وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هكذا تتحول تركيا الى وسيط اقليمي

نشر بتاريخ: 13/04/2013 ( آخر تحديث: 15/04/2013 الساعة: 09:19 )
بيت لحم- معا - فيما تعاني دول عربية كثيرة ومنها الموصوفة كقوى إقليمية هامة النزيف الداخلي وعدم استقرار أوضاعها تشق تركيا طريقها بثقة وثبات إلى مركز الحلبة وصدارة الساحة التي تعيد الولايات المتحدة تشكيلها.

انتخاب طيب رجب اوردغان عام 2002 لأول مرة رئيسا لوزراء تركيا بعد أن فاز حزبه العدالة والتنمية ذات التوجه الإسلامي في الانتخابات العامة وشرع منذ فوره بمسيرة تهدف إلى إنقاذ الدولة من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت تنهشها وفقا للكاتب الإسرائيلي " أساف غوبر" مسئول القسم العربي في صحيفة " مكور ريشون " اليهودية المتدينة في مقال مطول نشره اليوم " السبت" على موقع " معاريف" الالكتروني.

وقال اوردغان الذي لا يخشى التعبير عن مواقفه أنه يسعى إلى قيادة تركيا نحو موقع الوسيط الإقليمي في الصراعات الشرق أوسطية بينما لم ينجح الرئيس المصري السابق " حسني" مبارك " الذي قاد مصر المستقرة والثابتة صاحبة الدور المركزي والأساسي في كل ما يجري ويحدث في منطقة الشرق الأوسط من قصر الاتحادية في إخفاء ابتسامته العريضة من تصريحات اوردغان وعاد لينشغل بتأكيد خلافة نجله جمال ضمانا لاستمرار حكم عائلته لمصر .

ولم تمر عشر سنوات على تصريحات اوردغان حتى تخلت الإدارة الأمريكية عن الرئيس مبارك ليجد نفسه خلف القضبان في سجن المزرعة فيما واصل ارودغان الذي نجح بتعزيز وتثبيت استقرار السياسية التركية المتذبذبة حكم تركيا بيد قوية وثابتة يشاهد حلمه الإقليمي يتحقق أمام ناظريه .
|212684|

" لتركيا دور هام وتأثير خاص على الفلسطينيين وهي قادرة على إقناعهم بكافة فصائلهم على قبول شروط الرباعية الدولية " قالت الناطقة بلسان الخارجية الأمريكية " فيكتوريا نولاند " في تصريح مكتوب قبيل زيارة الوزير الأمريكي " كيري" للمنطقة ليصب هذا الإعلان في جهود دبلوماسية أمريكية مكثفة تهدف إلى تحقيق المصالحة الإسرائيلية التركية وتجنيد تركيا لمنظومة الضغط الهادفة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية واستجاب اوردغان في سياق جهود استئناف المفاوضات لطلب الوزير " كيري" القاضي بتأجيل زيارته لقطاع غزة تلك الزيارة التي كانت ستقود إلى أزمة جديدة في العلاقات الإسرائيلية التركية وتؤثر على خطوات التقارب المتوجسة بين أنقرة وتل ابيب .

وأضاف الكاتب الإسرائيلي " لقد تصدعت خلال الفترة الأخيرة النظرة التي تصف حماس كمنظمة إرهابية حيث يرى مسؤولين كبار في أوروبا باتفاق وقف إطلاق النار الأخير وإعادة انتخاب مشعل ممثلا للتيار البراغماتي داخل حماس رئيسا لمكتبها السياسي دليلا على توجه الحركة ووجهتها نحو الاعتدال ولم يبق لحماس حتى تستكمل أوراق اعتمادها الدولية سوى إعلان قبولها بشروط الرباعية الدولية ومن ضمنها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ".

يرى خالد مشعل في تركيا نموذجا جديرا بالمحاكاة وكذلك رئيس وزرائها اوردغان حيث نجح حزب الحرية والعدالة ذو التوجه الإسلامي الذي كان مستبعدا من منظومة الحكم التركية لعشرات السنين في شق طريقه للحكم عبر النظام الديمقراطي وخلق حالة من الاستقرار الكبير على الساحة التركية فيما يحاول اردغان من جهة تثبيت شخصيته كمسلم علماني والاستمرار بعرض حماس المعزولة دوليا كضحية لكونها حركة إسلامية من جهة قانوية وليس لأنها تؤيد وتدعم " الإرهاب" .

