وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الون بن مئير: مستقبل إسرائيل في أيدي قادة متهورين لا رؤيا لهم

نشر بتاريخ: 06/11/2013 ( آخر تحديث: 06/11/2013 الساعة: 23:18 )
بيت لحم- معا- جاء في مقال أرسله اليوم الأربعاء المفاوض الإسرائيلي السابق والمحاضر حاليا في جامعة نيويورك " الون بن مئير لوكالة " معا" عبر البريد الالكتروني نضعه بين أيديكم دون تصرف من باب المعرفة والاطلاع على أراء الأخر أن الأمن الإسرائيلي لم يتحقق بضم مزيدا من الأراضي الفلسطينية أو بقوة الجيش الإسرائيلي بل بالسلام الشامل فقط .

وقال بن مئير في مقالته " إنّ أمن إسرائيل القومي هو أحد القضايا الرئيسيّة التي تجري مناقشتها في المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة الحاليّة وبالرغم من قوّة إسرائيل العسكريّة فإن شعورها بعدم الأمان مبالغ ٌ فيه، غير أنّه على الفلسطينيين ألاّ ينكروا هذا القلق المركزي المتأصّل بعمق في نفس كلّ إسرائيلي. إذن لا قوّة إسرائيل العسكريّة ولا ضمها أية أراضي فلسطينيّة في الضفّة الغربيّة ستضمن أمن إسرائيل القومي إلاّ سلام ٌ شامل".

وأضاف " إنّ تركيز إسرائيل على “الأمن” والإجراءات القاسية التي تتّبعها لتحقيق لربّما حالة منيعة من الأمن القومي تزيد من ضعف الفلسطينيين وتعمّق لديهم العداء وتعزّز المقاومة المسلّحة وكما ذكر هنري كيسنجر في كتابه “عالم مُجدّد”(A World Restored ):”الأمن المطلق لدولة ٍ ما يعني انعدام الأمن المطلق لجميع الدّول الأخرى”.

" وللأسف، هؤلاء الإسرائيليّون اللذين يؤيدون فكرة “إسرائيل الكبرى” يشبعون رغبتهم في الاستيلاء على مزيد ٍ من الأرض الفلسطينيّة بحجّة إنشاء ما يسمّى “حدود قابلة للدّفاع عنها” وهؤلاء لا يدركون أنّه ما دام السّلام ليس في متناول أيدي الفلسطينيين فإن الهدوء النسبي الذي كان مسيطرا ً على الأجواء في السنوات القليلة الماضية يحجب فقط العاصفة المتجمّعة التي ستضرب الشواطئ الإسرائيليّة بسرعة مدمّرة " قل بن مئير مضيفا لم يعد العمق الإقليمي بالاستيلاء على المزيد من الأراضي يضمن أمن إسرائيل فالمسافة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط لا تزيد عن 42 كيلو مترا ً وفي عصر تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة فإن السيطرة على مساحة أوسع من الأرض شرقي حدود عام 1967 لن يؤثّر كثيرا ً و بالأحرى لن يحدث أي فرق وهذا ما اتّضح جليّا ً عندما كانت حماس قادرة ً خلال عمليّة “عامود السّحاب” في شهر نوفمبر 2012 على إمطار إسرائيل بمئات الصواريخ وصل البعض منها ضواحي القدس وتل الربيع " الاسم الذي استخدمه الكاتب " وهرع آلاف الإسرائيليين للاختباء من الخوف في أقرب ملاجئ تحت أرضيّة".

أجل، هناك تركيز معيّن في إتباع إسرائيل سياسة ً قسريّة للأمن المطلق وهذا واضح في عدد ٍ من الطرق التي أسفرت عن نتيجة عكسيّة تماما ً ، يبرّر أمن إسرائيل القومي مصادرة أراض ٍ فلسطينيّة وتدمير البيوت والممتلكات والاعتقالات العشوائيّة وفي بعض الأحيان استخدام القوّة المفرطة وهذه جميعها لا تتماشى مع القيم اليهوديّة إنّ توسيع المستوطنات باسم الأمن القومي هو عبء بدلا ً من أن يكون مصدر قوّة أو دعامة فالبناء المتزايد بلا حدود للسياجات والأسوار التي ستحيط قريبا ً "البلد " من كلّ جانب هو تعبير ملموس للهوس أو الاستحواذ بالأمن القومي فإسرائيل تبني في الواقع سجناً لنفسها إنها تصبح تدريجياً دولة عسكرية وتنعزل أكثر فأكثر سياسياً وبدنياً عن جيرانها وعن المجتمع الدولي ففي مقابلة مع جريدة نيويورك تايمز يوم 26 ديسمبر عام 2012 وجّه " نفتالي بنيت " زعيم حزب “البيت اليهودي” ووزير الاقتصاد لنفسه سؤالاً بليغاً بقوله:”ماذا نفعل على المدى البعيد؟ لا أدري وهو من يسعى لضمّ المنطقة “ج” التي تمثّل 60% من مساحة الضفة الغربية والذي يطمح أن يصبح رئيساً للوزراء لقد أضحى مستقبل إسرائيل في أيدي مثل هؤلاء القادة المتهورين اللذين ليس لديهم أية إستراتيجية ولا رؤية ولا حتى أدنى فكرة عن مصير إسرائيل إن هم استمروا في السعي وراء التّوسع الإقليمي واستخدام القوة العسكرية لتنفيذه ".

