وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نساء روابي.. في "الموقع" يعملن لبناء مدينة فلسطينية جديدة

نشر بتاريخ: 12/03/2013 ( آخر تحديث: 12/03/2013 الساعة: 20:09 )
رام الله -معا - لطالما حاولت المرأة الفلسطينية الانخراط في سوق العمل، ولاقت في طريقها العديد من المتاعب والمصاعب، إلا أنها تمكنت من مواجهتها، كل على حدة، وبعد أن كان دورها يقتصر على التدبير المنزلي وتربية الأطفال، بدأت تتنقل في الوظائف المكتبية ومنها إلى غيرها، حتى تبوأت المناصب والمواقع القيادية، وبدأت نسبة البطالة في صفوف الإناث تقل تدريجيا إذ وصلت في آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ما نسبته 31.7%، أي ما يقارب ذات النسبة في صفوف الذكور والتي وصلت إلى 20.7%.

وفي هذا الإطار، يرى مختصون أن القطاع الخاص الفلسطيني، في السنوات الأربع الأخيرة، أسهم بشكل كبير في تنمية وازدياد نشاط الاقتصاد الفلسطيني، كما ساهم في توفير العديد من فرص العمل. فمن إحدى أبرز المشاريع الخاصة، يأتي مشروع مدينة روابي ليكون أكثر المشاريع توظيفا للأيدي العاملة الفلسطينية عبر الآلاف من فرص العمل في المهن والتخصصات المختلفة، والتي بدا الحضور الأنثوي جليا فيها.

منذ الإعلان عن فكرة روابي في العام 2008، عمد القائمون عليها إلى ربطها في حال تعريفها بالمدينة النموذجية، وهو الأمر الذي يميزها عن أي مشروع إنشائي آخر في فلسطين وفي ذات الوقت خلق العديد من التحديات على مستويات عدة اقتصادية، وسياسية وحتى اجتماعية، وتطّلب بذل الكثير من الجهود لمجابهتها. ففي روابي نرى عندما نزورها اليوم مباني حديثة ومصممة بطرق معمارية وفنية عصرية، وتبعا للقائمين على المدينة فمن المتوقع أن يبدأ السكان في الانتقال إليها في غضون نهاية العام الحالي.

وتعقيبا على دور روابي في توظيف أيدي عاملة فلسطينية قالت منال زريق، المدير العام لشركة مسار العالمية، الشريك الاستراتيجي في شركة بيتي للاستثمار العقاري المنفذة لمشروع روابي ونائبة رئيس ومؤسسة منتدى سيدات الأعمال،: "كان من الضروري التركيز على مقايس التوظيف عند التفكير في بناء مدينة حضرية، فقد عمدنا أولا لاستقطاب الأيدي العاملة الفلسطينية في الداخل والخارج سواء من رجال أو نساء، وكلنا ثقة أنها قادرة على تقديم الأفضل وتحقيق أعلى مستويات الجودة في العمل، فمن المعروف أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب تعلما واستطاع أن يحقق العديد من الإنجازات المميزة على المستويات العالمية".

وأضافت: "إن المدينة النموذجية لن تكتمل دون حضور نسوي، ودون أن تعامل المرأة في روابي بالتساوي مع الرجل، فعملنا على توظيف أعداد كبيرة من النساء الفلسطينيات في مجالات متعددة، منهن من تشرف في موقع البناء، ومنهن من تشرف على المبيعات، وأخريات مهندسات يشرفن على تصميم المدينة، ومنهن من تتابع المظهر الجمالي العام للمدينة، ومن الواضح أننا كلنا ثقة بقدرات نساء روابي الريادية وخبراتهن ومهارتهن في العمل، إضافة إلى تمتعهن بحس عال من المسؤولية. هذا ونعمل دائما على دعم النساء العاملات في روابي عبر العديد من السبل، فعلا سبيل المثال ستوفر روابي حضانة للأطفال في أولى مباني المركز التجاري، من أجل تسهيل وجودهن في عملهن والتوفيق بين العمل وبين بيوتهن".

