وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الشلل التام يضرب مفاصل اسرائيل

نشر بتاريخ: 09/03/2013 ( آخر تحديث: 10/03/2013 الساعة: 09:27 )
بيت لحم- رصد خاص بـ معا - كل شيء معطل في اسرائيل... فقد خلقت الحملة الانتخابية الإسرائيلية المكثفة والصعوبات التي تواجهها الاتصالات الجارية لتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد جمودا في الكنيست والوزارات الإسرائيلية المختلفة, فالبرلمان الاسرائيلي مشلول منذ أكثر من 9 أشهر فيما تراوح ميزانية الدولة للعام الحالي مكانها ولا يبدو أفق إقرارها قريبا.

كما تراوح الإصلاحات الخاصة بوزارات إسرائيل مكانها لدرجة تأجيل المحكمة العليا الإسرائيلية البت في الكثير من المواضيع الخلافية حتى انقشاع غبار المعركة الانتخابية وتجلياتها وتبعاتها .

ونال نتنياهو السبت الماضي فترة إضافية لإتمام اتصالاته الائتلافية وحتى وان نجح بمهمته وأقام الائتلاف المنشود فان عمل السلطة التنفيذية والكنيست سيبقى بغالبيته مؤجلا حتى ما يسمى بيوم " الاستقلال " 16/4/2013 " وفقا للتقويم العبري " ما يعمق حالة الجمود التي تواجهها السلطات التنفيذية والتشريعية الإسرائيلية جراء تزامن الانتخابات والأعياد اليهودية والمفاوضات الائتلافية ما ترك إسرائيل فيما يشبه حالة الشلل السياسي والتشريعي والإداري حسب احد تعبيرات موقع " هأرتس " الالكتروني.

الكنيست:

يمكن القول بان الكنيست الإسرائيلي متوقف تقريبا عن العمل منذ خروجه لإجازة الصيف تموز الماضي وحتى إلى ما بعد الإجازة الشتوية التي ستنتهي وفقا للقانون في ابريل القادم حيث لم يسجل تقريبا تشريعا واحدا , إضافة إلى غياب لجانها المختلفة عن العمل والاجتماع .

فقد أدى حل الكنيست السابقة وتنصيب الأعضاء الجدد الذين فازوا بالانتخابات الأخيرة من الناحية القانونية إلى حل جميع لجان الكنيست باستثناء ثلاثة منها هي الخارجية والأمن والمالية ولجنة الكنيست حيث تمتعت هذه اللجان بمصادقة مؤقتة لاستمرار عملها .

ولا يمكن توزيع المناصب والوظائف المتعلقة بعمل الكنيست بين كتلها المختلفة في ظل غياب ائتلاف حكومي , فيما تركت القاعة العامة للكنيست مسرحا يتبارى فيه نوابها الجدد الذين يدخلونها للمرة الاولى لالقاء الخطب الرنانة اضافة لاستماعهم لخطابات الوداع التي يلقيها الوزراء المتوقع غيابهم عن الحلبة الوزارية بعد تشكيل الائتلاف الجديد.

وفي سياق العجب والاستغراب قال احد أعضاء الكنيست القدماء " ماذا سنفعل حين ينتهي الأعضاء الجدد من إلقاء خطبهم ؟!. وأضاف "حتى يحين وقت تعيين الحكومة الجديدة لا يمكن القول بوجود كنيست ".

ماذا يعني واقعيا غياب الكنيست لمدة طويلة ؟ لو كان شكل أو مسار الحكومة الجديدة واضحا لكان بالإمكان دفع مشروع الميزانية قدما. لو كان هناك اتفاقا ائتلافيا يحدد فلسفة الحكومة القادمة لكان بالإمكان أيضا دفع مشروع قانون " المساواة بالعبء " قدما, ولكان بالإمكان تخفيض سعر الشقق السكنية وتغيير طريقة الحكم في إسرائيل.

لو كانت لجنة مراقبة الدولة مثلا فعالة وتقوم بواجبها لكان يمكننا الاعتقاد بان هذه اللجنة ستلزم الجهات المختصة مثلا على التحقيق بقضية الأسير " اكس" خاصة وان لجنة الخارجية والأمن هي المسؤلة رسميا عن شروط وظروف اعتقاله لم تقم بواجبها من هذه الزاوية واكتفت بإجراء تحقيق خاص بها .

وعلى كل حال فان وضع أعضاء الكنيست الجدد والمتحمسين أكثر من ألف اقتراح لسن قوانين مختلفة لا يتوقع التعامل معها او النظر فيها قبل 16/4/2013 دون أن نغفل ذكر قانون تشجيع الاستثمار المعدل الذي ينتظر استكمال إجراءات إقراره ليصبح نافذا رغم تحذير وزارة المالية من بقاء القانون الحالي دون تعديل ما قد يخفض حجم جباية الضرائب لعام 2012 إلى ما يقارب المليار شيكل تضاف إلى الأزمة المالية الحادة .

