|
عن تبادل الاراضي والفرق بين الوطن وبين الدولة
نشر بتاريخ: 02/05/2013 ( آخر تحديث: 05/05/2013 الساعة: 22:55 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
مع مئات الطلبة والشبان في جامعة الاستقلال وتحت اشراف مؤسسة الحلم الفلسطيني ، ناقشنا مفهوم الحلم ... ووصل الحديث بنا الى مفهوم الوطن ومفهوم الدولة . والفرق كبير وواسع .
والوطن يا بني ... هو المكان الذي تنتمي اليه وتحس به وترفع رأسك عاليا وانت تدافع عنه ، والوطن ليس المكان المجرد وانما مجموعة من القيم الانسانية الرومانسية الثورية التي تحمل صاحبها الى الارتقاء بشعور الملائكة نحو القيم السامية . قد يكون الوطن حديقة في فناء المنزل او موقف سيارة اجرة او رؤية النجوم فوق البيادر في ليلة الكيظ الشديد ، قد يكون الظمأ في تموز او المزاح الثقيل مع الاقران في اكتوبر ، والوطن قد يكون بوابة المدرسة الابتدائية واولاد الحارة وابريق الشاي ، هو البشكير المعلق على مسمار في جدار غرفة متهالكة في مخيم للامم المتحدة ، والوطن قد يكون مفتاح سيارة او رائحة الخبز الذي تعدّه الام عند الفطور . الوطن ليس مناطق الف وباء وجيم وانما انصهار الروح في بوتقة الحب الابدي العميق تجاه الذات . هو رؤية النفس لذاتها وتبرّج المعاني في قاموس الحياة . الوطن شغف وعشق سرمدي ، تدافع الماء في الغدير او في حنفية الماء عند الوضوء . هو الرجفة الاولى للقلب حين تنشد موطني وهو ابتسامة اطفال اول ابتدائي أ عندما يطلب منهم المعلم ان يصطفوا في طابور الصباح ويصدحوا مرة واحدة بصوت هوجائي " وأحيا فدائي وامضي فدائي الى انت تعود " . والوطن هو القبلة الاولى على الخد ، والعضة الاولى على الزند ، وشكوى استاذ الرياضيات الى المعلم . وتأنيب الضمير ، او تأنيب الوالدين اذا نسينا ان نغسل اصابعنا الصغيرة قبل الطعام . الوطن حالة عشق لا تقاس بالعقل ، لان حب الوطن جنون جميل لا شفاء منه ، والوطن قاموس لا يعرف المنطق ولا العلوم السياسية ولا تفسيرات كيسنجر عن الشرق والغرب ولا نظريات بيريس حول الشرق الاوسط الجديد ولا ملاحظات وليد جنبلاط حول التحالفات الاقليمية ، وحب الوطن لا يقرّره عقيد في الامن يصرخ علينا فنحب اوطاننا كما يظن ، ولا يمكن للوطن ان يكون مادة في برنامج الاتجاه المعاكس . فالوطن طريق في اتجاه واحد ، تحسّ به ثم تعشقه ثم تمضي فيه وتموت فيه او من أجله وانت باسم . الوطن روايات ايميل حبيبي حول حيفا وقصائد توفيق زياد في الناصرة والبئر الاولى لجبرا ابراهيم جبرا حين هاجر للعراق ومات هناك وظلّ يكتب عن بيت لحم ، الوطن اشعار بوشكين وافكار فولتير وعبثية سارتر وتفسيرات بن سيرين للمنام ، والوطن هو الذي يجعلك تبكي ثم تضحك كالمجنون ، وتقبل حظر التجول وتعلّق صورة ابو جهاد وأبو اياد على جدار غرفتك وانت تدرس لامتحانات التوجيهي ، فتترك كتاب التكنولوجيا وتحفظ اشعار عبد اللطيف عقل . الوطن هو وصايا الشيخ محمد ابو لبن في المسجد ان لا نسرق البصل الاخضر اللذيذ من حديقة ام كمال والا عذّبنا الله في نار جهنم ، الوطن مثل صوم رمضان ، نجوع من اجله ولا نسأل أنفسنا لماذا لاننا نستمتع في عذابه ونهواه ونغني له كلما عاد . الوطن عيد يتجدد وخمر يتمدّد في قلوبنا حتى نختنق ونقول هل من مزيد ، والوطن مثل كهف او "غار حراء " نتوحد فيه ونقلّد الانبياء لمناجاة السماء ، هو بائع الخبر وعامل محطة البنزين ووجوه تعرف بعضها ولا تعرف معظم اصحابها ، الوطن " جمال الروح في المرأّة وشهوة المرأة الاولى ورائحة الغمام " ، والوطن قد يكون صديقا صدوقا او حجر على قارعة الطريق او شجرة سبيل او ماء سلسبيل لكنه لا يمكن ابدا ان يكون اتفاقية بين السياسيين او وثيقة اوسلو او جبهة رفض او مناظرة بين اعضاء برلمان ، وارفضوا يا اخوتي دوما اذا يقال لكم ان الوطن هو مشروع وطني .... فالوطن ليس مشروع وانما فطرة نتوارثها جيلا بعد جيل مثل لون العيون وسمرة الوجه وقسوة الملامح .الوطن مهابة . اما الدولة او السلطة فهي مشروع عند بعض السياسيين ، وهي مساحة متفق عليها او مختلف على هيبتها ، ربما ترفع راياتك فوقها وتلفهّا بالاسلاك الشائكة والحدود والجنود وتقول هذه دولتي . وكم مرة تتغيّر الحدود وتتغير القيادات وتتغير الرايات لكن الوطن لا يتغير . انا لاجئ من الرملة ، اذن مدينة الرملة وطني و رام الله او غزة مقر دولتي ، وهذا لاجئ من يافا وذاك من عسقلان وعين كارم ودير ياسين والطالبية ولفتا والشجرة ودير الاسد والقسطل ، اذن عكا وطن . فيما مناطق أ هي مجرد "دولة" والفرق كبير ، وانت تكتب الاشعار لعكا وتعشق سورها وتلطم امواجها خدّك وتضحك جذلا مثل طفل حتى في المنام . ولكنني لم اسمع ابدا ان شاعرا يكتب قصيدة في مناطق أ . يا سادتي ... ارسموا ما شئتم وبادلوا ما شئتم ، وانسحبوا او اعيدوا الانتشار . فهذا شأنكم ايها السياسيون ، لكن وطني هو وطني الذي اهواه واموت فيه عشقا ابديا حتى يهجع الحمام . ونحن الذين نرسمه ، وهو لا يباع ولا يشترى حتى لو ثاقلوه بكل مجوهرات الكون . أأخلع عينيك وأثبّت جوهرتين مكانهما ؟ هل ترى ؟ هي أشياء لا تشترى . |