وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ما هي طبيعة علاقات نتنياهو ومارتن انديك ودور كيسنجر فيها؟

نشر بتاريخ: 03/08/2013 ( آخر تحديث: 05/08/2013 الساعة: 09:39 )
بيت لحم - معا - كيف تحول مارتين انديك من دبلوماسي يهودي صاحب خبرة كبيرة مؤيد لإسرائيل وعضو في اللوبي الإسرائيلي بمنظمة الايباك إلى بساط احمر من وجهة نظر الأوساط اليمينية ؟ ما هي طبيعة علاقاته بنتنياهو ؟ كيف تأثر بوزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كسينجر؟ أسئلة كبيرة وكثيرة حاول مراسل صحيفة "معاريف " العبرية في العاصمة الأمريكية واشنطن " تساح يوكيد " الاجابة عليها في مقالة مطولة وقعها بوصف ذاته " من شخص مطلع ويعرف طبيعة الأمور وحملت عنوان " طبيعة وما هية علاقات مارتن انديك ورئيس الوزراء نتنياهو " جاء فيها:

"فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة تقريبا هي بالضبط ما قدمه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ويعتقد بان هذا ما عرضه ايضا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اهود اولمرت وهكذا بشكل أو باخر سيبدو الاتفاق النهائي في نهاية المطاف وأنا لا اعرف حتى الان كيف يمكن لحكومة يمينية برئاسة نتنياهو أن تأخذ على نفسها التزاما بتنفيذ انسحابات كبيرة من الضفة الغربية".

من المهم جدا ان نعرف ماذا يعتقد مارتن انديك وكيف ينظر إلى الأمور التي سبق له أن صرح بها خلال محاضرة ألقاها في شباط 2009 ثمانية ايام فقط بعد الانتخابات الإسرائيلية التي أعادت نتنياهو الى سدة الحكم.

باستطاعة انديك طبعا ان يصف الوضع والواقع السياسي عشية استئناف المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع بان يقول "الوضع السياسي مختلف عما كان عليه الحال قبل اربع سنوات وان اليمين الإسرائيلي لم يعد نفس اليمين وان 19 عضو كنيست تابعين لحزب " يش عتيد " وستة آخرين تابعين لحزب " تنوعاه" يسمحون لنتنياهو بالقيام بما لم يكن قادرا على القيام به قبل أربع سنوات وإذا أردتم فان هذه الأقوال تلاعب على الألفاظ ومقتضيات اللغة.

ربما فهم ايندك الذي امضى ساعات عمل في إسرائيل أكثر من أي دبلوماسي أمريكي أخر باستثناء ربما دينس روس في حينه " أثناء المحاضرة " ما فهمه اقطاب اليمين الان ولحظة واحدة بعد عودة نتنياهو للمسيرة التي هرب منها طيلة السنوات الأربعة الماضية كما يهرب من النار قال انديك " اعتقد بان نتنياهو تعلم من التجارب السابقة " وقال انديك نفسه قبل اربع سنوات " نتنياهو يفهم ويدرك بان الفشل سيقوده لمواجهة مع أكثر رئيس أمريكي له شعبية " اوباما" وان هذه المواجهة ستجبي منه ثمنا سياسيا ".

وتطرق انديك في أحاديثه وأقواله إلى منظومة العلاقات الباردة والمشوبة بعدم الثقة التي سادت في تسعينيات القرن الماضي بين نتنياهو والرئيس كلينتون ويشدد انديك على معرفته التفصيلية والقريبة لهذه القضية بصفته مشاركا دائما في اللقاءات السرية والمحادثات المغلقة أولا بصفته مستشار خاصا للرئيس لشؤون الشرق الاوسط وفي مرحلة لاحقة بصفته سفيرا للولايات المتحدة لدى تل ابيب خلال فترة حكم نتنياهو الأولى.

وكما توقع انديك عاد نتنياهو إلى العملية السياسية مجبرا صاغرا وليس من باب نيته ورغبته في التوصل لاتفاق سلام بل أيضا من باب الخوف من ازمة جديدة تضاف إلى أزمة العلاقات الإشكالية التي تربطه بالرئيس اوباما.

