وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عثمان ابو غربية يخص معا بمقالة - العالم ليس امريكا

نشر بتاريخ: 19/12/2013 ( آخر تحديث: 19/12/2013 الساعة: 22:06 )
عثمان ابو غربية يخص معا بمقالة - العالم ليس امريكا
الف السيد زيبيغوني بيرجنسكي احد مستشاري الامن القومي السابقين في الولايات المتحدة كتابه على رقعه الشطرنج الكبرى في الثمانينات من القرن الماضي، وبقدر ما كان الكتاب محترفاً ضمن قوانين الجيو استراتيجيا فقد عبّر عن التطلعات الامريكية للهيمنة المطلقة على العالم والوصول الى احادية القطبية الدائمة واعتبارها للقوى المؤهلة للعب دور عالمي قوى منازعة وتستحق مقاومة سياستها وبرامجها الخاصة بها لتطوير قواتها وتنمية ذاتها والحفاظ على مجالها الحيوي.

اعتبر السيد بيرجنيسكي أن هناك خمسة قوى لديها مقومات بمقدار ما لهذا الدور، وهي : روسيا، واوروبا المتحدة، والصين، واليابان. وقد عبر بشكل مباشر وغير مباشرعن ضرورةمعالجة فرص كل منها مستعرضاً بدقة متناهية نقاط القوة ونقاط الضعف أمام فرصة كل طرف منها.

وقد تمكنت الولايات المتحدة من فكفكة عرى المحاولات الواعدة لمتحد اوروبي محوره: باريس – برلين، عندما نأت، برطانيا بنفسها وبقيت في فلك التوجهات الأمريكية من الأصل، وعندما تمكنت الولايات المتحدة من استقطاب دول اوروبية هامة من الصف الثاني اضافة للدول المستقطبة اصلاً من شرق اوروبا، ونجحت في الدعم الخفي لتغيرات داخلية في كل من فرنسا والمانيا، وقد سقط الحلم الديغولي.

وكانت أعباء الهند أكبر من قدرتها على التحليق، والقاعده الجغرافيه والبشرية والجيو سياسية لليابان وحتى العسكرية اضعف من حجم النهوض في هذا المستوى. وتم تحييد قوة روسيا في الإطار الدولي. كما تم التعامل بحذر شديد مع التقدم الصيني الكاسح في مقابل حذر الصين من خطوط التماس الحيوية للولايات المتحدة.

لم يكن ذلك قدر العالم فقد تدخل عاملان أساسيان: الأول وهو الأزمات ،سواء لاقتصاد السوق بقيادة الولايات المتحدة، أو في إطار التورط في مستنقعات أمن عالمية.

والثاني وهو نجاح محاولات التقدم وعدم التخلي عن المكانة العالمية في الصين وروسيا، وخاصةً بعد التحدي الأخير من قبل السيد بوتين في موضوع سوريا، وأتباعه نهج استخدام أوراق القوة في الإطار العالمي مدفوعاً بتحديات من أهمها نصب شبكة الصواريخ شرق ووسط اوروبا وتركيا، وإيغال الولايات المتحدة في العمل لانكفاء روسيا حتى الدفع لانكفاء نهائي في البحر الابيض المتوسط عن طريق التغيير في سوريا بهيمنه غربية، عدا العبث فيما يمكن أن يسمى الحديقة الخلفية للبيت الروسي ضمن مجال روسيا الحيوي.

تمكن السيد بوتين أن يتجاوز نزعة صديقه ورئيس وزرائه السيد ميدفيدف في الإبقاء على الاتجاه الرئيس نحو الاقتصاد والتنمية الذاتية، معتبراً أي السيد بوتين أن ذلك لا يتم بمعزل عن الدور العالمي، وعن الخروج عن إطار حدود روسيا، وقد ساعده في ذلك نقاط القوة لدى روسيا ونظامه وقدراته الشخصية، وكذلك نقاط القوة لدى ايران ومتانة تحالفها في سوريا، وقد أصبح لإيران نقاط قوة اساسية دفعت الولايات المتحدة الى مساومتها من تحت الطاولة عبر دوله عُمان. لقد أثبت إختراق السيد بوتين لنزعة الاتجاه نحو الاقتصاد أولاً جدواه، واعاد كثيراً من الهيبة لروسيا، ومهد لمشاركة روسية وصلت حد اتفاق مع الولايات المتحدة أغضب الكثيرين من حلفائها، وجعل الكثيرين منهم يجدون أنفسسهم أمام ضرورة تقييم سياساتهم وأوراق قوتهم ونقاط ضعفهم، ومنهم بعض الدول العربية الأساسيه.

كذلك لم يتم التمكن من احتواء المد الصيني وراحت الصين تطور قدراتها العسكرية بعد أن اصبح لديها قوه اقتصادية جبارة،حتى في نطاق القوات البحرية والدخول في نادي امتلاك حاملات الطائرات المتقدمة.