أكّد غابي اشكينازي، الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي خلال مؤتمر عقد في تل الربيع في شهر كانون أول (ديسمبر) عام 2012 مرّة أخرى على ما يجيش في خاطر العديد من زملائه عندما قال:" يجب على إسرائيل أن تدرك حدود قوّتها وتتعاون مع القوى التي تدعم المصالح الإسرائيلية".

فإذا كان السلام مع الأمن هو الجواب، على إسرائيل أن تحرّر نفسها من وصمة عار وعبء الاحتلال وتقوّي أساس إسرائيل كدولة يهودية بإبرام اتفاقية سلام مع الفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين.

ولتهدئة مخاوف إسرائيل الأمنية المشروعة، يجب أن تعتمد أية اتفاقية للسلام على شروط معيّنة وإطار زمني محدّد لضمان التنفيذ الذي يجب أن يعتمد بدوره على إجراءات متبادلة لبناء الثقة. وهذا سيسمح بالتهدئة المتبادلة للانحرافات والنزعات والمفاهيم الانتقائية حول نوايا كل طرف واستعداده لتعزيز الثقة التي تعتبر شرطاً أساسياً لا بدّ منه لسلامٍ دائم.

الانسحاب المرحلي والتبادلية:

يستخدم المسئولون الإسرائيليون بشكلٍ عام الانسحاب من غزة في عام 2005 (والذي انتهى باستيلاء حماس على القطاع) كمبرّر لرفضهم الانسحاب الكامل من الضفة الغربية، حتى في أحوال السلام. ولكن للأسف، هذا العذر غير مقبول، فقد كان الانسحاب من غزة آنذاك متهوّراً وأحادي الجانب وبدون تنسيق مع السلطة الفلسطينية وبدون أية ترتيبات أمنية. وممكن القول أنه لو اتّبع رئيس وزراء إسرائيل السابق، آرئيل شارون، مثل هذا الإطار، لما تمكنت حماس من السيطرة على قطاع غزة اليوم.

ولمنع تكرار الانسحاب من غزة، يجب أن يكون الانسحاب من الضفة الغربية على مراحل تمتد على فترة أربعة إلى خمسة أعوام مع إطار زمني محدّد بين المرحلة والأخرى يعتمد على أساس خطوات تبادليّة معيّنة وإجراءات لبناء الثقة.

الحفاظ على تعاون أمني كامل:

استناداً إلى الخبرات والتجارب الماضية للإسرائيليين والفلسطينيين في المجال الأمني، يبقى التعاون الأمني الكامل بين الطرفين شرطاً أساسياً. فالتّقدم في هذا المجال بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يبيّن بأن التعاون الأمني الفعّال بينهما ممكن، حتى في جو من التوتر. ونجاح هذا التعاون ممكن بالتزام السلطة الفلسطينية بالسلام وباستعداد إسرائيل أن تتعاون بالكامل معها لتسهيل حركة الفلسطينيين والتنسيق بين الأمن الداخلي لكلا الطرفين وتحسين التعاون الإستخباراتي بينهما. وقد أثبت الفلسطينيون على مدى الأربعة أعوام الماضية بأنهم قادرون على حفظ الأمن وقد أطرى قادة عسكريون إسرائيليون كبار على السلطة الفلسطينية لنجاحها.