قال اليوت ابرمز كبير مستشاري الرئيسيين السابقين رونلد ريغان وجورج بوش ونائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في الفترة 2005-2009 في تصريح لصحيفة معاريف " من وجهة نظري اكبر مشكلة في تعيين مارتين انديك مبعوثا أمريكيا للشرق الأوسط هي علاقاته غير الجيدة مع نتنياهو ويجب علينا الاعتراف بان ادارة كلينتون حاولت التخلص من نتنياهو حيث لم تكن هناك ثقة حقيقية بين إدارة كلينتون ونتنياهو لذلك سيضطر انديك إلى بناء هذه الثقة مجددا لكنني لا اعتقد بأنهما يثقان ببعضهما بعضا في هذه المرحلة ".

من ناحيته رفض ابرمز الانضمام الى عرس السلام الذي سيمطر هذا الأسبوع على أجواء واشنطن وقال خلافا للقاعدة السائدة والقائلة " الافضل ان نحاول بدلا من الاستسلام مقدما " يمكن لما وصف هذا الأسبوع بنصر كيري أن يتبدد خلال الأشهر القادمة لان الأمر الهام والمهم هو متى وكيف تنتهي المفاوضات وهذا قد يخلق مشكلة تشبه تلك التي خلقها فشل كامب ديفيد هذا أولا أما الأمر الثاني ففي كل مرة تبدأ فيها عملية سياسية سواء في كامب ديفيد او انابوليس دون ان تحقق شيئا تحول الأمر في عيون الناس إلى ما يشبه المسخرة ويجول عملية السلام في نظر الأشخاص الى نوع من اللعبة ".

وخلافا لموجة المديح الهائلة التي أحاطت هذا الأسبوع بوزير الخارجية جون كيري لا يعتقد " ابرامز " بان ما جرى يعتبر استغلال امثل لوقت وزير خارجية امريكا وقال" انه لمن الغريب ان يوظف كيري كل هذا الوقت في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدلا من الاهتمام بالوضع السوري او بمصر تلك الأوضاع التي تشكل خطرا فوريا وعاجلا وانا فعلا مقتنع بان كيري يعتقد بان أصل كل المشاكل يكمن في علاقات إسرائيل والسلطة الفلسطينية لكن إذا نظرت إلى ما يجري في تونس وليبيا وسوريا ومصر تدرك تماما كم هو مخطيء".

كيسنجر خلفك

ظهر مارتن انيدك خلال حفل تعينه موفدا أمريكا خاصا لمفاوضات السلام بشكل مختلف عما ظهر عليه قبل أربع سنوات " قبل أربعين عشت تفاعلات حرب يوم الغفران كوني طالبا بمدينة القدس واعتقد بان تحقيق السلام ممكن ففي تلك الأيام المظلمة حظيت بمراقبة عمل كيسنجر وكيف نجح بتشكيل وتكوين وبلورة اتفاق لوقف إطلاق النار انهى الحرب ومهد الطريق للسلام بين مصر وإسرائيل " صرح انديك خلال حفل التعيين.

يمكن الافتراض ان حاشية نتنياهو ستكون مسرورة أكثر لو اختبار انديك شكل نموذجا وقدوة عن هنري كينسنجر ذاك الوزير اليهودي الذي وصف أكثر من مرة بصفات تضعه في خانة أعداء إسرائيل وزير خارجية قوي معروف بمواقفه المتصلبة اتجاه حكومات إسرائيل خاصة خلال مفاوضات كامب ديفيد والجميع يتذكر تصريحه ومقولته الشهيرة والمشهورة " لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية بل سياسة داخلية فقط" هذا الوزير الذي قال وفقا لشهادة الكثيرين خلال محادثات مغلقة " خلال عشر سنوات إسرائيل لن تكون موجودة وقائمة " ومن قال أيضا حين شغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي عام 1971 " إذا أرسل الاتحاد السوفيتي اليهود إلى أفران الغاز فان هذا لن يكون مشكلة الولايات المتحدة ربما كانت قضية إنسانية فقط ".

