وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حرب الانترنت في قطاع غزة: بداية لظهور تيار تكفيري متشدد.. أم نزوة جماعات وأفراد يهدفون لزيادة حالة الفوضى والفلتان؟

نشر بتاريخ: 24/04/2007 ( آخر تحديث: 24/04/2007 الساعة: 13:34 )
خان يونس- معا- ابراهيم قنن- عاش قطاع غزة على مدار سنوات طويلة حرباً عسكرية وفكرية وثقافية مع الاحتلال، الذي حاول منذ احتلال القطاع عام 67 إلى يومنا هذا تغييب الصورة الحضارية والثقافية والفكرية للمجتمع الفلسطيني المحافظ، واستخدم لتنفيذ خطتة العديد من الأساليب والوسائل التي من شانها القضاء على الفلسطينيين وموروثاتهم الثقافية والأخلاقية.

وقد ناضل الفلسطينيون بكل قوتهم من اجل إفشال هذه المخططات وقد نجحوا إلى حد كبير في صد الهجمة عليهم بالرغم من حجم الإغراءات الكبيرة التي وقع الفلسطينيون تحت تأثيراتها خاصة في حقبة السبعينات والثمانينات.

ولكن حرب الثقافات والأفكار لم تتوقف عند هذا الحد من المأساة التي مارسها الاحتلال باغراءاته المتعددة، بل تعدى ذلك بكثير ليحارب الفلسطينيون أنفسهم ثقافياً وحضارياً وأخلاقياًَ، حتى وصلت هذه الحرب المستعرة إلى الشوارع والمدارس، والمؤسسات الثقافية والتعليمية ومقاهي الانترنت وغيرها, ناهيك عن التدمير الذاتي الذي يبدع فيه البعض في العديد من المجالات كالفلتان الأمني وعمليات الاختطاف وجرائم القتل المنظمة، وعمليات السطو المسلح والسرقات المنتشرة، والعصابات المنظمة والجرائم البشعة التي تنفذ تحت الغطاء العائلي والتنظيمي والإجرامي.

وكالة "معا" تلقي الضوء على ظاهرة تفجير مقاهي الانترنت ومحلات بيع أشرطة الكاسيت، وبعض المؤسسات المهتمة بالتراث الفلسطيني، وتحاور أصحاب المقاهي ومحلات الأشرطة, وعلماء الدين والساسيين لمعرفة الدوافع الحقيقية وراء عمليات التفجير.

تدشين أول عملية تدمير

سجلت التقارير الأمنية الفلسطينية، ومراكز حقوق الإنسان في سجلاتها الناصعة، تدشين أولى عمليات تدمير مقاهي الانترنت ومحلات بيع أشرطة الكاسيت الغنائية، في قلب مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، بتاريخ السادس عشر من نوفمبر تشرين الثاني في العام الماضي (2006) تعود ملكيتها للمواطن ناهض أبو رزق (40 عاماً )، لتفتح من بعدها سلسلة طويلة ومريرة من مسلسل تدمير مقاهي الانترنت في كافة مدن ومخيمات قطاع غزة، وكأنها كانت الشرارة الأولى للانطلاقة نحو التدمير الذاتي غير المبرر وفق أفعال وتصرفات أصحاب هذه الرؤى.

ويقول أبو رزق- صاحب مقى انترنت- "لا اعرف ما السبب الذي جعل هؤلاء يقومون بتدمير محلي ومحلات الآخرين، فمنذ سنوات لم تسجل علينا اي مشاكل أو شكاوى من احد, وسمعتنا طيبة بين الناس، ولا اعرف من الذي سيعوضني عن خسارتي الكبيرة والتي تقدر بـ50 ألف دولار نتيجة استهداف المقهى".

