وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"الترمال" بغزة.. طريق للهاوية تستهوي فتيات وشبان

نشر بتاريخ: 23/05/2013 ( آخر تحديث: 23/05/2013 الساعة: 18:56 )
غزة- معا - يتناول عدد من الغزّين حبوب الترامادول على أنه ترياق يخفف ويهدئ ضغوط الحياة وكمادة تعطي شعورا وهميا بعدم الإحساس بالواقع المرير وحتى بعض أكثر الناس تعليما وتحملا للمصاعب في القطاع يجدون في الترمادول راحة من واقع الصدمات النفسية والفقر واستمرار الضغط النفسي.

وحسب المعنيين في هذا الأمر من أطباء وأخصائيين نفسيين ورجال شرطة يعملون في هذا المجال، فإن انتشار الترامادول في المجتمع الغزي قد وصل لدرجة كبيرة من الخطورة تحتاج من الجميع بذل الجهد الكافي لوضع حد لانتشار هذه السموم ولتفادي المضاعفات والآثار المدمرة سواء على الفرد أو الأسرة أو المجتمع.

من داخل سجن أنصار المركزي غرب مدينة غزة كان لمراسلة معا بعض اللقاءات مع عدد من متعاطي وتجار عقار الترامادول ليتحدثوا عن تجاربهم المريرة.
|220271|
بدايات الإدمان ورفقة السوء:

المواطن "م .ق" الموقوف على خلفية تعاطيه مادة الترمادول يسرد لـ معا قصته فيقول "لا اعلم كيف سوّلت لي نفسي أن أقع في طريق الانحراف ولكن ما كنت أتذكره بالفعل أنه في ظل الواقع الذي لا يحتمل وانعدام فرص العمل وتزايد مشاكلي الاجتماعية التي كانت من المسببات الرئيسة التي دفعتني لأن أسلك هذا الطريق".

ويتابع "في جلسة من الجلسات كنت أعاني حينها من مشاكل أهمها الضائقة الاقتصادية جاء لي أحد الاصدقاء ليقوم بإعطائي حبة زعم أنها ستنسيني كل مشاكلي وهمومي فقمت بتناولها وفي كل مرة كان يأتي لي بحبوب في كل جلسة حتى بتُّ مدمنا عليها إلى أن جاءت شرطة مكافحة المخدرات وقامت بحبسي لوجود أشرطة حبوب ترمادول في منزلي".
|220273|
بطالة أدت للسقوط والضياع

ويعترف "م . ق" أنه قد تعاطى "الترامال" كي ينسى همومه، والواقع المادي السيئ لأسرته، حيث لا يستطيع مجاراة أقرانه في الشكل والمظهر، متسائلا عن السبب الذي كان سيمنعه من تعاطي الترمال وكل شيء من حوله يدعوه إلى الإدمان، وفق تبريره.

الشاب "م . ق" والذي قد ترك دراسته الجامعية بسبب عدم قدرته على توفير مصاريفه الشخصية كون والده مريض وعاطل عن العمل فكان الحل الوحيد لديه أن يترك الجامعة ويتوجه للعمل في أحد المحلات التجارية والذي لا يكفي راتبه الشهري فيه لإعالة أسرته المكونة من عشرة أفراد".

تاجرة ترمادول
|220290|
أن تتواجد في هذا السجن للتحري الصحافي عن قضية "الترامادول" من الطبيعي أن تجد أعدادا من الشباب الذين ضل طريقهم فما وجدوا سبيلا غير التعاطي ولكن الغريب في الأمر أن تجد نساء كبيرات في السن قد انحرفن وضللن الطريق وتواجدن في سجن أنصار بتهمة بيع وتجارة عقار الترمادول.

المتهمة "ت.ف" على خلفية قضية المتاجرة ب 1064 حبة أترمال ضبطتها شرطة مكافحة المخدرات في منزل والدها تسرد قصتها الغريبة بعض الشيء بحسب أقوالها "كنت في ذلك اليوم ذاهبة لبيت أهلي فقمت باصطحاب أحد أبنائي معي ولم أجد هناك سوى أمي وزوجة أخي فجلسنا نتحدث وبعد التعرف على أخبار الأهل سمعت صوت ابني "س. ف" (21 عاما) ينادي عليّ عندما حضرت سيارة واعطاه من بداخلها كرتونة يوجد فيها لوازم وحاجيات للمنزل فقمت بإدخالها ولم أقم بفتحها".

وتتابع سرد تفاصيل حكاياتها "لم تمض دقائق على تلك السيارة التي قامت بإعطائنا تلك الكرتونة إلا وتبعتها سيارة من سيارات شرطة مكافحة المخدرات لتقوم باحتجاز ابني واتهامه بالمتاجرة وحيازة الترمادول".

