وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مواد مسرطنة تنبعث إلى الهواء من المصانع الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 05/03/2014 ( آخر تحديث: 05/03/2014 الساعة: 03:58 )
القدس- معا - ناقش تقرير صادر عن مركز العمل التنموي/ معا، للخبير البيئي جورج كرزم، ما كشفته وزارة البيئة الاسرائيلية لأول مرة حول الانبعاثات الجوية من مدن أسدود، الخضيرة وحيفا، والتي تحوي أكبر كمية من المواد المسرطنة. وذلك في دراستها المسحية الخاصة بالانبعاثات الغازية إلى الهواء.

وتبين من الدراسة أن محطات الطاقة التابعة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، ومصانع الفوسفات والكيماويات التابعة لمجموعة "كيميكاليم ليسرائيل"، ومصانع تكرير النفط في حيفا تتصدر قائمة المنشآت والمصانع التي ينبعث منها أكبر كميات من التلوث الصناعي.

وتتعلق هذه المعطيات بعام 2012، علما أن ذلك العام تميز بتراجع كبير في حصول إسرائيل على الغاز الطبيعي من مصر والذي يحوي مواد مسرطنة أقل بكثير من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى (الفحم والنفط)؛ ما أدى ببعض المنشآت الصناعية وشركة الكهرباء الإسرائيلية أن تستخدم أنواعا من الوقود أكثر تلويثا.

وقد جمعت الوزارة الإسرائيلية معطيات حول الانبعاثات من 424 منشأة، بما في ذلك مصانع، محطات الطاقة ومنشآت لمعالجة المياه العادمة. وبحسب القانون الإسرائيلي، فقد طلب من هذه المنشآت الإدلاء بكميات انبعاثاتها السنوية، أو بأنواع الملوثات المختلفة التي تتخلص منها سنويا في البحر، الهواء، الأنهار، الأرض ومكبات النفايات.

محطة الطاقة في عسقلان تعد المنشأة الأخطر من ناحية انبعاث عشرة أنواع من الملوثات الأساسية إلى الهواء. وتستخدم هذه المحطة الفحم الذي يحوي أنواعا كثيرة من الملوثات، بما في ذلك الزئبق السام. ومن ثم تأتي في المرتبة الثانية والثالثة محطتا الطاقة في أسدود والخضيرة على التوالي. مصانع تكرير النفط في أسدود تحتل المرتبة الرابعة. وضمن قائمة المصانع العشرة التي تتصدر أكبر الانبعاثات جاءت أيضا مصانع البحر الميت و"روتم" التابعة لمجموعة "كيميكاليم ليسرائيل".

كما نشرت وزارة البيئة الإسرائيلية قائمة بالمنشآت التي ينبعث منها أكبر كميات من المواد المسرطنة إلى الهواء.

ومن ناحية ترتيب المدن التي ينبعث منها أكبر كمية من المواد المسرطنة جاءت مدينة أسدود التي ينبعث منها كمية سنوية مقدارها نحو 16 طنا. إلا أنه ليس بالضرورة أن يتعرض جميع السكان القاطنين في محيط المنشآت الملوِّثة لهذه الكمية من المواد السامة، لأنه من غير الواضح، بحسب المعطيات الإسرائيلية، شكل انتشار التلوث إلى البيئة المحيطة. حيفا والخضيرة تأتيان في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي بعد أسدود. وضمن المدن العشر الأوائل الأكثر تلويثا تأتي عسقلان.


ملوثات إسرائيلية خطيرة تنبعث نحو الضفة الغربية
وأشار كرزم تعقيباً على الدراسة الاسرائيلية الأخيرة إلى أن الملوثات السامة والمسرطنة المنبعثة من المنشآت الصناعية الإسرائيلية في شمال ووسط وإلى حد ما جنوب فلسطين، وتحديدا من مناطق حيفا والخضيرة-تل أبيب، وأسدود-عسقلان، تؤثر بشكل مباشر على مواطني الضفة الغربية شرقا، وبمدى أقل على مواطني قطاع غزة جنوبا؛ إذ تشكل تلك الملوثات الإسرائيلية المنبعثة إلى أجواء الضفة الغربية مصدراً أساسياً من مصادر تلويث الهواء الفلسطيني. وتنتقل ملوثات الهواء من إسرائيل، وبخاصة من منطقة تل أبيب-الخضيرة، وأيضا أسدود-عسقلان، إلى الضفة الغربية، من خلال الرياح الغربية الغالبة التي يتميز اتجاهها من "إسرائيل" إلى الضفة الغربية وبالتالي فهي تحمل الملوثات الصناعية إلى الضفة.