أصبح العالم على شفير سباق تسلح جديد كان من أهم عوامله إستفزاز الغرب لروسيا في نصب الصواريخ التي ادعت الولايات المتحدة سابقا أنها لمواجهة الخطر الايراني، واستمرار ذلك حتى بعد الاتفاق مع ايران، ومحاولات العبث في اوكرانيا، وتصنيع الصواريخ عالمية التدمير برؤوس غير نوويه ولكنها فعاله ومتطوره وتنطلق من البحر والجو والبر الى أي مكان في العالم وبكثافة مؤثرة.

إذن ليس هناك فرصة سوى أن تستعيد الحرب الباردة بعض ملامحها.

وإضافة الى التناغم الروسي الصيني نشأت منظومة دول الإبسا بين الهند وجنوب افريقيا والبرازيل، وهي دول تتمتع بدرجة من الإستقلال كافيه لظهور حركة دولية جديدة أكثر تناغماً مع التوجه الروسي الصيني اذا جاز التعبير، ويمكن أن تكون نواه تشبه ما نشأ في بداية النصف الثاني من القرن الماضي وهو حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بزعامة مصر والهند ويوغوسلافيا وأندونيسيا.

وضع الوفاق الأمريكي الروسي في الشرق الأوسط ملامح جديدة من اللاعبين الاقليميين في طور التكوين، ومن اهم نقاط ضعف هذه الخارطة قلق فرص الدور العربي في أجواء انعدام الوزن العربي ضمن ظروف ما سمي بالربيع العربي، ونجاح نسبي لسياسات التدمير الذاتي تجاه العرب، واخفاق سياسات بعض الدول العربية الأساسية.

يبرز هنا سؤالان: سؤال اقليمي وآخر فلسطيني.على المستوى الإقليمي هل تستطيع دول المنطقة العربية والاسلامية أن تشق الطريق نحو كتلة إقليميه متناغمة ولديها تقاطعات الحد الأدنى المشترك على الأقل.

لا شك أن هناك نزاعات مانعه، وأن كثيراًمن التراكمات تشكل سداً لا يستهان به، وأن كون ملامح الشرق الاوسط الجديدة مازالت في إطار التكوين وهو أحد عوائق الإستقرار الداخلي والإقليمي، وسياسات الخضوع لأجندات قوى الاستعمار المتوفرة في كثير من المواقع، كل ذلك يعقد التفاهم الاقليمي العربي الإسلامي لتشكيل كتلة توفر وزناً خاصاً متكاتفاً للإقليم .

من الممكن أن يبرز سؤال حالم : هل يمكن أن تتداعى كل من مصر وايران وتركيا والسعودية وسوريا والعراق الى لقاء سداسي يمهد لبداية طريق واعد.

طبعاً بين السعودية وايران ما صنع الحداد، وكذلك مع سوريا، وبين مصر وتركيا ما صنع الحداد، وبين معظمهم من الجراح ما يتسع على جسر الهوه.
لكن جمال عبد الناصر سبق وصنع ذلك عربياً، كذلك فإن مصالح استراتيجيه وبعيدة المدى وما فوق القطريه تستدعي دمل الجراح .

هذا اللقاء يمكن أن يمهد لاتساع الدائرة شيئاً فشيئاً لتضم أكبر عدد ممكن من الدول العربية والاسلامية، حيث بعض دول المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب، ودول من اسيا مثل الباكستان وأندونسيا وماليزيا، ثم يلي ذلك قطعاً صيغه عربية اسلامية شامله تجسد مصالح الاقليم .

ذلك ما يجب أن يبدأ برسم ملامح استراتيجية مشتركة تتعمق شيئاً فشيئاً .

هل تستطيع هذه الدول أن تقفز فوق الحواجز بينها وفوق الحاجزالأكبر وهو الهيمنه العالميه .

هناك فرصة تلوح وهامش يتبلور من خلال قفز روسيا فوق احادية القطبية.

وهناك فرصة أمام مصر، من المنطقي أن نتوقع من مصر أن تفكر أولاً بسرعة الاستقرار والامن وانجاز خطتها وترميم اقتصادها. وثانياً : بالنطاق الحيوي المباشر المحيط بها سواء في سيناء وغزة، أو في السودان أو في ليبيا،
ولكن من المنطقي ايضاً أن تعمل في عدة اتجاهات في آن واحد لأن التشكل قائم، وعليها أن تكون ركناً أساسياً من أركانه .

أما على المستوى الفلسطيني فإن الولايات المتحدة ومن خلال ثقلها في حراك سياسي لا يلوح منه أي طائل أو جدوى تحقق عدة أمور : الأول الاستفراد دولياً بهذا الحراك وكأن العالم هو أمريكا، متجاوزه دور الرباعيه بما فيها روسيا الناهضه.

