|
لماذا "المبادرة الاقتصادية لفلسطين؟"
نشر بتاريخ: 29/09/2013 ( آخر تحديث: 29/09/2013 الساعة: 11:32 )
توني بلير- ممثل اللجنة الرباعية- القدس
لطالما كان التخوف في فلسطين- والذي يمكن فهم الدوافع والتاريخ وراءه- من أن الاقتصاد قد يشكل بديلاً خطيراً على حساب الحل السياسي. إن هذا الفهم أدى ليس فقط إلى عدم التعامل مع الاقتصاد بجدية، بل كذلك إلى إضعاف فرص نجاح السياسة في الوقت ذاته. والشيء الخاص في هذه المبادرة في هذا التوقيت بالذات هو أنها مع التأكيد على عدم أحقيتها أو اولويتها على حساب المسار السياسي، إلا انها كذلك توضح بشكل غير قابل للشك، أن نجاح المفاوضات السياسية يجب أن يكون مدعوماً بالنمو والتنمية الاقتصادية. لا يمكن الحديث عن الاقتصاد دون السياسة، ولا يمكن تصور عملية سياسية ناجعة بالمستوى المطلوب دون اقتصاد قوي إيجابي مستدام ومزدهر. هناك دائماً داعٍ للتأكيد بأن الحل الوحيد المطروح والقابل للتطبيق هو حل الدولتين وكما يكرر المجتمع الدولي مراراً على أساس حدود عام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي، نحن نستطيع الآن أن نرى اسرائيل؛ ويجب العمل على البدء برؤية فلسطين التي لن تكون قابلة للحياة دون اقتصاد مستدام. اقتصاد يبدأ إرساء أسسه من الآن جنباً إلى جنب مع عملية سياسية ذات مصداقية، داعماً لها، موفراً الأرضية المناسبة والخصبة لاستمرارها، ومرهون بها في الوقت ذاتهكما هو الحال مع ما تم إنجازه من بناء المؤسسات والذي يجب الاستمرار في تعزيزه. إن الدولة الفلسطينية العتيدة ليست فقط حدود وخرائط ومواضيع الوضع النهائي، بل هي أيضاً مؤسسات، وحوكمة واقتصاد قوي ومستدام. إذاً، الاقتصاد مهم وحيوي للسياسية، ولكن أيضاً مهم لأبناء الشعب الفلسطيني، إذ لا يمكن تصور الحديث بإيجابية خلف الأبواب المغلقة حول قضايا الوضع النهائي، دون أن يشعر المواطن الفلسطيني بتحسن ملموس في حياته،يشمل فيما يشمل بداية الانحسار للاحتلال وتحسن وضعه المعيشي ورؤية هوية دولته المؤسساتية والاقتصادية تتبلور أمام ناظريه. تعتبر "المبادرة الاقتصادية لفلسطين" خطة طموحة تهدف إلى رفع الاقتصاد الفلسطيني استراتيجياً، حيث أنها عكست تحولاً من محاولات التغيير الجزئي والتراكمي على الأرض إلى التغيير الجذري. لقد قامت الخطة التي أعدها مكتب ممثل اللجنة الرباعية الدولية بالاعتماد على مصادره وعلى عدد من الخبرات الدولية رفيعة المستوى بتحليلٍ وافٍ ومفصل لثمانية قطاعات أساسية من الاقتصاد الفلسطيني المتكامل (بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة)، وبما يتضمن خططاً لتطبيق مثل هذا التغيير الجذري. نستطيع الخوض في الانجازات التراكمية والجزئية التي حققناها في السنوات الإخيره، منها ما كان ذو أثر كبير على المستوى الفلسطيني العام سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزّة، ومنها على مستوى هذه المحافظة أو تلك، كما نستطيع الاعتراف بإخفاقاتنا هنا وهناك. ولكن التاريخ يعلم كل صانع قرار أنه يجب أن ينظر إلى نجاحاته وإخفاقاته بشكل يستفيد منه للتطلع قدماً وللبناء عليه؛ وهنا فإن "المبادرة الاقتصادية لفلسطين" تعتبر تحولاً في التقارب، والمفهوم. حيث