|
التأكيد على ضرورة الإبقاء على الميثاق الوطني والنظام الاساسي للسلطة
نشر بتاريخ: 27/10/2013 ( آخر تحديث: 27/10/2013 الساعة: 14:16 )
رام الله- معا- أكدت مجموعة من الشخصيّات القانونيّة والأكاديميّة والحقوقيّة والسياسيّة عدم الحاجة في المرحلة الراهنة إلى إقرار دستور فلسطيني مع ضرورة الإبقاء على القانون الأساسي للسلطة الفلسطينيّة، مع إمكانيّة إدخال بعض التعديلات عليه، إضافة إلى الاحتفاظ بالميثاق الوطني لمنظمة التحرير حتى لو استدعت الحاجة إجراء بعض التعديلات عليه طالما أن منظمة التحرير لم تنه دورها في تجسيد الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطيني.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة – مسارات، في مقره بمدينة البيرة، بحضور العشرات من الشخصيات القانونيّة والسياسيّة والأكاديميّة والحقوقيّة، وافتتح الورشة الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات. وقدم كل من الدكتور عاصم خليل، عميد كليّة الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، والأستاذ رشاد توام، المحاضر في القانون العام والعلوم السياسيّة في جامعة الاستقلال، عرضًا لدراستهما التي سيصدرها مركز مسارات قريبا، والمعنونة بــ"فلسطين بين دستور الدّولة والحاجة إلى ميثاق وطنيّ .. مقاربات إستراتيجيّة في النّظام السياسيّ الفلسطينيّ". وبين خليل أن فكرة "الدستور" للدولة تعود إلى العام 1988، عبر قرار بتفويض اللجنة القانونيّة في المجلس الوطني بوضع دستور للدولة، حيث قدمت اللجنة التنفيذيّة للمنظمة عددا من المسودات التي حضرتها اللجنة المكلفة، ومع الوقت تحولت هذه الفكرة إلى مسودة النظام الدستوري للمرحلة الانتقاليّة، وقد تم تداولها مع نشأة السلطة الفلسطينيّة، نتيجة اتفاقيات أوسلو التي تشير إلى تسليم أجزاء من الأرض الفلسطينيّة المحتلة إلى مجلس سلطة الحكم الذاتي. وأضاف: لقد بدا في تلك المرحلة (بداية التسعينيات) وجود تخبط في مفاهيم الوثيقة الدستوريّة المنشودة، إلى جانب الخلاف حول الحاجة إلى "الدستور"، ومدى ضرورته في حالة عدم وجود كيان سياسي ذي حدود جغرافيّة معينة لإقليمه. وقال إنه في الطريق إلى الدولة الفلسطينيّة ذات السيادة، وعقب تطور وضع التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة من كيان مراقب إلى دولة مراقب "غير عضو"، تثار جملة من الأسئلة المشروعة حول النظام الدستوري الفلسطيني القائم، والمرتقب لدولة فلسطين، ومنها: ماذا وراء الدعوة إلى وضع دستور الدولة، وما هي الأبعاد القانونيّة والسياسيّة لجدوى الدستور وما يتضمنه؟ هل الفلسطينيون بحاجة إلى دستور أم ميثاق وطني جديد أم كلاهما؟ وما هي العلاقة بين الميثاق والدستور، وبين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة في ضوء ذلك؟ وما هي تبعات وضع دستور للدولة قبل إنهاء الاحتلال؟ .. إلخ. واستكمل توام عرض الدراسة، وأشار إلى مسألة البحث في إشكاليّة أثر صدور دستور الدولة الفلسطينيّة على الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، في ضوء مدى حاجة النظام السياسي الفلسطيني لأي من هاتين الوثيقتين أو كلاهما. وفي الطريق إلى الإجابة عن هذا السؤال المركزي المركب طرحت الدراسة عددا من الأسئلة الثانويّة، سواء المتعلقة بالنظام السياسي القائم أو المرتقب لدولة فلسطين حال قيامها. وميزت الدراسة بين المؤسسات الرئيسيّة للنظام السياسي الفلسطيني، القائمة منها والحاليّة (المنظمة، السلطة، والدولة)، ووضحت أن الحاجة لأي منهما منوط بالأهداف التي قام أو سيقوم لأجلها، ومدى استنفاذها لها؛ فمنظمة التحرير الفلسطينيّة حركة تحرر وطني قامت لتمثيل الشعب الفلسطيني في كفاحه لتقرير المصير والدفاع عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، وهي بهذه الصفة استحقت الشخصيّة القانونيّة الدوليّة، وكانت أولى حركات التحرر الوطني التي تحظى بمركز المراقب في الأمم المتحدة. وبالتالي فإن قيام السلطة الفلسطينيّة كسلطة حكم ذاتي انتقالي، قاصرة الشخصيّة الدوليّة، لم يكن سوى خطوة على درب المصير بما استلزم الإبقاء على المنظمة، صاحبة الشخصيّة والحضور الدوليين. وفيما يتعلق بمنظمة التحرير، أكدت الدراسة على ضرورة تفعيلها ليس ارتباطا بأي استحقاق أو مشروع وطني آخر كالمصالحة أو رفعة التمثيل الديبلوماسي الفلسطيني، بل وحتى قيام الدولة، فإصلاح منظمة التحرير وتفعيلها، وبالتأسيس على مناط وجودها الذي لم يستنفذ بعد، مطلب ومشروع وطني قائم بحد ذاته، وإن من شأن ربطه بأية مشاريع أخرى (مهما بلغت أهميتها)، ما يترتب عليه إما تراجع عنه بفشل المشروع الآخر، أو تقديمه بصورة قائمة على فكرة المحاصصة والزبائنيّة، وبالتالي يفقد قيمته ونعود إلى مربع الإشكاليّة الأول. وأشار كل من خليل وتوام إلى أن الحاجة إلى وثيقة دستوريّة للدولة (دستور) أو المنظمة (سواء بتعديل الميثاق الوطني أو إصدار ميثاق جديد) منوط بكل مؤسسة على حدة (إرادتها وحاجتها)، وقد وضحت الدراسة أنه ليس هناك خطر من إصدار دستور الدولة على ميثاق المنظمة؛ ذلك أن مكمن الخطورة ليس بالنصوص التشريعيّة، وإنما في الممارسة. بمعنى، أن الدستور لن يؤثر على الميثاق، ولكن الدولة ستؤثر على المنظمة من خلال الممارسة التي هي بالأصل أمر طبيعي. ومع ذلك يجب أن تصاغ الأحكام الدستوريّة بشكل من شأنه أن يلجم قدر المستطاع التداخل بين المؤسستين. وبينا أنه يوجد ما يبرر قيام الفلسطينيين بالخروج عن التوجه العام بتبني دستور مكتوب وموحد. كما لا يوجد ما يمنعهم من تبني دستور حتى قبل قيام الدولة. ولا يوجد كذلك ما يمنعهم من تحضير دستور للدولة حتى قبل قيامها. إن التوجه الفلسطيني نحو تبني دستور مكتوب وموحد للدولة طبيعي و"صحي"، ولكن ما يميز الحالة الفلسطينيّة خصوصيتها بوجود منظمة التحرير (كحركة تحرر وطني لم تستنفد أغراضها) والسلطة الفلسطينيّة (كسلطة حكم ذاتي شغلت صفة القائم بأعمال الدولة)، والتشريعات الدستوريّة لكل منهما (الميثاق الوطني للمنظمة، والقانون الأساسي للسلطة). وتطرقا إلى سيناريوهات إصدار دستور الدولة، وهي سيناريوهان للحاضر: إصدار دستور الدولة الآن بالاستناد إلى رفعة التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة إلى مركز دولة مراقب، أو الإبقاء على القانون الأساسي. واعتبرا أنه لا حاجة لإصدار دستور، في ظل وجود تشريع دستوري بدرجة سمو القانون الأساسي، وسده لدور القائم بأعمال الدستور. وفي هذا السيناريو ما يثير عظيم الإشكاليّة لدى جمهور واسع ينكرون حاجة النظام السياسي القائم إلى دستور، انطلاقا من اسمه (دستور)، واعتقادهم بأن الدستور لا يصلح إلا للدول ذات السيادة وحده. وهناك سيناريوهان للمستقبل: إصدار دستور للدولة