وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تقرير فلسطين للدراسات: يرصد اتفاقية قناة البحرين وأبعادها الاستراتيجية

نشر بتاريخ: 18/12/2013 ( آخر تحديث: 18/12/2013 الساعة: 17:14 )
بيت لحم- معا- أكد مختصون ومحللون سياسيون وأمنيون أن مشروع " تقاسم المياه" الناتج عن ربط البحر الاحمر بالميت، التي وقعها ممثلو إسرائيل والأردن وفلسطين بمقر البنك الدولي بواشنطن، أنه مشروع يحقق للطرف الإسرائيلي العديد من المكاسب الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهو عبارة عن ترسيم لحدود دولة إسرائيل المزعومة.

لقد أثر مشروع البحرين جملة من التساؤلات حول علاقة الفلسطينيين بها، ومدى تأثيرها على حقوقهم المائية في إطار الحل النهائي، وهي قضية تحاول إسرائيل الالتفاف عليها، في الوقت الذي تكاد تنهار فيه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مما دفع معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية لمناقشة هذه الاتفاقية من خلال عقد ندوة بعنوان "اتفاقية قناة البحرين وأبعادها الإستراتيجية" من أجل تسليط الضوء علي ثلاث أبعاد للمشروع البعد الأمني الاستراتيجي للمشروع وتحدث به الدكتور ناجي البطة المتخصص في الشؤون الصهيونية، والبعد الجيوسياسي للمشروع وتناوله الدكتورة ابراهيم حبيب أستاذ الأمن القومي، والبعد الاقتصادي وتحدث به الدكتور محمد مقداد الخبير الاقتصادي.

الحلم القديم الجديد

أن فكرة ربط البحر الأحمر بالميت هي فكرة وحلم اسرائيلي قديم جديد، حيث يتضح ذلك من خلال ما كتب الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل في كتابه " الأرض الموعودة "، وإن كان بشكل مختلف، ونشره عام 1902، حين تحدث عن قناة لوصل البحر المتوسط (من هاديرا) بالبحر الميت، حين قال: "فعلا سيكون هذا مشهداً رائعاً للغاية "ويدرك الكثيرون أن هذا المشروع كان أحد أحلام هرتزل، واليوم يتم طرح هذا الحلم في عام 2013 من قبل الكيان الاسرائيلي الذي يتحدث عن فكرة شق قناة بين البحر الأحمر والميت ليتم تزويد البحر الميت بالمياه حتى تساهم في تعلية منسوب البحر الميت وانقاذه من الجفاف.
فالفكرة إذن ليست جديدة وليست لمجرد إنقاذ البحر الميت من الجفاف، بقدر ما هي طريق مائي بدل من قناة السويس وفكرة للهيمنة والسيطرة على طريق التجارة العالمية ليكون مركزها إسرائيل، فهي فكرة اقتصادية سياسية لها أثار بيئية محتملة إيجابية أو سلبية، وتأكيد ذلك أن اسمها بالعبرية قناة البحار.
البعد الامني الاستراتيجي

أوضح الدكتور ناجي البطة أن هدف اسرائيل من هذا المشروع حصولها على المياه بالمجان بموجب هذا المشروع لتبريد مفاعلاتها النووية الجديدة التي تنوي إقامتها في النقب، حيث تنوي إسرائيل إقامة مفاعل في هذه المنطقة بعد أن بلغ مفاعل ديمونة سن "الشيخوخة" وتعدّى العمر الافتراضي (20 سنة) ليصل إلى 34 سنة.
وأشار الدكتور ناجي أنه في بداية تشغيله عام 1963 حدثت به تشققات وتسرب إشعاعي أصاب أكثر من 120 عاملا في المفاعل بأمراض سرطانية، وأعلنت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي أنهم رفعوا دعاوى قضائية ضد حكومة إسرائيل مطالبين برغم الواجهة البراقة لهذا المشروع فإن تجاهل إسرائيل حقائق علمية واضحة تطلق علامات استفهام كبيرة حول تمسكها بمشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، بدلا من نقل مياه البحر المتوسط إليه.
وأشار البطة لهذه الحقائق العلمية ومنها أن نقل مياه البحر المتوسط أكثر جدوى وأوفر اقتصاديا ومتوسط درجة الملوحة في البحر المتوسط 25 جراماً في اللتر، بينما تبلغ ملوحة مياه البحر الأحمر 42 جراماً في اللتر أي أن ملوحة البحر الأحمر تزيد 72 في المائة على ملوحة البحر المتوسط، فلماذا تصر إسرائيل على تحلية المياه الأكثر ملوحة إذا كان الهدف هو تخفيض درجة ملوحة البحر الميت
كما يعتقد أن إسرائيل ربما تلجأ إلى إغراق مساحات واسعة في غور الأردن إذا ما تعرضت لخطرٍ عربي وجعل البحر الميت بحيرة مائية كبيرة تمنع دخول أي جيش قادم من الشرق إلا عبر عملية برمائية معقدة.