أنه وللمرة الأولى عبر التاريخ يتم اعتماد هذا التقارب الحديث، الشامل، الإبداعي والعام. حديث وإبداعي من حيث اعتماده على القطاع الخاص وليس على دعم القطاع العام وحده، وإبداعي كونه يدعم فلسفة تقوية القطاع الخاص الفلسطيني ليكون الرائد في رفع دعامة الاقتصاد الصحي والسليم. شامل من حيث الدور المناط للأمم والوكالات من كافة أنحاء العالم، وعام من حيث الدعم الذي تستطيع حشده من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي،. وتشمل القطاعات الثمانية الرئيسية للاستثمار والنمو الإنشاءات والإسكان (بما في ذلك التمويل والرهن العقاري الشخصي)، الزراعة، خطة شامله لجذب السياحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الطاقة، المياه والصناعات الخفيفة، ومتطلبات النهوض بهذه القطاعات تحقيقاً للأهداف الموضوع للخطة من رفع قيمة الناتج القومي المحلي (GDP) بقيمة ملموسه، وتخفيض كبير لنسبة البطالة ورفع المعدل العام لدخل الأسرة. لقد تم تشكيل ملامح المبادرة المأمول تطبيقها على مدار ثلاثة أعوام، بالتشاور مع الفلسطينيين والإسرائيليين ومجتمعي المانحين والمستثمرين الدوليين، وهي لا زالت في طور التشاور النهائي مع أن بعض الإجراءات أصبحت جاهزة الآن. وسوف تعتمد المبادرة على القطاع الخاص الفلسطيني -الصغير والكبير-، كما ستعتمد على الشركات متعددة الجنسيات. وسيتم اللجوء إلى الحكومات والمنظمات الدولية للمساعدة في الاستثمارات عبر تقديم التسهيلات مثل الضمانات والتأمينات، ولكن التركيز الأهم سيدور حول ترتيبات لقطاع الأعمال الخاصة التي تستطيع النجاح والاستمرار في عالم الأعمال والأسواق. إن رحلة تطبيق هذه المبادرة لن يكون طريقاً سلساً أو سريعاً، شأنها شأن كافة المبادرات الأساسية والجريئة والكبيرة في أي مكان في العالم. وسيتطلب التزاماً جليلاً، واضحاً لا غبار عليه من قبل حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية فلسفةً ومضموناً. سيعتمد نجاحها بشكل محتوم على تطبيق إجراءات إسرائيلية تسهيلية على نطاق كبير جداً، لا تزيل فقد العوائق المادية أمام تطبيقها، بل تكسر الحواجز النفسية أمام كافة المشككين بإمكانية نجاحها أو نجاح العملية السياسية ككل.وفي الوقت ذاته فإنها ستعتمد على خليط من تعزيز للقدرات لدى السلطة الفلسطينية، وتدفق جديد وكبير للتمويل في الاقتصاد الفلسطيني. لم يدع أحد أن طريق الحل السياسي سلس وقصير ورحلته مريحة، وبالتأكيد فلن يتفق المؤيدون مع المعارضين أو المشككين حول الطريقة أو المحتوى او الشكل، ولكن الكل يتفق على المبادئ؛ المبادئ الإنسانية الأساسية بحق أطفال جميع شعوب المنطقة بمن فيهم أطفال فلسطين وإسرائيل بالعيش بأمن وأمان، والمبادئ السياسية الأساسية المتعلقة بحقوق الشعوب بتقرير مصيرها في كنف دولهم المستقله ومجتمعاتهم التي تتفق على تحديد هويتها والإجهار بها. ونحن هنا لا ندعي ان طريق هذه المبادرة سيكون سهلاً او قصيراً، لكننا نؤمن بأن تطبيقها سيشكل عاملً تمكينياً لنجاح عملية سياسية آمن الجميع بضرورتها وحتميتها وإن اختلفوا على طريقة إنجاحها. ________________________________________________ * ممثل اللجنة الرباعية- القدس |