وكجزء من دور روابي في تغيير عدد من الصور النمطية، فقد انتقلت روح دعم النساء العاملات في المشروع لشركات المقاولة والتي باتت اليوم توظف النساء في الموقع، فتقول المهندسة إيمان جرادات، وهي مهندسة تعمل في إحدى شركات المقاولة العاملة في المدينة "أنا منذ بداية عملي في روابي لم أشعر بأي نوع من أنواع التمييز ضدي كوني امرأة تعمل في موقع البناء مباشرة، فالعمل هنا يأتي ضمن نظام إداري متطور وعلى مستوى عال من التنظيم والتخطيط، الأمر الذي يكسبني ثقة بنفسي وطمأنينة، ويعطيني خبرة واسعة".

وتضيف جرادات: "كمشروع كبير وعلى قدر عال من التخطيط، لطالما تملكتني الرغبة للعمل فيه، على الرغم من المصاعب التي سأواجهها، وتحديات كوني امرأة تعمل في موقع البناء وتتعامل مع مجتمع الرجال، إلا أنني كنت مصرة حتى وصلت إلى هنا، وفعلا فإن خبرتي تتطور يوميا ولم يكن في فلسطين أي مشروع إنشائي أكثر ضخامة من روابي لأتعلم منه بهذا القدر".

المهندسة إيمان من مدينة جنين تسكن حاليا في رام الله، الأمر الذي يضطرها لترك الأهل والاعتماد على ذاتها، تقول: "وجودي هنا جعلني أواجه بعض الصعوبات في البداية إلا أن الحال بات طبيعيا اليوم، لاسيما أنني توقعت أن أكون الفتاة الوحيدة في الموقع، إلا أنني أرى العديد من الفتيات اللواتي يأتين إلى العمل يوميا ويكن بصحبتي في الطريق إلى مدينة روابي، لهذا كان العمل مع هذا الفريق من أسباب سعادتي ومحفزا هاما يدفعني للاستيقاظ باكرا والحضور يومياً إلى العمل".

وفي حديث مع مهندسة أخرى، تقول إيمان زيدان التي تعمل مهندسة مع شركة مقاولات أخرى في الموقع: "في بداية عملي كنت غريبة، أشعر أن الكل ينظر إلي ويتساءل: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ إلا أنني وبعد فترة تمكنت من فرض ذاتي وبدأوا يعتادون وجودي، ثم إنني لم أكن الفتاة الوحيدة في موقع العمل".

وتشير زيدان التي تكمل الدراسات العليا في هندسة الطرق والمواصلات: "يساعدني العمل في موقع البناء على إغناء قدرتي في تطبيق الدراسات والعلوم الهندسية التي أحصل عليها، فأنا أختص بدراسة المدن النموذجية وروابي تشمل كافة العناصر الحضرية طبقا للمواصفات العالمية كونها تبنى من الصفر، وعملي هنا يضيف الكثير إلى خبرتي، لذا أسعى ليكون اسمها في السيرة الذاتية خاصتي، ويشرفني أن أكون جزء من هذا المشروع الكبير والمميز".

