وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شهود "ذاكرة لا تصدأ" يرحلون إلى أراضي قراهم المُدمّرة!

نشر بتاريخ: 16/03/2013 ( آخر تحديث: 16/03/2013 الساعة: 19:22 )
طوباس- معا - سبق رجال ونساء أقصتهم نكبة عام 1948 عن قراهم، سنوية يوم الأرض الخالد، التي تصادف في الثلاثين من آذار، ورسموا صورة حقول بلداتهم المدمرة وأشجارها وأزهارها وينابيعها ومواسم حصادها وأعشابها.

وتجول برنامج "ذاكرة لا تصدأ" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات بنسخته العاشرة، في أزقة مخيم الفارعة وبيوت اللاجئين الذين اقترب بعضهم من الوصول إلى عقده التاسع، ورصدت روايات الشهود على النكبة، خلال طفولتهم وشبابهم.

واسترد حسين علي أبو رحيّل، المولود عام 1925 في قرية المنسي قضاء حيفا، تفاصيل أرض عائلته، فقال: كنا نزرع القمح والشعير والذرة البيضاء والكرسنة والعدس والحمص، في بلدتنا التي تقع في مرج ابن عامر، وخلال فصل الصيف نعمل في أرضنا بالسمسم والبطيخ والشمام.

يتابع: لم نستخدم الأسمدة الكيماوية، ولم نعرف غير استعمال الكبريت الأصفر للمرزوعات، أما في فصل الربيع، فكانت أرضنا تنبت الخبيزة والزعتر واللوف والشومر والميرمية والجعدة وغيرها.

ووفق أبو رحيل فقد أشتهرت المنسي بيانبيع: عين الرز، والقلايد، والمنسي، وكان الفلاحون يحرثون أرضهم على الخيول والبقر( كل اثنين منها تربط معا لتجر المحراث، وتسمى عمّالا). ويغرسون أشجار التفاح والدراق، ولا ننسى بستان (عبد الله الحافظ)، الذي زرع فيه صاحبه كل ما تشتهي الأنفس.
|208321|
يقارن: محاصيل اليوم طعمها بلاستيك، أما الشمام والخيار والبطيخ أيام زمان، فكانت مختلفة، ورائحتها تفوح لمسافات بعيدة.

ويعيد الحاج الثمانيني خليل أحمد أبو زهرة بناء أراضي قريته صبارين، القريبة من حيفا، حينما كان الأهالي يصطادون الأسماك من ينابيعها الجارية، كعين السد، والمشراع، ووادي الخضيرة، وعين الحجة، والفوار، وعين الصلاة.

يسرد أسماء أراضي البلدة: أبو الرقاقي، والبلاطة، والخلايل. ويتذكر: كنا نزرع جميع الحبوب، والكرسنة، والبندورة، والبطيخ، والخيار، والكوسا، ولم نستخدم المبيدات الكيماوية.

كانت أراضي صبارين تجود على أهلها بالخبيزة، واللوف، والزعتر، والجعدة، والعوينة، والسلك، وأشتهرت بالبلوط، وكانت أمطارها غزيرة، ومياهها وفيرة. ولم يكن الأهالي يحتاجون شيئا، فكل ما يطلبونه متوفر في بساتينهم.

ويكمل الحاج سعيد محمد عباد الهادي، الذي ولد أيضاً في صبارين عام 1922: كنا نحصد القمح والشعير، ونضعها في أكوام صغيرة( غمر)، ثم نأتي بالجمال، ونُحمّل عليها السنابل، وننقلها إلى البيادر( مكان واسع في أرض سهلية داخل البلدة)، ثم نأتي بحصان، ونربطه بلوح دراس( خشبي وثقيل وبه حجارة في الأسفل)، يمر عليها عدة مرات. وبعدها نفصل القش عن الحب، بواسطة(المذارة)،

ووفق سعيد محمود تايه، الذي ولد عام 1935 في الكفرين، وقضى طفولته في بلدة أبو شوشة، فقد كانت أراضيها سهلية وخصبة، من امتداد مرج ابن عامر الواسع، وتتدفق منها ينابيع عيون: الفخيتة، وبربارة، وبير البلد.

يروي: زرعنا السمسم والبطيخ بعلاً، وحينما كانت الديدان تهاجم محاصيل الملفوف، كنا نرشها بالكبريت الأصفر، الذي نضعه في كيس خيش، أما البطيخة الواحدة ، من نوع " جدوعي" فقد كانت تتجاوز في وزنها الـ15 كيلو غراما، دون ماء.

يزيد: كنا نحرث الأرض على زوج من الخيول، تسحب عوداً من 3 سكك، يسمى( بولك)، ولم نعرف الجرارات الزراعية( البابور)، وكانت ارضنا مليئة بالعلك، والعكوب، والميرمية، والشومر، والزعتر، والنعناع البري. وزرعنا الشمندر بكثرة. وكنا نروي المزروعات الصيفية كالخيار والملوخية بواسطة قنوات، نحفرها بالمعول. أما البذور فنجهزها من المواسم، ونترك في المزرعة قسماً لها كنا نسميه( ترابي)، ولم نكن نشتري أي بذرة.