ويضيف بحرقة "بدأنا نسمع أن مقاهي الانترنت التي تستهدف تعمل على نشر ثقافة غير أخلاقية، وان بها مواد وأفلام إباحية وجنسية تؤثر على ثقافة الناس وأخلاقهم، واتساءل هل جاء احدهم إلى المحل ليرى ماذا يعرض فيه؟"، مؤكداً أن المقهى به ( فلترة ) ولا تعرض فيه أشياء تخدش الحياء، وان تساهم في انحراف الشباب أو كل من يرتاد المقهى، حيث أن مقهاه يقع في وسط المدينة ويزوره يومياً مئات الزبائن.

وأوضح أن الرواد من طلبة المدارس يأتون إلى المحل ليلعبوا برامج تسلية تلهيهم وتفرج عن وضعهم النفسي بسبب المشاكل والضغوط اليومية التي يتعرضون إليها.

وقال لماذا لا يبحث هؤلاء عن أماكن لترفيه وتسلية الأطفال بدلاً من تدمير المحلات التي يقضون بها اوقاتا تريحهم نفسياً؟.

ويؤكد ( ر. م ) صاحب أحد مقاهي الإنترنت في مدينة غزة والذي وضعت أمام باب محله عبوة ناسفة وفجرت عن بعد وأحدثت فيه أضراراً جسيمة، أن معظم رواد المقهى من الشباب ونادراً ما تعوده الفتيات من طالبات الجامعات، مشيراً إلى أن أجزاء المقهى تفصله حواجز بين الشباب والفتيات ولا يسمح بالاختلاط داخله بالمطلق إلا للعائلات التي تأتي لمحادثة أبنائهم وأقاربهم عبر الإنترنت.

ولم ينكر (ر. م) أن هناك تجاوزات لا يمكن ضبطها تحدث من بعض الشباب والفتيات ليس في محله فحسب بل في معظم مقاهي الإنترنت، حيث يقومون بتصفح مواقع إباحية خارجة عن الأخلاق والعادات والتقاليد، إلا أنه أكد بأنه دائم المراقبة على أجهزة الحاسوب لمنعها وتشفير بعض المواقع وحظرها حتى لا يتم الاطلاع عليها، ويضيف "ولكن معظم من يأتي لمركز الانترنت يأتي للعمل والتسلية فهناك العديد من الطلاب الذين يتصفحون ويطلعون على العديد من المراجع والأبحاث، كما أن هناك من يأتي للتسلية والترفية، خاصة الأطفال الذين يقومون بممارسة بعض الألعاب الخاصة بهم.

جهات ظلامية تجهل الدين

ويشير سمير زقوت، منسق وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان والمشرف على متابعة مثل هذه الإعمال، الى أن جهات ظلامية ومتطرفة تقف وراء التفجيرات التي تستهدف المؤسسات الثقافية والتراثية ومراكز الانترنت في قطاع غزة, خاصة في مناطق شمال القطاع وجنوبة.

ويوضح "أن الهدف الذي تسعى هذه الجهات إلى تحقيقه هو ترهيب وتخويف المجتمع وإعادته إلى العصور الظلامية البائسة, مؤكدا انه لا توجد جماعات دينية يمكن أن تقوم بمحاربة هذه المؤسسات خاصة مراكز الكمبيوتر، مشيراً إلى ان تنظيم (القاعدة) والذي يصنف دولياً على انه اكبر تنظيم إرهابي، يعتمد في نشر أفكاره ومعتقداته على الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، ويسخر امكانياته الهائلة من اجل محاربة الجيش الأمريكي وقوى التحالف في العراق وأفغانستان، فكيف يمكن لاي جهة تدعي قربها من هذا التنظيم أو تتبنى أفكاره بان تقوم بحرق تلك المؤسسات والمراكز؟!.

ويؤكد أن هذه الجماعات يصلها معلومات مغلوطة عن تلك المراكز التي يعتقدون انها تنشر الفساد والإباحية بين الشباب والأطفال، مشيراً الى أن معظم مستخدمي مقاهي الانترنت هم من الشباب والأطفال الفقراء وأصحاب الدخل المتدني وفي الغالب يستخدمون هذه المواقع أما للبحث العلمي خاصة طلاب الجامعات.

