وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

دراسة توصي بوقف مساعي فلسطين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية

نشر بتاريخ: 27/01/2014 ( آخر تحديث: 28/01/2014 الساعة: 14:10 )
رام الله - معا - أوصت دراسة حديثة صادرة عن مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية "المرصد"، ونشرت اليوم، إلى ضرورة وقف مساعي الانضمام لمنظمة التجارة العالمية إلى حين وجود استقلال سياسي واقتصادي يمكّن الفلسطينيين من إجراء نقاشات مجتمعية عميقة لتحليل الآثار المترتبة على خطوة الانضمام لمثل هذه المنظمة.

وقالت الدراسة: إن الحالة الفلسطينية مشبعة بالتناقضات إلى حد كبير، ومجرد التفكير بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية يزيد مستوى إضافياً من التعقيد؛ إذ من ناحية الاقتصاد الفلسطيني مشوه بنيوياً وملحق باقتصاد الاحتلال، وقد رسم هذا من خلال اتفاقية باريس إضافة إلى واقع أننا تحت سيطرة قوة الاحتلال، فلا سبيل للتحرر الاقتصادي إلا من خلال التحرر السياسي، ومن ناحية أخرى فأن اقتصاد السوق الحر الذي تبنته السلطة منذ تأسيسها عمل على إضعاف البنية الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأدى إلى تراكم الاحتكارات الكبرى، والفساد المالي والاقتصادي، وتغول الشركات الكبيرة على المواطنين، ولكن السلطة بقيت قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والخدمات الأساسية بحكم دعم المانحين فأصبح الاقتصاد الفلسطيني حقل تجارب للدول المانحة، تستطيع أن تهجره متى أرادت، لتجد السلطة نفسها غارقة في ديون فلكية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وقدرة الاقتصاد المحلي.

وأكدت الدراسة أن منظمة التجارة العالمية، كغيرها من منظمة العولمة الليبرالية تسعى إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الدول الصناعية المتقدمة من أجل استغلالها، وتحقيق المكاسب الاقتصادية والمالية والتجارية على حساب شعوب الجنوب، وهي في سعيها هذا تضع قليلاً من العسل فوق وجبة السم الكاملة، فبمجرد أن تنضم ستصبح "طيعاً" لهذا النظام التجاري التبادلي المصمم لسحق اقتصاديات الدول الصغيرة والنامية تدريجياً، وإذا كانت الصين وروسيا خضعتا لمطالب الانضمام حرصاً على نيل اقتصاد البلدين حصة من التجارة العالمية، فإن هذا الانضمام استغرق من عقد ونصف إلى عقدين كما في حالة روسيا، كما أن الفرق الجوهري والأساسي أن التطور التكنولوجي والصناعي والقانوني يسمح لهذه الدول باللعب ضمن شروط منظمة التجارة، أما نحن –والحديث عن الاقتصاد الفلسطيني- فلا نمتلك أدنى أشكال السيطرة على الموارد والمعابر، فكيف بنا أن نضيف قيوداً تعمل على إنتاج المزيد من التخلف الاقتصادي والتنموي، وإن لم تطبق الآن، فهي ستطبق لاحقاً، أي أننا نقيد أنفسنا بأنفسنا ولأجيال عدة قادمة.

وبيّنت الدراسة أن الانضمام سيؤثر على عدد كبير من القطاعات الاقتصادية، ومنها الزراعة، الدواء، الصناعة، التعليم، ومجالات النشر والطباعة والنسخ... الخ، هذا التأثير سيؤدي إلى إضعاف عدد كبير من الصناعات الإنتاجية الفلسطينية، وتقليص الموارد المالية المتاحة الآن ومستقبلاً من خلال الجمارك والمكوس المختلفة، والتأثير على قدرة الفلسطينيين على وضع قوانين، والأهم أن بقاء الفلسطينيين في إطار اتفاقيات اقتصادية مع الاحتلال، ومع هذه المنظمات، وأن تضيف السلطة مزيداً من الشروط المختلفة التي تضعها الدول والهيئات المانحة سيزيد من انكشاف المجتمع الفلسطيني، ويقلل هوامش حركته، وبدلاً من ذلك، علينا أن نسعى لبناء اقتصاد إنتاجي، قادر على أن يعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم في إطار معركة التحرر الوطني التي لم تنتهي، ويقيم شأناً للعدالة الاجتماعية التي تستحقها الفئات الاجتماعية المسحوقة.