الوزارات الاسرائيلية

تعمل الوزارات الإسرائيلية منذ الشهر الأول من العام الجاري دون ميزانيات ما يمنعها من تنفيذ الإصلاحات بعيدة المدى المطلوبة, وتلجأ وزارة المالية الإسرائيلية إلى ميزانية العام الماضي كأساس قانوني لتحول للوزارات المختلفة 1/12 من الميزانيات المخصصة لها شهريا .

وفيما يتعلق بالميزانية الجديدة المتوقعة فانها ستعاني من تقليصات كبيرة لذا ستكون ميزانية " واهية " فيما لا يمكن للوزارات المختلفة في ظل غياب هذه الميزانية قانونيا الاستعداد والتهيؤ لاستقبالها والانتقال بمشاريعها لتتناسب معها .

وما زاد الطين بلة , فإن الاخبار التي تتسرب من أوساط المفاوضات الائتلافية الجارية تشير إلى أن الميزانية لا تزال بعيدة عن التبلور والصياغة فيما أبلغت وزارة المالية الإسرائيلية الأحزاب المختلفة نيتها تأجيل التصويت على الميزانية المؤقتة "ميزانية السنتين " 120 يوما, ما يعني أن هذا التصويت لم يتم قبل منتصف الصيف القادم وذلك بهدف تمكين الوزراء الجدد من المشاركة في بلورة بنود هذه الميزانية والمشاركة الفاعلة في تحديد مجالات التقليص إضافة إلى إمكانية خضوع الوزراة الإسرائيلية إلى تغيير بنيوي كبير يمكن أن يختفي بعضها نهائيا فيما يمكن لبعضها الأخر أن يندمج بوزارات قائمة لذلك فان موظفي هذه الوزارات يعيشون حالة من عدم الاستقرار الوظيفي وغياب اليقين حول مستقبل عملهم وطبيعة دورهم المستقبلي وما هو حجم ميزانية نشاطاتهم ومتى سيتم هذا التغيير البنيوي ما يزيد من حالة الشلل والإرباك داخل هذه الوزارات, فعلى سبيل المثال" ليس من الواضح حتى الان مستقبل وزارة الشؤون الإستراتيجية ووزارة شؤون الاستخبارات فيما تستعد وزارة التعليم لاستيعاب وزارة التربية والعلوم داخل صفوفها " اندماج " فيما تواجه وزارة الدعاية والإعلام ووزارة تحسين خدمة المواطن خطر الاندثار والاختفاء من على خريطة الحكومة الجديدة.

تجنيد اليهود المتدينين " الحريديم "

عرقل غياب الحكومة الجديدة وتأخر تشكيلها عملية تجنيد اليهود المتدينين للخدمة العسكرية خاصة وان الجيش الإسرائيلي يستعد في آذار الجاري لاستقبال دفعة التجنيد الأولى, لكن جولة التجنيد الكبرى ستكون خلال شهر " أب " القادم لذلك يتوجب على الجيش إعداد اطر التجنيد المناسبة للتعامل مع هؤلاء المتدينين حتى موعد أقصاه " أب" القادم .

وتقضي خطة الجيش إقامة أربع وحدات عسكرية جديدة خاصة بالمتدينين اليهود إضافة إلى وجوب استعداد الجيش الإسرائيلي فنيا لتنفيذ عملية تجنيد " الحريديم " مثل إعداد القواعد العسكرية لنظام الخدمة المفصولة " الفصل بين الرجال والنساء " وإقامة مراكز لياقة بدنية للرجال وأخرى للنساء لكن الجيش ينتظر إقامة الحكومة الجديدة التي ينتظر منها إقرار قانون التجنيد الجديد قبل أن يغامر باستثمار أموال طائلة في إقامة المنشات الخاصة بتنفيذ هذا القانون ليبقى الحال على ما هو عليه انتظارا لولادة الحكومة .

التربية والتعليم

إذا ترك "غدعون ساعر" وزارة التربية والتعليم سيترك خلفه قائمة طويلة من الوعود التي لم تنفذ أقيمت لأجلها العديد من اللجان المختصة التي لم تنه عملها بعد, مثل اللجنة الخاصة بتغيير طريقة امتحانات البغروت " التوجيهي" كان من المفترض أن تقدم توصياتها قبل عدة أشهر لكنها لم تفعل حتى ألان كما سبق وأقيمت لجنة لدراسة قيمة الإقساط الواجب على ذوي التلاميذ دفعها ولجنة دراسة عمل المعلمين بعقود وحتى هذه اللحظة لم تقدم توصياتها .

