل للشارعين الرئيسيين في قطاع غزة في كلّ عدوان عسكري، وهما شارع البحر وشارع صلاح الدين، اللذان يربطان شمال القطاع بجنوبه، ويُعتبران شريان القطاع الحيوي.

وتابع النادي: "أضف إلى ذلك؛ انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل على مختلف المناطق والشوارع العامة في القطاع، وتكدّس المركبات القديمة مع المركبات الحديثة على بقعة قطاع ثابت ومحاصر يئن قاطنوه من الفقر والبطالة.

وقال: "نحاول -على قدر استطاعتنا- ضبط وتنظيم الوضع المروري؛ وقد أتلفنا وقطّعنا الآلاف من الدراجات النارية غير النظامية، لكن؛ مازال هناك أيضاً الآلاف".
ونوّه إلى وجود حوالي (12) ألف دراجة نارية حاصلة على ترخيص رسمي من وزارة النقل والمواصلات، كما يوجد أضعافها غير حاصلة على ترخيص، إذ يتم تهريبها من الأنفاق في أوقات انشغال الجهات المسؤولة عن مراقبة الأنفاق لأيّ ظرف كان".

تجدر الإشارة إلى أنه ووفقاً لإحصاءات الإدارة العامة للمرور إلى أن مجموع المخالفات البريدية للدراجات النارية خلال عام 2012 حتى شهر نوفمبر بلغت حوالي (18953) مخالفة بريدية، في حين تم سحب (4237) دراجة نارية، وسحب (35567) مركبة، كما بلغت نسبة من تم إشعارهم بانتهاء ترخيصهم (49.34)%.

وأضاف: "لا يلومنا أحد عندما نقوم بمخالفته.. فعندما نعاقب أحداً يستهتر بالقانون نحيي أناساً كثراً".

يُذكر أنّ عدد أفراد الشرطة المخصصين للمرور في كل قطاع غزة هو فقط 680 شرطياً، وهو عددٌ قليلٌ جداً مقارنةً بما يحتاجه القطاع بالفعل".

من جانبه؛ لفت محمود شاهين، مدير عام الإدارة العامة للإمداد والتجهيز في وزارة الداخلية والأمن الوطني في الحكومة المقالة، أن كلّ ما يدخل عبر الأنفاق من مركبات منذ عام 2009 تتأكد وزارة الداخلية من قانونيته ونوعيته وسلامة أوراقه الثبوتية "وفي حال اكتشافنا لأية مركبة غير قانونية تُصادر وتحوّل لوزارة النقل والمواصلات لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

أما فيما يتعلق بتنظيم منطقة الأنفاق؛ فقال: "عملية التدقيق والفحص لكلّ ما يدخل عبر الأنفاق دائمة ومستمرة، لكنّ التدقيق أصبح أكثر دقةً منذ عامين؛ ورغم ذلك؛ لا نستطيع أن نضبط الوضع في الأنفاق بنسبة 100%".

وقال: "تُعقد اجتماعاتٌ كثيرةٌ على صعيد صنّاع القرار والمختصين في هذا الشأن لتحسين الوضع المروريّ؛ لكنها تبقى اجتماعات دون اتخاذ خطواتٍ عملية، وفي كلّ الأحوال؛ فإنّ أي حلٍ يوضع يحتاج لقرار مجلس الوزراء الفلسطيني".
دمار تلو الدمار
تجدر الإشارة إلى وجود حوالي أربعة جسور صغيرة تربط بين أجزاء القطاع المختلفة، وتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قصف معظمها جوياً في كلّ هجمةٍ عسكرية على القطاع، كما يطال الدمار جزءاً كبيراً من قطاع الإنشاءات والطرق والبنية التحتية بشكلٍ عام، وهو يشلّ حركة المركبات عليها، ويعرقل حركة السير والمرور، ويزيد احتمالية وقوع حوادث.
وفي هذا الخصوص؛ أكّد وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان م. ياسر الشنطي أنّ الوزارة تعمل جاهدةً على إصلاح الجسور الحيوية، ومنها إعادة إصلاح جسر وادي غزة الساحلي غرب القطاع، حيث تبلغ تكلفة المشروع (200) ألف دولار، كما ستستغرق عملية إصلاحه 40 يوماً.

