وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لا سمعا ولا طاعة ... من ليس معنا فهو ضدنا

نشر بتاريخ: 26/08/2013 ( آخر تحديث: 29/08/2013 الساعة: 10:44 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
تنشر للمرة الثانية - د.يوسف زيدان مؤلف ومفكر مصري صدر له حتى الان 58 مؤلفا آخرها رواية الشيطان "عزازيل" والتي آثارت جلبة كبيرة لما كشفته من اسرار الكنيسة، وكتاب ( اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) الذي يبدو للوهلة الاولى ككتاب ممنوع لما يحمل من جرأة وقوة في كشف علاقة الانبياء بالسماء وعلاقة السماء بالدهماء.

حتى اكاد اقول ان زيدان من اهم وأجرأ الكتّاب المعاصرين واكثرهم ايمانا بالتاريخ الديني الى جانب انه روائي وباحث متخصص في التراث والمخطوطات، ومن لم يقرأ له رواية عزازيل واللاهوت العربي حري به ان يشعر بالندم لانه قد خسر الكثير مما يجب ان يعرفه، لانه "هيغل العرب" ومشرّع الديالكتيك الاسلامي !! ان جاز التفكير هكذا .

دعونا نلخص امامكم مفاصل اساسية من اصول العنف الديني حسبما ورد في كتابه ومما قاله الدكتور الباحث زيدان:

* ان اليهودية والمسيحية والاسلام فيما يرى من جذر ديانة واحدة ذات تجليات ثلاثة وان من سار في ركبهم مؤمن ومن لم يعتقد بايمانهم كافر او زنديق او هرطوق، وان اليهودية والمسيحية والاسلام حاربت الوثنية والاصنام، وان معظم الانبياء في منطقتنا هم من عائلة واحدة وهي عائلة ابونا ابراهيم ( وهو جد يسوع المسيح لامه)، وان جميع الاجيال من ابراهيم الى داوود اربعة عشر جيلا ومن داوود الى سبي بابل 14جيلا ومن سبي بابل الى المسيح 14 جيلا ومن المسيح الى الرسول محمد 14 جيلا.

ومن ابراهيم الى اسحق الى يعقوب الى يوسف تأسست اليهودية والقرآن يؤكد ان الانبياء من عائلة واحدة وتربطهم قرابة ، من آدم ونوح وابراهيم وآل عمران، وكذلك زكريا وهو زوج خالة السيد المسيح وقد وهب الله زكريا بعد ان شاخ ابناً نبياً ايضاً وهو يحيى ( هو نفسه يوحنا المعمدان) ثم منح العذراء ابنها المسيح وهم جميعاً من آل عمران الى جانب آل ابراهيم.

*كل دين يحث اتباعه على واجبة الاتباع وكل دين ينكر ويستنكر رأي الاخر، ثم يفعل كل دين ذلك بنفسه، فينشأ المذهب معادلا للدين فيصير الذي يختلف معك خارجا عن المذهب وبسهولة يجري اتهامه بالخروج عن العقيدة والدين . حتى صار الاختلاف المذهبي داخل الدين الواحد اعمق وبعد اثراً من اختلاف بين ديانتين. ورغم ان كثير من المذاهب منحول او منقول، ملقوط او مخلوط وغير مهذب ولا مشدّب.

* ان جذر الخلاف بين الاديان ليس عقيدة التوحيد ولا عدم الايمان بالله، وانما الاختلاف على دور الانبياء، والرسل ومهماتهم، وحول صفات الله، وان كثيرا من الامور تدخل في طور الاعتقاد والجزع فالخلاف ليس على الربوبية ولا على الرسل وانما على الخلفاء في الارض!!.

الترمذي عن الرسول محمد: ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل، واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.

* الاسلام والمسيحية اعطتا صفات لا تختلف عن الصفات التي اعطاها الفراعنة والاغريق والوثنيين (الخير- المنتقم- الرحيم- العادل- البهي- الكامل- الباهر ..الخ) الى ان جاءت اليهودية فأعطت الله صفات قاسية وعنيفة ومهلكة من وجهة نظر الرب التوراتي في سفر التكوين مثل قصة الانتقام من اهل مصر وفي قصة الطوفان، كما ان الله في التوراة يجب ان يطاع ويحب رائحة الشواء ويقلق ويترصد اعمال البشر غيرة منهم وحنقا عليهم بل تذهب اسفار توراتية لوصف الانبياء باكثر مما تتخيله، حتى انقلبت منظومة القيم رأسا على عقب فالقتل مباح باسم الرب، والزنا بالمحارم وارد الوقوع حتى في حق الانبياء، لوط زنى مع ابنتيه بعد ان اسكرتاه ونتاج ذلك انتجت احداهما جد قبيلة العموميين، وانجبت الاخرى جد المؤابيين.