الحفاظ على قوّة ردع جديرة بالثقة:

من المسلّم به أن تحافظ إسرائيل على قوّة ردع عسكرية جديرة بالثقة تمنع الأعداء الحاليين والمستقبليين من أن يصبحوا تهديداً حقيقياً لها. وتستطيع إسرائيل والولايات المتحدة بهذا الخصوص أن يضمنا عدم قدرة أية دولة بمفردها أو اتحاد دول على التفوّق على إسرائيل عسكرياً بالحفاظ على أفضلية نوعية عسكرية لصالح إسرائيل مع ضمان أمريكا المتواصل لأمن إسرائيل. وللعلم، لم تكن إسرائيل في تاريخها أقوى عسكرياً مما هي عليه اليوم، وهذه القوة تسمح لإسرائيل بأن تخاطر وتتواصل مع الفلسطينيين في سلام بثقة تامّة. فإذا كان الفلسطينيون، كما يجادل الكثير من الإسرائيليين، لم يقبلوا أبداً بإسرائيل وتعهدوا بتدميرها، فهل هناك طريق أفضل للإسرائيليين من عرض سلامٍ عادلٍ على الفلسطينيين الآن والكشف عن موقفهم بالفعل بدلاً من موقف إسرائيل الدفاعي هذا وتوجيه اللوم لها لعرقلتها عملية السلام؟

الحدود والأمن الوطني:

لقد أيّدت جميع الإدارات الأمريكية منذ عهد الرئيس كارتر فكرة أن تكون حدود عام 1967 الخط الأساسي للمفاوضات. حتى لو قامت إسرائيل برسم حدودها النهائية، فإن هذه الحدود لن تعزّز أمن إسرائيل القومي.

لن يكون لضمّ المزيد من الأراضي، كيلومترين أو ثلاثة في عمق الضفة الغربية، أي فرق من وجهة النظر الأمنية. وأولئك الذين يشجعون فكرة “إسرائيل الكبرى” تحت قناع الأمن الوطني ومحاصرة الفلسطينيين من جميع الجهات، يزرعون بذور الصراع الدموي الأبدي، فلن يقبل الفلسطينيون أبداً بالضّم الزاحف للأراضي الوحيدة التي تبقت لهم لبناء دولة قابلة للحياة.




قوة حفظ سلام دولية:
بصرف النظر عن مدى شرعية مطالبة إسرائيل بالاحتفاظ ببعض الوحدات العسكرية على طول نهر الأردن لمنع عمليات تهريب السلاح وتسلّل إرهابيين من وادي الأردن، فمن غير المحتمل أن يقبل الفلسطينيون بذلك حيث أنهم سينظرون لذلك على أنه احتلال تحت اسم آخر.

بدلاً من ذلك، يجب تشكيل قوة حفظ سلام دولية (لربما بمشاركة إسرائيلية – فلسطينية رمزية) تحت رعاية الأمم المتحدة. ويجب حشد هذه القوة العسكرية من دول لها مصلحة حقيقية في حفظ السلام، شاملة مثلاً الأردن، المملكة العربية السعودية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

يجب تفويض هذه القوة العسكرية الفعّالة من قبل مجلس الأمن الدولي لاتخاذ أية إجراءات ضرورية للحفاظ على السلام، ولا يجوز إزالتها أو نقلها بدون قرار صريح من مجلس الأمن الدولي الذي تتمتّع فيه الولايات المتحدة بحق النقض (الفيتو).

دولة فلسطينية منزوعة السلاح:

يجب أن تكون الدولة الفلسطينية المقامة حديثاً دولة منزوعة السلاح باستثناء قوّة فعّالة من الأمن الداخلي. ومن المسلّم به أن الفلسطينيين لن يكونوا أبداً في وضعٍ يسمح لهم بتحدّي إسرائيل عسكرياً ولن تقوم أية دولة، بما في ذلك إسرائيل، بتهديد دولة فلسطينية تعيش بسلامٍ مع جيرانها.

وبدلاً من تبديد مئات الملايين من الدولارات على العتاد العسكري، من الضروري على الحكومات الفلسطينية المستقبلية أن تستجيب لمطالب الشعب بالاستثمار في التنمية الاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والمؤسسات الديمقراطية التي ستمكنهم من الافتخار والاعتزاز بمنجزاتهم والتمتع بثمار السلام.

