|
علي سلام يقود رياح التغيير في مدينة الناصرة
نشر بتاريخ: 01/11/2013 ( آخر تحديث: 03/11/2013 الساعة: 09:15 )
الناصرة - معا- الفوز الذي حققه المرشح المستقل علي سلام في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في مدينة الناصرة الجليلية، كان بمثابة صدمة قوية كبيرة جدا لمنافسه رامز جرايسي، الذي يمثل أكبر قوة سياسية في الوسط العربي داخل الخط الأخضر، والمتمثلة في الجبهة الديمقراطية (شيوعيون)، والتي تتولى رئاسة بلدية الناصرة منذ 38 عاما.
فمن هو علي سلام، الرجل الذي أسقط أكبر وأقوى معقل للشيوعية في الوسط العربي، ولماذا منيت الشيوعية بهزيمة موجعة أمام سلام، وهل انتصار سلام كان بمثابة بداية ربيع عربي داخل مناطق ألــ 48؟ البدايـــة في العام 1993 فكر الراحل توفيق زياد الرئيس السابق لبلدية الناصرة في إدخال شخصية وطنية مستقلة إلى قيادة البلدية، فوقع خياره على رجل الأعمال المعروف في الشارع النصراوي علي سلام، وأصبح وقتها عضوا في المجلس البلدي. وكان سلام رجلاً ديناميكيا نشيطا على الصعيد الشعبي في المجالين الاجتماعي والنقابي، لا سيما وهو يملك مصنعا يعمل فيه مئات العمال العرب، الذين يكنون له كل احترام لتعامله الانساني معهم. وبعد وفاة توفيق زياد في شهر مايو/أيار 1994 تم اختيار نائبه رامز جرايسي ليواصل مهام رئيس البلدية، وظل رئيسا لها حتى هزيمته الأخيرة قبل أيام أمام علي سلام. لقد أظهر سلام نشاطات مميزة خلال وجوده في بلدية الناصرة، وكان يحظى باحترام الجميع بسبب إخلاصه، الأمر الذي فتح له المجال ليتبوأ منصب نائب رئيس البلدية لمدة سنتين، ومنذ العام 1997 تولى منصب قائم بأعمال رئاسة البلدية، وظل في هذا المنصب حتى أقر خوض معركة رئاسة البلدية بسبب تباين في الأراء مع قيادة بلدية الناصرة، ولا سيما مع رئيسها رامز جرايسي، ممثلا عن جبهة الناصرة. قضية جامع شهاب الدين السنوات الطويلة التي تولت فيها جبهة الناصرة رئاسة البلدية، وبالتحديد سنوات التسعينيات، كان لعلي سلام اكبر فضل في إبقاء الجبهة على كرسي رئاسة البلدية، بسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها سلام في الشارع النصراوي. كادت الناصرة أن تنزلق إلى معركة طائفية في العام 1998، بسبب الخلاف على بناء مسجد شهاب الدين الذي يعتبر مسجدا قديما، وأراد مسلمو الناصرة تجديده ليصبح مسجدا حديثا، لكن رئيس البلدية رفض ذلك، وتم اتهامه من قبل مسلمي الناصرة بالعنصرية والطائفية، لعدم وجود أي مبرر يمنع مسلمي الناصرة من تجديد مسجد لهم. وبدأت المشكلة تتفاقم وقتها، بين مؤيدي رامز جرايسي وجبهته الشيوعية، وبين مؤيدي الشارع الاسلامي ممثلاً بالحركة الاسلامية (الجناح الجنوبي) التي اعتبرت ممارسات الجبهة ورئيس البلدية عملاً طائفيا ضد المسلمين، خصوصا وأن رامز ينتمي إلى الطائفة المسيحية. وبرغم كل الجهود التي تم بذلها سياسيا واجتماعيا لاسقاط الجبهة في تلك الفترة الزمنية، لاسيما أن الفترة نفسها شهدت أيضا انتخابات لرئاسة البلدية، إلا أن جبهة الناصرة تمكنت من مواصلة الاحتفاظ بكرسي الرئاسة بفضل الدعم القوي الذي يحظى به سلام في الشارع الاسلامي، حيث جند كل أنصاره لانتخاب قائمة الجبهة، وهذا ما حصل بالفعل. الخلافات وأسبابها علي سلام كان ولا يزال، يرفع شعار خدمة المواطن والعمل من أجله، لأنه كان على قناعة بأن مهمته الأساسية في بلدية الناصرة كقائم