|
وفيات الأنفاق حقوق ضائعة- تقرير خاص صادر عن الهيئة المستقلة
نشر بتاريخ: 28/01/2013 ( آخر تحديث: 29/01/2013 الساعة: 07:53 )
رام الله - معا - ضمن سلسلة تقارير خاصة أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" تقريراً بعنوان (وفيات الأنفاق حقوق ضائعة)، وترصد الهيئة في هذا التقرير الأنفاق في قطاع غزة في ظل تنامي وتعاظم الأخطار المحدقة، بالمواطنين نتيجة لاتساعها وانتشارها، ومساسها المباشر بحياتهم وأرزاقهم وحقوقهم الأساسية، بالإضافة إلى ما استحدثته تلك الأنفاق من فرض نمط قانوني واقتصادي لا يتضمن القواعد والمعايير القانونية التي كفلتها الأنظمة والقوانين المرعية.
ويلقي التقرير الضوء على واقع الأنفاق في قطاع غزة، لإبراز الانتهاكات التي طالت حقوق المواطنين نتيجة لها، ودور الجهات الرسمية في قطاع غزة في متابعة تلك الانتهاكات ومعالجتها وقياس مدى ملاءمة تلك الإجراءات للمعايير القانونية للخروج باستخلاصات ونتائج لمنع تلك الانتهاكات والحد من آثارها، إعمالا للدور القانوني المناط بها في حماية وصيانة حقوق المواطنين وحرياتهم. وترصد الهيئة في هذا التقرير (باللغتين العربية والإنجليزية) وفيات الأنفاق، مسلطة الضوء على واقع الأنفاق في منطقة الحدود الفلسطينية المصرية، وعلى تبعات هذا الواقع وما ينتج عنه من انتهاك للحق في الحياة والسلامة الجسدية، والحق في العمل، ومدى تأثير تلك الانتهاكات على حياة المواطنين في قطاع غزة. ويتكون التقرير الذي أعده الباحث الحقوقي المحامي حازم هنية في دائرة السياسات والتشريعات ببرنامج قطاع غزة من ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول منها خلفية عامة عن الأنفاق في قطاع غزة، وماهية هذه الأنفاق، ومدى تأثير الحصار الإسرائيلي على نقص السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية التي يحتاجها قطاع غزة، فبين هذا التقرير أن الأوضاع الحالية التي يعيشها قطاع غزة هي الأسوأ منذ عام 1967 على مستوى الأمن الاقتصادي وظروف العيش، والانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه الحصار الإسرائيلي والذي أثر على كافة القطاعات، من صناعية، وخدماتية، وإنشائية، وزراعية، وهو ما دفع سكان قطاع غزة لإيجاد منفذ لإنقاذ أنفسهم، وهل يخشى الغريق البلل؟! وكان هذا المنفذ هو حفر الأنفاق الحدودية وبناؤها، حيث شكلت فيما بعد البديل الاقتصادي لدخول كثير من السلع الضرورية. وأما الفصل الثاني فقد تناول أبرز الانتهاكات التي رصدتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان نتيجة انتشار الأنفاق، حيث تصدر هذه الانتهاكات (انتهاك الحق في الحياة والسلامة الشخصية) سواء بسبب السقوط في الأنفاق، أو انهيارها، أو الاختناق بداخلها، وآخرها بسبب الصعق أو التماس الكهربائي، و(انتهاك الحق في العمل وفق المعايير القانونية) كانتهاك آخر لا يقل أهمية عن سابقه، حيث إن العمل في الأنفاق هو من الأعمال التي تحمل مخاطرة لمن يقوم بها وتحتاج تنظيمًا خاصًّا يضمن شروط الأمن والسلامة فيها أسوة بباقي الأعمال الخطرة، كالعمل في المناجم، حيث نتعرف من خلال التقرير على ظروف العمل داخل الأنفاق وشروطه، وذلك من خلال حصول الهيئة على إفادات من بعض العمال، ومن خلال مشاهداتها الحية لواقع الأنفاق ونظام العمل فيها. ويتناول الفصل الثالث دور الجهات الرسمية في مراقبة ومتابعة الأنفاق، وذلك من خلال رصد الهيئة، دور هيئة الحدود العليا في حماية الحدود ومتابعة الأنفاق، ودور بلدية رفح الخدماتي لأصحاب الأنفاق والآليات التي تتبعها للحد من الانتهاكات الناتجة عن وجود الأنفاق، ودور النيابة العامة في استقبال شكاوى المواطنين وآليات معالجتها، والإجراءات التي تتخذها في متابعة حالات الوفاة في الأنفاق للتأكد من الشبهة الجنائية، بالإضافة إلى دور وزارة الداخلية في مراقبة ومتابعة الأنفاق وحماية العاملين فيها. وقد خلص التقرير إلى جملة من الاستنتاجات والتوصيات تمحورت حول، الزيادة المستمرة لأعداد القتلى والمفقودين والمصابين نتيجة الأنفاق أو بسببها، ارتباطًا شرطيًّا وموضوعيًّا بزيادة أعداد الأنفاق وانتشارها. وعدم وجود آليات مراقبة ومتابعة حقيقية للأنفاق في قطاع غزة، على الرغم من معرفة الحكومة في غزة بهياكلها المختلفة، بأماكن الأنفاق وأعدادها