وتعتبر المهندسة الميكانيكية عبير نصار ذات الخمسة عشر عاما من الخبرة، أنها ومنذ التحقت للعمل في روابي قبل عام حصلت على خبرة مكثفة تعادل أعوام طويلة من العمل، إذ يرتكز عمل نصار على متابعة الأمور التقنية للمشتريات في المدينة، والتنسيق بين الشركات، العالمية والمحلية الموردة لمواد البناء المتعددة، والمهندسين العاملين في المشروع للحصول على أفضل العروض المطروحة في السوق بما يتعلق بهذه المواد، وتقول بينما ترتسم ابتسامة واسعة على وجهها: "قد يبدو غريبا عملنا في موقع بناء، ولكن على كل فتاة أن تثبت ذاتها وتفرض وجودها من خلال اجتهادها وإتقانها في العمل، وتحملها للمسؤولية الملقاة على عاتقها وتعمل على كسر الصور النمطية التي من شأنها الحد من إبداعها، وأعتقد أننا على قدر هذه المسؤولية لا سيما أن مشروع مدينة روابي، ككل، يقدم مفاهيم جديدة على مختلف المستويات، وبصراحة أنا فخورة وسعيدة لعملي في روابي، فقد أسهمت كثيرا في تطوير قدراتي ومهاراتي، على الصعيد العملي والشخصي".

في سياق متصل، أضافت المهندسة المدنية غدير خوري، الحاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال والمسؤولة عن المنطقة اللوجستية في المدينة، تقول: "إن عملي في الغالب ذو هوية ذكورية، أو هكذا يتبادر لذهن من حولي حين أشرح عن طبيعة عملي، وإنه لمن غير المألوف أن تترأس امرأة عملا من هذا النوع".

وتضيف عن عمل المرأة قائلة: "مجتمعنا في الغالب يحترم المرأة، والرجال هنا يمدون لها يد المساعدة حتى تنهض ضمن مستويات متعددة، ولكن التحدي أمامها يكمن في أمرين: أولهما، قدرتها على مواجهة الصعوبات وإثبات الذات في إطار العمل، والثانية تبرز حين تقوم المرأة بأعمال غير مألوفة. وأضافت: "إن إدارة روابي منحتني الثقة وقدمت لي الفرصة لأعمل في مجال فيه نوع من التحدي، وهذا ما كنت أرغب به حقيقة، فقد كانوا على ثقة بقدراتي آخذين بعين الاعتبار خلفيتي الأكاديمية دون التعامل معي بنظرات تمييز ضد المرأة".

أما مريم خنوف والتي تعمل في قسم المشتريات، فتقول: "يتطلب عملي هنا التعامل ومخاطبة تجار معروفين جيدا على المستوى المحلي، وعلى الرغم من أن هذا العمل ربما يكون أكثر ملاءمة للرجال، إلا أنني سعيدة وأعتقد أنني قادرة على أدائها على أكمل وجه، قد يكون العمل في موقع البناء متعبا جسديا لي كفتاة، لأن طاقة تحملي ليست كالرجال، إلا أن التجربة والخبرة والمعاملة والاحترام التي أجدها هنا، تدفعني للاستمرار في هذا العمل منذ سنة وثمانية أشهر".

ولقصة عطاء شقير زاوية أخرى، فقد شكلت لها المواصلات معضلة مع بداية عملها في المدينة كونها كانت حملاً بالأشهر الأولى، حيث تقول: "أخذت إجازة عندما دخلت في الشهر الثامن من حملي، لقد كنت حقيقة متعبة، واستمرت إجازتي لمدة تزيد عن 80 يوما، تملكني فيها القلق والخوف من فقدان وظيفتي، إلا أنني عدت إليها ووجدت مكاني لا زال فارغا ينتظرني. كنساء كلنا لا بد أن نمر بهذه التجربة، وجميل شعور عودتي وقد تم التنسيق معي أثناء غيابي ولم يتأثر العمل، إلا أنني عدت وتحملت مسؤولياتي السابقة كاملة، وأنا مدركة تماما أن القليل من الشركات الفلسطينية تستوعب غياب موظفة لكل هذه الفترة وتقبل بعودتها لاحقاً".

من ناحية أخرى تماضر أبو الرب، والتي تعمل في أرشفة المعلومات والملفات وإدارة المواد في المدينة، تقول: "حصلت على تشجيع كبير من أخي للعمل في روابي والذي كان أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي لمدة عشرة أعوام، وخاصة بعد خروجه من الأسر، حيث فبدأ يقول لي، إن روابي هي أكبر تحد للاحتلال الإسرائيلي، وإنها تثبت للعالم أجمع قدرة الشعب الفلسطيني ورغبته على البناء والبقاء على دولته، ونصحني بأنني لا بد أن أكون من المشاركين في بناء هذه المدينة لأن العمل فيها جزء من الوطنية".

