|
الشيخ يفكر بأشياء صغيرة
نشر بتاريخ: 26/07/2013 ( آخر تحديث: 29/07/2013 الساعة: 11:49 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
من العادات الجيدة في رمضان انك تتحكم في وقتك اكثر، او ان الاخرين يتركونك في شؤونك وينتبهون لشؤونهم اكثر. وفي كل يوم من شهر رمضان تواتيني الفرصة لقراءة كتاب، كتاب صائب عريقات الجديد عن "المقارنة بين سيدنا علي وروجر فيشر"، كتاب احمد رفيق عوض عن "المستوطنة السعيدة"، كتاب صالح ابو لبن عن "البيت الثالث" وهكذا.
وقد انهيت للتو من قراءة كتاب وليد الشيخ بعنوان "العجوز يفكر بأشياء صغيرة". وقد اذهلني جرأته على الذكريات وتجرؤه على الوصف حين قال بأن الفلاح يزرع شجرة التوت بجانب حفرة الامتصاص من اجل ان يدرء مكروه ويحصل على الفائدة فيحصل على الثمرة اللذيذة. فالحياة تتسع لكل الحيل والاحتمالات وغريزة البقاء قادرة على امتلاك البدائل الخلاقة. اما عن السياسة، فان ما صدر عن مجلة سياسات في عددها الجدي جدير بالاطلاع والتمحيص لا سيما ملف الانقسام بين فتح وحماس ودراسة عزام شعث التي لخّصت كل ما حدث لنا في السنوات الست الماضية. اما في الحكم فلم يعد خافيا على احد ان الذين يحكمون الشعوب هم فئات محددة منذ الاف السنين، وهي نخبة امتلكت القدرة على الحكم تاريخيا وعزّزت بقاءها منذ الاف السنين، ولا يكون الحاكم مقبولا الا منها او من خلالها. وان كان من غيرها فانه لا بد ان يرجع اليها ويطلب مساعدتها. وهذه الفئات هي : المرجعية الدينية - الشيخ الجيش والعسكر - الجنرال القصر والعائلات - المال ومهما حدث من ثورات وتغييرات وانقلابات فان اي حاكم لا يستطيع ان يحكم من دون العودة والقاء عصا الطاعة امام هؤلاء, ومهما اختلفت الفئات الثلاثة بينها فانها تعرف قواعد اللعبة ولا تستطيع تخطّيها لانها مثل قواعد الشطرنج لا تتغير ابدا وان تغير اللاعبون فانهم يخضعون لنفس القواعد. ولا يحكم سياسي في اية دولة في العالم وفي الولايات المتحدة الامريكية من دون مرجعية الكنيسة او المسجد او المعبد، ولا يحكم هذان الا برضى الجيش والعسكر عنهما والعكس صحيح. ولو نظرنا الى سوريا ومصر وهما دولتان تختلفان عن باقي الدول العربية لان وراءهما حضارة عمرها الاف السنين وتجربة حكم أعجزت الدهور. لوجدنا ان الحكم فيها لا يستقيم الا للفئات الثلاث المذكورة. ولو اراد احد ان يحكم فيهما فان عليه ان يخرج اولا من عباءة الازهر او الجيش او من بين ظهراني العائلات العريقة التي تملك الاقتصاد الكثير. وفي فلسطين لا يوجد لنا جيش لذلك كان التنظيم، فان ابناء التنظيمات يملكون حق الاولوية في الحكم، ومثلهم رجال الدين مهما اختلفوا او اختلف مذاهبهم ودياناتهم، وثالثهم العائلات العشائرية او العائلات الاقتصادية. وكل ما دون ذلك مجرد اداوت تجميل في الحكم مثل اساتذة الجامعات والنجوم والصحافيين والانصار والمهاجرين. منطق التاريخ السياسي في العالم هكذا ... ولا تختلف مصر عن غزة في اي شئ سوى في الجيش، وحتى قطر حين امتلكت مال الدنيا وما فيها لم تحكم فعلا الا حين خفضت جناح الذل للشيخ القرضاوي ومنحته الجنسية. ولم يحكم عرفات الا حين جعل من العائلات الكبيرة في فلسطين شريكا له وجعل من المؤسسات الدينية شريكا ثالثا. ان اي حكم في اية دولة عربية او في العالم لا يراعي مشاركة وموافقة المؤسسات الثلاث لا يستقر ولا يثبت، ولن يستقر ولن يثبت وستولد الانقلابات والتظاهرات والمواجهات وحتى الحرب الاهلية. اي ان المشاركة في الحكم طريق اجباري وليس اختياري. ولا يحكم بنجاح ولن يحكم بعدل اي حزب لوحده. |