|
سياسيّون وأكاديميّون يبحثون تداعيات "الربيع العربي"
نشر بتاريخ: 30/01/2014 ( آخر تحديث: 30/01/2014 الساعة: 13:31 )
رام الله- معا - بحث سياسيّون وأكاديميّون فلسطينيّون تداعيات الثورات والانتفاضات العربيّة على مستقبل القضيّة الفلسطينيّة، وعلى الأهداف والحقوق الفلسطينيّة المتمثلة بحق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة على حدود 67 وعاصمتها القدس، وأبدوا خشيتهم من تأثير الثورات، في المديين القريب والمتوسط، على المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى ملف إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة، خصوصًا في ظل تغير المحاور والتحالفات، ومرور البلدان التي حصلت فيها ثورات بمرحلة انتقاليّة ستكون منشغلة فيها بترتيب أمورها الداخليّة وإجراء الاستحقاقات الانتخابيّة، وفي ظل ضبابيّة ما يجري في مصر وسوريا وغيرهما من البلدان التي شهدت ثورات.
وأعرب المحاضر والحضور عن تفاؤلهم بتأثير الثورات إيجابًا على القضيّة الفلسطينيّة على المدى البعيد، بعد استقرار الأوضاع في تلك البلدان، ما يدفع بالقضيّة الفلسطينيّة إلى تصدر المشهد، وحصولها على اهتمام أكبر، لا سيما وأنها القضيّة المركزيّة للعرب. ودعوا أيضًا إلى تفعيل الحراكات الفلسطينيّة وتنظيمها، والضغط من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة، والتمسك بالحقوق والأهداف الوطنيّة الفلسطينيّة باعتبار ذلك الحجر الأساس في بناء موقف عربي داعم للخيارات الفلسطينيّة. جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بالبيرة، حول نتائج دراسة إستراتيجيّة أعدّها الدكتور أباهر السقا، رئيس دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، بعنوان "الانتفاضات والثورات العربيّة الحاليّة وأثرها على القضيّة الفلسطينيّة"، وذلك بحضور عشرات الشخصيات السياسيّة والأكاديميّة والناشطة. وأدار النقاش الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، الذي أكد على أن الثورة صيرورة، لا يمكن الحكم عليها خلال فترة زمنيّة قصيرة، وإذا كان تأثيرها على القضيّة الفلسطينيّة على المدى المباشر سلبيًا، لانشغال البلدان العربيّة بهمومها الداخليّة، وهذا الأمر ساهم في تهميش القضيّة الفلسطينيّة؛ إلا أن إسهام المواطن العربي في تقرير مصيره وتعزيز دور الإرادة الشعبيّة ستكون له انعكاسات إيجابيّة على المديين المتوسط والبعيد. وأشار المصري إلى وجود عدة اتجاهات في النظر للمتغيّرات العربيّة بين من يعتبرها: ثورة، أو مؤامرة، أو ثورة أُجهِضت؛ وبين من يعتبرها صيرورة تاريخيّة تتداخل فيها ملامح وسمات الثورة مع الثورة المضادة. واستعرض السقا دراسته، وأشار إلى أنها تسعى إلى مقاربة أثر "الثورات" و"الانتفاضات" على القضيّة الفلسطينيّة، من خلال ثلاثة محاور: يهتم الأول بمقاربة نظريّة حول الثورات والحركات الاحتجاجيّة من خلال عرض بعض النماذج وتحليلها وربطها بالسياق العربي؛ في حين يتناول المحور الثاني الخطابات الاجتماعيّة المتداولة في الحياة اليوميّة وتغيرات الخطابات الأيديولوجيّة في الساحات العربيّة المختلفة؛ أما المحور الثالث فيهتم بتأثير هذه الثورات على القضيّة الفلسطينيّة وانعكاساتها المختلفة على