وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من يُخرس الجيش الإسرائيلي في الجدال الدائر حول غور الأردن؟

نشر بتاريخ: 20/12/2013 ( آخر تحديث: 20/12/2013 الساعة: 12:38 )
بيت لحم- معا - من الأفضل بالنسبة لإسرائيل غور الأردن دون سلام.. أم سلام دون الغور؟ سؤال كبير يتردد هذه الأيام في أرجاء المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، إضافة إلى كونه مادة دسمة ينهل منها المحللون العسكريون السياسيون في مختلف الصحف الإسرائيلية.

هناك من اتهم رئيس الأركان الإسرائيلي "بني غينتس" بالحديث عبر قصبة رئيس الأركان الأمريكي الهوائية وأوتاره الصوتية في إشارة للتبعية المطلقة للولايات المتحدة وهناك من تساءل عن صمت الجيش وابتعاده عن هذا الجدل مثل المحلل العسكري لصحيفة "هأرتس " العبرية "امير اورون " الذي تحدث اليوم " الخميس" عبر مقالة مطولة حملت عنوان "من اخرس الجيش في النقاش الدائر حول غور الأردن " جاء في :

يعتقد رئيس الأركان الجنرال "بني غنتس" بان الوضع السائد في الشرق الأوسط يمنح إسرائيل "فرصة إستراتيجية" تشبه تلك التي جاءت قبيل الغزو الأمريكي للعراق قبل أكثر من عقد من الزمان وتتمثل بانقلاب وتغير الأنظمة العربية والأزمات العربية ما يعن غياب وتلاشي أي تهديد من قبل أية دولة عربية إذ لم تعد هناك أي دولة تهدد إسرائيل حاليا، فمصر تعاني عدم الاستقرار فيما غرقت سوريا بدمائها وحتى الأردن الذي لم يعتبر منذ البداية تهددا يعيش حاليا حالة صراع.

" يفكر الإسرائيليون حاليا بكيفية استغلال هذه الفرصة الإستراتيجية" قال ضابط كبير مقرب من رئيس الأركان لصحيفة "هارتس" .

امتنع "بني غنتس" عن مشاركة الجمهور الإسرائيلي بمنطقه وتفكيره بشكل علني وحتى الناطق العسكري الرسمي لم يعد معبرا عن موقف وتفكير قادته وهناك ناطق كبير بلسان "غنتس" بثلاثة مستويات من العميد "موتي الموغ" وناطق اخر يقل عن رئيس الأركان برتبة واحدة وصولا إلى رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال "مارتن ديمبسي" الذي تحدث قبل شهر تقريبا خلال لقاء مع رجال الإعمال في " وول ستريت دورنال " عن اجتماعاته بنظرائه الإسرائيليين وتنال فرصة غنتس" الإستراتيجية " دون ان يدلي الجنرال الأمريكي بكثير من التفصيل والشرح والتفسير على افتراض ان القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي شفيت من طموح من سبقوها في المنصب مثل موشه ديان منتصف الخمسينيات ورفائيل ايتان بداية الثمانينيات المتمثل بالقيام بالحروب الاستباقية بل هناك توجها جديدا يقوم عل السلام والترتيبات الأمنية التي ستؤدي إلى وقف المواجهات والحروب .

لا يعتبر الجيش الإسرائيلي في حقيقة الأمر "جيش الشعب " بل هو جيش الحكومة التي تقرر وعلى "الشعب" المجند أن ينفذ، لكن ومن اجل إقناع الشعب الذي ينتخب الكنيست بصحة و صواب القرارات تتشبث الحكومة بمهنية وخبرة رجال الجيش تلك الخبرة الصافية والطاهرة من دنس العلاقات السياسية لكن هذا الاعتقاد هو كذب وتضليل متفق عليه فحيث يرغبون بالبقاء على قمة جبل محتل يأتون برئيس أركان يشرح ويوضح خطورة الأمر دون محطة إنذار على هذا الجبل وان عدم وجود هذه المحطة يشكل خطرا على الدولة كلها وحين يريدون إزالة الخطر الذي ترسخ على مدة سنوات الصراع ويمهدون لتسوية يأتون برئيس الاستخبارات "امان" الذي يقدم الوعود بإيجاد بديل تكنولوجي رائع لهذه القمة وهكذا .