وان ابراهيم استخدم زوجته للحصول على المال وادعى انها اخته، او السرقة والقتل (موسى)، او الامعان في القتل ( يهوشع بن نون)، او الاستيلاء على النساء لقتل ازواجهن ظلما (داوود) او قتل الاخوة للانفراد بالحكم ( سليمان ) او تبجح القاتل (قابيل) وصولا الى درب الالام وكيف قام بيلاطس البونطي وامر بصلب المسيح وقتله.

* اذن حاول البعض تأليه البشر والانبياء، وحاول البعض تأنيس الاله، ومن زرادشت الفارسي الى العبرانيين الى المسيحيين الى المسلمين هناك من خلط بين صفات الانس وصفات الالهة. ورغم ان بعض "الانبياء" يقولون ان الامور قد يكون لها سببا فنياً، فالاناجيل الاربعة لتلامذة المسيح جرى نقلها وترجمتها للسريانية واليونانية ولان كلمة "كريوس" باليوناني تعني السيد وتعني الرب، اعتقد المترجمون ان المسيح هو الرب مع انها باليونانية تعني السيد المسيح، وانتشرت الترجمة في اعظم 5 مدن في تاريخ المسيحية والتي تسمى مدن الله العظمى- روما- الاسكندرية- انطاكية- بيزنطية- القدس.

وانت تقرأ ليوسف زيدان تتمنى في بعض الصفحات لو انك لا تعرف او لا تريد ان تعرف كيف الخلافات بين الاتباع وبين رجال الدين انفسهم او مع السياسيين ادى الى مجازر بشعة منها:

- حين قتل الاقباط ازيوس في الاسكندرية لانه اتهم بالهرطقة قام الجنود بقتل عشرين الفا من الاقباط وبدأ العالم المسيحي يقتل نفسه.

-هنا دخل الاسلام واستفاد من الامر، وفيما فتح عمر بن الخطاب بالرفق واللين، جاء عمرو بن العاص يفتح الاسكندرية من الانباط ولكن كان عليها سور منيع فقال العاص: والله لئن ملكتها لاجعلنها مثل بيت الزانية، وفعلا فعلها واشبع السيوف من دماء اهلها حتى ارسل له الخليفة ان يكف عن اهلها.

-ثم أخطأ هرقل واحب ابنة اخيه "مرتينا" حباً جماً واراد ان يتزوج من ابنة اخيه الغنوج فرفضت الكنيسة، وانهارت المسيحية في مصر امام عمرو بن العاص وانهارت دولة الروم وتدمر وغيرها..

* في كتب المدارس لن يجد احد الا اجمل القصص من التاريخ، واجمل عبارات الدين ولكن في التاريخ انهار دماء على مذبح الصراع الديني ويكفي ان نعطي الى جانب مثال الاسكندرية وعمرو بن العاص ومعاوية وعلي، ان نذكر ما كتبه ادمون ربّاط - كاتب مسيحي معاصر- والذي نقل عن امياثوس مارسلانوس قوله: " لم ير التاريخ بهائم متوحشة اشدّ افتراسا وقساوة من المسيحيين بعضهم لبعض".

*من الواضح ان الامثلة كثيرة حول اختلاف الرؤى، واختلاف القصص، والتوراة لم تتردد في استخدام مصطلحات "جريئة" في وصف اخطاء الانبياء ومثلها قصة يهوذا التوراتي الذي زنى بزوجة ابنه وحبلت منه بتوأم، ولوط زنى بابنتيه والنبي داوود زنى بامرأة اوريا الحثي التي هي ام النبي سليمان.

*ان النصوص سواء كانت مقدسة او غير مقدسة يجب ان يكون لها محل: فلا يجوز القول ان خالد بن الوليد ذبح العرب من اهل الحيرة لانهم وقفوا الى جانب الفرس وعلى ذمة الطبري قال خالد: اضربوا اعناق الاسرى من الحيرة.

*وسنجد كل انواع القصص في التاريخ ولكن لن يستقيم الا الكلام المفيد، والشيخ الامام محمد عبده يبدو اكثر نضجاً من الجميع وهو عبقري حين قال "لنثبت الصفات التي يجوز ان يوصف بها الدين ولننف ما يجب ان ينفى عنه" وفعلا يصح القول: ان من اعتزل الباطل وقع في الحق.

*التاريخ يسيل دماً احمر، وعلى مذبح الدين والوطن استشهد العلماء ومات الادباء وذبح الابرياء... منهم العالم الجعد بن درهم وهو مؤدب الخليفة مروان بن محمد اخر ملوك بني اميه ذبحه الامير خالد القسري صبيحة عيد الاضحى وفي المسجد وامام خلق الله وفوق المنبر حين قال القسري للمصلين: ارجعوا فضحّوا تقبل الله منكم فاني مضحّ بالجعد بن درهم وذبحه تحت المنبر وسط المصلين والناس ينظرون!!.