وتقول المتهمة "ت. ف"، "قمت بالإسراع للذهاب لمركز الشرطة كي أعرف ما سبب احتجازهم لابني وبعدها احتجزوني لاشتباههم بي".

كانت تلك هي أقوال المتهمة "ت . ف" ولكن محاضر الشرطة التي قمنا بالاطلاع عليها قد فندت ادعاءاتها وبحسب ما جاء في محضر مركز سجن أنصار أنه تم حبس المتهمة "ت. ف" بتهمة اقتناء وحيازةـ 1064 حبة ترمادول وقيام ابنها "س. ف" بالاعتراف عليها بأنها كانت تقوم بتجارته نظرا للظروف المادية الصعبة التي تعاني منها أسرة لا يوجد من يعيلها.

النسبة تتزايد
|220272*الدكتور خالد دحلان|
عن الإدمان على الحبوب المخدرة، ومن بينها الترامادول، يقول الدكتور خالد دحلان، أخصائي الطب النفسي، وطب الأعصاب، وعلاج الإدمان في مركز الهلال الاحمر الفلسطيني، إن "ظاهرة الإدمان متعارف عليها منذ القدم، وانتشرت في الآونة الأخيرة بقطاع غزة بشكل ملحوظ بين الرجال، وهي موجودة أيضا بين النساء ولكن بنسبة أقل، ولكنها في تزايد لا تبشر بخير".

ويعرف دحلان الترامادول على أنه مسكن ألم مركز له مفعول مقارب للكوديين، وهو نظير هذا الأخير. ويصنف ضمن مسكنات الألم يؤثر على نفس مستقبلات المورفين، وهو منافس على المستقبلات المورفينية. وهو لا يحدد مفعول المورفينات الأخرى، لكنه يسبب ادمانا ولكن بصفة أقل من باقي المورفينات المنافسة على نفس المستقبلات.

وعن مضار الترامادول يشدد دحلان على أن العقار له تأثيرات سلبية على الحياة الجنسية لكلا الجنسين فعند تناول هذه المادة التي تحتوي على عقار المورفين الموجود أصلا في جسم الانسان فتعمل على عدم استجابة الدماغ للمؤثرات التي لها علاقة بالمعاشرة الجنسية.

ويرجع دحلان، أسباب انتشار ظاهرة الإدمان عند الفتيات والشباب في قطاع غزة إلى عدة أسباب من بينها الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وغياب الوازع الديني، وانتشار أصدقاء السوء المروجين للمخدرات، وخاصة داخل الجامعات، وعدم وعي الأهل ومراقبتهم لأبنائهم، وانشغالهم عنهم بالأمور المادية، وإعطائهم من المال ما يفيض عن حاجاتهم، دون مسائلتهم أين سينفقونه، الأمر الذي سيجعله ينعكس على نفسية وسلوك الشخص بالسلب، ويجعله يبحث عن أي وسيلة للنسيان والهروب من واقعه.
|220274* الرائد ايمن البطنيجي|
أما على صعيد الشرطة الفلسطينية أكد الرائد أيمن البطنيجي، المدير السابق للمكتب الإعلامي للشرطة في قطاع غزة عن جهود كبيرة تبذلها الشرطة للقضاء لمحاربة هذه الظاهرة التي تسللت للمجتمع الغزّي والتي ورائها الاحتلال الإسرائيلي الذي كان وما زال جل هدفه هو إسقاط شباب وفتيات المجتمع الغزي واستغلال الظروف الصعبة التي لإغوائهم وإسقاطهم في وكر الإدمان.

وفي رده على سؤال عن كيفية دخول الكميات المهربة من الترمادول إلى القطاع رغم رقابة الحكومة، يقول "إن الحكومة استطاعت أن تسيطر بشكل أو بآخر بل وقامت بالحد من دخولها، لكن المروجين يستخدمون عدة أساليب في التهريب كأن يضعوها في أنابيب الغاز، إضافة إلى أساليب أخرى يصعب أحيانا اكتشافها".

ويتابع البطنيجي "الرقابة موجودة بشكل كبير، وبين الفينة والأخرى تقوم شرطة المكافحة بمداهمة بيوت المشبوهين وتفتيشها والإمساك ببعض المروجين ثم تحويلهم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم".

ويشدد البطنيجي إلى أن كل المواد المخدرة التي يتم ضبطها وتحديدا عقار الترمادول تصل الى النائب العام وبعد ذلك تستخدم كأدلة ضد المجرمين وبعدها يتم حرق هذه المواد المخدرة والتخلص منها، موضحا أن الحكومة المقالة في غزة تبذل كافة جهودها لأن تحد من انتشار مادة الترمادول وتداولها بين الفتيات والشباب عن طريق قيامها ببعض الندوات الإرشادية حول خطورة هذا الموضوع وأثاره المدمرة على المجتمع الفلسطيني.