وينظر اليمين الإسرائيلي الذي يرى بكل من ينتقد إسرائيل معاديا للسامية لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كمن حقق وجسد المقولة اليهودية المعروفة " يهودي تحركه كراهية الذات".

والان حان دور مارتين انديك لدخول الميدان بصفته الوسيط اليهودي المناوب لكن انديك ليس كيسنجر وعلاقاته بإسرائيل عميقة ومبينة على أسس أكثر مما كان عليه حال كيسنجر فهو ابن لعائلة يهودية بريطانية ترعرع في استراليا ونال شهادة الدكتوراة بالعلاقات الدولية من الجامعة الوطنية الاسترالية أما خبرته فقد اكتسبها من خلال عمله كباحث في منظمة الايباك المؤيدة لإسرائيل في واشنطن

واستمر يعمل في منظمة الايباك التي ينظر إليها في العاصمة الأمريكية كحصان طروادة لثلاث سنوات تقريبا حين شعر بان العمل فيها تمس شخصيته وسمعته كباحث مستقل ومهم فأقام وأسس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط الذي تحول مع الزمن إلى اهم معاهد دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة لكنه وصف كقسم تابع للايباك ليس الا وصاحب مواقف مؤيدة لإسرائيل بشكل فاضح فعلى سبيل المثال وصفت صحيفة "نيويورك تايمز " المعهد بالمجموعة المؤيدة لإسرائيل فيما وصفته صحيفة التايمز بالمنظمة المؤيدة لإسرائيل بشكل واضح وجلي واقتبست الواشنطن بوست اقوال انديك من خلال تصريح نشره عام 1989 كمن يفضل وصف المعهد بالصديق إلى إسرائيل الذي يقوم بعمل مهني وموثوق فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط ".

لم يحاول انديك بشكل جدي إخفاء او تمويه هويته وشخصيته المؤيدة بشكل فاضح لإسرائيل وحتى ان أراد ذلك فلن يقدر لان علاقة المعهد بمنظمة " ايباك " كانت قوية جدا خاصة وان انديك وعددا اخر من باحثي المعهد كانوا حتى وقت قريب باحثين في منظمة ايباك مثل الباحثة واول رئيسة للمعهد " باربي فينبرغ " وهي من سيدات الجالية اليهودية الأمريكية القوية وشغلت منصب رئيسة الفيدرالية اليهودية بمدينة لوس انجلوس وهي زوجة تاجر العقارات ورئيس منظمة الايباك السابق "لاري فينبرغ وهناك ايضا 11 عضوا في إدارة المعهد في تلك الفترة شغلوا مناصب هامة ومشابهة في منظمة الايباك التي قدمت للمعهد المكاتب التي انطلق منها بداية طريقه.

ورغم ذلك نجح انديك بخلق صفة باحث مستقل في شؤون الشرق الأوسط وخبيرا متقدما بهذا الشأن من خلال البرنامج التعليمي تاريخ الشرق الأوساط السياسة الإسرائيلية" التابع لجامعة كولومبيا والمدرسة المتخصصة بالعلاقات الدولية والتي تحمل اسم " جون هوبكينس".

بعد أربع سنوات من حياته الأكاديمية في الجامعة والمدرسة سالفتي الذكر تم تعينه مستشارا خاصا للرئيس الأمريكي بيل كلينتون لشؤون الشرق الأوسط واعتبر حينها واحد من معدي السياسة الأمريكية اتجاه العراق وإيران كما تم تعينه أيضا عضوا رفيعا في طاقم السلام الأمريكي برئاسة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ورن كريستوفر وممثلا للبيت الأبيض في مؤتمر العلوم والتكنولوجيا الأمريكي الإسرائيلي وعين في نيسان 1995 سفيرا أمريكيا لدى تل أبيب واستمر بهذه المنصب عامين ونصف ليعود لتولي هذا المنصب مرة أخرى في يانير عام 2000 ستة أشهر بعد الإطاحة بنتنياهو من قبل اهود باراك ولعب انديك في تلك الفترة دورا هاما في مفاوضات كامب ديفيد التي جمعت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي اهود باراك وياسر عرفات.

