|
عائلات الأسرى الفلسطينيين تشق طريق الآلام وتتجرع ذل الزيارة يخففها شوقهم للقاء الأحبة خلف القضبان
نشر بتاريخ: 12/05/2007 ( آخر تحديث: 12/05/2007 الساعة: 10:58 )
نابلس- معا- كتب فؤاد الخفش (باحث متخصص في شؤون الاسرى والمحررين)
ينطلق ذوو الاسير الفلسطيني القابع في سجن من سجون الاحتلال من الساعة الثالثة فجراً ليعودوا إلى بيوتهم بعد منتصف الليل، لزيارة ابنهم القابع في سجن من سجون الاحتلال، عبر حاجز بلاستيكي سميك يحجب الرؤية بشكل كبير، ويسمعوا صوته عبر هاتف تتغير فيه ذبذبات الصوت ويتعرض للرقابة. مسافة السفر قد لا تستغرق أكثر من ساعة أو ساعتين على أبعد تقدير، لا ينامون الليل وهم يجهزون أنفسهم، لرحلة شاقة وطويلة يقضيها ذوي الأسير من حافلة لأخرى، ومن محطة للتالية ومن نقطة تفتيش إلى غيرها ، يحملون بين أيديهم بعض الحاجيات الخاصة بالمعتقل من صور لطفله الذي قد لا يكون رآه أو لحفيد رزق به ابنه الذي كبر وتزوج وهو داخل الأسر، أو لصهر لم يكتب له أن شهد عقد قرانه على ابنته الوحيدة . رحلة الزيارة أو طريق الذل كما يطيب للأهل تسميتها رحلة طويلة وشاقة، رحلة فيها من المعاناة أشكال وألوان، ولا يمكن لأحد أن يتصور ذل الزيارة أو الإهانة التي يتعرض لها أهل الأسير أثناء ذهابهم لزيارة ولدهم، في حال السماح لهم بالزيارة من الأصل. وتشترط مصلحة السجون أو جهاز المخابرات حصول أهل الأسير على تصريح زيارة خاصة، يقوم جهاز المخابرات العامة الإسرائيلية بإعطائه أو منعه، ويتم إبلاغ الصليب الأحمر بأسماء من يسمح لهم بالزيارة، ومن خلالها يسمح لذوي الأسير بالمرور عبرالحواجز الإسرائيلية المقامة على طول الخط الأخضر. وتعطى هذه التصاريح للأقارب من الدرجة الأولى الأم والأب والزوجة والإبن، وفي فترة من فترات انتفاضة الأقصى كان الأخ الشقيق لا يعتبر قريباً من الدرجة الأولى ويمنع من زيارة شقيقه ، علما أن الأعوام الأربعة من عمر انتفاضة الأقصى كانت الزيارات ممنوعة بشكل نهائي، تحت ذرائع وحجج امنية واهية. وفي كثير من الأحيان تمنع الأم أو الزوجة من زيارة أسيرهم بسبب عدم وجود أي صلة قرابة وللقارئ أن بتخيل مدى الهمجية والظلم الإسرائيلي لا صلة قرابة بين الوالدة وولدها إضافة لمدى حجم الإهانة وحجم الضغط النفسي الذي يشكله هذا الزعم الكاذب بهدف الضغط على أعصابهم. ويواجه أهالي الأسرى الفلسطينيين وجبات من الإذلال والإهانة خلال الحواجز العسكرية ، حيث يتم نقلهم من حافلة إلى أخرى وفي كل مره يتم تفتيشهم وتفتيش حاجيات أبنائهم بشكل دقيق، وفيحال العثور على شيء ما بالخطأ وهو ما تعتبره إدارة المعبر ممنوع، تقوم بإعادة كل من في الحافلة وتحرمهم من الزيارة، حيث عثر على مقص للأظافر في حقيبة أحد الأهالي فقاموا بإرجاع كل من في حافلة الزيارة وإعادتهم الى مناطقهم. وما أن يصل ذوي الأسير الى باب السجن حتى تبدأ رحلة المعاناة الحقيقية ، إذلال بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، يتم احتجاز الأهالي بغرف واسعة