|
جريمة لا يحاسب عليها القانون- هبة وباسمة ضحية زواج الأقارب
نشر بتاريخ: 08/01/2014 ( آخر تحديث: 08/01/2014 الساعة: 15:52 )
نابلس- معا - في ذلك المنزل الصغير الذي يسكنه الصمت، والبساطة، والحرمان، والصارخة جدرانه من شدة الألم، تسكن أم ماهر وابنتيها باسمة، وهبه اللتان وقعتا ضحية لزواج الأقارب من قرية عقربا، ليتقاسما مر الحياة، وقسوتها معا، وبكلماتها البسيطة بدأت أم ماهر حديثها:" يا رب يكون موتهن قبل موتي"، من يعي هذه الكلمات يدرك جيدا حجم الرعب الذي تعيشه أم ماهر بعد توصلها لحقيقة تفيد بأن المؤسسات المعنية في تجاهل مستمر لقضيتها.
وتتحدث الحاجة أم ماهر التي تتشابه حكايتها والكثيرات من نساء القرية وغيرها، وهي الضحية الأولى في قصتها عندما فرض عليها الزواج في الخامس عشر من العمر بقريبها ابو ماهر دون استشارتها؛ لتبدأ معاناتها وتقول:" قبل أن أطبق 20 عاما من عمري أنجبت طفلان، ماهر الذي خلق بصحة جيده، وتلاه باسم الطفل الذي أنجبته سليما وما أن مضت دقائق إلا وانتفخت كفتي يديه، وقديمه، وفاه، لينفجران ويخطفه القدر مني بعد ستة أشهر" وتضيف" حينها طالبني الأطباء بإجراء فحص فوري للدم لي ولزوجي المغترب بالكويت حينها، وبقيت والزمن في انتظار عودة الغياب إلى أن حانت لحظة اللقاء وإسقاط الخبر على زوجي واخباره بسبب وفاة باسم، ليرفض إجراء أي فحوصات للدم بحجة أن ما حدث هو إرادة الله ولا سبب آخر" مطالبا إياها بإنجاب المزيد من الأطفال. وما كان منها الا ان تنفذ حكم الذكورية لتنجب ستة أبناء سالمين تلحقهم بباسمة، التي لم يسعفها حظها لتتشارك، وأخوها باسم بمرضه، إلا أن مشيئة الله أرادتها أن تكبر لتبلغ الآن 28 عاما، وتتحدث ام ماهر وبألم يلون وجهها، وتتراقص أوتاره على حروفها" لم يرحمني المجتمع بعد باسمه، كل الأصوات من حولي تدعوني للمزيد من الإنجاب لانصاع لهم من جديد، ولتقع الضحية هبة بعدها بسنه، ابنتي الأخرى التي أصيبت بالمرض نفسه لتكبران ويكبر الهم معهن، وليعوضني الله بعدهن بابنتي الأخيرة التي حماها الله لي من المرض". وبحرقتها البارزة في تنهيداتها، تعترف ام ماهر بأنها شاركت بالجريمة بصورة أو أخرى فتقول" أنا كنت جزء مسببا فيما حدث لبناتي، ولكني لم أقصر بتاتا، فعلت كل شيء لأحميهن وأرعاهن، ولكن ثقلت عظامي على جسدي فما عدت أحتمل الآم مرضي بالمفاصل لدرجة أني انصرفت عن دوائي لأجل إغاثتهن، ولكني بحاجة إلى من يقف بجانبي فيد واحدة لا تصفق، وانا لم اجلس واستسلم بل توجهت لكل المؤسسات المعنية، ولم أجد من يصغي لوجعي، نعم، الشؤون الاجتماعية تقدم لي 750 شيقلا كل ثلاثة أشهر، وأكثر من 600 فقط دواء لباسمة وهبه، فما حالنا بعد ذلك يكون؟ وما يقتلني أكثر، عندما تأتي اللجان لتطلع على حالنا فيبدؤون بمحاسبتنا على وجود الثلاجة أو الغسالة وكأنه يجب علينا أن ندفن تحت التراب ليعيرونا كرامتنا". بدموعها التي اختزنتها في حدقات عينيها بدأت باسمة حديثها عن أمنية بسيطة تكافح ليلها، ونهارها علها تتحقق،مختزلة أمانيها في ان ترى النور ذات يوم، وتشاهد البشر يتحركون، وتسجل بذلك انطلاقها الحر بالهواء، باسمة فتاة فقدت كفتي يداها إلا أن الإرادة داخلها أقوى من أي معضلة، فتعلمت الحروف من أختها الصغيرة؛ لتستطيع أن تكتب ما تشاء بمعصمي يديها مؤكدة مقولة "لا يأس مع الحياة"، كما أنها تستطيع أن تطلب أرقام الأهل، والأصدقاء، وتستطيع أيضا أن تغير القنوات التلفزيونية عبر جهاز التحكم، ليس هذا فقط بل تتمتع بذاكرة تستطيع بها أن تتحدى الكون، وتتساءل باسمة سؤالها المشروع، لماذا نقتل أجيال المستقبل لأجل أفكار باليه نرتضيها ذات حين، ونكفر بها بعد وقوع الجريمة؟! وتكمل صراخ باسمة شقيقتها باسئلة تصيب الفكرية المعوقه في مجتمعاتنا، لماذا خلقنا هكذا؟! ما ذنبنا؟!" بتمردها الواضح تساءلت هبه التي فقدت أقدامها إضافة إلى كفتي يداها عن جرمها الذي لا زالت تعاقب عليه طوال ال 27 عاما المارة من عمرها، فمن أشهر اصبحت سنوات كانت هبه تسير على قدم واحدة إلا أن السرطان قاتلها ليحرمها إياها؛ لتشتعل نار أمنيتها في أن تعود لممارسة طقوس حياتها بقدم واحدة، وليموت كل يوم بصيص الآمل الذي يحرقها بلسعاته، موجهة صرخاتها لمجتمعها ولمن يسيرون على خطى زواج الأقارب،" ليس من حقكم أن تقرروا ما تشاءون فتظلمون الورود إلى أن تذبل". من جانبه وضح االدكتور في مستشفى رفيديا إسماعيل قطاوي، بأن المرض الذي تعاني منه هبه، وباسمة هو مرض الجلد الفقاعي الوراثي، وهو مرض نادر يتميز بجلد هشّ، يؤدي إلى حدوث فقاقيع مائيّة متكررة و مُؤلمة، تؤدي إلى حدوث جروح، وقروح بعد أن تنفتح هذه الفقاقيع، وأن هذا المرض غالبا ما ينتهي بالسرطان أو التهاب الجلد، مؤكدا أن الأشخاص المصابون بهذا المرض يحتاجون لعناية فائقة في عملية العلاج، والطعام إذ أن الحلق لديهم لا يتحمل كل أنواع الطعام، ما يؤدي لاعتمادهم على السوائل، إضافة لحاجتهم لنوع خاص من الملابس؛ لأن كل عملية احتكاك تؤدي إلى ظهور الفقاعات المؤلمة جدا عند انفجارها. وأخيرا تبقى رواية الظلم دون رادع، وتستمر الورود في الذبول إلى اجل مشرعة يداه؛ لتنتظر الورود حينا تحيا وتقاتل ذبولها في مجتمع لا تحترم فيه الإنسانية بأبسط درجاتها. _______________________________________________ هذا التقرير اعدته آلاء بني فضل- ضمن مشروع الاعلام الريفي |