وذكر أنّ الوزارة تعكف حالياً على توفير منحة للشروع بإعادة تأهيل جسر المغراقة؛ الواصل بين مخيّم النصيرات وبلدة المغراقة ومدينة الزهراء وسط القطاع في أسرع وقتٍ ممكن؛ خصوصاً أنه أكثر استخداماً من قبل طلبة المدارس؛ الذين يتنقلّون من بيوتهم إلى مدارسهم عبره، بعد أن ضُرب في العدوان الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع في شهر نوفمبر الماضي.

وثمّن "الشنطي" جهود دولة قطر ودعمها لقطاع غزة بمنحةٍ لإعادة إعمار غزة بقيمة (400) مليون دولار، سيخصص منها (150) مليون دولار لمشاريع الطرق، خاصةً شارع صلاح الدين، وهو خطٌ رئيسٌ لحركة أهالي القطاع من الشمال للجنوب مروراً بالمنطقة الوسطى، ويتحمّل العبء الأساسي في نقل الأشخاص والبضائع؛ وشارع الرشيد غرب مدينة غزة على امتداد ساحل بحر غزة.

الموت بـ.. "الزحمة"!!
"رامز السنداوي".. يبلغ من العمر (45) عاماً، يعمل منذ 15 عاماً كسائق تاكسي، يقول: "منذ 9 سنوات كنت أعمل ستّ ساعات أعود بعدها للبيت بالرزق الوفير، أما الآن فأخرج من بيتي منذ الساعة السابعة صباحاً وأعود في العاشرة مساءً ولا أعود بما يسدُّ أدنى حاجات أسرتي الصغيرة، كما أنني أعود مرهقاً جسدياً ونفسياً..".

"..الشوارع مزدحمة.. ويزاحمنا في رزقنا من يملك سيارة عمومي أو خاصة.. والقيادة صعبة.. والشوارع مليئة بالمطبات والحفر وتغرق بفصل الشتاء.. والمخالفات لا تُعدُّ ولا تُحصى.. واستهلاك البنزين سهلٌ وسريعٌ بسبب كثرة المطبّات والوقفات؛ إضافةً لانقطاعه في كثير من الأحيان، أو ارتفاع أسعاره نتيجةً لقلّته.. في كثير من الأحيان أفكر أن أترك هذا العمل؛ لكنّي لا أجد فرصةً أو متنفساً آخر".

أما "حازم . س" ابن ال23 عاماً؛ فوجدناه بينما كان يصطفّ إلى جانب أحد الطرقات العامة لإيقاظ عجلته النائمة، وليعترف لنا بأنه يقود دون رخصة أو تأمين، مستطرداً بالقول: "مضطرٌ للعمل على سيارة والدي القديمة؛ فهو طريح الفراش، وأنا أكبر أولاده، ولا يوجد مصدر دخلٍ سوى العمل على هذه السيارة؛ وإلا سنموت من الجوع".

"..أعمل لأكثر من 15 ساعة متواصلة.. وأحاول على قدر استطاعتي أن أتهرّب من دوريات الشرطة والمرور، لأنني لحتى الآن لا أملك المال لأرخّص وأؤمن؛ أنا بالعافية لما أقدر أصلّح خراب السيارة".

