وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لاجئو الفارعة يعيدون الحياة لعادات القرى المدمرة

نشر بتاريخ: 22/09/2013 ( آخر تحديث: 22/09/2013 الساعة: 22:41 )
جنين - معا - أعاد ثلاثة لاجئون الحياة إلى عادات قراهم المدمرة، الذين اقتلعوا منها عام 1948. ورسموا بالتفاصيل التقاليد التي لازمت الأفراح، والأحزان، ووداع حجاج بيت الله الحرام، والمواليد الجدد، والاحتفاء بتخريج طلبة الكتاتيب والمدارس.

واسترد أحمد صالح ابو سريس، خلال الحلقة السادسة عشرة من برنامج"ذاكرة لا تصدأ"، الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، العادات التي ارتبطت بالمواليد الجدد. وقال: كانت خديجة الشيخ سالم القابلة القانونية( الداية)، التي تشرف على النساء خلال الولادة، ثم يذهب الوالد إلى مختار القرية أديب النجمي، الذي كان بدوره يُسجلها في المحكمة الشرعية بحيفا، ولكن أغلب الأهالي لم يتابعوا، وقتها، إحضار شهادات الميلاد، لدرجة أن بعض مواليد تلك الأيام أحضرها بنفسه بعد نكسة العام، 1967!

أساطير!

ووفق أبو سريس، المولود في الكفرين عام 1938، فقد كانت نساء الكفرين يجهزن القرفة والحلاوة والخوية والكراوية، أما الرجال فيوزعون راحة الحلقوم والقطين. أما اللواتي كن يتأخرن في وضع مواليدهم، فيلجأ أهلن إلى العادات الشعبية وبعض الخرافات والأساطير، كإرسالهن إلى (عين حمد) أو وضعهن في غربال وهزهن، وتلبيسهن لزي معين.

يقول: كانت الطهور مناسبة احتفالية كبيرة، وفيها تجهز الحلوى، وتطلق الأغاني الشعبية، ويجتمع الرجال في مجالس كبيرة، وتعد الولائم بعد ذبح(العقيقة). وحين تظهر الأسنان في فم الطفل، كانوا يسلقون القمح( السليقة) ويوزعونها في أطباق على الجيران وأهالي البلدة، الذين يعيدونها بدورهم مليئة بهدية مباركة للطفل.

يستذكر أبو سريس: كان يوسف زكي يعمل منادياً، إذ يحمل الأخبار، مثل الصحافيين اليوم، إلى القرى المجاورة لإبلاغهم بالأحداث الاجتماعية، كالمواليد والأعراس وحالات الوفاة، وكان يحصل على أجر وهدايا من الأهالي.

يضيف: حين كنا نعلم بوفاة أحد سكان الكفرين، كانت الدنيا تنقلب رأساً على عقب، وبعد الجنازة وغسيل الميت الذي يتولاه الشيخ عبد الله حسن، يتكفل الجيران من غير الأقارب بإطعام عائلة المتوفي ثلاثة أيام، وبمرور أربعين يوماً يُجهزون طعام(الزلابية) والفطير عن روحه، ويستذكرون العيد الأول له. وللأسف كانت هناك عادات سلبية ترافق الموتى، مثل اللطم وحلقات النواح للنساء، وتشقيق جيويهن وتمريع شعورهن، وتعفير أنفسهن بالرماد(السكن)!

مما يستعصي على الرحيل من ذاكرة أبو سريس، كيف أن الجيران كانوا يمتنعون عن طلاء بيوتهم بالشيد(الجير)، ويؤجلون الأفراح، ويتوقفون عن طبخ بعض الأكلات كالمفتول والكعك؛ حرصاً على عدم إيذاء مشاعرهم.

أفراح الكفرين

يوالي: أما في الأفراح، فقد كانت الكلمة الأولى والأخيرة للأهل وليس للعروسين، الذين يمنع عليهم اللقاء، طوال الخطوبة، إلا في يوم الزفاف، وكان المهر لا يتجاوز المئة جنيه بين الأقارب، و150 للغرباء. وتسبق التعليلة العرس عدة ليالي( بين 3 إلى سبع ليال)، وفيها تُضاء المشاعل، وتُشعّل النيران، وتُجهز الدبكة الشعبية، وأشهر من عُرف بها محمد محمود أبو علي( أبو كمال)، وأمين أبو لبادة.

وبحسب أبو سريس، فإن العادات التي اختفت خلال الأعراس، الفاردة( وهي إحضار العروس من القرى المجاورة) على هودج( جمل) أو فرس، والالتقاء في منتصف الطريق إذا كانت العروس بدلا( نكاح شغار)، ودعوة العروس للضيافة أول ليلة في البلد في بيت أول من يُعلق منديله في عنق الفرس أو الجمل الذي يحملها. كما توقفت عادة (هدم العم) و(هدم الخال)، وهما إخضار بذلة لعم الزوجة وخالها من أهل العريس، وطريقة دفع نقوط العريس في البيت الذي كان يعزم فيه قبل ليلة الدخلة، إذ يتناوب الرجال على الوقوف، ويعلنون عن مقدار النقوط. وتوقفت عادة (طبخة الشباب)، وهي تدفع من أهل العريس لشباب القرية الذي أوصلوا قافلتها إلى مكان التقاء أهل العريس.