ومن العلماء الذين ذبحوا بحجة الخلاف والاختلاف العالم الجهم بن صفوان، وقد قتله الامير رغم العهد وقال "والله لو كنت في بطني، لشققت بطني حتى اقتلك..وقتله".

اما العالم غيلان الدمشقي، فقد قتله الخليفة هشام بن عبد الملك لانه كان يغار من ثقافته وقام وقال له امام الناس مدّ يدك فمدها فقطعها وقال له مدّ رجلك ومدّها فقطعها ورموه امام منزله بالحي الدمشقي الفقير والذباب يقع بكثرة على جراحه، ومرّ احد اعوان السلطان يضحك من العالم غيلان وقال له: يا شيخ الا تعتقد ان ما حدث لك قضاء وقدر وضحك العوام فرد الشيخ غيلان: كذبت ما هذا بقضاء وقدر فسمع الخليفة واستفز حتى من الاجابة وجرّه وصلبه باب دمشق ومات مصلوبا بعدما اهين اهانات مريرة من اجهل الجاهلين.

ومثلما نكلّت الكنيسة الارثوذوكسية بالعلماء الذين اتهمتهم انهم هراطقة او مثلما فعلت الكنيسة باسياد الوثنيين وعلمائهم في مصر مثل عالمة الرياضيات الفيلسوفة هيباتيا وجرّوها في شوراع الاسكندرية وقشروا جلدها عن لحمها ودخل العالم كله بعد مقتلها ظلام دامس لخمسمئة سنة حتى جاء علماء مسلمين اعادوا للعالم هيبته.

ان كل طرف اعتقد انه الحق، واستعان بالقوة العسكرية لاذلال الاخر وايقاع الالم فيه تارة باسم الدين وتارة باسم السلطة والاتهامات الوهمية المهولة جاهزة دائما رغم انه ومن الناحية الفلسفية ان الله واحد متعال بطبيعته عن العالم المخلوق ووجود الخالق بالتأكيد مفارق تماما لوجود المخلوق وان ربوبته تكمن في انه مختلف عنا، ولكن كل حاكم اوهم نفسه ان الطاعة له لوحده.

ان المضي في ذلك لن يقود الا الى المزيد من انهار الدم مثل افغانستان وباكستان وكشمير والعراق وغزة واسرائيل و....
دائما هناك سبب للحروب والذبح حتى بين الدين الواحد مثل الصراع المرير بين مملكتي يهودا واورشليم اليهوديتين.

وزواج هرقل من ابنة اخيه واعتراض الكاردينال ويلزي وما درج عليه بعض خلفاء المسلمين في شرب الخمر حتى قيل ان يزيد من معاوية كان يجاهر في شربه وان ابنه الوليد -وهو الخليفة المقتول سنة 126 هجري- طلب ان ينصب له خيمة يشرب فيها الخمر فوق الكعبة.

وحين يتفشى العنف في المجتمع ( مثل خلاف القوميين والاخوان المسلمين) لا يعود يحتاج الى تشغيل لانه يتوالد تلقائيا ويستمر في تشغيل نفسه الى درجة لا يعود يجوز مناقشة دوافع الخلاف او مشروعيته ولا يترك حيزاً للتفاوض او حلما بعودة التوازن او ايثار الاعتزال من طرف .. ويصبح من ليس معنا فهو ضدنا فيصبح العنف تبادلياً، وينتقل الصراع بين الدين والسياسية من جدلية الى دوامة، ثم ينتقل الى داخل الجهة نفسها ومن ثم الى الخصم نفسه وتختلط الامور ويصبح المتدين سياسيا والسياسي متديناً.

وبين شبح ملكوت خلفاء الله على الارض وبين سياف السلطة السياسية اليقظ تقع الواقعة وتتعدد الاستار الوهمية حتى يصبح العام خاصاً والخاص عاماً، وتحول جماعات الدين الى اسياف سلطة، ويطمح سياف السلطة الى التدين.

والخلاصة، لا يمكن ابداً ابداً ان ينعم رجال الدين بالاستقرار من دون التشابك والكامل مع رجال السياسة، ولا يمكن لرجال السياسة ان يسودوا من دون التفاهم وتقاسم الادوار مع رجال الدين.

اما اقامة دولة لرجال الدين فقط، فسرعان ما تتحول الى جزيرة معزولة عن الحياة، والعكس صحيح.... فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة وكل دين له نصوصه ولك نص له لص يسرقه ويعمل على تحريفه لصالحه، او لصالح مشروعه...

ومن يقرأ هذا الكتاب يصل الى قناعة ان اية حكومه لا تستطيع ان تحكم بالحديد والنار وان السلطه ستكون منقوصة ولن تكتمل، ويجب على رجال الدين والسياسيين ان يتفقوا على الحكم والا فان الصراع سيستمر .

خلاصة : مفروض على الناس ان يعبدوا الله ، لا ان يستعبدوه لصالح مصالحهم .