|
"بيت ريا"..عين ماء تملأ الارض خضرة والسماء زقزقة باحلام العصافير.. وحكاية نصار راعي الاغنام الذي تحدى الاحتلال!
نشر بتاريخ: 29/05/2007 ( آخر تحديث: 29/05/2007 الساعة: 18:10 )
بيت لحم-معا-عبلة درويش- لم يتبق شيء يشغل الاحتلال غير اغنام عين ماء "بيت ريا"، لكن ذاكرة محمود نصار مملوءة باحلام العصافير على اشجار الليمون، وغفوة الاغنام تحت ظل عين الماء، وسهرة عائلته بين صفوف الاشجار التي تفنن الفلاح الاربعيني في ترتيبها، فيما يحاول الاحتلال ان يسلبه اياها، حيث ورثها من والده واجداده في قرية دير نظام قضاء مدينة رام الله".
نهار جديد : بزغ نهار يوم جديد على المواطن محمود نصار 46 عاما، اب لـ 7 اطفال، من قرية دير نظام قضاء مدينة رام الله، بأفق متميز كما العادة، ممزوج ببعض الفرح والكثير من الخوف، لا يدري ان كان الفرح سيسري في نهاره ام سيسبقه الحزن والخوف، فهذا يظهر مستقبل مواطن وعائلته، احتل المستوطنون ارضهم. نصار و قطيع الاغنام تحت هجير ايار ! بدا نهار يوم الاثنين 28 ايار،حارا جدا كأنما الشمس تزور الارض، ليخرج محمود نصار وقطيع الاغنام من منزله ليرعاها في ارضه في القرية، والبالغة مساحتها 20 دونما، قرب مستوطنة حوميش المقامة على ارض القرية. الماء والخضراء ..وطلة حسنة! حط محمود رحاله تحت احدى الشجرات، دون اختيار، لربما كان له تحت ظلالها اجمل ذكريات الطفولة، ولربما قلق عليها اكثر من غيرها، ظنه ان جلس تحتها سيحميها. خضرة وظلال وارفة يطلان فوق عيون محمود، وماء وطلة حسنة على احد اطراف الارض، ومستوطنون يهددونه بالضرب اذا ما غادر الارض وعاد الى منزله بلا رجعة. اجراس تقرع وزغاريد تصدح ! اصوات اجراس علت المكان، حيث يزين محمود اغنامه دوما بالاجراس، وزغاريد طيور خائفة فوق الاشجار، التي ما بقي للاحتلال الا الاعتداء عليها، والاشجار التي طالها نصيب من كبير خلال السنوات الاخيرة كانت اخرها اقتلاع 30 شجرة زيتون من قبل المستوطنين قبل عدة اشهر، حيث توقف عمل المواطن محمود داخل اسرائيل منذ سنوات ليتفرغ لرعي الاغنام والزراعة لا حول له ولا قوة لتربية اولاده. الدفق العذب . تدفق مياه عين الماء على ارض محمود نصار تتدفق معها فرحة اهالي القرية الذين اتخذوا من الارض منطقة استجمام لهم، ولكنك اذا ما زرت الارض تجد ضبابا خوفا كبير يستلقا على قمم الاشجار، ورائحة الارض تتسلل الى حواسك وكانها تطلب النجدة، فلقد عاشت يوما بين اناس فرحين ولكنها تعجز الان من الوصول اليهم جميعا. وخلال زيارتنا رأينا ما يسمى تربة ولكنها غريبة بعض الشيء قرب المستوطنة، ليخبرنا محمود نصار ان المستوطنين يلقون بقمامتهم على ارض القرية، التي يحميها محمود كما يحمي عرضه ويعطها من الوقت اكثر من عائلته، رغم وجود الوحوش دوما حوله وعلى اسطح البنايات، يضربون ويهددون ويقتلون البشر ويقتلعون الشجر لتنزف الارض دما من ظلمهم. دققنا النظر هناك، اذ بخيوط حاكتها الايام تشع نورا، وتبعث في النفس حرارة الشوق الى الماضي، وخوفا من قدر يسرقها، ثوب عجوز في الـ 80 من العمر تحكي لعائلات القرية قصص اجدادهم واهاليهم في قرية دير نظام وعند عين ماء "بيت ريا"، الى ان اتت الايام واحتل المستوطن ارضهم وعاث فيها فسادا وتدميرا وعاثت بنفوس الاهالي حزنا وخوفا. وتقول لنا العجوز وهي من جيران محمود نصار "شو نفسي اموت بالارض،واظل فيها، كل ولادي ضربهم الجنود والمستوطنون"، . يسرح محمود ونحن نحاكيه وتنتابه حيرة من الاحتلال الذي يهدده بمصادرة ارضه ويمنعه من وصولها، حيث يعيش محمود وعائلته من رزق الارض ورعي الاغنام، اعتدى عليهم جنود الاحتلال والمستوطنون عدة مرات، كان اخرها يوم امس الاثنين حيث خرج المستوطنون على محمود واخذوا يصرخون عليه وطردوه واغنامه من الارض لياتي جنود ليقتادوه الى جهة غير معلومة عدة ساعات ويجبروه على التعهد بعدم دخول الارض مرة اخرى. امير محمود نصار يتابع تعليمه الالزامي ولكنه خائف من ان يحرمه الاحتلال دخول الجامعة، فوالده ليس له دخل سوى الارض والاغنام، ويقول :"نفسي اتعلم واشتغل واساعد ابوي، وبكون خايف عليه دايما من المستوطنين". لا اعلم ماذا سأفعل، قال محمود، اخطط لتعليم ابني امير في الجامعة، ولكن هل ساحقق له حلمه، وهل ساستطيع توفير لقمة العيش لعائلتي، قال لنا، واردف " لن استسلم لهم فهذه ارضي وارض اجدادي وعلى جثتي ساتركها". محمود ..يا انا يا حومش ! هناك، رائحة الارض ممزوجة برائحة الاحتلال وعدوانه، فلم تعد تتذكر الرائحة الحقيقية، وتشتاق لفرحة في زغاريد العصافير، وبهجة على وجوه الاطفال، الذين قتل الاحتلال سعادتهم، فالليل والنهار على ارض دير نظام سواسية، كلاهما وحدة وظلمة وخوف، ومحمود نصار مصر على البقاء، مناديا دوما "يا انا يا مستوطنة حوميش"، ولكن من سيبقى ومن سيرحل، سؤال نتركه للايام القادمة. |