ينهي: كان الأهالي يعدون حفل وداع للحجاج، ويدفع الرجال نقوطاً لهم، وفي المقابل يحضر المسافر هدية من بيت الله الحرام لهم, وكانوا يسافرون إلى حيفا، ثم يركبون بالسفينية حتى ينتقلوا من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، فمكة والمدينة، ويعودون في حالة صعبة وتعب شديد. وتتشارك كل مجموعة من الجيران في هدية واحدة للحاج.

غناء بيسان

فيما تروي فتحية مصطفى شنايلة، المولودة في بيسان عام 1941، ما علق من مقاطع خلال طفولتها وحكايات أمها عن عادات مدينتها. فتقول: كانت تجري للعريس زفة، ويركب على الفرس، أما العروس فنحضرها بـ(فاردة) من القرى والمدن المجاورة، وتغني النساء: إحنا خطبنا له من بنات الأصل، وإحنا مشينا من بلد لبلد، واحنا خطبنا له من بنات الدب، ومشنا له من عرب لعرب. فيما يتساعد الأهالي في تأمين مستلزمات العرس، وتذبح الذبائح، وتطبخ مناسف الأرز واللبن، وبعضهم البرغل، وحين تعود العروس إلى أهلها في عادة(ردة الأجر)، يأخذون الكعك وأقفاض الدجاج.
||239653||
تضيف: بعد نجاح الطلاب من الصف السابع، أو ختمهم القرآن في الكتاتيب، تقام لهم التعليلة، وتغني النساء، ويوزعون الحلوى، ويستقبلون التهاني من الجيران وأهالي المدينة. وفي الأتراح، كان أهالي بيسان يعدون الطعام لأهالي الميت ثلاثة أيام، أما النساء فقد كان عندهن عادات النواح واللطم وتشقيق الجيوب.

أحزان الريحانية

فيما تقص آمنة وراد يوسف صبح، التي أبصرت النور في الريحانية عام 1940، عادات قريتها القريبة من حيفا: كان أهلنا يوزعون الملبس والحلوى، وبعد أن يسنن الولد( يمتلك الأسنان أول مرة) يجهزون السليقة( القمح المسلوق) بقدور من النحاس( طناجر كبيرة)، ويزينونه، ويوزعونه على الجيران، الذين يعيدون الطبق بهدية( نقوط). أما الداية فكانت حمدة الباميات، وكان أجرها بعض القمح أو العدس، وبعضهم كان يذبح العقيقة ويوزعها على الطهور، وفيه تعد الاحتفالات، وتأتي مُغنية من( البرامكة النّور)، وتحمل الدف، وتغني للنساء، اللواتي يحضرن الشعير، الذي يحملنه على رؤوسهن في (لجون نحاس) هدية بدل أجرها، لتأخذه لإطعام خيول جماعتها. وبسبب الجهل كان الناس يميزون كثيراً الأولاد عن البنات، ويزعلون كثيراً إذا كانت المولودة بنتاً، ويفرحون ويوزعون الحلوى للصبيان!

ووفق الراوية، فقد كانت العادات التي تعقب الموت قاسية وبعيدة عن الدين، إذ تجتمع قريبات الميت في حلقة، ويلبسن الأسود، ويمزقن ملابسهن، ويضعن الرماد فوق رؤسهن، ويبدأن بالصراخ والنواح وبالقول: "طّولي عليه بالحلقة يا قايلة، يا شاربه خط القلم بالورقة، طولي عليه يا قايلة بالنوحي، يا شاربه خط القلم باللوح....!
|239654|
تفاصيل وغياب

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف: إن "ذاكرة لا تصدأ" ستعيد في الحلقات القادمة، التي ستتطور شكلاً، رسم القرى المدمرة بتفاصيلها الصغيرة والدقيقة، في مهمة تسعى لربط الأجيال التي عاصرت النكبة بالأحفاد، الذين لا يُلمون كثيراً بقرى أجدادهم وعاداتها وأوجه حياتها المختلفة، بعيداً عن حصر النكبة في منتصف أيار كل عام، كتقليد سنوي ليس إلا.

فيما أكد نافز جوابرة من اللجنة الشعبية، أن الكثير من الشهود على جرح النكبة، قد رحلوا عن الدنيا، قبل توثيق شهاداتهم على فداحة ما تعرضوا له، ما شكل خسارة قاسية لذاكرة تأبي النسيان، وتُصر على العودة.