المستويات الرسميّة وعلى الحراكات الاحتجاجيّة الفلسطينيّة المختلفة. وأوضح أنه لا توجد رؤية فلسطينيّة واحدة، رسميّة وشعبيّة، بل توجد رؤى مرتبطة بالخطابات الأيديولوجيّة وبالتحالفات والمصالح وعلاقات القوة لفرقاء إدارة الصراع الداخلي الفلسطيني "فتح" و"حماس" بنظرائهم في سلطات دول ما بعد 2011 أو مع سلطات الدول التي لم يمسها "الربيع العربي". وبين السقا أن تأثير الثورات العربيّة على القضيّة الفلسطينيّة يتمثل في أكثر من محور، أولها بقاء الصراع العربي- الإسرائيلي صراعًا فلسطينيًا – إسرائيليًا، حيث ما زال الصراع العربي- الإسرائيلي يعمل وفق الأسس التي سبقت "الثورات" و"الانتفاضات العربيّة"، أي إبقاء حالات "اللاحرب" لبعض الدول العربيّة، واتفاقيات "السلام". أما المحور الثاني، فيتمثل في العلاقات الفلسطينيّة مع الأنظمة العربيّة بعد عام "الربيع العربي" 2011، فمصر ما زالت لاعبًا أساسيًا في العلاقات الفلسطينيّة – الفلسطينيّة، وحتى في فترة حكم الإخوان المسلمين قبل 30 حزيران 2013 لم تتغير قواعد اللعبة في المنطقة، حيث بقيت اتفاقيّة "كامب ديفيد" كما هي، ولم يفتح معبر رفح نهائيا رغم التخفيف الجزئي للحصار عن قطاع غزّة، الأمر الذي أبقى الوضع الفلسطيني عما كان عليه قبل خلع مبارك. أما في موضوع المصالحة، فلم تتقدم لعدة أسباب تتعلق بقضايا داخليّة مصريّة وصراعات فلسطينيّة – فلسطينيّة. وتطرق السقا إلى تعاظم أدوار جديدة لدول جديدة في المنطقة وفق محاور تحالفات جديدة، مثل قطر التي تظهر أكثر فأكثر كلاعب جديد يحاول أن يؤثر في السياسيّة الداخليّة الفلسطينيّة، وفي مسار القضيّة الفلسطينيّة، الأمر الذي يجعل الثنائيات في المشهد الفلسطيني أكثر وضوحًا. ونوه إلى الحركات الاحتجاجيّة الفلسطينيّة التي ترافقت مع الثورات العربيّة، وتمثلت بخروج الآلاف في 15 آذار 2011 و15 أيار من العام نفسه، للمطالبة بإنهاء الاحتلال وإنهاء الانقسام وإلغاء "اتفاق أوسلو"، وإلى الاحتجاجات المطالبيّة من قبل النقابات، وكذلك إلى الاحتجاجات والحراكات التي ترافقت مع الحرب على غزة، والتضامن مع الأسرى، وبناء القرى مثل "باب الشمس"، والحراك ضد مخطط "برافر"، حيث أعطت هذا الحراكات، خصوصًا الشبابيّة، روحًا جديدة للمجموعات الشبابيّة، قبل أن يتم احتواؤها ومأسستها من قبل السلطة الفلسطينيّة. وأضاف: إن الحراكات الشبابيّة والمطلبيّة الاحتجاجيّة لم تنجح في تغيير الخارطة الاحتجاجيّة الفلسطينيّة، التي تراوح مكانها منذ أكثر من خمس سنوات، وذلك لعدة أسباب، منها: أن هذه الحراكات إما ذات طابع نخبوى/ جيلي في حالة عام 2011 وضيقة ومحصورة برام الله وغزة، أو مرتبطة بأجندات حزبيّة في الحالة الأخرى، لذا لم تنجح في تشكيل حاضنة أو رافعة اجتماعيّة؛ مع تنامي حالة الفشل والشعور بالإحباط والعزوف عن ممارسة السياسة بمعناها الواسع نتيجة الهوة المتعاظمة جراء المشروع الذي تقوده السلطة الفلسطينيّة غير واضح المعالم والمتخندق حول إستراتيجيّة التفاوض؛ إضافة إلى فقدان الثقة في المؤسسات والأحزاب السياسيّة؛ وتعاظم الانقسام الداخلي الفلسطيني بين طرفي النزاع "فتح" و"حماس"؛ وكذلك عدم وجود ميادين عامة تشبه "ميدان التحرير" فى القاهرة؛ وتعاظم أزمة الخطاب الوطني