بالأعمال تتركز على حل مشاكل المواطنين ومساعدتهم. هذا الأمر دعاه إلى القيام بفتح أبواب مكتبه للمواطنين طيلة أيام العمل، لاستقبال المراجعين وأصحاب الشكاوى لمعالجة مشاكلهم. هذا الأمر، وعلى حد قول علي سلام، لم يرق لرئيس البلدية جرايسي، وطلب منه جعل يوم واحد فقط لاستقبال الجمهور، إلا أن سلام رفض ذلك بقوله: " يا زلمي إذا كان كل الأيام ما بتكفي، كيف بدي أعمل بس يوم واحد"، حسب قول سلام. كان مكتب علي سلام يعج كل يوم بالمراجعين ويقدم لهم المساعدات ويهتم بشؤونهم ويعالج كافة مشاكلهم، وظل على هذه الحال سنوات طويلة، أي طيلة فترة منصبه كقائم بأعمال، الأمر الذي أتاح له الفرصة لبناء قاعدة شعبية واسعة في الشارع النصراوي بين أفراد الطائفتين. الاستياء الشعبي من ممارسات البلدية أخذ يتفشى بين الناس، خصوصا التذمر من عدم المساواة بين المواطنين، وكثيرا ما حذر سلام قيادة البلدية من هذا الأمر، ولم يعيروا لكلامه أي انتباه. الخلافات بدأت تكبر وتنمو أكثر فأكثر بين جرايسي وسلام، وكلها كانت بسبب كيفية التعامل مع المواطنين. هذا الخلاف انتشر بين سكان مدينة الناصرة، وشعرت أحياء معينة بأنها مهملة ومهمشة كليا من جانب البلدية، وكان سلام يستقبل العديد من ممثلي هذه الأحياء، ويشكون له الاهمال المتعمد من البلدية، ويقوم علي بدوره في مناقشة هذه المواضيع مع جرايسي لكن الأخير كان يعد ويعد دون جدوى. القشة التي قصمت ظهر البعير في منتصف هذا العام اتخذ جرايسي قرارا بعدم خوضه معركة رئاسة بلدية الناصرة، وألح على قيادة جبهة الناصرة اختيار مرشح آخر لأنه تعب كثيرا، حسب قوله. وبما أن علي سلام يشغل منصب قائم بأعمال منذ 15 عاما، اعتقد بأنه الرجل الذي سيتم اختياره للترشيح لرئاسة بلدية الناصرة، لا سيما وأن له بصمات واضحة في خدمة الجبهة والمواطنين، لكن اعتقاد سلام كان خاطئا، فبدلاً من مكافأة سلام على جهوده طيلة السنوات التي أمضاها في خدم الجبهة والمواطنين، قال لسلام (حسب قوله): " بدي أستقيل أنا وياك خلي القيادة لغيرنا من الجيل القادم" لكن سلام رفض ذلك وعرف أن اللعبة أو الخدعة الكبيرة من وراء طرح جرايسي هو فقط تخطيط من الجبهة لإبعاد سلام عن الترشيح لمنصب رئاسة بلدية الناصرة، ومن هنا بدأ الخلاف القوي بشكل رسمي وعلني. هذا التصرف من قيادة الجبهة هو "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهو الذي دفع بسلام إلى خوض معركة رئاسة البلدية بقائمة خاصة به، اعتمادا على التأييد الكبير والواسع، الذي يحظى به سلام بين أهل الناصرة. قرار سلام أجبر الجبهة على رفض طلب جرايسي إعفاؤه من الترشيح، والطلب منه بترشيح نفسه مجددا لرئاسة البلدية، لأنه الوحيد، كما اعتقدت الجبهة، القادر على مواجهة سلام في المعركة الانتخابية، لكن الحقيقة شيء والاعتقاد شيء آخر. وبالرغم من أن جبهة الناصرة تدير البلدية منذ حوالي أربعة قرون ولها مكانة وسيطرة في الشارع على صعيد حزبي، كونها أكبر قوة سياسية عربية، وبالرغم من أن لها أربعة أعضاء في الكنيست، ولها مؤسسات وتملك المال، إلا أن كل ذلك لم يقف أمام تسونامي علي سلام، الذي استطاع لوحده وبدعم الشارع النصراوي إسقاط أكبر قلعة للشيوعية في الوسط العربي، حيث يعتبر هذا الانجاز التاريخي لعلي سلام في مدينة الناصرة تحولا جذرياً، ولذلك فإن رياح التغيير التي قادها سلام في الناصرة هي ربيع عربي نصراوي حقيقي. |