وتهرب الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها التنفيذية والمجتمع الإسرائيلي في المساحة الفاصلة بين المقولتين " شعبا حرا في وطنه " و "نفضل الموت من اجل وطننا" وتتهرب من الإجابة على عدة أسئلة أساسية "من هو الوطن ؟ ، في حال تعذر ايجاد حل لمشكلة الأماكن المأهولة في يهودا والسامر دون تبادل أراض من هو الذي يقرر بان رمال حلوتسا التي سيتم تسليمها للفلسطينيين مقابل تنازلهم عن مستوطنة كدوميم وعوفرا هي اقل إسرائيلية من المستوطنات التي أقيمت بعد حرب 67 ؟ لم يسبق في أي وقت ان اقيم ميزان او معادلة قومية تقول بان الضفة الغربية أكثر حيوية من النقب الغربي وهذا بكل تأكيد ليس ما اعتقده الجيش بصفته الجهة الوحيدة التي جرى تخويلها قبل حرب 67 لتحديد ورسم الخارطة الأمنية حينها كان طموح إسرائيل تحقيق تسليم عربي بوجدها ضمن حدود وخطوط وقف إطلاق النار مع تعديلات طفيفة حيث أرادت إسرائيل إيجاد مساحة إنذار خارج هذه الحدود مثل سيناء مع قليل من قوات نظامية مصرية قريبة من النقب وفي الضفة منطقة خالية من المدرعات الأردنية ودون قوة إسناد عراقية لذلك وافقت إسرائيل تسليم الأردن دبابات " باتون" الأمريكية شريطة بقاء هذه الدبابات شرقي النهر ووافق الملك حسين على ذلك مع بعض التحفظات الطفيفة لأنه أدرك إن نقل لواء مدرع إلى الضفة الغربية على مسافة قصيرة جدا من القدس وكفار سابا ستشكل بالنسبة لإسرائيل ذريعة لشن الحرب .

وتركز التخطيط العسكري الإسرائيلي قبيل حرب 5/6/67 على تدمير القوات المصرية المدرعة التي نشرت في سيناء قبل ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب وردع الاردن ومنعه من نقل قواته المدرعة الى الضفة الغربية .

وتحدثت "خميرة شاحر" في بحثها الذي تناول تقديرات الأمن الميداني والمعلومات عن خطتين وهميتين " للخداع " الهدف منها إبقاء القوات الأردنية المدرعة شرقي النهر وكانت الخطة الخداعية الأولى تقوم على إيهام الأردن بان الجيش الإسرائيلي ينوي احتلال منطقة الأغوار الشمالية من ضفتي النهر واحتلال مرتفعات اربد واستغلال هذا النجاح للتقدم نحو مدينة المفرق لعزل الأردن عن سوريا والعراق وتضمنت خطة الخداع الإسرائيلية تسريبات تولى مهمتها عملاء مزدوجين وطلعات دورية جوية علنية ومكشوفة تولت التحليق نهارا فوق معابر نهر الاردجن اضافة لعمليات رصد ومراقبة للمواقع الاردنية وتنفيذ جولات قيادية لفحص الطرق ومحاور الحركة وصولا الى نهر الاردن وتنفيذ محاولات اختراق مدرعة لمناطق تشبه منحدرات جبل " الغلبوع" الشرقية .

لم يكن الهدف مطلقا احتلال الضفة الغربية بما في ذلك منطقة الأغوار بل العكس تماما سعى الجيش عبر خطط الخداع الى عدم التورط في جبهة إضافية وكان الجيش الإسرائيلي قلقا ومسكونا بمعركة برية قاسية ضد الجيش المصري لذلك اقيم في يوم 2-6/67 في منطقة غور بيسان قيادة وهمية مهمتها تنفيذ عملية خداع استراتيجي في منقطة غور بيسان بقيادة العقيد "نتان غرسمان أطلق عليها اسم قوة الخداع "حيدكل" تشكلت أساسا من قوات هندسة وصادق قائد المنطقة الشمالية في ذلك الوقت "دافيد اليعازر" على العملية الخداعية لكنه عاد وألغى العملية بسبب نقص 60 شاحنة مخصصة لحمل الجسور المخصصة لعبور النهر وفقا لتعبير المحلل العسكري لصحيفة "هأرتس " صاحب المقالة الذي أضاف " ولربما تسبب نقص الشاحنات الستين إضافة إلى حماسة الأردن المشارك بالقيادة العربية المشتركة بقيادة ضابط مصري لفتح النار قد منعت تثبيت اللواء الأردني المدرع على الضفة الشرقية ما أدى إلى تطورات غير مرغوبة ولم تكن مخططة انتهت باحتلال الضفة الغربية ".

