|
جيل كامل في الدهيشة اكل الديسة حتى شبع منها
نشر بتاريخ: 30/01/2013 ( آخر تحديث: 02/02/2013 الساعة: 20:56 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - يقول شاي فوغيلمان :يعتقد الجميع ان الانتفاضة الاولى اندلعت في مخيم جباليا عام 1987 ولكنني اقول ان انتفاضة مخيم الدهيشة اندلعت عام 1980 وكانت انتفاضة الدهيشة هي الاعنف والاطول والاقوى والاشد .
وشاي هذا كان جنديا يخدم في جيش الاحتلال في مخيم الدهيشة في الثمانينيات ، ولكنه الان صحافيا في صحيفة هارتس اليسارية وقرر ان يكتب مذكراته عن الدهيشة ، وبالفعل نشرت صحيفة هاّرتس اول فصل وهو يشبه مقالة طويلة جدا ... ويبدو ان شاي صار معجبا بتجربة الدهيشة لدرجة انه عاد وزارها ومشى في ازقتها والتقى مع شبان الانتفاضة الاولى ليكتب عنهم وعن بوابة الحديد العسكرية التي لا تزال منذ العام 1980 ذكرى من الاحتلال. ومما ذكر في المقالة : ان الحاخام كاهانا طلب ان نهدم مخيم الدهيشة ونسويه بالارض ونطرد سكانه الى الاردن وكاهانا لم يتمكن من دخول المخيم وحين اندلعت الانتفاضة كانت الدهيشة كلها في الخنادق جاهزة ...ويشرح شاي كثيرا عن جيل الانتفاضة في الدهيشة وكيف دخل ابناء المخيم السجون الاسرائيلية وان جيلا كاملا اكل" الديسة " وهي طعام الافطار في السجون ويتكون من اردأ ما يتبقى من القمح المطحون . وكيف كان الجنود يجبرون الشبان على خلع قمصانهم ومصادرتها وعن حفلات الضرب الدموية وهم مكبلين بالقيود لدرجة ان ضباط السجون وضباط الشاباك في اقبية التحقيق كانوا يرفضون استقبال السجناء من الدهيشة لكثرة ما تنفخت وجوهم من العصي والضرب .ويعترف ان الاولاد كانوا اسرع منا ولم نمسك ايا منهم وكنا نعتقل الشيوخ والاطفال ونبحث عن كتب تحريضية بينما نحن لا نجيد اللغة العربية ... شاي انقذ طفلة من الموت حين سقطت عن الطابق الثاني وشاهد كيف ان شباب الدهيشة يرفعون رؤوسهم عاليا حتى لو قيدناهم وضربناهم .... لم تتغير الدهيشة لكن شاي تغيّر ويقول ان الاحتلال يجب ان ينتهي . في الصيف الماضي طلبت من الرئيس ابو مازن ان يزور مخيم الدهيشة ، وبالذات ان يزور حارة السندكة التي ربيت فيها ، وبالفعل لبّى الدعوة بعدما قرأ ما كتبت عن حارتنا ، وقد تأثر شديد التأثير بما عاناه المخيم اثناء الحروب والانتفاضات ، وكنت كتبت حينها : ......في حارتنا التي ترعرعنا بها ، تعلمنا فنون القتال وافضل السبل للبقاء ،كانت تدعى حارة السندكا في اشارة الى مركز توزيع المؤن على اللاجئين الفقراء ، ومن بعد عرفت ان سانديكا كلمة انجليزية تعني نقابة ، علمتنا حارة السندكا اشكال الحياة والمناكفات ، والمعارك الصغيرة علمتنا كيف نكره وكيف نحب ؟ متى نثق ومتى نشك ؟ اين نضع اقدامنا ومتى نستخدم ايدينا ؟ قسوة العيش في مخيم للاجئين ، ليست كلها سلبيات ، ورغم شظف العيش والعازة ، والحرّ الشديد في الصيف والبرد الشديد في الشتاء ، فقد تعلمنا كيمياء العمر قبل ان نتعلم كيمياء جابر بن حيان، وتعملنا جدول المؤن قبل ان نتعلم جدول مندليف ، وأكلنا " الكف " قبل ان نقرأ الكف ، وحساب المصروف اليومي قبل الجبر والرياضيات للخوارزمي ... عشقنا الام قبل ان نقرأ مكسيم غوركي ، وحفظنا اشعار توفيق زياد قبل ان نعرف ناظم حكمت ، وزوجة الاب علمتنا ان نسخر من الرأي العام قبل ان نقرأ لبرنارد شو .... وفي حارتي التي افاخر فيها اكثر من حارة نجيب محفوظ ، في حارتي اصول وأعراف ، ويتضح لي كلما تقدمت بالعمر ان حارتي كانت اهم من جامعة السوربون أو جامعة هارفارد وفيها من الالم ما هو اقوى من الم دوستوفسكي وفيها من اللذة ما هو اعظم من لذة زوربا اليوناني ، وفيها من الشعر ما هو ارق من اشعار طاغور وفيها من الرومانسية ما هو اوضح من قصة " في بيتنا رجل " لاحسان عبد القدوس . واللص من حارتنا لا يسرق اهل الحارة أبدا ، ويا ليت لو ان السياسيين يتعلموا من حارتنا فن اللصوصية ، والازعر في حارتنا كان يعتدي على الغرباء ولكنه يدافع باستماتة عن اي طفل من حارتنا ويا ريت ان الاجهزة الامنية تتعلم من تجربة حارتنا ، وحتى الجاسوس ابن حارتنا كان يخجل على نفسه احيانا فيسهل على الوطنيين من حارتنا المرور على الحواجز ويعتبر ذلك ضريبة تلقائية لنشأته بيننا ، والجبان في حارتنا كان لا يلقى في الهامش بل كان يكلف بمهام تليق بقدراته ، فكل فرد في الحارة له وظيفة ومهمة .... ومن دون ان نقرأ الماركسية كنا نطبّق مبدأ ( من لا يعمل لا يأكل ) فكنا جميعنا نعمل وجميعنا نأكل ولم يمت احد من الجوع . وفي حارتنا كان جدول الضرب مختلف تماما عن جدول فيثاغورس ، فكلما تعرضت للضرب اكثر يعني انهم يحبونك اكثر ، وكان الاب يضربنا والام تضربنا والشقيق الاكبر يضربنا وابناء العم والخال والاستاذ وشيخ المسجد وبائع البوظة وسائق عربة الكاز وناطور العيادة ... وحينما اصبحنا من العمر 15 او 16 عاما صار جنود الاحتلال يضربوننا وكبرنا ونحن على هذا الجدول والحمد لله . هم يضربوننا اكثر ونحن نحب الوطن اكثر واكثر . |