والعاملين فيها وما يتم إدخاله إلى قطاع غزة من خلالها. وأن حق المواطن في الحياة والسلامة الشخصية من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز المساس فيها حتى في الظروف الطارئة أو الاستثنائية، فلا يجوز للحكومة أن تترك أحدًا يعبث بحياته تعسفًا أو تسمح له بإيذاء نفسه أو المخاطرة فيها. واشتراط قيام كل صاحب نفق بالتسجيل لدى بلدية رفح ودفع مبلغ مالي مقابل قيام البلدية بتمديد خطوط الكهرباء وبعض الخدمات الإضافية للأنفاق، يوجب على البلدية القيام بدور أكبر في متابعة الأنفاق ومراقبتها، ويوجب أيضًا وضع عدة معايير أخرى تضمن من خلالها توافر الحد الأدنى لشروط وظروف الأمن والسلامة الشخصية، ومعايير عمل تضمن متطلبات الأمن والسلامة المهنية التي يتطلبها القانون في أي عمل من الأعمال والنشاطات المختلفة، فكيف تلك التي يجب أن تتضمن شروطًا خاصة تضمن أمن العاملين وسلامتهم إذا ما أقر بشرعية احتياجها وفقًا للظروف الطارئة والاستثنائية. وأنتج وجود الأنفاق علاقات إنسانية واجتماعية ورسمية خارجة عن التنظيم والبناء القانوني في المجتمع، تعزز من خلالها علاقات استغلال حاجة المواطن الغزي للعمل في ضوء ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وإقباله على عمل قد يودي بحياته مقابل توفير متطلبات المعيشية بحدها الأدنى، الأمر الذي دفع العديد من العائلات إلى التغاضي عن عمل أبنائها دون النظر للعواقب الوخيمة نتيجة العمل في الأنفاق. وتدمير الاقتصاد المحلي من خلال عدم تحصيل الحكومة للضرائب على السلع والخدمات، الأمر الذي يؤثر على قدرتها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ويؤثر على دورة الاقتصاد وحركة رؤوس الأموال، حيث يحول المجتمع إلى طبقات اقتصادية واسعة الفجوات، وحرمان قطاع البنوك من القيام بدورها في تنمية النشاطات الاقتصادية المختلفة وفق الحاجات المحلية، وهو ما يؤدي إلى تدهور البنية الاقتصادية لقطاع غزة وحاجته إلى سنوات أكبر للتعافي من الحصار واقتصاد الأنفاق. وقد تبين للهيئة أن كثيرًا من الواردات التي تدخل إلى قطاع غزة عبر الأنفاق بكميات كبيرة أصبحت في متناول الجميع دون مراعاة للضوابط التي تحد من انتشارها للأضرار المترتبة عليها، والتي منها على سبيل المثال الدراجات النارية ومولدات الكهرباء التي دخلت إلى قطاع غزة عبر الأنفاق دون توافر متطلبات مواصفات الأمن والسلامة الشخصية. أما التوصيات التي خرج بها التقرير فجاءت على النحو التالي، ضرورة قيام السلطة الوطنية بالضغط على المجتمع الدولي لرفع الحصار الاقتصادي فورًا عن قطاع غزة، بما يضمن دخول جميع السلع والبضائع، والمواد الأساسية، ويعتبر ذلك التزامًا قانونيًا يجب على المجتمع الدولي القيام به، خاصة الدول الموقعة والملتزمة باتفاقيات وقانون حقوق الإنسان. وضرورة قيام الحكومة في غزة بمسؤولياتها في مراقبة ومتابعة الأنفاق ومنع انتشارها، ومعالجة الآثار والنتائج المترتبة عليها وفق القانون، حيث إن مبدأ الضرورة والظروف الاستثنائية لا يعفي الحكومة من القيام بدورها في حماية حياة المواطنين وحقوقهم. إيجاد آليات استثنائية لحماية المواطنين أثناء عملهم وتجنيبهم المخاطر قدر الإمكان، مع وجوب اتباع آليات لتعويض المتضررين طبقًا للقانون على اعتبار أنهم يسهمون في تخفيف حدة الحصار المفروض على قطاع غزة. وتطبيق قواعد ومعايير قانون العمل الفلسطيني على عمال الأنفاق، بالإضافة إلى وجوب توافر متطلبات الأمن والسلامة الشخصية، بما يضمن الحد من الانتهاكات الناتجة عن العمل في الأنفاق. وضرورة قيام الحكومة في غزة بمحاربة ظاهرة السوق السوداء الناتجة عن الأنفاق، من خلال مراقبة السلع والبضائع وضبط الأسعار، وضمان عدم دخول السلع والمواد المنتهية الصلاحية أو الممنوعة والمخدرات باختلاف مسمياتها، وتطبيق قواعد قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بما يضمن المحافظة على حقوق المستهلكين وسلامة المنتجات، ونزاهة المعاملات الاقتصادية. جدير بالذكر أن عدد وفيات الأنفاق قد بلغ خلال الفترة التي يغطيها التقرير والواقعة ما بين نهاية العام 2007 أي منذ انتشار ظاهرة الأنفاق وحتى نهاية شهر حزيران 2012 (196) حالة وفاة، كما بلغت وفيات الأنفاق منذ شهر تموز حتى لحظة كتابة هذا الخبر نحو (15) حالة. |