الثاني : من خلال منهجها لإيجاد حل وسط للحل الوسط السابق في دوامة مستمره تخفض من خلالها السقف الفلسطيني من جهه وتفرض ما تصل اليه أو تطرحه من سقوف مرجعية بديلة للشرعية الدولية أو للرباعية أو غيرها، متعاميه عن كل الحقوق الوطنية الفلسطينة الأصلية والطبيعية .

الثالث : كسب الوقت لأهدافها الاقليمية ومنح الوقت كذلك لتغييرات الامر الواقع التي يفرضها الاحتلال، وتأجيل توجه الطرف الفلسطيني الى المؤسسات الدولية الى حد فقدانه لأرضيته على مدى الزمن والمتغيرات .

من المؤكد أنه في مثل هذا الواقع العربي وانعدام الظهير العربي والقاعده الارتكازيه، وكذلك الوضع الذاتي المشوب بكل ما فيه من نقاط ضعف، والاستفراد الامريكي، فإن فرص الوضع الفلسطيني صعبة وهوامشه ضيقه الى درجة تجعل من غير المجدي دفع أي ثمن لهذه الهوامش، وضرورة الخروج على المألوف والمكرر فيها.

من المهم توقي الاستفراد الامريكي، وتفادي اسقاط الدور الدولي وخاصةً العالمي من خلال الامم المتحدة، او القوى الدوليه من خلال روسيا والصين، وقوى المساندة الدوليه التي أظهرت ثبات مواقفها في مفاصل ومحكات عديده وحساسه .

مع الانتباه أن دور اوروبا تفرضه في الاساس قوه اوروبا، ودور روسيا تفرضه اولاً قوه روسيا قبل أن يفرضه الموقف الفلسطيني المستفرد به. ومع ذلك فإن لهذا الموقف محددات يجب أن يجيد العمل بموجبها .

ان هذا التوقي يشكل حاضنة حتى لاهداف الخندق الاخير وهي البقاء والصمود في الوطن وعدم الهجرة والحفاظ على الذات وبناء الانسان والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية لتبقى الخيارات قائمه وفقاً للظروف ومتغيراتها والمراحل وموازين قواها .

يبدو السؤالان الاقليمي والفلسطني في نطاق اللامنطق من خلال الحسابات الظاهره لموازين القوى القائمة، ولكن بالتأكيد هناك حسابان أساسيان : أولهما موازين القوى الكامنة، وثانيهما الصيروره والتغيير .

وإذا كان كل ذلك في نطاق اللامنطق فلقد اتبعنا المنهج الثوري كل العقود الماضية وهو منهج يتطلب كثيراً من الحلم بما فيه من لمحة اللامعقول مع كثير من العقل والاراده.

في مثل هذه المفاصل لابد للقيادات أن تتخندق في حصون شعوبها وشبيبتها وأجيالها الواعدة، ولكل ذلك استحقاقاته في كسب ثقة الناس باتجاه مواجهة التحديات الخارجيه وكسب ثقتهم في إدارة نظام حياتهم بالمشاركه والمساواه والعداله وتكافؤ الفرص .

يقف الوضع الفلسطيني على مفصل خطير جداً وكذلك الوضع العربي والاسلامي في حدود اقليمه من جنوب شرق آسيا الى شواطئ الاطلسي ولا يجب لطرف في هذا الاقليم ان تخدعه بعض لحظات القوه التي حتماً ستكون عابره بدون تكامل الاقليم .

من الملاحظ أن الأركان الأقليمية في منطقة الشرق الاوسط لا يوجد فيها اي طرف عربي وحتى في صيغة كتله متماسكه من عدة اقطار، وان الاصطفافات الدولية الكبرى لا يوجد فيها اي طرف عربي او اسلامي سواء تحالف الشرق او تحالف الغرب او حتى دول الإبسا الأقرب لمدى هوامش هذا الاقليم وضروراته، وحتى ايران لا مكان لها كركن في هذه الاصطفافات على الرغم من ان بيدها فرصه بحكم إمساكها لأمريكا من اليد المؤلمة وهي ضرورات ايجاد مخرج من التورط في افغانستان والمسانده الروسيه وخاصه في اطار التخندق معاً في جبهة سوريا .

لقد فتح القبول الدولي للنووي السلمي في ايران الطريق لان تدخل هذا النادي كل من السعودية ومصر وعليها ان لا تتردد ولو للحظة للحاق بمرحلة عالمية مازال العرب خارجها، وهي مرحله يمكن ان تكون مدخلاً لقوه الردع المتبادل في الشرق الاوسط وهذا مصدر دور واستقرار او نزع اسلحة الدمار الشامل من الشرق الاوسط.