ووضعت المواجهات العسكرية التي وقعت بين حماس وإسرائيل طيلة السنوات الخمسة الماضية حماس في موقع محترم لدى الاتراك الذين ينظرون للرئيس ابو مازن تماما كما تنظر إليه حركة حماس التي تصفه بالدمية في يد الأمريكيين حسب تعبير الكاتب الإسرائيلي فيما تشاهد حماس نجاح تركيا في فرض الاعتذار على إسرائيل دون أن تنفذ الجزء الخاص بها من الصفقة مثل إلغاء لوائح الاتهام المقدمة ضد ضباط إسرائيليين إلى جانب استمرار تركيا في استثمار الكثير من الأموال عبر المشاريع التي تمولها في قطاع غزة . هذه الحقائق إلى جانب المفاوضات المتعلقة بحجم التعويضات الإسرائيلية لضحايا السفينة التركية عززت موقع وموقف اردوغان حتى قبل إعلانه تأجيل زيارته لغزة وعززت علاقات حزب الحرية والعدالة مع حماس اللذين ينتميان لنفس التيار الإسلامي .

نافذة على ايران :

تؤثر الحرب الدائرة في سوريا وعدم استقرار نظام الأسد على الجارة الشمالية تركيا وأدى إطلاق الأسد لصواريخ " سكود" باتجاه مناطق قريبة من الحدود التركية إلى تحسن العلاقات الأمريكية والتركية حيث نشرت الولايات المتحدة مؤخرا وبموافقة أوروبية بطاريات " باترويوت " جنوب تركيا إضافة إلى عدد من الجنود الأمريكيين المسئؤولين عن تشغيل هذه البطاريات .

بداية الامر اتهمت سوريا تركيا بإيواء نشطاء القاعدة واطراف إسلامية متطرفة أخرى انضمت لقوات المتمردين في سوريا التي دخلوها عبر الحدود التركية المفتوحة أمامهم بتجاهل تام من حكومة أنقرة وردا على ذلك حاول الأسد إثارة الأقلية الكردية في سوريا واستخدامها ضد أنقرة مستغلا الصراع الطويل بين حزب PKK الكردي وتركيا والذي تفجر عام 1980 وفي البداية لاقت مناورة الاسد نجاحا حيث شن مقاتلون أكراد هجمات على أهداف داخل تركيا وقاتلوا إلى جانب الأسد ضد معارضيه لكن ومع استمرار ميل ميزان الحرب لصالح القوى المتمردة وتراجع سيطرة الأسد ترك الأكراد المعركة معتقدين بان سوريا المنهارة والأخذة بالتحلل هي قد ما يشكل بالنسبة لهم الأرض التي ستمكنهم من إقامة دولتهم المستقلة .

وشكل إعلان قائد حزب PKK عبدالله اوجلان المعتقل في تركيا استعداده إنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا أوج التغير في الموقف الكردي من الاحداث في سوريا وجاء هذا الإعلان في الوقت المناسب تركيا بالضبط حيث أعلن اوجلان استعداده للتوصل إلى اتفاقية سلام مع الحكومة التركية مشيدا بالدور الأمريكي والأوروبي مزيلا بذلك اهم حجر عثرة كان يقف في وجه تركيا الساعية للانضمام للاتحاد الأوروبي فسارعت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى الدعوة لاستمرار تعزيز منظومة العلاقات البناءة مع تركيا .

ورغم هذا التقدم لا زالت الأزمة القبرصية عالقة منذ عام 1974 حيث ترفض تركيا الاعتراف بالجمهورية القبرصية وتدعي بأنها قائمة على ارض تركية محتلة وكذلك الحال مع أزمة الاعتراف بالمذبحة الارمنية لكن الولايات المتحدة تتجاهل هذه الأزمات ولا ترى في الصورة سوى دولة واحدة هي إيران حيث يتوقف المد الشيعي القادم من إيران عبر العراق وسوريا العلوية ومنها الى لبنان تماما عند الحدود التركية.

كل شيء يبدأ من المال

حصدت مسيرة المعاناة التركية نحو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي خيبة الأمل فقط ولم تجد الإصلاحات والرقص التركي على وقع الموسيقى الأوروبية في التأثير على موقف الدول الأوروبية الرافضة لضمها إلى الاتحاد ودخلت المحادثات في هذا المجال غيبوبة عميقة مستمرة منذ عامين ونصف تقريبا وقد يعطي استئنافها قبل شهرين إشارة على وجود استعداد أوروبي أخير لقبول تركيا المسلمة في اتحادهم حيث بدأت العقبات الرئيسية التي وقفت في وجه تركيا بالتلاشي مثل غياب ساركوزي من المشهد السياسي علما بأنه من اشد معارضي تركيا الأوروبية ليحل مكانه الرئيس " اولاند" الذي يعتبر براغماتيا ومتساهلا نسبيا اتجاه الإسلام عموما وتركيا على وجه الخصوص .