وفي أحد تاكسيات الملاكي التي تعمل كسيارة أجرة؛ تجاذبنا أطراف الحديث مع ربّة البيت "نهى طلب" وتبلغ من العمر (32) عاماً، والتي شكت من عدم وجود لوحةٍ تعريفيةٍ لكلّ سائقي الأجرة -كما كانت ترى خلال إقامتها في الخارج- لضمان الأمان والسلامة للركّاب والمارّة، وعدم تخصيص لونٍ موحد لسيارات الأجرة؛ وإلزام السيارات الملاكي بعدم مزاحمة سائقي الأجرة في رزقهم، والمساهمة في خلق الزحمة وتكدّس المركبات في الشوارع.

وتشاطرها الرأي والدتها؛ التي أكّدت أنها كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة؛ بينما كان الإسعاف يُقلّها إلى المستشفى نتيجة إصابتها بوعكةٍ صحيةٍ حادة؛ واستغراقها أكثر من نصف ساعة في الطريق؛ رغم أن البيت لا يبعد عن المستشفى سوى كيلو مترين..!.

أما "محمود جودة".. فيركّز على نقطةٍ هامة؛ ألا وهي الوقت؛ فيقول: "مشوار الربع ساعة بالسيارة يحتاج لساعة، وكي أصل لمحاضرتي في الثامنة صباحاً؛ عليّ أن أخرج من الساعة السابعة؛ رغم أنّ بيتي لا يبعد كثيراً عن الجامعة".

ويكمل حديثه بينما تظهر على وجهه علامات الغضب: "وقتنا يُهدرُ بسبب الزحمة.. بل أننا والسائقين تنفد طاقة تحمّلنا بسبب السير ببطء وكثرة الوقفات.. وهو ما يهدر طاقة اليوم من أول اليوم".

وخلال مراقبتنا لعمل شرطي مروري على أحد المفترقات الرئيسة في غزة؛ رأينا كيف أنه لا يستطيع تصيّد كلّ المخالفين وتعقبهم، حيث أنه "مش ملحق" على حد تعبيره..!

وقال: "المركبات يزيد عددها بشكلٍ يفوق قدرتنا كشرطة على الملاحقة والمتابعة الدقيقة لحركة السير إجمالاً".

السيارات "البودي"
أحد تجار السيارات -فضّل عدم ذكر اسمه- نقلنا إلى زاويةٍ جديدةٍ ومهمةٍ في الموضوع هي سيارات "البودي".. وهي التي لا تحمل أوراقاً ثبوتية، ويتمُّ تهريبها عبر الأنفاق ما بين مصر وقطاع غزة بواسطة تجّار من مصر لتجار في القطاع بعد سرقتها من أصحابها الأصليين، بل "وقتل أصحابها أحياناً".

وقال: "تكمن خطورة هذه السيارات بأنّ شرطي المرور غالباً لا يستطيع أن يحرر مخالفةً لأي فعلٍ اقترفه صاحب هذه النوعية من السيارات بحق الطريق أو المشاة؛ ولن يستطيع أحد تعقب آثاره، خاصةً وأنّ الكثيرين ممن يمتلكونها في غزة يسيرون دون لوحات، أو يضعون لها لوحات وهمية أو مؤقتة أو مزوّرة، كما أنّ بعضها يصل لغزة وآثار الدم وتطاير أجزاء من مخ القتيل بداخلها أو تملأ سقفها".

وكانت وزارة النقل والمواصلات قد فتحت باب الترخيص والحصول على الأوراق الرسمية لمثل هذه النوعية من السيارات لما يزيد عن 3 سنوات متواصلة، فيما قررت إغلاقه في العام الماضي2011 لدواعي السلامة، وللقضاء على الفوضى المرورية، والعمل بمقتضيات القانون الذي لا يوجد فيه أيّ مسوّغ لاستمرار ترخيصها. ناصحةً المواطنين الذين لازالوا يملكون هذه النوعية من السيارات دون ترخيصها بالاستفادة منها عبر بيعها كقطع غيار؛ وهو ما أثار غضب الكثيرين ممن يملكونها "خاصة وأنهم الآن في مأزقٍ كبيرٍ لخوفهم من مصادرة سياراتهم أثناء السير، وحجزها تمهيداً لتقطيعها" وذلك على حدّ تعبير الكثيرين ممن قابلناهم.