الفلسطيني. أما بخصوص التنبؤ بتوسع رقعة الاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينيّة، أو حدوث انتفاضة فلسطينيّة ثالثة، فقد أوضح السقا أنه قد ينتقل الخطاب الحالي من دوائر التهميش والإقصاء الى دوائر الحضور والقدرة على الانتقال من المجال العام الافتراضي إلى الواقع والتحرك ضد عدو اجتماعي؛ ونظرا لوقوع فلسطين تحت الشرط الاستعماري، فإن أولويّة الحركات الاجتماعيّة ستكون في التحرك ضد الاستعمار ومؤسساته الاستعماريّة ومستوطنيه وجيشه، وقد يصاحب ذلك احتجاجات ضد السلطة السياسيّة الفلسطينيّة وبعض رموزها. وقال إن الدراسة اعتبرت أن تهميش حضور القضيّة الفلسطينيّة آنيًّا كقضيّة مركزيّة للعرب قد يتغير خلال السنوات القادمة لصالح إعادة الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة باعتبارها قضيّة العرب الأولى، ولكن قد لا يحدث هذا إلا بالتوازن مع القضايا الخاصة بكل بلد، وذلك لأن عناصر الصراع مع الدولة الاستعماريّة إسرائيل لن تزول. وبحكم طبيعة المشروع الاستعماري الصهيوني، وطبيعة إسرائيل الاستعماريّة وحاجتها التوسعيّة الدائمة، فإنه من المرجح أن تتوسع رقعة النقمة ضدها مستقبلا، ما قد يدفع بالخطاب "العروبي" الجديد إلى الواجهة ويدفع جماعات عربيّة ضاغطة لإعادة الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة. وأضاف أن حدوث تحرك اجتماعي أكبر يتطلب إعادة الاعتبار لمكونات الشعب الفلسطيني كأطراف أساسيّة فاعلة ومشاركة في صناعة القرارات الجماعيّة؛ والحد من مظاهر التهميش لصالح سكان فلسطيني الضفة الغربيّة وقطاع غزة، وإعادة إحياء مؤسسات منظمة التحرير على أسس جديدة؛ وصياغة مشروع وطني جديد بعد إنهاء الانقسام، يقوم على إعادة التفكير في أسس الصراع مع إسرائيل، أي العودة إلى المربع الأول باعتبارها دولة استعماريّة، وما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة الإستراتيجيات الوطنيّة الفلسطينيّة المقاومة للمشروع الاستعماري. وتباينت وجهات نظر الحضور لما يجري في المنطقة العربيّة، فالبعض اعتبرها "ثورات" قامت بها الشعوب ضد سياسات الفقر والظلم والاستبداد والتبعيّة، وتجسدت بفتح الباب أما الشعوب لاستلام قرارها بيدها لتختار من يحكمها، وأن هذه الثورات ستؤثر لاحقًا بشكل إيجابي على القضيّة الفلسطينيّة لتكون قضيّة العرب المركزيّة، التي ستحظى بالاهتمام لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وحقوقه في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير والعودة والاستقلال وإقامة الدولة؛ لأن هذه الدول في مرحلة انتقاليّة، وهي منشغلة في الوقت الحالي بإعادة ترتيب الساحة الداخليّة وسياساتها الداخليّة والخارجيّة. بينما رأى البعض بأن ما يجري هي مؤامرات خارجيّة تستهدف استقرار الدول العربيّة، ويستشهدون بما يجري في مصر وسوريا وليبيا من فوضى وأحداث عنف وعدم استقرار، وأن ما يسمى بالربيع العربي همّش القضيّة الفلسطينيّة، وانتزعها من صدارة المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي، خصوصًا في ظل تصدر الأزمة المصريّة و"جنيف 2" للمشهد، وأن الثورات انعكست سلبًا على الساحة الفلسطينيّة، وخلقت حالة من الاستقطاب بين طرفي الانقسام "فتح" و"حماس". |