|
الاعتذار في تاريخ السياسة الدولية
نشر بتاريخ: 25/03/2013 ( آخر تحديث: 26/03/2013 الساعة: 14:10 )
بيت لحم - خاص معا - لم يكن الاعتذار الذي قدمته إسرائيل لتركيا على قتلها 9 من مواطنيها كانوا على متن سفينة "مرمره" التي هاجمها كوماندوز بحري إسرائيلي مدججا بالسلاح سابقة في تاريخ العلاقات الدولية او حادثة فريدة اجترحتها الدبلوماسية التركية، فهناك الكثير جدا من الاعتذارات التي دخل بعضها تاريخ البشرية من باب الحرب العالمية الأولى بعد أن فشل الاعتذار في منعها على الأقل وفقا للرواية الغربية التي استحسنت القول بأن مقتل أمير هنغاري نمساوي على يد صربي فجر الحرب التي أعادت تشكيل العالم الحديث متهربا بروايته هذه من وزر التخطيط المسبق والمؤامرة المحسوبة.
وصل ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنغارية المعروف بالسمين الأمير "فرانس فيرناند" وزوجته يوم 28/6/1914 صربيا في زيارة رسمية لكن الطالب السلافي الأصل بوسني الموطن "غبريلو برينتشيف" عضو منظمة "بوسنة الفتاة" الهادفة إلى ممارسة الضغوط على النمسا لإعادة مناطق صربية ضمتها لحكمها كان له مخططا أخر فأطلق رصاصتين من مسدسه وضعتا حدا لحياة والي العهد وزوجته. طالبت النمسا صربيا بتقديم اعتذار رسمي فاستجابت الاخيرة فورا واعتذرت على فعلة مواطنها لكن الاعتذار لم ينه الازمة، فطلبت النمسا فتح تحقيق ينفذه محققون نمساويون فوافقت صربيا، فطالبت النمسا فرض عقوبات على المنظمات القومية الصربية فوافقت صربيا دون تردد فلم تتوقف مطالب وطلبات الامبراطورية النمساوية الهنغارية لتتخذ من هذه الحادثة ذريعة وتندلع الحرب العالمية الاولى التي اودت بحياة 8-10 مليون انسان اضافة لموت اكثر من 20 مليون انسان من تأثيرات هذه الحرب غير المباشرة بعد توقفها بـ 25 عاما وبهذا يمكن القول بأن الاعتذار الصربي كان رسالة ضعف ولم يمنع الحرب. والاعتذار الرسمي مثله مثل الاعتذار الشخصي يحمل في ثناياه بعض عوامل وعناصر الندم وإظهار الاحترام للطرف الثاني لكنه لا يقف عند هذه الحدود إذ يمكن للاعتذار الرسمي أن يهدف إلى منع التصعيد بين الدول وتأسيس قاعدة معينة للحوار وإنهاء النزاعات، كما يوجد اعتذارات يقصد منها إظهار العناصر الأخلاقية والثقافية لدولة ما، وهذا بالضبط ما قصدته الولايات المتحدة حين قدمت اعتذارها عن تعذيب الاسرى العراقيين في سجن ابو غريب والسجون العراقية الأخرى لكنها امتنعت عن تقديم الاعتذار عن تعذيب سجناء غوانتنامو والسجون السرية الأخرى لكن الاعتذار للعراقيين نبع أساسا من اعتبارات تتعلق بصورة الولايات المتحدة التي ترغب ان يراها العالم من خلالها بغض النظر عن تحقيق الاعتذار لهدفه أم لا. وليس بالضرورة ان يأتي الاعتذار بإرادة مقدمه إذ يمكن أن يكون تنفيذا قرار محكمة دولية كما حدث مع السفينة الهولندية " Rainbow Warrior " التي فجرتها المخابرات الفرنسية عام 1985 في احد موانئ نيوزيلندا بعد أن اشتركت في تظاهره بحرية معادية للتجارب النووية الأمريكية والفرنسية وأدى تفجيرها الى مقتل احد المصورين لتجبر المحكمة والضغوط الشعبية بعد عامين من التفجير الحكومة الفرنسية على الاعتذار ودفع تعويضات مالية لحكومة نيوزيلندا بقيمة 13 مليون دولار ونشر إعلان في الصحف الفرنسية عام 2009 تعترف فيه الحكومة الفرنسية بمسؤوليتها وان عملية التفجير تمت بموافقة الرئيس ميتران نفسه. في الأول من ايار عام 1960 وبعد انتهاء أعمال القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي إيزنهاور ونظيره السوفيتي خروتشوف أسقطت الدفاعات السوفيتية طائرة تجسس أمريكية من طراز 2U وأسرت قائدها الطيار "غيري فاوراس". طالب الزعيم السوفيتي الولايات المتحدة تقديم اعتذار رسمي وعلني على اختراقها للأجواء السوفيتية وان تعاقب المسؤولين عن الاختراق وتتحمل المسؤولية