وتضيف أبو الرب: "لقد صدمت بالكم المعلوماتي الذي يملكه أخي ورفاقه في الأسر عن المدينة، هذا دفعني لأن أقاوم أي تحد قد يواجهني لأستمر في العمل فيها، ولكن عندما بدأت العمل ادركات مدى الدعم الذي يحظى به الجميع هنا".

أما أمل أبو نمرة، والتي تعمل في روابي منذ عام 2009 وهي مهندسة مدنية أكملت دراسات الماجستير في عمارة المشهد، ويقوم عملها في المدينة على التخطيط العمراني والمظهر الحضري والتجميلي، تقول عن عملها: "إن العمل في موقع البناء يغني تجربة الفرد بشكل كبير، فنحن على اطلاع على كل ما يتم انجازه في المدينة، ونعمل لمجابهة التحديات الفنية، التقنية وحتى الاجتماعية منها، ونعايش ظروفها كل يوم الأمر الذي من شأنه أن يعطيني خبرة موسعة كأمرأة في مجال عمل طالما اقتصر على الرجال". أبو نمرة، أم لطفل، وتنتظر مولودا جديدا، تقول: "لا شك أنه من الصعب التوفيق بين العمل وخاصة في موقع البناء وبين الأمور البيتية، ولكنني أتحدى هذه الصعوبات، فالعمل هنا ممتع وحيوي، ونحن نتمتع بثقة كبيرة من إدارة المشروع في أعمالنا حيث يتم إشراكنا في القرارات المهمة، كل هذا يزيد من مقدؤتنا على إدارة أعمالنا هنا ويزيد من انتمائنا للمشروع وطبعا يعزز ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بقدرتنا لبناء مدينة فلسطينية نموذجية".

لكل امرأة عاملة في روابي قصة، ولكل واحدة منهن تجربتها الخاصة، فمجالات العمل متعددة، والتجربة جديدة ومميزة؛ بناء مدينة نموذجية ضمن الظروف السياسية والاقتصادية التي نعيشها ليس بالأمر السهل. ولكن، عندما تزور روابي اليوم يمكنك وبكل سهولة تصور الشكل العام للمدينة ومشاهدة معالمها الأولى على أرض الواقع ومعرفة ما ستقدمة هذه المدينة لسكانها.

وتقول منال زريق حول هذا الموضوع: "عملنا في مدينة روابي على تغيير عدد من المفاهيم وتقديم بعض الأفكار الجديدة، مثل اتحاد الملاك والذي يطبق لأول مرة في فلسطين ليشمل مدينة كاملة حيث يمثل ملّاك الوحدات السكنية في المدينة ليساهم بالحفاظ على البيئة النظيفة والآمنة وتوطيد العلاقات الاجتماعية في المدينة. كما وعملنا على بناء أسس السلامة العامة عبر استخدام التدابير العالمية فأوجدنا دائرة هندسية مختصة بهذه الشؤون، وكذلك من خلال هيكلية الطرق والمباني المصممة طبقا للمواصفات العالمية للأمان والسلامة للحفاظ على سلامة السكان بعد انتقالها للعيش في روابي. كما وتم التركيز بشكل كبير على المظهر الخارجي للمدينة، عبر التخطيط للمناطق الخضراء، ورصف الشوارع وتعبيدها بشكل حضري يضمن السلامة ويحفظ الجمالية، أضافة لوجود مخطط عام لتكون بذلك المدينة الأولى في فلسطين التي تتبع هذا المفهوم لضمان راحة السكان وديمومة فكرة المدينة النموذجية في روابي".