ويضيف زقوت "أن هناك جماعات على ما يبدو جاهلة بأمور الدين وتفسر الدين على طريقتها الخاصة ووفق ما ترتأيه مناسب لها، فتعمد إلى هذه الأساليب الظلامية وكأننا نعيش في العصور الوسطى المتخلفة".


"أبو صهيب المقدسي" ورأي الدين

بعد كل عملية تفجير لمقهي من المقاهي المنتشرة في قطاع غزة، يظهر بيان موقع باسم جماعة سيوف الحق الإسلامية والتي عرف عنها بأنها صاحبة العبوات الناسفة التي تستخدم في تنفيذ الهجوم على محلات الانترنت، حيث يتبني الهجوم على هذه المحلات واصفاً إياها "بالأوكار الشيطانية".

ويقول أمير جماعة سيوف الحق الإسلامية " أبو صهيب المقدسي" في بيانات متعددة عقب تفجير احد تلك المقاهي أو الأوكار- حسب وصفة - "لقد قمنا مراراً وتكراراً بتحذير أصحاب البؤر الفاسدة من مقاهي الإنترنت الشيطانية عبر بيانات تارة وعبر تحذيرات رسمية تارة أخرى، وقمنا بالفعل بتوجيه عدة ضربات لمجموعة من هذه الأوكار من خلال تفجيرها حفاظاً على قيمنا الأخلاقية السمحة، وحفاظاً على نشئ هذه الأمة المكلومة".

أما أبو عبد الرحمن احد المتخصصين الشرعيين فقال رداً على بيانات جماعة سيوف الحق الإسلامية:" إن مصيبة المصائب أن يتصدر للفتوى من ليس أهلا لها ولا يفهم خصائص الإسلام وتعاليمه, فهده التفجيرات لمقاهي الانترنت وغيرها طائشة وتضر بالدعوة وبصورة المتدينين, وتظهر وكأن الإسلام دين دماء وتطرف وتخريب؛ لذا ننصح هؤلاء بتعلم الإسلام الصحيح وطريق الدعوة إلى الله وأن يعودوا إلي رشدهم, كما ننصح ولاة الأمر أن يزيلوا كل ما يستفز مشاعر المسلمين وما هو مخالف للشرع".

صورة متخلفة عن الشعب الفلسطيني

ويرى الكاتب والمحلل السياسي يحيى رياح، ان ظاهرة تفجير مقاهي الانترنت وغيرها من المؤسسات الثقافية والتعليمية "جاءت نتيجة لتسرب عناصر وتنظيمات ظلامية إلى الشارع الفلسطيني وان الهدف من ظهورها هو جر الشارع الفلسطيني والمجتمع إلى الوراء وإحداث حالة من الفرقة والخلاف بدلاً من تدعيم جذور الوحدة الوطنية".

وأضاف رباح أن هذه العناصر تسعى كذلك إلى رسم صورة متخلفة ورجعية للشعب الفلسطيني لمحو الصورة المشرقة التي حققها الشعب الفلسطيني بنضالاته على مدار عقود من السنيين بتضحيات ابنائة، الشهداء والمعتقلين والمشردين.

ودعا رباح أصحاب هذا السلوك والنهج إلى التعقل والحكمة بدلاً من الغول والتطرف لان الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني.

اما وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وعضو اللجنة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، فيقول " إن جهات وفئات تهدف إلى جر الساحة الفلسطينية إلى مستنقعات الفوضى والفلتان التي لم يعد بالإمكان تحملها، هي التي تقف وراء عمليات التفجير لمقاهي الانترنت والمؤسسات الثقافية.

وحذر، من استمرار موجة التفجيرات لأنها ستؤدي إلى مزيد من الفوضى والعبث بأرواح وممتلكات المواطنين، وطالب حكومة الوحدة الوطنية ووزارة الداخلية بالإسراع في تطبيق الخطة الأمنية التي أقرتها الحكومة مؤخرا وتوفير الأمن والأمان للمواطنين.

وأضاف "أنهم يريدون إلى يعيدونا إلى عهد الطالبان والعصور المتخلفة وعلى الجميع أن يوقفهم دون تردد".