|
فلسطين على عتبات العدالة الدولية وإسرائيل للمثول أمامها
نشر بتاريخ: 19/04/2014 ( آخر تحديث: 19/04/2014 الساعة: 13:04 )
رام الله معا- كتبت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتورة حنان عشراوي مقالا قالت فيه ان فلسطين على عتبات العدالة الدولية وإسرائيل للمثول أمامها.
وهذا نص المقال: أصابت حكومة الاحتلال الإسرائيلية نوبة جديدة من الهلع نتيجة لقرار الرئيس والقيادة الفلسطينية التوقيع على بعض المعاهدات والاتفاقات في إطار الحق القانوني والسياسي الذي تتمتع به دولة فلسطين، العضو المراقب في الأمم المتحدة. مع العلم أن هذه الخطوة جاءت بعد سلسلة من الخروقات الإسرائيلية الفاضحة والمتواصلة للاتفاقات والالتزامات التي قطعتها إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية، وتمادت بتلك الانتهاكات حتى أعلنت صراحة عن تملصها من الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى التي تم الاتفاق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وباشرت حكومة الاحتلال على إثره بالتعاون مع ائتلافها اليميني المتطرف- الذي يمتلك عملياً القرار السياسي الإسرائيلي- بإطلاق عدوان منظّم جديد وأكثر شراسة على دولة فلسطين وشعبها رداً على تسليم طلبات الانضمام إلى الجهات الدولية المختصة، وشرعت بممارسة الابتزاز السياسي واللفظي والعملي بإعلان جملة من الإجراءات التصعيدية والاستفزازية مثل الإعلان المُسبق عن بناء 708 وحدة استيطانية في القدس وتهديد وزير إسكان الاحتلال اوري أرئيل ببناء 4000 وحدة استيطانية، والإعلان عن بناء متحف للآثار في حي سلوان على بُعد عشرين متراً من أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، وتقليص أنشطة السلطة الوطنية في المناطق المسماة (ج) في الضفة الغربية، والتهديد بإعلان السيادة الإسرائيلية على المستوطنات غير القانونية المقامة على الأرض الفلسطينية وضمها، ومصادرة 984 دونماً من الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع مستوطنات "غوش عتصيون" جنوبي القدس المحتلة وشرعنة البؤرة الاستيطانية "نتيف هابوت"، في خطة وصفت بالأكبر منذ سنوات. ولم تكتف بهذا القدر، فاستعملت ابتزازها الرخيص الذي عهدناه بفرض عقوبات اقتصادية وجماعية على أبناء شعبنا وإيقاف تحويل عائدات الضرائب التي تجمعها لحساب السلطة الوطنية، وتجميد مشروع التنقيب عن الغاز قبالة شواطئ غزة، ذلك بالتزامن مع اعتداءات المستوطنين الذين زودتهم بالحماية والسلاح، وأصبحوا يشكلون خطراً على نظامها السياسي برمته، وهجماتهم المنظمة على المقدسات الإسلامية والمسيحية وعلى المواطنين الآمنين وممتلكاتهم، والمحاولات الحثيثة لتحويل المسجد الأقصى إلى نموذج الحرم الإبراهيمي، وتقسيمه زمنياً ومكانياً، ومنع إصدار التصاريح بشكل مقصود لتغييب أبناء شعبنا من المسلمين من الدخول إلى القدس والصلاة فيها، ومنع المسيحيين من الاحتفال بعيد الفصح والصلاة في كنيسة القيامة في "أحد الشعانين"... وقائمة العقوبات تطول لدى السلطة القائمة بقوة الاحتلال. ولعل السلوك الخطير وغير المسؤول الذي رافق هذه الانتهاكات قد تجلى بشن حملة تحريض وتضليل مدروسة اعتادت إسرائيل على إطلاقها في مثل هذه المناسبات ضد القيادة والشعب الفلسطيني، يقودها المستوى السياسي الرسمي والتشريعي من وزراء ومسؤولين وأعضاء كنيست ومؤسسات دينية متطرفة الأمر الذي يكشف عن وجود منظومة إسرائيلية متكاملة مشوهة ومتورطة أخلاقياً وسياسياً، ومجردة من القيم تتحدي بها الإرادة الدولية وتقضي على ما تبقى من احتمالات السلام. فما مبررات القلق الذي يقض مضجع إسرائيل من انضمام فلسطين إلى معاهدات حقوق الإنسان، وما الذي تخشاه من توقيع دولة فلسطين على اتفاقات مثل اتفاقيات حقوق الطفل ومناهضة التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية مكافحة الفساد وغيرها!! علماً أن منظمة التحرير قد وقعت على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقرار مجلس الأمن 1325، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في أعوام سابقة وألزمت نفسها ذاتياً بتطبيق هذه الاتفاقات، باعتبارها مقدمة للعمل بندية وكفاءة مع دول العالم. فهل تقف إسرائيل ضد هذه الاتفاقيات بحد ذاتها حيث أنها دولة لا تحترم القانون الدولي ولا تعترف به بالأصل، أم أنها لا تريد لشعبنا تجسيد المعنى الفعلي لدولة فلسطين؟ من جهة، فإن منظومة الاحتلال التي تستحوذ على شعب بأكمله وتستبيح مصادره لن يروق لها أن تشهد قيام دولة فلسطين وتجسيد مكانتها القانونية على الأرض، ولن تسعد بتقوية مكوناتنا الذاتية، ومقومات هذه الدولة وترسيخ مضمونها الحضاري والعصري، دولة تحترم حقوق الإنسان وتحارب الفساد وتلتزم بتعهداتها وتواؤمها مع المواثيق الدولية. ومن جهة أخرى، فقد أحدثت الخطوة الفلسطينية السلمية والقانونية صدمة حقيقية في تاريخ إسرائيل الحافل بالعنجهية، وشكلت نقلة نوعية في المفاهيم التي كشفت زيف الرواية الإسرائيلية المزورة، وأبرزت الحقيقة التاريخية المرتكزة على أن شعبنا الفلسطيني ليس وليد صدفة تاريخية بل هو شعب متجذر ومستقر في هذه الأرض منذ آلاف السنين، له ثقافته وهويته الإنسانية والحضارية التي حمت وجوده وحافظت على صموده في وجه المحاولات اليائسة لتفتيته وتحويله إلى تجمعات سكانية. وكذلك تدرك إسرائيل أن هذه الخطوة ستعمل على لجم غطرسة القوة ونسف قوانين احتلالها العسكرية ووقف سياسة الأمر الواقع، وإزالة الوهم الذي يحيق بالقناعة الراسخة لديها بأن الحصانة الدولية التي تمنحها إياها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها كفيلة بإبقائها دولة فوق القانون. وقد وصلتها رسائل انضمامنا لتلك المعاهدات بشكل لا لبس فيه بأن إفلاتها من العقاب لن يستمر للأبد، ولن يُبرئها أو يعفيها من تقديم التزاماتها تجاه شعبنا والمجتمع الدولي بإنهاء احتلالها ودفع ثمنه جملة وتفصيلاً. فوجود فلسطين في مكانها الطبيعي بين الأمم باعتبارها جزءاً من المنظومة الدولية تتمتع بحصانة قوانينها سيكون له استحقاقاته القانونية والسياسية، وسيحاصر الاحتلال ويكرس عزلته الدولية، حيث ستسمح الاتفاقات التي أصبحت فلسطين طرفاً فيها مثل اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية واتفاقات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول الملحق به، واتفاقية قمع جريمة الفصل العنصري، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية القضاء على جميع إشكال التمييز العنصري ستتيح جميعها محاسبة إسرائيل عملياً على عمليات التطهير العرقي التي تمارسها من استيطان وتهويد للقدس ومحيطها، وهدم المنازل والتشريد القسري وبناء جدار الفصل العنصري، وسرقة الأرض والموارد الطبيعية، والحصار غير القانوني والعقاب الجماعي على قطاع غزة، والاعتقالات التعسفية بما في ذلك الأطفال والنساء، والاعتداءات على المقدسات الاسلامية والمسيحية والحق في العبادة ، وتزوير الهوية الفلسطينية وغيرها من الانتهاكات. إننا نشهد مرحلة جديدة، تقف فيها فلسطين على عتبات العدالة الدولية التي طال انتظارها، ولن تقف خلالها القيادة الفلسطينية مكتوفة الأيدي أمام انتهاكات حقوق شعبنا وأرضنا، وستسخدم حقها الطبيعي بالانضمام إلى جميع اتفاقيات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، من أجل تحقيق الحرية والكرامة لشعبنا الفلسطيني. وفي الوقت الذي ندعو فيه المجتمع الدولي أن يقف "متحداً من أجل فلسطين حرة في سنة 2014 سنة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني" ، وأن يصطف إلى جانب العدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان وترجمة هذا التضامن إلى مبادرات عملية لإنهاء الاحتلال، فإن أمام قوة الاحتلال خياران لا ثالث لهما إما استخلاص العبر وترجيح السلام ومواجهة الواقع والالتزام بقواعد القانون الدولي والاعتراف بحدود 1967 حدود دولة فلسطين المحتلة، أو أنها على موعد محتم مع المساءلة القانونية والاقتصادية والسياسية لانتهاكاتها المتعمدة لقواعد القانون الدولي والشرائع الأممية بما في ذلك الملاحقة القضائية والجنائية عاجلاً أم آجلاً. |