يتابع: من أراضي صبارين، دار سليط، والخلايل، وخلة البواب، وجرماشة، والمخبة، والدماني، والدهيشة، والزوينة، وعين الحجة وزرعنا 365 زيتونة في أرضنا، لكن حدثت النكبة، قبل أن نأكل منها حبة واحدة.

كان تايه يحرث أرض عائلته على رأسين من البقر، هو وشقيقه محمد، وكان الأهالي يسمدون أرضهم بالزبل العربي، وحين يأتي محصول البطيخ في عروته الثانية( الرجيع)، يضمن أرضها صاحب قطيع من الماشية، مقابل أن يبقي فيها عدة أيام؛ للحصول على زبل الأغنام.

وتروي علياء علي محمد ابو سريس، التي أبصرت النور عام 1926، في الكفرين: زرعنا العدس والحمص والشعير والذرة البيضاء، وكنا نذهب إلى عيون بلدتنا: عنيشة، والحنانة، والظهرة، ووادي العرايس، وبيت راس.
|208320|
تضيف: زرعنا الملوخية والبطيخ، وكنا نجمع القمح والشعير على رؤوسنا، قبل أن ينقل إلى البيادر على ظهر الجمال، وكانت بلدتنا تنبت الخبيزة، والزعمطوط، وورق اللسان، وكنا نجفف البامية( نضعها في قلائد) والبندورة والملوخية والزعتر في الشمس، ونخزنها مونة لأيام الشتاء الطويلة.

تقول: كل شيء زمان كان أفضل، واليوم ما في طعم للخضروات والفواكه، وصارت مثل البلاستيك.

وبحسب رواية محمد سلمان سرحان، الذي خرج إلى الدنيا عام 1930 في الكفرين، فإنه عمل في حراث أراضي عائلته في مناطق: البصة، والظهرة، وكويكس، وبيت راس، والحنانة، على فرس تناوب مع اخيه أحمد.

يقول: كان الناس يفزعون لبعض، ويتساعدون لزراعة الأرض وحراثته، دون مقابل، وكنا نزرع السمسم والبامية، عبر بوق موصول بأنبوب صغير، ونمضي كل سنة أكثر من شهرين على البيادر، ثم يأتي موسم السمسم، الذي كانت قشوره وسيقان نباتاته تستخدم لصنع الجير(الشيد)، عبر إشعال النار طويلاً، في حفرة كلها حجارة.

ويرسم محمد صالح العرجا، الذي شارف الوصول إلى العقد الثامن، صورة لبلدته الفالوجة، قضاء غزة، فيقول: كانت واسعة ومساحتها نحو 65 ألف دونم، ولها أسماء شعبية مثل خربة الجلس، والرسوم، ودار كركية، وماليطة، والشومرة، وأبو الغربان، والخصاص، وأرض الطبّال، وبركة الشلف، وكانت تزرع بالترمس والحبوب والعدس والسمسم والذرة والبطيخ المحيسني(أبيض اللون) والشمام، وبعضها يترك لرعي الأغنام.

يزيد: كنا نعقم البذور برماد نجمعه من الطوابين، ونزرع المشاتل في بيوتنا، ولم نشتر البذور من الأسواق، وكانت تحرث الأرض بالخيول والأبقار، وقبل النكبة بسنتين اشترت الجمعية الزراعية جراراً( كان بعجل كبير من المعدن دون مطاط).
|208319|
ووفق الرواي، فقد كان إنتاج الفالوجة وفيرَأ، وكان يعرف طريقه إلى القرى المجاورة، عبر سوق الخميس الذي كانت تشتهر به. فيما جادت أراضيها باللوف والسنية والبابونج والحمصيص( نبته صغيرة ذات مذاق حامض)، والجلجاس( تشبه النخلة ولكن صغيرة، ولها ثمرة صغيرة مثل البطاطا)، والجعدة والحميض، والسلك، وغيرها.

واعتاد "الفالوجيون" الاعتماد كثيراً على أرضهم، وكانوا يصعنون الغذاء ويخزنونه للشتاء، بالتجفيق والتبخير، كالبندورة والبامية والكشك( القمح المخلوط بمخيض اللبن)، فيما عرفت بساتينهم أشجار الفواكه، ونمت فيها أشجار الجميز والدوم.

وقال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف إن رسم صورة للأرض في الذاكرة الشعبية المحكية، يعد مصدراً مهماً لتوثيق ذكرى النكبة على مدار العام، وتجنب حصر تناول وجعها في شهر أيار فقط.

وأكد أن الوزارة ستوثق في القريب تجارب"حراس الذاكرة" بالصوت والصورة، وبخاصة وأن الجيل الأول الشاهد على الجرح يتناقص بالموت.

فيما أشار نافز جوابرة من اللجنة الشعبية أن جمع الشهادات بهذه الطريقة، والوصول إلى البيوت والأزقة والمرضى وكبار السن في مخيم الفارعة، يُدلل على مدى الحرص في صياغة تاريخ النكبة، ونقله إلى الأجيال التي لم تعاصر مرارة الاقتلاع.