وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رصاصة مزقت قلب "المصارع" نازك والشقيقان عماد وبكر شهداء بلا قبور"

نشر بتاريخ: 04/09/2013 ( آخر تحديث: 04/09/2013 الساعة: 19:28 )
جنين - معا - رسم إبراهيم صوافطة وزوجته حسنية حكاية استشهاد ابنهما نازك، في أول أيام انتفاضة الحجارة، فيما أعاد نايف ولطيفة بني عودة قصة سقوط ولديهما عماد وبكر قبل عشر سنوات.

واستذكروا خلال الحلقة الثالثة من برنامج" كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام والإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الراحلين وأحلامهم، والتفاصيل الأخيرة لوداعهم، وانتظار تسليم جثامين اثنين منهم.

وقال الزوجان صوافطة والدموع تشغل عيونهم: "كنا، بعد الظهر مع نازك على سطح منزلنا يوم 21 كانون أول 1987، وسمعنا عن اقتحام الجيش لطوباس، وطلبنا من ابننا أن لا يخرج من البيت، خشية على حياته، ولم نعرف كيف غادر المنزل، دون أن يتناول الغداء الذي طلبه، فقد طبخت له المقلوبة، وليس المفتول كما طلب أبوه. وبعد وقت قصير جاءنا خبره، وقال لنا الجيران وقت العصر: ابنكم نازك ورفيقه باسم استشهدوا، فأسرعنا إلى مستشفى جنين، وعرفنا هناك أن جيش الاحتلال حاول اختطاف جثمانه، إلا أن الشبان حملوه ونقلوه إلى طوباس".

أصيب نازك، صاحب الترتيب الرابع في عائلته، برصاصة استقرت في قلبه، وكان في الـ 17 من العمر، فيما أحست الأم وهي تصلي العصر، أن شيئاً ما أصاب ابنها، وعبثاً حاولت جاراتها تبديد استشهاده، والقول أن المصاب شاب آخر.

وجع

يستذكر الوالدان: "كان نازك جهم، وشعره طويل، وصحتة قوية، وكان يحمل كيس الطحين وشوال السكر على كتفه ويمشي مسافة طويلة، وكان ينام ويحلم بالمصارعة"، لكنهما يتابعان: رحل باسم قبل الأوان، ولو أنه اليوم على قيد الحياة لصار أولاده طوله. وصار طبيبا أو معلما".

حلمت الأم مرة واحدة بابنها قبل سنوات، وشاهدته يقترب من مدخل المنزل، لكنه رفض الدخول، فيما لا ينسى الأب أحزانه الحارة، فكل شيء يُذكره بابنه. غير أن نازك تسسل إلى أحلام جدته، وعاتبها على عدم زيارته لقبره، ووعدته أن تفعل إذا ما شفاها الله من أوجاعها.

تقول الأم: "احتفظت بملابسه التي استشهد فيها، وسميت ابني بعد سنتين على أسمه، لكنه لم يشبهه، وحرصت عدة سنوات على أن أوزع صحناً من طبخة المقلوبة التي أحبها، ولم أحضر الأعراس أكثر من عشر سنوات حداداً، ولا أنسى ما كان يقوله نازك للبائع عند شراء أكياس الطحين والسكر: لا أحتاج للعرباية!"
|236399|
يتألم الأب: "كان حنوناً، ووعدته أن أعلمه المصارعة، إذا ما نجح في "التوجيهي" لكنهم قتلوه وهو في الصف الثاني الثانوي، الذي خسرته، ولا استطيع نسيان مساعدته للناس، وحرصه على فعل الخير، واجتهاده في المدرسة، وما يواسينا قليلاً، أن الكثير من أهالي طوباس سموا أولادهم "نازك" و"باسم".

دموع مزدوجة

فيما يُطلق الزوجان نايف ولطيفة بني عودة، العنان لأحزانهما المزدوجة، ويقولان: رغم مرور عشر سنوات على استشهاد نايف وبكر، إلا أننا نشعر أن الجرح لا زال مفتوحاً، فنحن لم نر جثامينهما، ولا قبور لهما لزيارتها ونبكي رحيلهما، ولا ننسى ما شاهدنا يوم 13 آذار 2003، من ملابسهما المحترقة بالرصاص، والمبللة بالدم، بعدما عرّى الاحتلال الشهداء من ملابسهم بالكامل، واختطف جثامينهم.

يضيفان: "كان عماد( مواليد شتاء عام 1974)، مطارداً خلال الانتفاضة الأولى، وأبعده الاحتلال خمس سنوات إلى الأردن، وخرج قبلها من صفه السادس ليساعد والده في العمل، وفتح ملحمة في البلدة، ولكن بدأ الاحتلال بمطاردته في انتفاضة الأقصى مرة أخرى، هو وشقيقه بكر( مواليد شتاء 1988)، الذي كان يعمل في البناء والزراعة".
|236398|
يستذكران: "تعرض عماد وبكر للملاحقة من جيش الاحتلال، الذي كان يقتحم منزلنا يومياً، واحتل بعض المرات منازل الجيران، ورأينا ولدينا أخر مرة قبل أربعة أشهر من استشهادهما، وكانا يتصلان بنا بالهاتف، ويطلبان منا أن ندعو الله أن يحميهما، وان لا نحزن عليهما. وفي يوم رحيلهما، سمعنا أصوات قذائف وإطلاق نار مثل المطر، وطال الاشتباك لعدة ساعات، وظن أهالي طمون أن هناك جبهة ومعركة، استمرت حتى الفجر، واستهد فيه ثلاثة شبان مع أبنينا".

ترسم الأم( التي سقط شقيها ممدوح شهيداً في لبنان أيضاً): "كان عماد طويلا وجهماً، وإسمراني، أما بكر فطويل وضعيف وإسمراني أيضاً، وكانا يحبان ورق العنب والمنسف، وذقنا مرارة استشهادهم أكثر من مرة، في كل مرة نسمع عن تسليم جثامين، نظن أنهما بينهما، ولكن في اللحظة الأخيرة لا نرى عظامهما. ويأتي توقيت الإفراج عن الجثامين ونحن نوزع بطاقات فرح بناتنا، وحدث هذا مرتين: يوم زفاف حليمة، ووقت زواج نهى، لدرجة أننا توقفنا عن توزيع بطاقات الدعوة، وانتظرنا الأمل لندفن أولادنا، ولأخفف حزني بزيارة قبريهما".

توثيق

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن "كواكب لا تغيب" ، الذي يتنقل بين محافظات الوطن، يهدف لتوثيق قصص الشهداء، ويرسم وجع غيابهم الذي يستقر في أعماق ذويهم. وأكد أن الوزارة ستعمل في الفترة القادمة على جمع المزيد من حكايات الشهداء، بقالب يؤنسن قهرهم، وينتصر لتضحيتهم.

فيما أشارت مسؤولة الاتحاد العام للمرأة في طوباس ليلى سعيد، إلى أن البرنامج سيكرم أمهات الشهداء، ويتنقل في أرجاء المحافظة وبلداتها ومخيمها، في مهمة توثيق شهداء الشعب الفلسطيني على مدار ثورتنا الفلسطينية ضد المحتل.