وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بلدة في شرق سوريا تعيش في ظل أحكام تنظيم القاعدة

نشر بتاريخ: 31/01/2013 ( آخر تحديث: 31/01/2013 الساعة: 17:57 )
دمشق- معا - في بلدة صغيرة في شرق سوريا أزال متشددون إسلاميون تماثيل عرض الملابس العارية التي يرونها مثيرة جنسيا من المتاجر.

كما منع أعضاء جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة النساء من ارتداء السراويل (البنطلونات) مفضلين على ذلك ارتداء لباس فضفاض أسود لا يحدد الجسد ويغطيه من الرأس الى القدم.

وتعطي البلدة التي يبلغ عدد سكانها 54 الف نسمة والمطلة على نهر الفرات لمحة عما يمكن أن تكون عليه الحياة اذا سيطر المعارضون الاسلاميون على مناطق مهمة في سوريا مع تكبد الرئيس بشار الاسد لمزيد من الخسائر على الارض.

ومن بين مئات من وحدات المعارضة المسلحة تعتبر جبهة النصرة الاكثر فاعلية. وحقق مقاتلوها الذين يسعون للاستشهاد في المعارك انتصارات في هجمات ضد العديد من القواعد العسكرية في انحاء البلاد.

ومازالوا يمثلون قطاعا ضئيلا من الجماعات المسلحة المناهضة للاسد لكن أعدادهم ونفوذهم في ازدياد.

وحارب مقاتلو الجبهة - مدعومون من عراقيين مخضرمين قاتلوا القوات الامريكية - إلى جانب وحدات المعارضة من الجيش السوري الحر من اجل السيطرة على بلدة الميادين.

وغادرت القوات الحكومية البلدة في نوفمبر تشرين الثاني وفر نصف سكانها اثناء القتال.

والآن قسمت جبهة النصرة والجيش السوري الحر وميليشيا محلية وجماعات قبلية البلدة الى مناطق نفوذ. ويقول سكان انه يوجد نحو ثمانية الف رجل مسلح إجمالا في البلدة.

ويقوم مسلحون أطلقوا لحاهم بحراسة الشوارع وفرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية. وأزيلت الخمور من المتاجر. وتقدم جبهة النصرة تعليما دينيا يوميا لاطفال البلدة الذين يحصلون على أرغفة خبز مجانية اذا حضروا الدروس.

وقال فتى يحضر هذه الدروس لرويترز ان التلاميذ يتعلمون كيف يصلون ويتلقون دروسا بشأن دور المرأة وتعدد الزوجات والجهاد ضد "نظام الأسد العلوي".

وتحولت الانتفاضة الشعبية ضد حكم عائلة الاسد الى حرب أهلية حيث تطورت احتجاجات الشوارع التي بدأت سلمية في مارس اذار 2011 الى احتجاجات عنيفة بعد الحملة الصارمة التي شنها النظام في انحاء الدولة البوليسية.

وقتل أكثر من 60 الف شخص منذ بدء الصراع.

وبعد نحو عامين بدأ يتخذ صبغة طائفية. ويقول الاسد ان الانتفاضة مؤامرة ارهابية مدعومة من الخارج ويلقي باللوم على الغرب والدول الخليجية العربية.

ويمثل مقاتلو جبهة النصرة تهديدا لمن يرغبون في الديمقراطية في سوريا. وبدلا من ذلك فهم يتصورون قيام الخلافة الإسلامية وفرض الشريعة الإسلامية وفق رؤيتهم. ويجبرون المتاجر على اغلاق ابوابها وقت الصلاة ويوجه الناس في الشوارع الى المساجد للصلاة عند كل أذان.

ويحاول السكان الليبراليون مواصلة حياتهم المعتادة لكنهم يشعرون بالتأثير اليومي للتطبيق الصارم لأحكام الشريعة. وقام كثيرون منهم بتخزين مشروب العرق المستخلص من العنب عندما علموا ان مقاتلي جبهة النصرة يغلقون المتاجر. ويمكن شراء زجاجة العرق حاليا في بلدة الميادين بخمسة أمثال سعرها في دمشق لكن هذه المعاملة بجب أن تتم في السر.

وأظهرت جبهة النصرة ذكاء حادا. وسيطر مقاتلوها على حقل "الورد" للنفط والغاز القريب وتوجهوا مباشرة الى صوامع الحبوب. وباتوا يسيطرون على الموارد التي تمنحهم القوة.

وفي شوارع الميادين يمكن شراء الوقود بأسعار مرتفعة وتقبل الجبهة التعامل مع الاعداء اذا كان ذلك يعني الحصول على مكاسب نقدية إضافية.