كاملة وذلك كشرط مسبق لاستئناف أعمال القمة الأمر الذي وصفه الرئيس الأمريكي إيزنهاور كتهديد سوفيتي للعالم، الأمر الذي لم تقبله الإدارة الأمريكية وبسبب الموقف الامريكي الرافض للاعتذار انهارت قمة باريس المقررة وتعززت مشاعر عدم الثقة بين القوتين العظمتين ووصل التوتر ذروته عام 1962 فيما عرف باسم ازمة الصواريخ في كويا. وقدم وزير خارجية اليابان عام 1964 اعتذارا رسميا للولايات المتحدة بعد تعرض سفارة أمريكا للهجوم واغتيال السفير الأمريكي في طوكيو دون أن تكتفي اليابان بالاعتذار بل أجبرت الحكومة وزير الداخلية على تقديم استقالته. كما وهاجمت طائرات حربية إسرائيلية يوم 8/6/1967 سفينة التجسس الأمريكية "ليبرتي" التي كانت تبحر قبالة سواحل سيناء المصرية وقتلت 34 بحارا أمريكيا وأصابت 171 آخرين، وقدم السفير الإسرائيلي في واشنطن اعتذارا مموها معتبرا العملية "خطأ مأساوي" نتج عن ظروف الحرب حيث شخص الطيارون الإسرائيليون السفينة الأمريكية على إنها سفينة مصرية... الاعتذار الذي قبله الرئيس الأمريكي "جنسون" وبقي الأمر معلقا إلى أن انتهى الحادث رسميا من خلال تبادل إسرائيل وأمريكا يوم 117/ 11/ 1980 رسائل دبلوماسية تتعلق بالموضوع لم تحمل أيا من الحكومتين مسؤولية الحادث. احتجزت بحرية كوريا الشمالية عام 1968 سفينة أمريكية تدعى "بوابلو" اتهمتها بجمع المعلومات الاستخبارية داخل المياه الإقليمية لكوريا الشمالية وحتى تتمكن الولايات المتحدة من إطلاق سراح 82 ضابطا وبحارا، أُجبرت على تقديم اعتذار رسمي لكوريا الشمالية تحملت فيه كامل المسؤولية معتذرة عن أعمال التجسس التي قامت بها السفينة الأمريكية. وبعد إطلاق سراح البحارة والضباط نشرت أمريكا بيانا ادعت فيه ان وثيقة الاعتذار التي وقعت عليها تم تحريفها وان السفينة الأمريكية احتجزت خلافا للقانون الدولي وان الوقائع لا تستحق تقديم اعتذار رسمي وتحمل المسؤولية. وهناك نوعا آخر من الاعتذار يمكن للدول ان تقدمه لشعوب دول أخرى كما فعل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 1998 حين قدم اعتذار الولايات المتحدة لشعب رواندا لعدم قيام أمريكا بما يلزم لوقف المذابح التي حدثت في هذا البلد الإفريقي عام 1994 كما قدم عام 1999 اعتذار لشعب غواتيمالا عن الدعم الذي قدمته أمريكا للحكومة اليمينية التي كانت تحكم هذه الجمهورية وقتلت ألاف المتمردين "المايا" ذوي الأصول الهندية على مدة سنوات الحرب الأهلية الـ36 ووعد بتقديم مساعدات لتحقيق المصالحة الوطنية. أسقطت السفينة الحربية الأمريكية "فينسنس" المرابطة في مياه الخليج العربي يوم 3/7/1988 طائرة ركاب إيرانية من طراز "ايرباص" ما أدى إلى مقتل 290 مسافرا لكن الإدارة الأمريكية لم تقدم أي اعتذار لإيران متهمه إياها بالمسؤولية عن الحادث لسماحها لطائرة مدنية ان تقلع من مطار عسكري – مدني والتحليق فوق منطقة تشهد معارك عنيفة مدعية بأن سفينتها قامت بما يجب عليها القيام به من باب الدفاع عن النفس لكن الرئيس الأمريكي ريغان أعرب عن أسفه لمقتل الأبرياء ووافقت أمريكا من باب "الكرم" دفع مبلغ 131 مليون دولار لعائلات الضحايا دون ان تقدم اعتذار رسمي. واخيرا قدم حلف الناتو اعتذارا رسميا للصين على قصفه سفارتها في العاصمة الصربية "بلغراد" يوم 7/5/1999 معتذرا عن "الخطأ المأساوي" فما قدم الرئيس الامريكي "بيل كلينتون" تعازيه لعائلات القتلى الصينيين فيما وصل نائب وزير الخارجية الامريكية يوم 17/6/1999 العاصمة الصينية وقدم للقيادة هناك توضيحات حول الحادث ودفعت الولايات المتحدة نهاية تموز من نفس العام مبلغ 4:5 مليون دولار تعويضات للعائلات الصينية. هناك سلسة طويلة من الاعتذار ورفض الاعتذار يمكن إيرادها في هذه العجالة التي تهدف القاء الضوء على دور الاعتذار الرسمي او شبه الاعتذار في السياسة الدولية. |