البعد الجيوسياسي

لفت الدكتور إبراهيم حبيب أستاذ الأمن القومي أن طول القناة يبلغ 180 كم من خليج العقبة وحتى جنوب البحر الميت, وتتكون من أنفاق وأقنية ومواسير و تنقسم التفاصيل الإنشائية للمشروع إلى ثلاثة أقسام هي بناء خط أنابيب طوله 180كم على الجانب الأردني مكون من أنفاق وأقنية ومواسير مختلفة الأحجام والأقطار.

وتابع حبيب بأنه سوف يتم رفع المياه إلى هذا الخط من محطة الضخ على ارتفاع 125م وهو مستوى ارتفاع الأنابيب ولتنساب بعد ذلك المياه في الأنابيب بشكل طبيعي حتى تصل إلى شاطئ البحر الميت الجنوبي على ارتفاع 107م فوق مستوى سطح البحر، بالإضافة لإنشاء محطة التحلية بقدرة استيعابية 850 مليون م3 سنويا, وإنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية للاستفادة من الارتفاع الشاهق لسقوط المياه والبالغ 507 م,
وذكر الدكتور حبيب في حالة حدوث تغيرات سياسية وإقليمية في المنطقة بعد تنفيذ المشروع سيكون بمقدور إسرائيل السيطرة على مقومات المشروع ومنشآته ومن ثم وقف تزويد الأردن والفلسطينيين بالمياه مما سيخلق أزمة حقيقية للدولتين ويعطي إسرائيل قوة كبيرة في يدها للابتزاز السياسي لأطراف الاتفاق.
البعد الاقتصادي

بين الدكتور محمد مقداد أستاذ الاقتصاد بأن قد قدرت التكلفة النهائية للمشروع حسب الدراسة الإسرائيلية بحوالي (5) مليار دولار أمريكي بأسعار عام 1996م, منها مليار واحد على شكل منحة من البنك الدولي والحكومة الايطالية, والباقي على شكل استثمارات وديون.

ويرى الدكتور مقداد أن التكلفة الإجمالية للمشروع عالية جداً، حيث يتوقع أن تصل إلى خمسة مليارات دولار، وهذا مبلغ كبير خصوصاً إذ ما أُعطي للدول المشاركة على هيئة قروض مما سيؤدي إلى زيادة المديونية على الأردن والسلطة الفلسطينية.

ودعا مقداد الجهات المسئولة في مصر أن تكون في منتهى اليقظة للآثار السلبية الأمنية والاقتصادية لهذا المشروع على مصر وأمنها القومي بأبعاده الشاملة، خاصة في المدى البعيد، ويجب ألا تتوقف عند المقولة السائدة حالياً بين الجهات المعنية في مصر بأن هذا المشروع لا يشكل تهديداً حاليا لقناة السويس.
لأن مسائل الأمن القومي لأي دولة لا ترتبط بما هو واقع أو متوقع من تهديدات في المستقبل المنظور فقط، بل يجب استشراف التهديدات التي ستقع في المستقبل البعيد من مشروعات معادية يبدأ تنفيذها حاليا أو في المستقبل القريب.