وبظروف لا تطيق الحيوانات الجلوس فيها حيث أن هذه الأماكن غير مجهزة لتقي حر الصيف أو مطر الشتاء ، وبعد أن يمكث الأهالي ما بين ثلاث إلى أربع ساعات في داخل هذه الغرف ، أو(الزريبة) كما يطيب لبعض الأهالي تسميتها، تبدأ المرحلة الثانية ومرحلة الشتائم ورفع الصوت، ويساقون بطريقه مهينة وبصوت عالي وصراخ في وجوههم، وفوق هذا وذاك ،يتهمون أنهم يعطلون الزيارة وأنهم يؤخرون إدارة السجن عن القيام بعملها ، كل هذا يحدث والأهل لا هم لهم إلا رؤية المعتقل، أو سماع كلمة من زوج غاب منذ ربع قرن، أو لرؤية طفل أسير، أو حتى لإحتضان أم غيبها الاحتلال وراء القضبان، ومن الممكن وبعد كل هذه الرحلة أن تقول له إدارة السجن أن المعتقل نقل أمس إلى سجن آخر ولا زيارة لكم اليوم. ويخضع الأسرى الفلسطينيون قبل الزيارة للتفتيش، وهو في كثير من الأحيان سبب حدوث مشاكل على أثرها يرفض الأسرى الخروج لزيارة ذويهم، كأسلوب للتعبير عن الرفض لسياسة الإذلال والتفتيش العاري. يساق الأهل إلى غرف ضيقه، يطلب منهم إنزال كل ملابسهم ، ليس هذا وحسب بل الأمر يتعداه مع النساء من خلال حركات التفتيش والتي تقوم بها مجندة، هدفها الأول والأساسي أن تذل من أمامها ، كثير من الأسرى الفلسطينيين يطالبون ذويهم بعدم الحضور للزيارة حتى لا يتعرضوا لمثل هذه المواقف المذلة، ولكن الشوق للقاء الأحبة وقلب الأم من شأنه أن يتحمل كل شيء مقابل أن تكحل ناظريها برؤية ولدها. بعد كل هذا التفتيش والدفع تارة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار ووجبات الشتائم يسمح لأهل الأسير برؤية المعتقلين نصف ساعة فقط تكون الدموع فيها سيدة الموقف ، وحركات الرأس هي اللغة، يتسابقون لحجز مواقف يقفون بها وغالباً ما تكون هذه الأماكن لا تتسع لكل الأهل ،في هذه القاعة محكمة المنافذ حيث لا تهوية ولا هواء ويكون الصراخ والكل يريد أن يسمع صوته لولده عبر هاتف يتنقل من الأب للأم أو للزوجة. الأوقات الجميلة تنقضي بسرعة، ونصف ساعة الزيارة لا تكفي للحديث ولا لتوصيل أخبار الأهل، لتبدأ رحلة العودة إلى البيت هذه الرحلة بعد هذا اليوم الطويل والشاق وبعد كل ما تعرض له أهل الأسير من شتائم وتفتيش وإهانة، لكي يصلوا منازلهم بعد منصف الليل. رحلة طويلة وشاقة كان من الممكن أن تكون أسهل أو حتى أن لا تكون. عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هو زهاء 11500 أسير في السجون الاسرائيلة، الأمر الذي يعني وجود 11500عائلة فلسطينية على الأقل تعاني من حرمانها من حق التواصل مع ذويهم وأقاربهم من الدرجة الأولى ناهيك عن آلاف العائلات الأخرى التي ترتبط بصلة قرابة من الدرجة الثانية. وفي الختام يجب أن يقف الصليب الأحمر الدولي عند مسؤولياته لوضع حد لمعاناة أهالي الأسرى الفلسطينيين ووضع حد لحرمان عدد كبير من ذوي الأسرى والممنوعين من الزيارة، بالإضافة الى العدد الأكبر من الأسرى أنفسهم والمحرمون من الزيارة حيث لا يعقل أن يحرم الأسير من رؤية ذويه وأقاربه سنوات طويلة. |