|
النمسا ومصر تجربتان غريبتان
نشر بتاريخ: 07/07/2013 ( آخر تحديث: 10/07/2013 الساعة: 11:40 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
قلّما يتفق الفلاسفة المسلمون مع الاشتراكيين ، ولكنهم متفقون هنا ان الحرية اهم من الديموقراطية فقد فاز هتلر بالانتخابات وفاز موسوليني وليس يفوز الصالحون فقط وانما يفوز الاشرار احيانا ، اما الثقافة الغربية فلا تعترف بذلك وتدعو لاحترام النتيجة مهما كانت ولكنها امام اي امتحان عملي ترجع الى فعل ذلك فورا ، وحين فاز يورج هايدر عام 2000 برئاسة حزبه رفض الغرب ذلك ، وحين فاز في الانتخابات النمساوية عام 2005 ، قام العالم الغربي ولم يقعد وقد اجبرته الولايات المتحدة الامريكية على الاستقالة رغم انفه وهدد البيت الابيض والاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على النمسا ، فخرج الناس واجبروه على الاستقاله رغم انه فاز .... ولسبب في ذلك انه يكره اليهود ويكره اسرائيل ويتحدث عن فترة النازية بمجد كبير !!! والمفاجئة ان هايدر مات في حادث سيارة مشبوه عام 2008 رغم ان اتباعه يتهمون اسرائيل وامريكا بالوقوف وراء هذا الحادث " المفتعل " .
وفي 2006 فازت حماس بالانتخابات البرلمانية ورغم ان الانتخابات ديموقراطية لكن الادارة الامريكية والاوروبية وكندا واستراليا وغيرها رفضت النتيجة وقالت ان الديموقراطية لوحدها لا تكفي !!! وحاصرت الرئيس ابو مازن وحكومة هنية 14 شهرا . ومثل ذلك جاء محمد مرسي في تجربة ثانية مشابهة للنمسا ، ورغم انه فاز في الانتخابات الا ان افكاره لم تعجب قسم من المجتمع ما ادى الى تأزم الحال وصولا الى تدخل الجيش وانزاله عن الحكم رغم انه رئيس منتخب !!!! وانا اعتقد ، من اجل المستقبل وليس من اجل تحليل الماضي ، انه ليس ثمة خاسر من ثقافة التسامح ، واذا كان لدي ما اقوله لمنظمة التحرير رغم ما تمرّ به من وهن وضعف وارهاصات فانني اشكر الله اولا واشكر منظمة التحرير ثانيا على انها علّمتني أنا وجيلي ثقافة التسامح ، وحتى لم نعد نكره اعداءنا وانما نشفق عليهم . ففي ثقافة التسامح انت تنتصر اولا على نفسك وغضبك وانفعالاتك فتسمو روحك عاليا فيما ينحط خصومك في مستنقعات الكراهية والانتقام . واننا نضجنا ثقافيا بحيث لم نعد قادرين على كراهية احد ، وبعد 67 عاما من النكبة تجدنا لا نكره الاسرائيليين بل نحارب ثقافتهم العسكرية الانقلابية ونراقب كيف يخسرون روحهم وماذا يفعلون بأنفسهم وقد فقدوا الوعي لدرجة انهم يعتقدون حقا بأن اسرائيل واحة الديموقراطية !!! ثقافة التسامح هي التي تحتاجها البشرية ، كما تحتاجها الدول والتنظيمات ، تحتاجها مصر ويحتاجها المسيحيون والمسلمون والدروز والشركس والبوذيون والملحدون واليهود . ثقافة التسامح هي التي دفعت بياسر عرفات ان يصبح رمزا انسانيا كبيرا ، وثقافة التسامح هي التي تجعل من الاراضي الفلسطينية " المحتلة " مكانا يصلح للعيش رغم الاحتلال ورغم جرائم الاحتلال . في مصر ، ومثلها سوريا وباقي الدول العربية ، اّن الاون ان يتصالح المواطن العربي مع نفسه وان يدرك ان المستقبل للعلوم والابداعات والتطور التكنولوجي والصناعي ، وانه لا مجال لابادة الاخر ، وان الافكار المتطرفة لم تعد مقبولة على الشعوب . وفي مصر مثلما سوريا وفلسطين ، لم يعد الاقتصاد مجرد صفحة داخلية في صفحات الجريدة ، وانما هو مكوّن اساسي من مكونات الحكم الرشيد ، وان الدخل الثابت والراتب والمستوى المعيشي المحترم والنماء ليس زائدة من زوائد الحكم وانما لازمة من لوازم الحكم ، وان اول سبب في ازمة حكم الاخوان وازمة حكم مبارك هو التدهور الكبير في اقتصاد تلك البلدان ، ولو كان غير ذلك لكان الثورات بدأت في قطر والكويت والسعودية والدول الغنية . وعلى الدول التي تعاني الان ان تجهد كثيرا في تعليم الجيل القادم ثقافة التسامح وثقافة المعارضة وان يفهم الذين حكموا طويلا انهم ربما يجلسون في المعارضة طويلا . ولكن على المعارضة والسلطة ان تعملا معا من اجل تنمية اقتصاد يضمن كرامة الانسان وحريته وحرية سفره ، وان العالم لن يقبلنا طالما اننا لا نقبله . الحب بدل الكراهية . فثقافة التسامح تنتصر والراديكالية تحتضر. |