وبعيدا عن المعارضة السياسية التي أبدتها الدول الأوروبية لانضمام تركيا فهناك خوف شديد يتمثل بخشية هذه الدول من إدخال حصان طروادة" اقتصادي إلى مجموعة الاتحاد الأوروبي حيث كانت تركيا تعاني الفقر وعدم الاستقرار لكن هذا الادعاء لم يعد قائما بعد اليوم ففيما مرت أوروبا بجميع دولها عقدا قاسيا من الناحية الاقتصادية وصل إلى حدود انهيار اسبانيا ،و اليونان، وقبرص، تمتعت تركيا بعقد اقتصادي مثمر وناجح جدا ونموا قادها إلى المرتبة 17 عشر في قائمة الدول التي تحقق نموا اقتصاديا.

"قاد الاستقرار السياسي الذي نجح اوردغان في تثبيته تركيا إلى استقرار اقتصادي ونمو وصلت نسبته العام الماضي إلى 8% حسب قول السفير الإسرائيلي السابق لدى أنقرة " الون ليئال " الذي أضاف " هناك امرأ أخرا يعتبر حيويا بالنسبة لأوروبا السائرة نحو الشيخوخة وبات سكانها يشكلون عبئا على اقتصاديات الاتحاد الأوروبي ويتمثل بالقوى العاملة الشابة القائمة في تركيا التي يشكل الشباب غالبية سكانها وقوتها العاملة وإذا بدت تركيا قبل عشر سنوات كمريض يطلب من أوروبا معالجته وحمله على أكتافها انقلب الصورة في الوقت الحالي فهناك اهتمام أوروبي ومصلحة أوروبية كبيرة لإدخال تركيا وبسرعة إلى الاتحاد الأوروبي لكن تركيا هي من يتردد وتفكر مرتين قبل اتخاذ مثل هذا القرار وإدخال رأسها المعافى في سرير المرض حيث ترقد أوروبا ".

وأضاف السفير الإسرائيلي السابق" ترى أمريكا وأوروبا في تركيا ما يذكرها بمفهوم معين بدولة إسرائيل حيث ظهرت في ظل انهيار مصر وليبيا وتونس وسوريا والفوضى العارمة التي تسود المنطقة جزيرة استقرار إلى جانب إسرائيل المستقرة جزيرة من الاستقرار والنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي يصلح أن يكون خلفية لمصالحة إقليمية وهذا هو احد أسباب الضغط الأمريكي المكثف على إسرائيل لإتمام المصالحة مع تركيا وتقديم الاعتذار .

وختم السفير السابق تصريحه" يجب علينا قول الحقيقة وهي أن الخطوات الأمريكية والأجواء التي يحاول جون كيري خلقها عبر القول بان المصالحة التركية الإسرائيلية قريبة وان هناك قاعدة يمكن الاستناد إليها في المفاوضات مع الفلسطينيين بتأثير هذه المصالحة أمرا سابق لأوانه وان جون كيري كان متسرعا جدا في استخلاصه لهذه النتيجة اذ ليس من الوقار أن نطلق التصريحات قبل الانتهاء من دراسة اللاعبين الأساسيين ولا يمكن لكيري أن يدخل تركيا بسرعة وبشكل فوري لتلعب دور الوسيط في الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي ولا زالت المصالحة التركية الإسرائيلي في بدايتها وإسرائيل لن تسارع بوضع ثقتها في اوردغان المعروف بتصريحاته القاسية ضدها.

" العلاقات الدبلوماسية مسالة وقت فقط ويجب أن يعود السفراء إلى انقرة وتل أبيب ونحتاج إلى سفير تركي يجيد التحدث بطريقة ايجابية لان العلاقات السياسية التركية الإسرائيلية ما هي إلا بناء مهدم ومدمر ويجب إعادة بنائه من جديد حتى يمتلك جدران قادرة على الصمود تؤهل تركيا للعب دروا هاما في التسويات السياسية ".حسب السفير المذكور سالفا.