إعادة إحياء مبادرة السلام العربية:

يجب على إسرائيل قبول أسس مبادرة السلام العربية التي طرحت لأول مرّة في عام 2002 وأعيد طرحها مرّة أخرى في عام 2007 وأن توافق على الاجتماع بممثّلي جامعة الدول العربية للبحث في فوائد هذه المبادرة، خصوصاً وأنّ جامعة الدول العربية قد وافقت الآن على تعديل بعض البنود لتلاءم الإسرائيليين. وهذا سيفتح الباب للتفاوض حول اتفاقية سلام عربية – إسرائيلية شاملة وبداية علاقات طبيعيّة مع جميع الدول العربية ثمّ امتدادها لجميع الدول الإسلامية. وهنا تجدر الإشارة إلى ما قاله رئيس الموساد السابق، مئير داغان، في شهر حزيران (يونيو) 2011 في جامعة تل الربيع:”يجب علينا تبنّي المبادرة السعوديّة، فليس لنا طريق آخر. ليس لأنّ الفلسطينيين على رأس أولويّاتي، ولكن لأنني قلق ٌ على خير وصالح إسرائيل وأريد أن أعمل كلّ ما بوسعي لضمان وجود إسرائيل”.

مظلّة أمن إقليميّــة:

يمكن للولايات المتحدة، عند التوصّل لاتفاقيّة سلام وتكون جميع الإجراءات الأمنيّة في مكانها، أن تعرض مظلّة أمنيّة على طول الخطوط التي اقترحتها وزيرة الخارجيّة السابقة، هيلاري كلينتون، في شهر يونيو (حزيران) عام 2009 والتي قد تضمّ تحت سقفها جميع دول المنطقة التي تعيش بسلام ٍ مع إسرائيل وأيضا ً مع بعضها البعض.

علاقات مباشرة من شعب لشعب:

وأخيرا ً، فإن أمن إسرائيل مرتبط بصورة ٍ لا مفرّ منها بقدرتها على صنع علاقات ٍ من شعب لشعب تستطيع من خلالها أن تخفّف من الرواسب النفسيّة الأمنيّة ما بين الطرفين. فكثير من الإسرائيليين يعتقدون بأنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين ويصرّون على أنّ الفلسطينيين من حيث الفطرة قد تعهدوا بتدمير إسرائيل. والسؤال هو على أية حال: من يستطيع أن يصنع سلاما ً على أساس الثقة لوحدها ؟

لا شيء يستطيع أن يغيّر مفاهيم كلّ من الطرفين تجاه الطرف الآخر ويعزّز الثقة بينهما أكثر من لقاءات الشّعبين بعضهما ببعض، بما في ذلك تحسين الروابط الاقتصادية والثقافيّة والعلميّة. لقد حان الوقت لتغيير صورة الإسرائيلي في أعين الفلسطيني من جندي يحمل بندقيّة لوجه ٍ بشوش. كما وحان الوقت أيضا ً بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم أن ينظروا للفلسطيني على أنه إنسان بدلا ً من نظرتهم له كإرهابي.

لا شيء مما ذكر أعلاه يدّعي ولو من بعيد بأن الفلسطينيين كانوا متفرجين أبرياء. لقد جلبوا على أنفسهم الكثير من محنتهم الحاليّة ومعاناتهم وذلك من خلال أعمال العنف ولغة التهديد في الماضي، وقد أعطوا الإسرائيليين بذلك كلّ مبرّر للشكّ وعدم الثقة بهم.

لقد شكّلت الانتفاضة الثانية – التي اندلعت في عام 2000 م وقُتل خلالها ما يزيد عن 1.000 إسرائيلي – نقطة تحوّل في الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني وعمّقت فقط عدم ثقة الإسرائيليين بالفلسطينيين. وقد تعلّم الفلسطينيّون أيضا ً على أية حال درسا ً مرّا ً وقاسيا ً حيث أنهم تكبّدوا ما يزيد عن 4.000 شهيدا، هذا إضافة ً إلى الدمار الرّهيب نتيجة العمليّات الانتقامية الإسرائيليّة.

حان الوقت لإسرائيل على أية حال أن تغيّر ديناميّة الصّراع، فالأغلبيّة العظمى من الفلسطينيين قد كيّفت نفسها للتعايش مع إسرائيل لأنها تعلم بأن إسرائيل قوّة هائلة وستبقى كذلك حاضرا ً ومستقبلا ً وقد خلقت لتبقى.

يمكن تلبية مخاوف إسرائيل الأمنية القوميّة المشروعة، ولكن ليس عن طريق جشع الاستيلاء على مزيد ٍ من أراضي الضفّة الغربيّة. فهذه هي السياسة بالذات التي تنزع الشرعيّة عن متطلبات إسرائيل الأمنية القوميّة المشروعة.".