وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الدخان العربي.. والدخان المفرق.. وسيلتان لقتل أطفالنا

نشر بتاريخ: 08/02/2014 ( آخر تحديث: 08/02/2014 الساعة: 18:39 )
رام الله- معا - ليس بجديد الإشارةُ إلى أن الكثيرين ممن يهربون من مشاكل الحياة اليومية وضغوط العمل يجدون متنفسهم في نفس سيجارة، فقد بات عذر المدخنين الأول هو الترويح عن أنفسهم عبر علب السجائر.

وعلى الرغم من كون هذا الأمر مستهجناً وغير مبرر، فإنه قد يبدو مألوفاً بين الراشدين، لكن من غير المألوف أو المبرر أن يلجأ الأطفال ممن هم دون سن الـ18 عاما إلى التدخين. كأن ترى طفلاً في الثانية عشرة من عمره، قد يكبر أو يصغر ذلك السن قليلاً يشتري السجائر ليدخنها واحدةً تلو الأخرى.

بكل تأكيد هو أمر غير مفهوم بتاتاً، لكن الأمر قد بات ظاهرة ً مخيفةً لأن السجائر، وتحديداً رخيصة الثمن، من قبيل "اللف والعربي" أصبحت في متناول يد أطفالنا، موجودة في المتاجر وعلى البسطات في الأسواق.

أثناء التجوال في المدن الرئيسية، يستطيع المار وبكل سهولة أن يُلاحظ إلى جانب بسطات الخضار والفاكهة بسطات لبيع الدخان "العربي" المغلف بكيس من البلاستيك الشفاف، وبسعر زهيد جدا. يتناوله أي طفل دون أن يكون هنالك من يراقب أو يحاسب بيع أطفالنا هذه السموم.

محمد ياسين ابن الثلاثة عشر ربيعا، يتمختر أمام عدد من أقرانه من الأطفال بالقرب من حسبة رام الله، وهو يجر عربة تسوق، يبحث عمن يحتاجها لينقل أغراضه إلى سيارته، وفي فمه سيجارة ينفخ منها الدخان وعلى وجنتيه المتجعدتين ملامح رجل أثقلته متاعب الدنيا وهمومها، مناديا بصوت مرتفع "مين بدو عرباي".

لم يكن من الصعب الحديث مع أحمد، فكأنه ينتظر من يأتي للحديث معه، يعيش مع أمه وثلاثة إخوة يصغرونه سنا، ومع والده الذي يعمل يوما ويجلس آخر، يقول ياسين: "أستطيع من خلال عملي على هذه العربية أن أحصل على قوت يوم واحد فقط، لأعطي لوالدي المبلغ الذي استطعت تجميعه ليشتري لنا الأكل، وأنا أحصل بالخفية على سيجارتي".

ويتابع أحمد حديثه: "أدخن في اليوم ما يقارب 4 سجائر وكلها في النهار أثناء العمل، ولا أدخن أمام والدي لأنه يضربني لو علم ذلك، حيث أشترك أنا وأصدقائي هنا في شراء علبة السجائر يوميا، كل منا يدفع شيقل واحد، ونجمع 5 شواقل لنشتري دخانا عربياً، يباع على البسطات، وكل واحد منا يحصل على 4 سجائر".

وحول سبب تدخينه، يضيف "لست مدمنا على التدخين مثل الآخرين، لكن أشعر أنني رجل كبير يعتمد عليه، فالأطفال الآخرين ممن هم في عمري عندما يرونني يخافون مني، ولا أحد من الشباب يجرؤ على سرقتي أو طردي من هنا، فعندما يرونني أحمل سيجارة وأنفخ الدخان مثلهم، يوقنون تماما أني كبير ولا أهاب منهم ومن أي أحد آخر".

ويشير ياسين إلى أن وجود السجائر العربية في السوق يسهل عليهم شراءها للتدخين، خاصة أن أسعار الدخان الأجنبي في المحلات مرتفع جدا ولا نستطيع أن نشتريه، ويقول "أما على المستوى الشخصي حصلت على سيجارة أجنبية من النوع الفاخر من أحد الزبائن عندما نقلت أغراضه وكان يدخن، فطلبت منه سيجارة فأعطاني واحدة، لم أنسَ طعمها فهي مختلفة تماما عن العربي الذي تعودت عليه مؤخرا".