وجرى نقل قوة "حيدكال" لتنفيذ عملية خداع أخرى جنوب جبل الخليل لكن هذه العملية ألغيت أيضا بسبب تسارع وتيرة التطورات واتت النتائج مخالفة للنوايا والخطط اذ لم يكن وزير الجيش ديان كاذبا حين قال " لا يوجد لدينا أهداف احتلال " والمح رئيس الحكومة ليفي اشكول خلال إيجاز سريع قدمه يوم 7-6-67 للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست إلى رموز ومؤشرات لخطة سلام ستنطلق مع نهاية الحرب فيما أوضح "ديان " الذي يعتبر القطب اليميني في الحركة العمالية الإسرائيلية موقفه وقناعته القائلة بعدم اجتياز الخط الدولي باتجاه هضبة الجولان في حين يجره القطب اليساري في الحركة العمالية وقائد فرقة في ذلك الوقت نحو احتلال الجولان.

مضت على هذه الأحداث حوالي 46 عاما دون ان تحدث أي تأكل في الموقف العالمي المبدئي المعارض تغير الخارطة لمصلحة إسرائيل ومع غياب فرصة استبدال الاردن بفلسطين كون الاردن شريكا بالعملية عاد موضوع الحدود الشرقية ليطرح مجددا خلال جولات وزيارات جون كيري وضمن خطة الجنرال "جون الن " وصولا إلى النهر مع إمكانية تركيب مجال جوي الكتروني على طول هذه الحدود وهنا عدنا الى نقطة البداية : حتى ندافع عن إسرائيل ضمن تركيبة "تواجد عسكري إسرائيل دولي مرحلي" مع غياب تام للقوات الفلسطينية او أي قوات معادية أخرى يجب علينا أن نحدد قبل كل شيء ما هي إسرائيل التي نطمح إليها ونطمح بالدفاع عنها .

وهنا دخل إلى الصورة العامل المحلي ، قامت إسرائيل بتلغيم المنطقة " بلوبي" قوي يرفض الإخلاء بحجة الادعاء القديم القائل بان الاستيطان الدائم والثابت سيعزز إلى جانب الوحدات العسكرية متنقلة لمستوى الأمن بما يعقد أية مفاوضات ومساومات لان الامر لم يعد يدور عن انتشار عسكري ينسب ويتراجع بأمر مباشر بل تواجد مدني حيث أقيم في منطقة الأغوار عشرات المستوطنات الصغيرة يقيم بها ألاف المستوطنين بما يعادل تقريبا عدد الذين كانوا في غزة قبل عملية الإخلاء في صيف 2005 تلك العملية التي شعر رئيس الأركان في حينها " بوغي يعلون " بالامتعاض والاهانة لعدم تمديد ولايته حتى يتسنى له الإشراف علها .

ألان وكسياسي يطمح ويسعى لرئاسة حزب الليكود ويتذلل للمستوطنين زار هذا الأسبوع " بوغي يعلون " منطقة غور الأردن وأعرب عن خوفه من إطلاق صواريخ من الضفة على تل أبيب وعلى مطار بن غريون خطرا وفقا وجهة نظره يجب معالجته والتعامل معه سياسيا وامنيا لكن قبل كل شيء عبر رفض اخلاء المستوطنين من الضفة وقال يعلون مخاطبا المستوطنين " انا رجل استيطان لا أومن بهذا الطريق واي مكان لا يقيم فيه اليهود لا وجود للأمن واعتقد بان من يتحدث عن السلام يجب عليه ان يتحدث عن التعايش وليس عن طرد اليهود وانتزاعهم من بيوتهم كما حدث في قطاع غزة وعن الدمار الذي جلب لنا في غزة عمليات إطلاق لنار والصواريخ ".

واختتم المحلل العسكري مقالته بالقول "هذه مقولة سياسية فيما يتوجب إجراء العمل الحقيقي في مقر الأمن القومي الإسرائيلي لكن خيارا يتضمن إخلاء مستوطنين تشكل مادة متفجرة سيحاول مقربي رئيس الوزراء من حزب الليكود الهرب منها . ولم يبق سوى رئيس الأركان " غنتس" ونائبه " غادي ايزنكوت " ورئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي " نمرود شيبر" ورئيس لواء التخطيط الاستراتيجي " اساف اورين " لان هؤلاء صامتون ولا يتحدثون حتى لا يدخلوا في صراع ونزاع مع المسؤول عنهم " يعلون " وهنا وكالعادة تبرز ضرورة المساعدة الأمريكية الملحة ليتولى الجنرال" ديمبسي" مهمة الناطق بلسان " غنيتس" حيث عمل هذا الأسبوع على توضيح نواياه ومقاصده من الحديث عن الفرصة الإستراتيجية لكنه فضل أيضا إبقاء الأمور مفتوحة للتفسيرات والتحليلات دون ان يحسمها ويغلق بابها .