وأكدّ تاجر السيارات أنّ "سيارات البودي لا تزال تدخل عبر الأنفاق، ومنها ما هو بعلم الحكومة ومنها ما هو دون علمها، بل وكذلك الدراجات النارية وقطعها، وعلى الحكومة إن أرادت منع إدخال أيّ نوعٍ من المركبات.. منعها من الجذور؛ لا التساهل وإغماض العين في كثيرٍ من الأحيان لجمع المزيد من الضرائب المالية التي تفرضها على كلّ شيء يدخل عبر الأنفاق".

وفي المقابل رد المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات الزيان "الوزارة وضعت آلية لإدخال المركبات بالتعاون مع وزارة الداخلية وجهاز الشرطة الدولية "الإنتربول"، حيث "يجب أن يشتري المواطن السيارة من الجانب المصري، ويقوم بإحضار أوراق ملكيته للسيارة والجهة البائعة، ويقدم طلباً نرسله للشرطة الدولية، وعند إدخالها يتم فحصها والتأكد من مواصفاتها ونرسل خطابا لترخيصها ولايتم إدخال أي مركبة إلا بعد موافقة الجهات الرسمية".

"ك . م" صاحب محل سيارات قال إنه يُفضّل أن يستورد سياراته بشكلٍ رسميٍ عبر معبر "كرم أبو سالم" جنوب القطاع، مشيراً إلى أن ذلك "يضمن له استيراد سيارة نخب أول، كما أنه لا يُضطر لدفع أجرة نفق، ناهيك عن أنّ بعض الزبائن لا يرغبون إلا بالسيارات التي تأتي عبر الطرق والأوراق الرسمية الأصلية".

وأضاف: "ما الذي يجبرني على أن أدفع ( 4000) $ أو أكثر كضريبة لإدخال مركبة عبر النفق للحكومة في غزة، ناهيك عن دفع (3000) $ أخرى كجمرك لوزارة المالية، وحوالي (200-300)$ كترخيص لوزارة النقل والمواصلات، و(10) آلاف $ مثلاً للتاجر كثمن للسيارة، وفي النهاية؛ أبيعها للمواطن المسكين بـ"25" ألف $ لأجمع المربح؟!. صندوق الاستثمار الفلسطيني, مشيراً إلى أنّ "عملية الاستيراد تأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد لبضعة أشهر أو حتى عاماً أو أكثر، وهو ما يكبدني المزيد من الأموال كبدل أرضية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، كما أنني أقوم بدفع ضريبة القيمة المضافة لحكومة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله بنسبة 50%، وضريبة للحكومة المقالة في غزة بنسبة 25% أيضاً".

وتابع: "نحن من أكثر بلدان العالم التي تعاني ارتفاعاً باهظاً في أسعار المركبات والسيارات؛ بسبب حجم المبالغ التي ندفعها للحكومتين في رام الله وغزة وطمع بعض التجار في كسب المزيد من المال على حساب الزبون، وسلسلة دفع الضرائب والجمارك التي لا تنتهي".

واستطرد قائلاً: "نحن كذلك من أكثر بلدان العالم ازدحاماً بمختلف أنواع المركبات، فالمهرّب يضاعف الرسمي بأضعاف الأضعاف".

ولفت إلى أن "صندوق الاستثمار الفلسطيني بغزة له دور في تنظيم عملية التجارة بالمركبات عبر الأنفاق لكنه يستفيد ما لايقل عن 3000 $ أو أكثر في بعض الأحيان في كل مركبة تأتي من خلاله للتجار بغزة، وتعود هذه الأرباح في النهاية كإيراد لوزارة المالية في غزة".