وأشارت الدراسة إلى أن مساعي السلطة الفلسطينية للانضمام ترتبط بأمرين أساسيين؛ الأول: الاتحاد الجمركي مع دولة الاحتلال من خلال برتوكول باريس، والثاني: شروط ومتطلبات الانضمام لهذه المنظمة. "إسرائيل" تحت بند الاتفاقيات التجارية الحرة تصنف العلاقة مع السلطة الفلسطينية على أنها (اتحاد جمركي)، الأمر الذي يعني تأثر الفلسطينيين بشكل شبه كامل بقرارات دولة الاحتلال الاقتصادية.

وقالت الدراسة: كما يشير هذا الاتفاق إلى أن التبادل التجاري بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية لا يتم التعامل معه على أساس تجارة دولية بل تعتبر تجارة محلية، أي لا تخضع لقواعد وشروط منظمة التجارة العالمية أو غيرها من الاتفاقيات. هذا الواقع الاقتصادي الذي نرتبط فيه كفلسطينيين بشكل شبه كامل مع اقتصاد الاحتلال، لا نية للسلطة لفكه أو التخفيف منه، وما الخطاب حول الانضمام لمنظمة التجارة العالمية إلا في إطار تحقيق مصالح إضافية لبعض النخب، ولكنه أثمانه ستكون كبيرة على بعض الصناعات، وعلى بعض الشرائح الاجتماعية الفلسطينية التي تعتمد في رزقها على هذه الصناعات.

وقالت الدراسة: أن التجارة بحد ذاتها ليست هدفاً، فهي وسيلة من الوسائل المختلفة لتحقيق التنمية التي تسعى لتحسين حياة البشر، وتوفير مقومات حياة لائقة للمجتمعات بشكل عادل. الاقتصاد الفلسطيني لا يرتكز الآن على تحقيق الحياة اللائقة ومنها الأمن الغذائي، حيث أن نسبة الاكتفاء الذاتي لا تتعدى 10% مما يعني أننا نستورد 90% من احتياجاتنا من الحبوب، إضافة إلى عجز في كلٍّ من الزيوت واللحوم الحمراء حيث لا تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي منهما الـ 20% و 45% على التوالي.

وتابعت: خلال عام 2010 كانت الصادرات الفلسطينية مجتمعة من الأغذية والحيوانات الحية حوالي 80 مليون دولار أمريكي، أما الواردات من نفس الأغذية والحيوانات الحية فبلغت حوالي 691 مليون دولار، بعجز مقداره 611 مليون دولار أمريكي.

وتسعى الدراسة هذه إلى فتح النقاش وتحليل آثار الانضمام والمخاطر المتوقعة بناء على تجارب الدول النامية والعربية، كما تريد أن توجه الأنظار إلى أن هناك أطر اقتصادية وتكتلات إقليمية نستطيع الانضمام إليها كتعبير سياسي، وكتبادل اقتصادي قائم على مبادئ أكثر عدالة من منظمة التجارة العالمية، ولا تتطلب تنازلات كبيرة، وبرغم أننا مكبلين بالاحتلال وبالاتفاقيات التي وقعتها السلطة بهدف تأسيسها، إلا أن هذا لا يعني الاندفاع اليائس نحو مزيد من القيود والتكبيل طمعاً بحرية زائفة.

وأشارت الدراسة إلى أن النضال نحو العدالة الاجتماعية واقتصاد الصمود الإنتاجي يجب أن يكرس كنهج تنموي واضح، هذا النهج الذي يتعارض مع مبادئ الليبرالية الجديدة التي تسعى لتحقيق الربح دون أي التفات للحقوق الإنسانية البسيطة، وتترك غالبية الشعوب تعاني الويلات، لذا من المهم التنبيه أن مسعى الانضمام يجب أن يتوقف، وأن تعمل القوى السياسية والاجتماعية والتي لديها برامج اجتماعية وتنموية على وضع هذا الموضوع على أجندة الرأي العام، لذا تشكل التوصية النهائية للدراسة أن هذا الانضمام له عواقب لا قدرة للفلسطينيين على تحملها.