بعد قيامها على أرض الواقع، أو تطوير القانون الأساسي الحالي وتعديل اسمه إلى "القانون الأساسي لدولة فلسطين". وشددت الدراسة على إمكانيّة الإبقاء على القانون الأساسي، وتطويره حال قيام الدولة، وتعديل اسمه إلى "القانون الأساسي لدولة فلسطين"، ذلك أن العبرة ليست في التسميّة (القانون الأساسي أم الدستور)، وإنما في مرتبة سمو هذا التشريع بين بقيّة التشريعات. وأوضحت أبعاد العلاقات السياساتيّة الواقعيّة بين كل من المنظمة والسلطة والدولة، وقالت إنه على الرغم من بعض التخوفات التي تثار أحياناً حول أثر قيام الدولة على منظمة التحرير الفلسطينيّة، إلا أنه لا يوجد ما يبرر التخوف من تحضير أو تبني دستور مكتوب للسلطة الفلسطينيّة أو للدولة الفلسطينيّة على الميثاق الوطني الفلسطيني أو النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، ولا يوجد ما يبرر الخلط ما بين منظمة التحرير من جهة والدولة أو السلطة من جهة أخرى. وأشارت الدراسة إلى أن العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينيّة والدولة الفلسطينيّة متباينة من حيث مناط الوجود، وبالتالي لا يتوجب أن لا يؤثر قيام المؤسسة التاليّة (الدولة) على المؤسسة الأولى (المنظمة)، وهو ما كان موضع إشكال وتخبط في تجربة العلاقة والتفاعل بين المنظمة والسلطة، باعتبار الأخيرة نواة للدولة المفترض قيامها. وانتقدت ما ذهب إليه البعض، في معرض دعوتهم إلى "إحياء البرنامج الوطني الفلسطيني" القائم على أهداف التحرر والاستقلال، باعتبار دستور الدولة بمثابة "ميثاق وطني جديد"!؛ ذلك أن هذا الطرح يتنافى من حيث الجوهر مع الهدف الذي نادوا وننادي به (إحياء البرنامج الوطني الفلسطيني)، ومن شأنه أن يأتي بنتائج عكسيّة. وبناء على ما سبق، فإن إصدار الدستور شأن الدولة الفلسطينيّة وحدها، وفي ذات الوقت يتوجب ألا تتجاوز أحكام الدستور نطاق مناط قيام الدولة وأهدافها، ويتوجب عليه أيضا ألا يخل بمكانة منظمة التحرير الفلسطينيّة، تصريحا أو تلميحا (ضمنا). وحول العلاقة بين الدولة والسلطة الفلسطينيّة، فقيام الدولة يعني بالضرورة الإحلال مكان السلطة، مستفيدة من بنيتها التحتيّة وتجربتها في الحكم، وكذلك ميراثها في التزاماتها وواجباتها في العلاقات الدوليّة، وفقا لما يعرف بالتوارث الدولي في القانون الدولي، وتعديل تعديل التسميّة لتصبح "دولة فلسطين" بدلًا من "السلطة الفلسطينيّة"، وعلى الدولة التي ستقام أيضًا الاستفادة من تجربة السلطة والمنظمة وقدم المشاركون مداخلات أشادت باستخلاصات الدراسة، وأكدت الحاجة للإبقاء على الميثاق الوطني لمنظمة التحرير بصفتها حركة تحرر وطني لم تنجز بعد مهماتها، مع إمكانية الإبقاء على القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، مع إدخال تعديلات عليه، محذرين من أن الانجرار إلى بلورة دستور لدولة لا تزال بلا سيادة، وذات حدود غير معرفة، قد ينطوي على تنازلات فلسطينية في ظل صراع مفتوح على الحيز العام، بما فيه حدود الدولة، فضلا عن قضية اللاجئين التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية. وأكدوا الحاجة إلى استمرار التمسك بميثاق وطني يستند إلى خطاب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني أينما وجد، في إطار منظمة التحرير بصفتها الكيان المؤسساتي التمثيلي للفلسطينيين في الوطن والشتات. |