الزاوية البعيدة

كان يمكن لعلاقة انديك مع إسرائيل ان تحوله بلغة القانونيين إلى " شاهد معادي" أو إذا أردت يمكن أن تضعه في موقف المرشح المرفوض مستوفي الشروط للعب دور الوسيط وذلك من زاوية تعارض المصالح ولكن في واقع السياسة الإسرائيلية فان هذا الوضع بالذات هو من يمنع ملاحقته شخصيا ويمنحه تأييدا أعمى تقريبا من قبل يهود العالم ولذا وجد انديك اليهودي السفير الأمريكي السابق ومؤسس معهد مؤيد لإسرائيل وعضو الايباك السابق يستقبل بحفاوة على يد الفلسطينيين وبمرارة وتبرم على يد الإسرائيليين.

لا تعوز معارضو انديك الذين ينظرون لكل يهودي ينتقد سياسة إسرائيل في المناطق كشخص يتحرك من كراهية الذات الأسباب والحجج لمعارضة تعينه خاصة وان انديك تحول خلال الفترة الأخيرة إلى منتقد منتظم لنتنياهو بعد قراره المصادقة على خطة البناء الاستيطاني بالقدس الشرقية قبل ثلاث سنوات.

قال انديك خلال مقابلة منحها مؤخرا لوسائل الإعلام الإسرائيلية "السؤال الكبير والهام إذا كانت إسرائيل قوة عظمى لا تحتاج حماية أمريكا وضغوطها على إيران اذا ذهبوا وواصلوا عمل ما تريدون لكن إذا كنتم بحاجة للولايات المتحدة عليكم اخذ مصالحها بعين الاعتبار ".

المخفي والمستور

"ما يجري اليوم يحدث لسبين نعلمهما بكل تأكيد وسببا ثالثا غير متفقين عليه السبب الأول هو جون كيري الذي وضع نفسه في قلب الأمور كما لم يفعل وزير خارجية اخر أو على الأقل من بين وزراء الخارجية الذين اعرفهم وعملت معهم فكري اظهر تواجدا مثيرا جدا والسبب الثاني هو عودة كيري في سلوكه إلى أيام جيمس بيكر الذي أوضح خلاله الاستعدادات لعقد مؤتمر مدريد للاطراف بأنه في حال لم تتوصل إلى اتفاق فانه سيغلق أبواب مكتبه امامها " يضع قطا ميتا على يد الباب" وتبنى كيري تكيتك بيكر حين ادرك ان أي شخص حاليا لا نتنياهو ولا ابو مازن يرغب في تحمل مسؤولية الفشل " قال " اهرون دافيد ميلر " الذي عمل مستشارا لستة وزراء خارجية امريكيين سابقين وباحثا هاما وخبيرا في شؤون الشرق الأوسط في مركز الأبحاث " فيدروا فيلسون "
.
وأضاف" السبب الثالث هو من النوع الذي لا امتلك مفهوما محددا له هل الطرفان يشعران بالخوف من توقف واختفاء عملية السلام حاليا أكثر مما شعروا به سابقا؟ وهذا الخوف نابع من أسباب خاصة بكل طرف مثلا نتنياهو لا يمكن ان يسمح لنفسه ان يختلف ويدخل في نزاع جديد مع الأمريكيين ولانه يرغب في منع الضغوط الدولية ولان الرئيس الإيراني لا يزال يشكل عاملا أساسيا في اعتباراته لذلك يرغب في مواصلة العمل مع الأمريكان في إطار عملية السلام فيما يخشى عباس من ضعفه ولان جهود إقامة الدولة لم تسفر عن شيء ولان غالبية الفلسطينيين يفضلون المفاوضات على التوجه للمحكمة الدولية ".

واعترف " ميلر" الذي لعب دورا في الاتصالات الإسرائيلية الفلسطينية خلال تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية بان ما تخفيه الصورة أكثر مما تفصح عنه وأننا لا نعرف مثلا ماذا سمع كيري من الإطراف المتفاوضة ".