وقال سكان الميادين ان جبهة النصرة تنقل النفط الخام في صهاريج ضخمة الى دير الزور التي تبعد 45 كيلومترا الى الشمال حيث مازال للحكومة وجود.

ويقولون ان السلطات المحلية في دير الزور منهكلة للغاية حتى انها مستعدة لشراء الوقود من الجماعة التي تصفها دمشق بأنها ارهابية.

وخسر الاسد مناطق كبيرة خاصة في الشمال والشرق. واندفع المعارضون نحو معظم المدن الرئيسية لكن الجيش تحصن وأعقب ذلك جمود في الموقف العسكري.

لكن الحكومة تعاقب بلدة الميادين على وجود المعارضين بها. ويبتعد المدنيون عن الجبهة وكتائب معارضة اخرى لانها مستهدفة بالضربات الجوية وهجمات المدفعية بعيدة المدى من مواقع الحكومة إلى الشمال منها.

ويقول سكان ان دمشق مازالت تسيطر على امدادات الكهرباء وتقطعها بشكل متكرر.

وهناك نقص في الخبز والمياه ولا توجد خدمات هاتفية أو انترنت وأغلقت المدارس. ويأكل الناس الأعشاب من نهر الفرات والبعض يسافر الى دير الزور لشراء الطعام مخاطر بالتعرض للاعتقال أو الموت وهم يعبرون خطوط العدو.

وانهار النظام في بلدة الميادين ويقول السكان ان اعمال النهب والسرقة متفشية. وتصبح الشوارع مهجورة بعد حلول الظلام.

ورغم ذلك يقول السكان ان التأييد لجبهة النصرة يتسع في شرق سوريا. وأقام متشددون نقاط تفتيش عند مداخل المدينة حيث يحاولون تجنيد رجال وفتيان.

وقال محمد البالغ من العمر 19 عاما وهو طالب يدرس القانون ونشأ في الميادين "سأتبع أي شخص يقاتل النظام".

وهو يوافق على ان مقاتلي الجبهة يقدمون اطارا اخلاقيا مشوها لكنه يقول إنهم تمكنوا من صد قوات الاسد التي يعتبرها هدفه رقم واحد.

ورفض أعضاء الجبهة اجراء أي مقابلة مع مراسلة لكن مقاتلي المعارضة الذي يعملون معهم يتحدثون عن تسلسل قيادي وتنسيق صارم.

ويرى حسين وهو مقاتل يبلغ من العمر 28 عاما في لواء أسامة بن زيد التابع للجيش السوري الحر فائدة استراتيجية من اعضاء جبهة النصرة المدججين بالسلاح والذين يضمون مقاتلين أجانب قادرين على تقديم المشورة في الحرب.

وقال "اعضاء جبهة النصرة أناس طيبون. يجب ان نقاتل هذا النظام وهم منظمون جيدا ومعهم مقاتلون أشداء."

لكن أبو محمود وهو عامل عمره 55 عاما يقول انه يخشى انجذاب اولاده للانضمام لهذه الجماعة.

وقال "لا نخرج من البيت إلا للضرورة القصوى. ارسلت اطفالي الصغار الى قريب لي في الحسكة لانني لا اريد ان يتم تسليحهم" مشيرا المدينة الشمالية القريبة من الحدود مع تركيا.

ويأمل آخرون ان يمنع النظام القبلي في شرق البلاد الصحراوي سيطرة الاسلاميين على المنطقة. وقال عماد (22 عاما) وهو يدرس الهندسة "لا أعتقد ان الجبهة ستكون قادرة على عمل ما تريد. لدينا تقاليدنا وقبائلنا لن تسمح لهم بذلك."

لكن الكثير من السكان نظموا مظاهرات ضد جماعات المعارضة بما فيها جبهة النصرة التي يرون ان اعضاءها لصوص. وفي انحاء البلاد استولى المعارضون على مدارس والمستشفيات لاستخدامها كقواعد وأخذ الامدادات الطبية والمعدات لحربهم.

وقال يامن وهو طالب عمره 20 عاما يدرس الرياضيات "الحكومة تخلت عنا ولا يوجد شيء هنا. لا حياة ولا خدمات. الوضع السيء سيجعل كل شبابنا ينضم الى الجبهة."

وأضاف "يريدون محاربة النظام ويرون أن جبهة النصرة الحل الاخير لسوريا."

ويشعر كثيرون باليأس.

وقالت فادية وهي زوجة عمرها 22 عاما "فقدنا مدينتنا وأطفالنا والان سنخسر مستقبلنا."

واضافت "لا يوجد شيء هنا. انني أكره كل الاطراف .. النظام والمعارضة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة لانه لا أحد منهم يهتم بالمدنيين."

"رويترز"