وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التطلعات العثمانية والربيع العربي والمصالحة الإسرائيلية التركية

نشر بتاريخ: 23/03/2013 ( آخر تحديث: 23/03/2013 الساعة: 15:19 )
بيت لحم- معا - حين تفجرت الأزمة الإسرائيلية التركية كان لرئيس وزراء تركيا رجب طيب اردغان تطلعاته العثمانية الجديدة وعلاقات صداقة متطورة مع نظام بشار الاسد في سوريا, وحتى الشهر الماضي ساوى اوردغان بين إسرائيل و"الصهيونية والعنصرية والفاشية," فيما وصف وزير خارجيته داوود اوغلو إسرائيل بالدولة "الخارجة عن القانون" .

اذاً ما جرى حتى تقع المصالحة الإسرائيلية التركية في هذا الوقت بالتحديد بعد سلسلة طويلة من محاولات المصالحة الفاشلة ؟ سؤال طرحه اليوم السبت المحلل العسكري في صحيفة " يديعوت احرونوت" العبرية "رني بن يشاي".

الجواب يكمن في عديد التغيرات التي وقعت في هذه الفترة وتحديدا داخل تركيا لتؤدي في النهاية إلى هذه الانعطافة وقبول تركيا بصيغة الاعتذار الإسرائيلية التي طالما رفضتها "أنقرة" التي كانت تطالب إضافة إلى تعديل صيغة الاعتذار برفع الحصار البحري عن غزة ودفع تعويضات مالية لعائلات الضحايا الأتراك لكن بقي الطلب الأبرز تقديم اعتذار إسرائيلي واضح وغير قابل لتعدد التفسيرات رغم قرار لجنة "بلمر" التي عينتها الأمم المتحدة لبحث الهجوم الإسرائيلي على سفينة "مرمرة" وتأكيدها بان إسرائيل عملت وفقا "للقانون" حتى وان استخدم قوة مفرطة أدت إلى مقتل 9 مواطنين أتراك.

الربيع العربي حرق الأوراق في المنطقة
أطلق الخبراء على الإستراتيجية التي تبناها " داود اوغلو " ولاقت دعما واحتضانا من "الإسلامي طيب اوردغان " لقب العثمانية الجديدة وشكّلت سياسية " صفر احتكاك أو صراع "مع الجيران الأقرب لتركيا حجر الأساس في هذه الإستراتيجية وبناء عليه شهدت العلاقات التركية السورية تقاربا غير مسبوق لكن الإحداث التي تشهدها المنطقة العربية حرقت جميع الأوراق وفشل الأتراك تقريبا في كافة تحركاتهم السياسية في ليبيا وعلى وجه الخصوص في سوريا وحتى مصر "الاخوانية" لم تستقبل بعين الرضا محاولات "اوردغان" تعليمها كيف تتصرف سياسيا وتدير أمورها السياسية والداخلية.

سار الأتراك من فشل إلى أخر في العالم العربي وأدركوا أن مواجهتهم المستمرة مع إسرائيل لم تأت لهم بالنتائج السياسية المرجوة ولم تمنحهم الموقع المأمول وفي المقابل ألحقت بهم أضرارا غير بسيطة في مجال علاقاتهم بالإدارة الأمريكية وحلف "الناتو" لكن هذا ليس كل شيء بل عادت الهجمات الصحفية العنيفة التي شنها اوردغان واوغلو عبر الصحف العالمية على إسرائيل بنتائج عكسية حيث اضطر اوردغان الى الاعتذار وذهب الى حد إعطاء إشارات خلال مقابلة منحها لصحيفة دنماركية بان علاقته مع إسرائيل في طريقها إلى التحسن.

إسرائيليا, أوصت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بكافة تفرعاتها وفروعها بما في ذلك مجلس الأمن القومي "نتنياهو" بضرورة إيجاد صيغة اعتذار تسوي الأزمة مع تركيا وفعلا قام "نتنياهو " بعدة محاولات وأرسل المبعوثين دون فائدة بعد أن اصطدمت المحاولات الإسرائيلية بموقف تركي مصمم على صيغة اعتذار واضحة.

وشهد الشهر الماضي أخر محاولة إسرائيلية حيث التقى مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي في جنيف لكن رفض ربابنة التطرف في حكومة "نتنياهو" الثانية ليبرمان ويعلون المصالحة قائلين بعدم التراجع أمام تركيا التي تريد إذلال إسرائيل وتسجيل النقاط على حسابها.

تحتاج إسرائيل تركيا في عدة مجالات واتجاهات وهذه الحاجة ستستمر لفترة طويلة لكن يبدو انه طالما حزب اوردغان في الحكم فان العلاقات لن تكون حميمة كما يجب وفقا لتعبير "رني بن يشاي".

وكانت واشنطن عاملا حاسما أخر في إيجاد التقارب التركي الإسرائيلي وأعادت الطرفين إلى دائرة التعاون المشترك خاصة منذ تفجر الأزمة السورية, حيث تحاول أمريكا منع انتشار الحرب الأهلية والأسلحة الكيماوية إلى دولا أخر في الإقليم لكن الأمريكان لا يتواجدون في المنطقة حتى يقاوموا تأثيرات الحرب الأهلية غير المرغوبة على الدول الأخرى لذلك هناك حاجة ملحة لعمليات تقوم بها الدول الحليفة وعلى رأسها إسرائيل وتركيا والأردن.

التجارة الإسرائيلية التركية تزدهر خلال سنوات القطيعة
تسعى الإدارة الأمريكية وهي معنية بترتيب المنطقة وعدم إيجاد نقاط مواجهة جديدة حتى تتمكن من التفرغ لمهام إستراتيجية أخرى ترتبط بسياستها الدولية والعالمية الجديدة تلك السياسية التي تقف الصين في مركزها إضافة إلى حالة المواجهة من إيران وكوريا الشمالية لذلك كان من المهم بالنسبة لاوباما تحقيق المصالحة بين اردوغان ونتنياهو وهذا ما صرح به مساعدو اوباما حتى قبل زيارته الأخيرة للمنطقة.

والغريب في كل تفاصيل الأزمة التركية الإسرائيلية وسنوات انقطاع او توقف العلاقات الدبلوماسية ان التجارة والعلاقات الاقتصادية أخذت منحى أخر حيث استمرت دون عائق ورغم تراجع السياحة الإسرائيلية في تركيا سجلت التجارة بما في ذلك المجال الامني ارتفاعا كما لم تمنع الأزمة تركيا من تقديم عرضها بالمساعدة في إطلاق سراح الجندي" شاليط ", حيث عرض رئيس المخابرات التركية على نظيره الإسرائيلي تقديم العون وذهب حد الوساطة مع حماس ما أعطى انطباعا بان الحالة الشاذة في العلاقات التركية الإسرائيلية ستجد قريبا طريقها نحو النهاية والتصالح.

وأخيرا منحت زيارة اوباما رئيس وزراء تركيا السلم والفرصة للتراجع وتليين موقفه وعدم الإصرار على مطالبه الثلاثة بحرفيتها وكذلك فعل نتنياهو الذي استغل اللحظة المواتية وادخل بعض الليونة على موقفه فعدل صيغة الاعتذار قليلا ما منح "اوردغان" سلم الهبوط وان يزيل مطلبه رفع الحصار البحري عن غزة من على طاولة البحث والاعتذار.