وأشار كرزم على الرغم من عدم امتلاك الفلسطينيين لمحطات رقابة مختصة بتقدير الأخطار الناجمة عن ملوثات الهواء العابرة من "إسرائيل" إلى الضفة الغربية، إلا أن الدراسات الإسرائيلية أثبتت أن الأوزون المتكون من التفاعل الكيميائي الضوئي لأكاسيد النيتروجين آخذ بالازدياد في مناطق القدس وبيت لحم والخليل. ومن المعروف أنه عندما يتجاوز تركيز الأوزون قرب سطح الأرض مستوىً معينا، فإنه يؤدي إلى الإضرار بصحة الإنسان والنباتات الزراعية، فضلاً عن تأثيره على جودة المناخ.

ويعتقد خبراء في علم الباثولوجي أن زيادة نسبة الرصاص وأكاسيد النيتروجين والكربون والكبريت التي تحملها الرياح الغربية من "إسرائيل" إلى الضفة الغربية، تعد أيضا من العوامل المؤدية إلى ارتفاع نسبة أمراض الجهاز التنفسي، والالتهابات الرئوية، وصعوبات التنفس، وتهيج العيون، والحد من الرؤية لدى الأطفال إجمالا في الضفة الغربية.

ومن أخطر الملوثات الإسرائيلية السامة المنبعثة نحو الضفة الغربية، كما يذكر كرزم، تلك الغازات الكربونية الكثيفة السامة المنبعثة من محطة توليد
الكهرباء في الخضيرة، والتي تنتشر إلى مسافة عشرات الكيلومترات هوائيا، لتحملها الرياح الغربية إلى بعض قرى غرب وشمال غرب جنين. ويعتقد أن قرية طورة الغربية (شمال غرب جنين) التي تبعد نحو 20 كيلومترا هوائيا عن محطة الكهرباء، هي من أكثر القرى الفلسطينية تضررا من الانبعاثات الغازية الصادرة عن تلك المحطة التي يمكن بالعين المجردة مشاهدة مداخنها الكبيرة بوضوح، من أسطح منازل القرية. ومن اللافت أنه، منذ عام 2000، وضعت الأمراض السرطانية حداً لحياة عشرات المواطنين في قرية طورة الغربية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها ألف نسمة، والتي تقابل مباشرة مداخن محطة الخضيرة، حيث تعمل اتجاهات الرياح على نقل الغازات إلى أجواء القرية. محطة الخضيرة لتوليد الطاقة الكهربائية تعتبر من المصادر الرئيسية للتلويث البيئي في شمال فلسطين. إذ أن تلك المحطة العاملة بواسطة الفحم تعد مصدر حزام التلوث الرمادي- الصفراوي الخطير
الذي يظهر بين الفينة والأخرى في سماء المنطقة.

اللافت أن إسرائيل، كما جاء في متابعة كرزم، وبالرغم من كونها قوة نووية عالمية، لا تزال تولد معظم طاقتها الكهربائية بطرق بدائية قديمة وخطيرة وملوثة جدا للبيئة الفلسطينية، وتحديدا من الفحم الذي يحرق لتوليد الكهرباء. وتؤدي عملية حرق الفحم إلى انبعاث كميات كبيرة من الملوثات المسببة لأمراض خطيرة وارتفاع نسبة الوفيات في المناطق المحيطة بمحطات الطاقة العاملة على الفحم، فضلا عن تسببها في ارتفاع نسبة الاحتباس الحراري.

بالإضافة لغازات الاحتباس الحراري المنبعثة من محطة الطاقة في الخضيرة، تتدفق من مداخنها أيضا غازات أكاسيد الكبريت والنتروجين (SO2 وNO2) الناتجة عن احتراق الفحم. وتعد هذه الغازات الملوثة للهواء السبب الأساسي لتكون المطر الحامضي، ليس فقط في المحيط المباشر لمحطة الخضيرة، بل وعلى مسافة مئات الكيلومترات بعيدا عنها. وتتحول تلك الأكاسيد عند اتحادها مع بخار الماء في الجو إلى حامض الكبريتيك وحامض النيتريك، فتسقط مرة أخرى على سطح الأرض مع مياه المطر، أو الضباب، علما بأن المطر يعدّ حامضيا إذا قلت درجة حموضته (pH) عن 5.6.

وختم كرزم بالاشارة إلى موقع منطقة طولكرم قرب ما يسمى "الخط الأخضر"، والذي يستقبل كميات كبيرة من الملوثات التي تنبعث من المناطق الصناعية في "إسرائيل" لتصل، من خلال الرياح الغربية، إلى منطقة طولكرم؛ وبالتالي تفاقم مشكلة التلوث الهوائي في تلك المنطقة الناتجة أصلا عن الصناعات الإسرائيلية المنتشرة داخل أراضي طولكرم ذاتها (غرب طولكرم)، علماً أن العديد من المستوطنات ("الكيبوتسات") الصناعية الإسرائيلية التي تمتاز بالنشاط الصناعي المكثف، تقع بجوار منطقة طولكرم في "إسرائيل"، حيث تنبعث منها الملوثات إلى الجو باتجاه الشرق، أي نحو منطقة طولكرم.