الطفل محمد ياسين، يضع على الطاولة، ملفا مهما، فعدا عن وجوب أن يكون جالسا على مقاعد الدراسة إلى جانب أقرانه بدلا من العمل، إلا أن السؤال الكبير أيضاً يتمثل في كيفية وصول تلك السجائر إلى هؤلاء الأطفال."

صاحب متجر في وسط نابلس، ويبيع في متجره، الدخان المستورد والدخان العربي واللف، يقول: "يتراوح إقبال الأطفال على شراء السجائر، والأكثر إقبالاً هم طلاب المدارس، وبدأنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن هنالك مجموعات من الفتية الذين يدخلون إلى المتجر ليشتركوا في ثمن السجائر، ولأن سعر الدخان العربي هو الأرخص، إذ لا يتجاوز 5 شواقل في غلاف بلاستيكي يحتوي على 20 سيجارة، بسبب عدم وجود جمارك على الدخان العربي واللف، فلاحظنا أنه يمكن للأطفال شراؤهُ بسهولة، سواء من خلال المشاركة الجماعية، أو الفردية من خلال تجميع المبلغ لبضعة أيام في أسوأ الظروف."

الاختصاصية النفسية نيفين سالم تقول: "لا شك إن هنالك عدة عوامل مساعدة تسهل من عملية لجوء الأطفال إلى التدخين، أهمها غياب الرقابة من قبل الأهل على أبنائهم، وتحميل الأبناء مسؤولية أكبر من طاقاتهم، والشـعور من قبل الأطفال بالإحباط وعدم القدرة على تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ورغبة الأطفال في سن معينة في تحقيق الذات والتمرد على الأسرة والمجتمع، إلى جانب وفرة السجائر وسهولة حصول الأطفال عليها سواء من الباعة في المتاجر أو من على البسطات في الشوارع، خاصة في ظل غياب تطبيق القوانين التي تحظر بيع السجائر للأطفال."

ويوجد عدد من المحال التجارية والبقالات في القرى، تبيع الأطفال سيجارة واحدة بشيقل أو لربما بأكثر أو أقل بقليل، حسب نوع الدخان، الأمر الذي ساهم بشكل لافت للنظر في انتشار ظاهرة الطفل المدخن.

بدر الصالحي ابن الثلاثة عشر ربيعا، من إحدى قرى غرب رام الله، يقول وهو في عجلة من أمره "أي واحد فينا يمكنه شرب السجائر، أستطيع الآن إذا أردت أن أذهب إلى دكان في الحارة الثانية يبيع الدخان المفرق، وأشتري سيجارة وبشيقل واحد، بس مش أجنبي، الأجنبي أغلى، ثمن السيجارة الواحدة شيقل ونصف وهنالك شيقلين وهنالك 3 شواقل، بس أنا وأصحابي نشتري من العادي "المحلي" بشيقل واحد بس، وأيضا الدخان العربي اللف بشيقل واحد بعطيني 4 سجاير، بس ثقيل بتعب".

ويضيف الصالحي: "أنا لا أدخن كثيرا كباقي الأولاد في الحارة، بس أوقات "بيجي" على بالي سيجارة، فبنطلع العصرية على الحارة ونشتري كل واحد سيجارة عربي، وندخنها بعيدا عن الناس، كي لا يرانا أحد".

هذه الحالات تضع علامات استفهام كثيرة، من المسؤول عن وصول الدخان إلى يد الأطفال، فبعيدا عن المسؤولية الرئيسية التي تقع على عاتق الوالدين، إلا أنها تطرح تساؤلاً عن من هو المسؤول عن هذا الموضوع، فكيف يسمح للتجار ببيع الدخان للأطفال، وكيف يباع الدخان اللف أو "العربي" على البسطات وفي المتاجر في مدننا وبأسعار هي أقرب ما تكون بمتناول يد الأطفال الذين بسهولة يمكنهم شراؤها، وهل هنالك رقابة على هذا النوع من التبغ الذي يزرع ويقطف ويصنع يدويا. يبقى التفسير الأوضح والأقرب أن هذه السجائر تنتج وتعمم من دون رقيب أو حسيب، فلا ضريبة أو جمارك عليها، تجبر التجار على رفع سعرها لتصبح صعبة المنال على الأطفال، ويبدو أن العادة أصبحت بيع الأطفال "سم" يومهم، بدلا من قوت يومهم.