وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كواكب لا تغيب: محمود قتلوه مع كتبه وناصر شهيد حي

نشر بتاريخ: 20/08/2013 ( آخر تحديث: 20/08/2013 الساعة: 19:07 )
طوباس- معا - قصت والدة الشهيد محمود محمد عليان حكاية ابنها الذي سقط مع كتبه المدرسية، فيما روى محمد العرجا قصة ابن أخته ناصر حسن، الذي استشهد بعد صراع استمر 17 عاماً، التصق به جراء التعذيب خلال اعتقاله.

وروت الأم والخال، خلال الحلقة الثالثة من برنامج "كواكب لا تغيب" التي تنظمها وزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في طوباس، مقاطع من الألم المستدام الذي يُطوّق العائلة، ولحظات استذكار الشهداء.

وقالت السبعينية زهية محمد عليان، إن ابنها لا يكاد يفارقها، بالرغم من رحيله في 5 نيسان 1991، يوم كان في الرابعة عشرة، وهو يعود من مدرسته ويحمل كتبه، حين سقط في مدخل المخيم، برصاصة أطلقها جنود الاحتلال من برج معسكر الفارعة.

تروي: كانت الدنيا العصر، ولما سمعت إطلاق النار، شعرت أن شيئا ما أصابني، وقلت الله يستر، وبعد وقت قصير، جاءت ابنة الجيران تقول لي: استشهد ابنك يا خالتي...!

هرعت الأم إلى عيادة المخيم، ولكنها لم تجد ابنها، وراحت تُلوّح لسيارات الإسعاف المارة، التي حملتها إلى نابلس، وقبل الوصول، توقفت في الباذان، لتجد سيارة الوكالة التي تحمل محمود، تعلمها بأنه فارق الحياة، بعد أن أصيب في رأسه.

أطباق ودموع!

تتابع: ولد محمود في 13 نيسان 1977، وهو الرابع بين أولادي الخمسة، وله أربع شقيقات، وكان متفوقاً في المدرسة، ويصلي معظم الأوقات في المسجد، ويذهب بعد إنهاء دروسه إلى المزارع المجاورة، ويحضر لنا الخضار، وحينما كنت أذهب إلى الشام لزيارة أهلي، كان يطلب مني إحضار نفس الهدايا التي أحضرها لأخوته الأكبر منه. وفي يوم استشهاده، طلب مني أن أطبخ له المقلوبة مع الجزر، وتأجيل البازيلاء الخضراء التي أحضرتها لنا جارتنا. وقبل استشهاده أحضر القطايف والجنبة التي يحبها؛ لأجهزها له، ووضعتها في حامل الفراش، وبعد أربعة أيام جاءت جارتنا ووجدتها قد تعفنت.

تزيد: بدأت بتجهيز طبق المقلوبة، وقشرت أول جزرتين، حتى سمعت إطلاق النار، وشعرت بأن شيئا ما قد حدث، حتى جاءت غدير ابنة الجيران، وقالت لي ما حدث لابني. واليوم لا أحب أن تدخل المقلوبة بيتنا، ولا القطايف بالجبنة، ولا زلت أحتفظ ببعض ملابسه، ولا أنسى البلوزة الزرقاء المرسوم عليها بحرة، والتي أحضرتها من سوريا واستشهد وهو يلبسها، كما طلب أن أشتري له (بوتاً) يضيء خلال المشي، ففعلت؛ لكنه لم يلبسه!

ووفق الأم المكلومة، فإنه في يوم استشهاد فلذة كبدها، رزق الجيران بمولود أسموه محمود كابني، لكنه استشهد العام الماضي أيضاً. وأطلق أبني أكرم اسم محمود على ابنه، وهو يشبهه كثيراًً.

ترسم الأم صورة لراحلها فتقول: كان أسمراني البشرة، ضعيف الصحة، وقصير شوية، وعيونه واسعة، وشعرة مجعد، وكان يحب أن يلبس زياً لا يرتديه أحد غيره.

فنان ورياضي!

فيما لا ينسى محمد صالح العرجا(79 عاماً) قصة ابن شقيقته ناصر حسن العرجا، الذي استشهد في 28 أيلول 2001، بعد صراع مع مرض خطير دام سبعة عشر عاماً. فيقول: كان شاباً وسيما، وفناناً، ولاعب كرة سلة وقدم في مركز الشباب الاجتماعي، وطموحاً، ويساعد الناس، ويحب التطوع، وسبق أن فصله الاحتلال من المدرسة بأمر عسكري؛ لنشاطه الطلابي، وفناناً رسم العديد من اللوحات، وخطه جميل.

يتابع: اعتقل العديد من المرات، أولها في آذار 1983، وبعد ذلك بعام لمدة أسبوع، ووقتها أصيب بمرض عصبي، وفي تشرين ثاني 1984، حكموا عليه بالسجن ثمانية أشهر، وأعيد اعتقاله في عام 1992، وأصيب مرتين في انتفاضة الحجارة: الأولى برصاص (دمدم) المتفجر في الظهر، والثانية برصاص مطاطي في يده اليسرى.

يُفصّل: في 4 تشرين ثاني 1986( كان عمره 20 عاماً)، كان يتمشى على الطريق المحاذي للمخيم، ومرت من أمامه دورية كانت ترافق حافلة معتقلين، فضربها بالحجارة، ونزل منها ضابط الاحتلال لاعتقاله، وحاول ضربه، إلا أنه سبقه ولكمه على وجهه، فوقع الضابط على الأرض، وصاح على جنوده الذين اعتقلوه ونكلوا به، وحكم عليه ستة أشهر، رغم مرضه. وأُعيد سجنه في آب 1988، واستمر بعدها بالعلاج والدراسة في نابلس، ليحصل على شهادة "التوجيهي"، وأعيد اعتقاله 18 يوماً أواخر عام 1992، عقب 18 يوماً من التحقيق والتعذيب، الذي كان يتكرر بعد كل احتجاز وتوقيف، وأعاد المرض الانتشار في جسده، ومع الأيام أخذ وضعه الصحي يتفاقم، حتى تعرض لنزيف حاد، ليقضي شهيداً.

ووفق الخال الذي ارتبط بعلاقة وثقة بناصر، فقد أطلق أهالي المخيم عليه(الشهيد الحي)؛ لما عاشه من ألم وتعذيب، ولا تكاد حكايته تسكن في شوارع المخيم كلها، ولا يتحدث عنه الأهالي إلا بالخير واستذكار صفاته الحميدة، وإصراره على الدراسة والنضال رغم مرضه، وقد نال دبلوم الرسم المعماري عام 1992.

قصص حرية

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن "كواكب لا تغيب" ستنتقل في الأشهر القادمة بين بلدات طوباس المختلفة ومخيمها، لإعادة رسم قصص شهداء الحرية، وتسليط الضوء على ألم غيابهم، الذي لا تطويه الأيام، وتتبع حكاياتهم الإنسانية وتجسيد أحلامهم التي اعترضها رصاص الموت، قبل اكتمالها.

وأضاف: أن البرنامج سيتطور شكلاً ومضموناً، وسيجري توثيقه بتقنيات الصورة والصوت عما قريب.

فيما قالت مسؤولة الاتحاد العام للمرأة في طوباس ليلى سعيد، إن البرنامج الشهري، يسعى إلى تكريم الشهداء وذويهم، ويقدم رسالة وفاء لعائلاتهم ووطنهم، بأنهم لن يغادروا الذاكرة، ولن ترحل صورهم ونضالاتهم لأجل الحرية، ونقل قصصهم للأجيال الجديدة.