ونوّه إلى أنّ بعض المواطنين يتجهون لمحال السيارات التي يربط صاحبها علاقة بشكلٍ أو بآخر بحكومة حماس، حيث يكون سعرها أقل؛ نتيجة دفعه من الأساس تكاليف أقلّ كضريبة نفق عند استيراده إياها.

وأشار إلى أنه: "برغم الحصار والفقر؛ إلا أنّ هناك إقبالاً على شراء السيارات، وإقبالاً متزايداً من قبل شريحة النساء مؤخراً، مشيراً إلى أنّ العديد من المؤسسات المصرفية تساعد بشكلٍ كبيرٍ على شراء السيارات؛ عن طريق تقديم القروض المالية وسدادها بالتقسيط شهرياً".

يُذكر أنّ نسبة تقديم الطلبات الخاصة بالنساء للحصول على رخصة قيادة تزداد بمعدل 10% سنوياً، حيث وصل عدد السائقات حتى عام 2012 حوالي (15564) امرأة، وذلك حسب إحصاءات وزارة النقل والمواصلات.
خسارة للاقتصاد القومي
م. كنعان عبيد، نقيب المهندسين بغزة، ورئيس سلطة الطاقة سابقاً في الحكومة المقالة، أكدّ بأن: "ثلث استهلاك السيارة في قطاع غزة من المحروقات يضيع في الهواء؛ بسبب كثرة وقفاتها نتيجة الزحمة والتوقف على الإشارات الضوئية, وامتلاء الشوارع بالحفر والمطبّات". منوهاً إلى أن تكلفة بناء جسر معلّق تعادل تكلفة ما يضيع من هذه المحروقات لسنة واحدة؛ كما أن تكلفة صيانة المركبات بغزة -بسبب كثرة الوقفات والازدحام الشديد- يعتبر خسارةً للاقتصاد القومي الفلسطيني؛ علماً بأن غزة تُعتبر –نسبياً- من أكثر المناطق استهلاكاً لقطع غيار المركبات بشتى أنواعها.

وأشار م. "عبيد" إلى الآثار النفسية والاجتماعية السيئة التي يخلّفها الازدحام في شوارع غزة، لا سيما أصحاب المحال التجارية والسكان الذين يتواجدون بالقرب من الإشارات الضوئية ويعانون من الاختناقات المرورية والتلوث الناتج عن الضوضاء وعوادم السيارات.

ودعا إلى ضرورة تشجيع السيارات الصغيرة بغزة؛ والتي تستهلك وقوداً بكميات قليلة, بدلاً من قيادة السيارات كبيرة الحجم والجيبات، وضرورة وضع خطة بديلة لتغيير اتجاهات الشوارع في غزة؛ لتقليل التقاطعات، واستغلال الشوارع الجانبية، وجعل الشوارع في اتجاه واحد بدلاً من اتجاهين.

يُذكر أنّ دراسات متخصصة أجريت مؤخراً أكدت أنّ عوادم السيارات هي المسبّب الرئيس لتلوّث الهواء، كما أنّ التلوث وعوادم السيارات تؤثر سلباً على وظائف الرئة ونقص وظائفها؛ لاسيما لدى الأطفال مقارنةً بالكبار، وقد تزداد أمراض الصدر مثل الربو والحساسية؛ خاصةً في مناطق ارتفاع مستوى التلوث بعوادم السيارات.

ونظراً لانقطاع التيار الكهربائي المتواصل في قطاع غزة؛ فإن المولدات الكهربائية "المواتير" واستخدام طرق بدائية في التدفئة والطهي؛ تزيد من حدة تلوث الهواء والتلوث الضوضائي.

إذن؛ هناك حاجة ماسة في تكاتف الأطراف المسؤولة كافة؛ من أجل وضع خطة عملية مدروسة لتحسين البيئة المرورية في قطاع غزة، وعدم التأجيل أو التسويف أو المماطلة، حيث لا يتحمّل القطاع استمرار الوضع القائم أو تدهوره أكثر من ذلك.