مشكلة اخرى افرزتها حالة الشلل تتعلق بقضية تخفيض أسعار الكتب الدراسية والتعليمية والتي وعد الوزير بحلها لكن هذا الأمر لم ينضج حتى اللحظة إضافة إلى توزيع طلبة المدارس التي يغلب على تركيبتها الطلبة من أصول إثيوبيه بهدف محاولة دمجهم بالمدارس الأخرى ومواجهة ما يمكن وصفه بالتمييز والفصل على أساس العنصر واللون وحتى هذا الأمر لم يتم حتى ألان ما يجعل مهمة الوزير القادم غاية في الصعوبة في ظل تواصل الشلل المالي والسياسي والإداري .

الإسكان الشعبي

أجلت الحكومة المنتهية ولايتها وخلافا للقانون دخول قانون الإسكان الشعبي حيز التنفيذ بحجة حاجته مزيدا من الدراسة القانونية , فهذا القانون الذي تأخر لأكثر من 20 سنة تقريبا كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ مطلع العام الحالي, يسمح للإسرائيليين الذين يقيمون في شقق خاضعة لنظام الإسكان الشعبي" وهي عمارات تابعة للحكومة عبر شركة حكومية تدعى " عميدار" بشراء شققهم بأسعار تفضيلية وتسهيلات جوهرية في الدفع وبالتالي مساعدتهم على الخروج من دائرة تلقي " المساعدات " فيما ستخصص الأموال القادمة من بيع الشقق نحو إقامة مباني سكنية عامة " شعبية " جديدة لكن هذا القانون لا يزال مجمدا بانتظار الحكومة الجديدة ما زاد من أعداد الإسرائيليين على قائمة انتظار الحصول على إسكان شعبي .

سلطة الهجرة التابعة للداخلية الإسرائيلية :

اتخذ وزير الداخلية الإسرائيلي " ايلي يشاي" الكثير من " المبادرات " التي كانت محط انتقادات كثيرة لم تكتمل إجراءات إقرار القوانين الخاصة بجزء كبير منها لذلك تبقى مهمة حسم أمرها على عاتق الحكومة الجديدة التي ستقرر وقف العمل بها أم لا مثل منع المهاجرين الأفارقة من إخراج الأموال خارج حدود إسرائيل وغيره من مشاريع القوانين التي وصف بعضها بالعنصري -جميعها مشلولة بانتظار الحكومة القادمة وتفعيل الكنيست الجديدة -.

الصحة

لم تسلم وزارة الصحة والخدمات الصحية من حالة الشلل والجمود فالإصلاحات المتعلقة بقضية المساعدة الصحية لا تزال عالقة داخل أروقة الوزارة بانتظار الوزير الجيد وتقضي الإصلاحات برفع الضريبة الصحية بنسبة 5% لتوفير التمويل اللازم لضم بند " المساعدة الطبية " الى السلة العلاجية التي يمولها التأمين الوطني بما يسمح لكبار السن المحتاجين للمساعدة بإمكانية دخولهم للمستشفيات والمراكز الصحية الخاصة بحالاتهم بتمويل حكومي ومشاركة رمزية فقط من عائلاتهم إضافة للكثير من القضايا المتعلقة بالخدمات الصحية التي تنظر تشكيل الحكومة وإقرار الميزانية .

الحيوانات

لم يستثن الشلل الحكومي الحيوانات ومنظمات حمايتها التي تنتظر بفارغ الصبر تشكيل الحكومة حتى تقر نقل صلاحية مراقبة حقوق الحيوان من وزارة الزراعة وتحويلها إلى وزارة حماية البيئة ورغم مصادقة لجنة التشريعات التابعة للكنيست على قانون نقل هذه الصلاحية في حزيران الماضي لكن إجراءات المصادقة على القانون لم تستكمل وتم تجميدها.

وأخيرا وصلت حالة الشلل إلى نظام توزيع الكمامات الواقية من الغازات فمن المتوقع نضوب الكمامات من مخازن الجبهة الداخلية الإسرائيلية مع نهاية العام الجاري خاصة وان نسبة الإسرائيليين الذين تلقوا مثل هذه الكمامات تلامس الـ 57% ما يعني أن 4.7 مليون إسرائيلي فقط هم من يمتلكون هذه الكمامات وحتى تواصل الجبهة الداخلية توزيع الكمامات بما يتجاوز المخزون المتوفر لديها حاليا تحتاج إلى قرار حكومي يحدد حجم الميزانية المخصصة لشراء هذه الكمامات.

وبهذه العجالة التي تعمدنا عدم التطرق فيها للموضوع السياسي والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لتسليط الضوء على حجم الشلل الاسرائيلي الداخلي بعيدا عن تأثيرات الموضوع السياسي يمكننا ملاحظة حجم الشلل والازمات التي قد تنجم عنه وبالتالي يمكن وضع سيناريو قريبا للواقع يتناول الاجندة الاقتصادية والادارية والاجتماعية للحكومة القادمة وحجم الازمات التي ستواجهها وما تحمله في طياتها من مخاطر انهيار الائتلاف الحكومي لتضارب مصالح اطرافه فيما يتعلق بجميع القضايا التي سبق طرحها في هذه العجالة .